يتم التحميل...

المسجد مظهر امتزاج الدنيا والآخرة وتواصل الفرد والمجتمع في رؤية المدرسة الإسلامية وأفكارها.

 
 

خطاب القائد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

شروط النصر وركائز النظام الاجتماعي(*)

لقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المظلومين بأن يكون عونًا لهم على تحقيق النصر ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. (الحج: 39). ولكنّه تعالى قيّد ذلك بقيد: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ. (الحج: 41).

تبيّن هذه الآية الشريفة أربع ركائز وعلامات لأولئك المؤمنين الذين سيمكِّنهم الله تعالى في الأرض، وسيخرجهم من تسلُّط القوى المتكبّرة والجائرة، وسيعِدُهم بالنصر ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ.؛ وسينصرهم حتمًا.
هذه الركائز الأربعة عبارة عن:
1 - إقامة الصلاة. 2 - إيتاء الزكاة.
3 - الأمر بالمعروف. 4 - النهي عن المنكر.


تشتمل كلُّ ركيزةٍ من هذه الركائز والعلامات الأربعة على جنبةٍ فرديّةٍ وشخصيّة. ولكنّها في الوقت نفسه تهدفُ إلى تحقيق بُعدٍ اجتماعيٍّ مهمٍّ ومؤثّرٍ في تشكيل النظام الاجتماعي.

الأولى: الصلاة
على الرغم من الأسرار الملكوتيّة والرموز الربّانيّة التي تنطوي عليها حقيقة الصلاة؛ بحيث كانت "معراج المؤمن"، و"قربان كلّ تقي"، ووسيلة للفلاح وللسعادة، وكانت أفضل الأعمال وأعلاها شأنًا، فإنّ لإقامة الصلاة، أيضًا، بعدًا اجتماعيًّا مهمًّا؛ إذ إنّك ترى المسلمين -حينما يقفون لأداء الصلاة- متّجهين جميعًا إلى وجهةٍ واحدة، وقلوبهم متعلّقة بمقصدٍ واحدٍ وجهةٍ واحدةٍ حيثما كانوا في هذا العالم الواسع.

إنّ هذا التعلّق وهذا التوجّه من قبل المسلمين جميعًا نحو جهةٍ واحدةٍ ومركزٍ واحدٍ هو أمرٌ ذو بعدٍ اجتماعيٍّ، ومؤثِّر في تشكيل النظام الاجتماعي، وفي تحديد ورسم هندسة النظام الإسلامي.

الثانية: الزكاة
تحقّق الزكاة أهدافًا وغاياتٍ فرديّة؛ فهي تربّي الإنسان على التخلّي عن ماله، وعلى بذل ما في يده وإنفاق ما يحبّ. وهذا في نفسه امتحان بالغ الأهميّة. ولكنّها، في مقابل ذلك، تهدف لتحقيق غاياتٍ وأبعادٍ اجتماعيّة.

لقد استُعمل لفظ "الزكاة" في القرآن الكريم في مطلق الإنفاق، فهو أعمّ من المعنى الاصطلاحي للزكاة الذي تحدّثت عنه الآية الشريفة ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. (التوبة: 103). فالزكاة تعني، إذًا، مطلق الإنفاق المالي. أما الجنبة الاجتماعيّة والترجمة الاجتماعيّة للزكاة المؤثرة في تشكيل النظام الاجتماعي، فتكمن في أنّ الإنسان حينما يحصل على شيء من مال الدنيا، يرى نفسه مسؤولًا عن هذا المال تجاه مجتمعه ومحيطه، وأنّ هذا المال دينٌ في رقبته، وأن لا يرى نفسه دائنًا للمجتمع، بل عليه أن يعتبر نفسه مدينًا له، وعليه أداء هذا الدين إلى الفقراء وفي سبيل الله. فالزكاة من هذه الناحية هي حكم مؤثِّرٌ وعاملٌ أساس في تشكيل النظام الاجتماعيّ.

