الصدقُ في النصيحةِ
رجب
عنِ الإمامِ محمّدٍ بنِ عليٍّ الجوادِ (عليه السلام): «قَدْ عَادَاكَ مَنْ سَتَرَ عَنْكَ الرُّشْدَ اتِّبَاعاً لِمَا تَهْوَاهُ»
عدد الزوار: 72
عنِ الإمامِ محمّدٍ بنِ عليٍّ الجوادِ (عليه السلام): «قَدْ عَادَاكَ مَنْ سَتَرَ عَنْكَ الرُّشْدَ اتِّبَاعاً لِمَا تَهْوَاهُ»[1].
منَ الخصالِ الأخلاقيّةِ التي حثَّتْ عليها تعاليمُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) التناصحُ؛ أيْ أنْ يبادرَ كلُّ مؤمنٍ إلى توجيهِ النصيحةِ لأخيهِ المؤمنِ، والمرادُ منها إرشادُهُ إلى ما فيهِ الخيرُ لهُ في الدنيا والآخرةِ. وإذا كانَ في شيءٍ صلاحُ دنياهُ وفسادُ آخرتِهِ، فعليكَ أنْ تؤدّيَ النصيحةَ إليهِ في أنْ لا يقعَ في معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في الحثِّ على طاعةِ مَنْ يريدُ لكَ خيرَ نفسِكَ وصلاحِها، يقولُ: «مَنْ أَمَرَكَ بِإِصْلَاحِ نَفْسِكَ، فَهُوَ أَحَقُّ مَنْ تُطِيعُهُ»[2].
بلْ عليكَ أنْ تنظرَ إلى مَنْ يخاطبُكَ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ على أنَّهٌ شخصٌ يريدُ الرحمةَ لكَ، ويعيشُ الشفقةَ عليكَ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْكَ أَعْوَنُهُمْ لَكَ عَلَى صَلَاحِ نَفْسِكَ، وَأَنْصَحُهُمْ لَكَ فِي دِينِكَ»[3].
ولا يتحرّزُ الإنسانُ منَ الصدقِ في النصيحةِ، مهما كانَ السببُ الذي يدعوهُ إلى السكوتِ أو عدمِ توجيهِ النصحِ، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً»[4].
نعمْ، عليهِ أنْ يعتمدَ الأسلوبَ الجاذبَ، والذي يكونُ داعياً للقَبولِ بالنصيحةِ والعملِ بها، ففي رسالةِ الحقوقِ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «وَحَقُّ الْمُسْتَنْصِحِ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَيْهِ النَّصِيحَةَ، وَلْيَكُنْ مَذْهَبُكَ الرَّحْمَةَ لَهُ وَالرِّفْقَ بِه»[5].
والأسوأُ منْ ذلكَ أنْ يقعَ الإنسانُ في المداهنةِ، وهيَ أنْ يتحرَّزَ عنْ فسادِ الودِّ والصداقةِ معَ صديقِهِ وأخيهِ، فلا يقدّمُ لهُ النصيحةَ، ويصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) مثلَ هذا الشخصِ بالعدوِّ، فعنهُ (عليه السلام): «إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَدُوُّ عَدُوّاً؛ لِأَنَّهُ يَعْدُو عَلَيْكَ، فَمَنْ دَاهَنَكَ فِي مَعَايِبِكَ فَهُوَ الْعَدُوُّ الْعَادِي عَلَيْكَ»[6].
ولا ينبغي للعاقلِ أنْ ينظرَ إلى مَنْ يجاريهِ في رأيِهِ ومنطقِهِ، وهوَ ليسَ لهُ بناصحٍ، ويغفلَ عمَّن يخالفُهُ، وهوَ يريدُ لهُ الخيرَ، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «اتَّبِعْ مَنْ يُبْكِيكَ وَهُوَ لَكَ نَاصِحٌ، وَلَا تَتَّبِعْ مَنْ يُضْحِكُكَ وَهُوَ لَكَ غَاشٌّ»[7].
بلْ إنَّ منَ التوفيقاتِ الإلهيّةِ للإنسانِ المؤمنِ، أنْ يكسرَ نفسَهُ التي تتأبّى غالباً سماعَ النصيحةِ، فيستمعَ إلى الناصحِ ويطيعَهُ، وهذا ما أشارَ إليهِ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في ما رُويَ عنهُ: «طُوبَى لِمَنْ أَطَاعَ نَاصِحاً يَهْدِيهِ، وَتَجَنَّبَ غَاوِياً يُرْدِيهِ»[8].
ختاماً، نباركُ لمولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ فرجَه)، ولوليِ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى ولادةِ الإمامِ الجوادِ (عليه السلام) في العاشرِ مِنْ شهرِ رجبٍ، مِنْ عامِ 195 هجريّة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الحلوانيّ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص135.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص441.
[3] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص218.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص403، الكتاب 31.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص624.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص178.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص638.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص313.