الثالثة والرابعة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أمّا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي القاعدة الأساس التي ترتكز عليها كل الحركات السياسيّة في الإسلام، و "بها تقام الفرائض".

فالأمر بالمعروف يعني أنّه يجب على جميع المؤمنين، في سائر أنحاء العالم، أن يساهموا في توجيه المجتمع نحو الخير والمعروف وسائر الأعمال الحسنة، وكذلك بالنسبة إلى النهي عن المنكر، حيث يجب على كلّ مؤمن أن يعمل على نهي الآخرين عن المساوئ والأمور الدنيئة التي تتنافى مع القيم التي دعت إليها الشريعة الإسلامية. وعليه، فإن كلَّ واحدة من هذه الركائز والعلامات الأربع، بنحوٍ أو بآخر، يشكِّل ترجمةً لبنيةِ النظام الإسلاميّ وهندسته.

أعظم معروف: إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه
من المهمّ جدًّا أن لا نحصر هذا المعنى المهمّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مسائلَ محدّدةٍ ومجالاتٍ ضيّقةٍ، فقد يتصوّر بعضُنا أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضيّة محصورة بنهي فلان أو فلانة عن المخالفة التي تُرتكب على مستوى فرع من فروع الدين. نعم، هذا أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، لكنّه ليس أهم عناوين وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنّ أهم عنوان وباب في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بأعظم معروف والنهي عن أعظم منكر، وأعظم معروف يأتي في المرتبة الأولى من حيث لزوم الأمر به هو إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه.

ليس عندنا معروف أعظم وأولى من إيجاد النظام الإسلامي والحفاظ عليه؛ فكلّ من يسعى في هذا السبيل هو آمر بالمعروف.

ومن مفردات المعروف: نشر الثقافة وتعزيزها، سلامة المحيط على المستوى الأخلاقي، سلامة المحيط الأسري، زيادة النسل وتربية جيل الشباب ليكون قادرًا على النهوض بأعباء النظام الإسلامي، العمل على تحقيق الازدهار الاقتصادي وزيادة الإنتاج، نشر وتعميم الأخلاق الإسلامية، تنمية ونشر العلم والثقافة، تثبيت العدالة القضائيّة والاقتصاديّة، الجهاد والسعي لاقتدار النظام الإسلاميّ واقتدار الأمّة الإسلاميّة والعمل والسعي للوحدة الإسلاميّة. هذه من أهم أعمال المعروف. والسعي نحو تحقيق هذه القضايا تكليف يقع على عاتق الجميع.

من جهة أخرى، فإنّ الأمور التي تقابل هذه القضايا تعتبر من المنكرات؛ فالابتذال الأخلاقي منكر، ومساعدة أعداء الإسلام منكر، وإضعاف النظام الإسلامي منكر، وإضعاف الثقافة الإسلاميّة منكر، وإضعاف الاقتصاد منكر، وإضعاف المستوى العلمي والتقني منكر. ويجب النهي عن هذه المنكرات.

الله ورسوله أوّل الآمرين بالمعروف
إنّ أول آمر بالمعروف هو ربُّنا تعالى حيث يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. (النحل: 90)؛ فالله تعالى آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المنكر. وكذلك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو أوّل وأفضل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، حيث جاء في الآية القرآنيّة الكريمة: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. (الأعراف: 157)، والأئمة هم أعظم الآمرين بالمعروف والنّاهين عن المنكر؛ نقرأ في الزيارة: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر". وهذه العبارة بعينها قد وردت في زيارة أكثر من إمام عليه السلام. والمؤمنون والمؤمنات في جميع أنحاء العالم الإسلامي هم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ. (التوبة: 71).

هذه هي الركائز الأربعة الأساسية في تشكيل النظام الاجتماعي ولكل واحدة منها فروع تتفرّع عنها.

(*) مقتطف من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في بداية العام الهجري الشمسي 1394(عيد النوروز) 21/03/2015/م- في حرم الإمام الرضا عليه السلام.

والحمد لله ربّ العالمين

 
 

من توجيهات القائد دام ظله

 

الحضور حيث ينبغي

إنّ طلب الآخرة ليس مجرّد صلاة ليل ودعاء وذكر وتوسّل وأمثالها. نعم، لا شك في أنّ هذه وسائل لطلب الآخرة، لكن خدمة الناس والحضور حيث ينبغي هما أيضًا عملان إلهيّان.

رأيتم في صدر الإسلام أن أولئك الذين مُدحوا - بحسب ثقافتنا وطبق عقيدتنا - إنما كان ذلك بسبب مواقفهم السياسية والاجتماعية وجهادهم أكثر مما كان بسبب صلاتهم وعباداتهم. فنحن قليلًا ما نمدح أبا ذر أو عمّارًا أو المقداد أو ميثمًا التمّار أو مالكًا الأشتر بسبب عباداتهم. فالتاريخ عرف هؤلاء بمواقفهم التي كانت مواقف مصيرية؛ وبالحركة العامّة التي تمكّنت من هداية المجتمع وتشكيله والمساهمة في تطوره. وأولئك الذين ذُمّوا إنما كان ذلك لهذا السبب أيضًا. فالكثير من الكبار الذين ذُمّوا لم يكن الأمر بسبب شربهم للخمر أو عدم صلاتهم، بل بسبب عدم حضورهم حيث كان ينبغي.

 
 

خواطر

 

يقول حجة الإسلام والمسلمين محمد العراقي:

"في أيام الحرب، عندما كان السيد علي الخامنئي رئيسًا للجمهورية، وبينما كان يلقي خطبة الجمعة، انفجرت قنبلة بين المصلين كان المنافقون قد وضعوها ليعطلوا هذه الصلاة إلى الأبد. لكن السيد الخامنئي أومأ بيده إلى الحاضرين طالبًا منهم متابعة الاستماع للخطبة دون خوف أو قلق.

وقد أظهر هذا الثبات ورباطة الجأش أن أشد الأعمال عنفًا لا يمكن أن تؤثر على معنويات القائد العالية. وقد بَثَّ هذا الموقف القوة والصبر في صفوف المصلين، ما أدّى إلى إتمام الصلاة على أكمل وجه وكأنّ شيئًا لم يكن، بالرغم من سقوط عدد من المصلين بين شهيد وجريح، وتناثر أشلاء بعضهم أمام أعين الناس.

لقد كان ذلك المشهد من المشاهد التي لا تمحى من ذاكرة الثورة الإسلامية".

 
 

نشاطات القائد

 

موقفه دام ظله من الاتفاق النوويّ والأوضاع في اليمن (2015/04/09).
أدلى الإمام القائد الخامنئي دام ظله، لدى استقباله عددًا من الشعراء ومدّاحي أهل البيت بمناسبة ذكرى ميلاد الصدّيقة فاطمة الزّهراء عليها السلام، بموقفه تجاه الاتفاق النوويّ والأوضاع في اليمن.

وفيما يخصّ الاتفاق النوويّ تلخّص موقفه بالآتي:
لو سُئلت عن موقفي من المفاوضات النوويّة الأخيرة، فأقول: لست موافقًا ولست معارضًا؛ لأنّه لم يتحقّق أيّ اتّفاق لحدّ الآن.
- لم أكن يومًا متفائلًا بشأن المحادثات مع أميركا، بسبب التّجربة الموجودة معهم في هذا المجال. ومع أنّني لم أكن متفائلًا، لكنّني دعمت هذه المحادثات حتى النهاية، وأنا الآن كذلك. وإنّ عدم الوصول لاتفاق أفضل من الاتفاق السيّئ الذي تضيع معه مصالح الشعب وعزته.
- إنّني أدعم تمامًا الاتّفاق الذي يؤمّن عزّة شعب إيران. وإذا ما تكلّم شخص وقال: إنّ القيادة تعارض الوصول إلى الاتّفاق، فإنّ كلامه مخالفٌ للواقع.
- لقد قام البيت الأبيض، وبعد مرور قرابة الساعتين على نهاية المفاوضات (في لوزان)، بإصدار بيانٍ من عدّة صفحات بشأن المفاوضات كان في أغلب نقاطه مخالفًا للواقع.
- لا ينبغي أن نستعجل أو نبالغ بشأن المفاوضات، بل يجب أن نصبر ونرى ماذا سيحدث.
- لقد نبّهنا المسؤولين إلى أنه لا يُسمح إطلاقًا باختراق وانتهاك حرمة البلاد الأمنية والعسكرية بحجة المراقبة؛ وليس مسموحًا لهم أن يوقفوا تطوير قدرات البلاد الدفاعيّة.
- إنّني أصرّ على المسؤولين أن يُولوا أهميّة فائقة لمنجزاتنا النووية الحاليّة وأن لا يقلّلوا من أهميّتها أو يستخفّوا بها.
- إنّ نظام إيران الإسلاميّ، وعلى أساس الفتوى الشّرعيّة، وكذلك المباني العقلانيّة، لم يكن يومًا ولن يكون ساعيًا نحو السّلاح النوويّ.
- ولو كان المقرّر إيكال إلغاء الحظر إلى مرحلةٍ أخرى، فيكون أساس المفاوضات بلا معنى، لأنّ الهدف من المفاوضات هو رفع الحظر. ففي حال تمّ التوصل إلى اتفاق، فيجب رفع العقوبات في اليوم نفسه.
- يجب أن تكون أعمال الإشراف في إطار أنواع الإشراف المعروفة في كلّ العالم لا أكثر.
- يجب أن تستمرّ أعمال التنمية العلميّة والتّقنيّة في الأبعاد المختلفة ولا شكّ في أنّ فريق المفاوضات قد يرى من الضّروريّ أن يقبل ببعض القيود وهذا ما لا كلام لنا فيه، لكن التّنمية التقنية يجب أن تستمرّ وأن تسير قدمًا بقوّة.

وبالنسبة لموقفه دام ظله من العدوان السعودي- الأميركي، فيتلخّص بالتالي:
- لقد أخطأ السعوديّون بعدوانهم على اليمن، وأسّسوا لبدعةٍ سيّئةٍ في المنطقة.
- بالتأكيد سوف يخسر السعوديُّون ويتضرّورن، ولن ينتصروا بأيّ وجه.
- دليل هذا الاستشراف واضحٌ؛ فالقدرة العسكريّة للصّهاينة كانت أكثر بعدّة مرات من قدرات السعوديّين وكانت غزّة منطقة صغيرة ومع ذلك لم يتمكّنوا، في حين أنّ اليمن دولة مترامية الأطراف وعدد سكّانها عشرات الملايين. وسيُمرّغ أنف السّعوديّين بالتّراب.
- نحن على خلاف مع السّعوديّين في العديد من القضايا السّياسيّة، ولكنّنا كنّا دومًا نصرّح أنّهم يظهرون في السّياسة الخارجيّة نوعًا من الوقار، لكنّ مجموعة من الشّباب عديمي التجربة قد تسلَّموا زمام تلك الدّولة، وها هم يغلّبون البعد الوحشيّ والبدائيّ على جانب الوقار والمداراة، ولا شكّ في أنّ هذا العمل سيؤدّي إلى خسارتهم.
- لا يمكن القَبول بهذه الحركة في المنطقة. وإنّني أحذّر بأنّ عليهم أن يرفعوا يد جنايتهم عن اليمن.
- لحسن الحظّ فإنّهم فشلوا في إيجاد الفراغ في السّلطة في اليمن، وفي خلق ظروف مشابهة لما يجري في ليبيا؛ لأنّ الشّباب المؤمن والحريص والمعتقد بنهج حضرة أمير المؤمنين عليه السلام، سواء من الشيعة أو السنّة أو الزيديّة أو الحنفيّة، قد وقفوا بوجههم، وسوف يصمدون وينتصرون.

2015-04-30