يتم التحميل...

اتباع الهوى يبعد عن الله من (الأربعون حديثاً)

العلاقة مع الله

عن أمير المؤمنين عليه السلام:"إنما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة". طبيعة الإنسان في ولادته ونموه:إن النفس الإنسانية رغم كونها مفطورة على التوحيد والعقائد الحقة، إلا أنها في نفس الوقت منذ ولادتها وخروجها إلى هذا العالم تنمو معها الميول النفسية والشهوات الحيوانية

عدد الزوار: 116


عن أمير المؤمنين عليه السلام:"إنما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة".

طبيعة الإنسان في ولادته ونموه
إن النفس الإنسانية رغم كونها مفطورة على التوحيد والعقائد الحقة، إلا أنها في نفس الوقت منذ ولادتها وخروجها إلى هذا العالم تنمو معها الميول النفسية والشهوات الحيوانية، فالإنسان منذ ظهوره وبعد مروره بمراحل عدة لا يعدو أن يكون حيواناً ضعيفاً لا يمتاز عن سائر الحيوانات إلا بقابلياته الإنسانية، وهذا الأمر يشمل نوع الإنسان بشكل عام وإن كان يستثنى منه بعض الأفراد الذين شملهم اللطف والعناية الإلهية الخاصة وكان عليهم حافظ قدسي، ولكنه استثناء نادر جداً.

فالإنسان عند دخوله هذا العالم تكون الصفات الحيوانية هي الفعالة فيه، فلا معيار له سوى شريعة الحيوانات التي تديرها الشهوة والغضب. وبالإضافة إلى هاتين القوتين نجد الإنسان صفات أخرى لم تكن ممكنة عند الحيوانات، وهي مثل الكذب والخديعة والنفاق والنميمة وسائر الصفات الشيطانية الأخرى التي يجمعها كلمة "هوى النفس" والتي يلجأ إليها الإنسان ليدبّر أمور القوتين الأوليتين، وهو بهذه القوى الثلاث (الغضب والشهوة وهوى النفس) يخطو ويتقدم وينمو، وتنمو معه هذه القوى الثلاث وتتقدم وتتعاظم، وإذا لم تقع تحت تأثير المربي والمعلم، فإنه يصبح عند الرشد والبلوغ حيواناً عجيباً يسبق حتى الحيوانات والشياطين، ويكون أقوى وأكمل في مقام الحيوانية والصفات الشيطانية من الجميع! وستنطفئ فيه جميع الأنوار الفطرية وبالتالي فلن يصل لشي‏ء من المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.

مثل هذا الإنسان لن يستطيع أن يولد ولادة ثانية إنسانية، وإذا انتقل من هذا الدار على مثل حالته فلن يرى نفسه في تلك الدار(دار كشف السرائر) إلا حيواناً أو شيطاناً! وتكون هذه نتيجة التبعية الكاملة لأهواء النفس.

ومن هنا يتضح أن ميزان البعد عن الحق هو اتباع هوى النفس، وبمقدار التبعية يحصل البعد.

أما لو استطاع الإنسان أن يجعل مملكة نفسه متأثرة بتربية تعاليم الأنبياء والعلماء والمرشدين لاستسلم شيئاً فشيئاً لهذه التربية وتتفعّل القوى الإنسانية التي كانت مطمورة في نفسه فتظهر آثارها وتصبح هي الفلك الذي يدور حوله كل ما في مملكة النفس بحيث يجعل شيطان نفسه يؤمن على يديه كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن شيطاني آمن بيدي" فتستسلم حيوانيته لإنسانيته وتصبح مطية مروضة على طريق عالم الكمال والرقي وبراقاً يرتاد السماء نحو الآخرة. فكما أن ميزان منع الحق اتباع الهوى، فكذلك ميزان اجتذاب الحق وسيادته هو متابعة الشرع والعقل، وبين هذين المقياسين منازل ومقامات غير متناهية.

قبح اتباع الهوى
يقول الله تعالى في قبح اتباع النفس وأهوائها: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ(ص:26). ﴿..وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ(القصص:50).

وجاء في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتتّ عليه أمره ولبّست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أوته منها إلا ما قدّرت له، وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي كفّلت السموات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة".

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "احذروا أهوائكم كما تحذرون أعداءكم، فليس شي‏ء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم".

إن رغبات النفس وآمالها لا تنتهي، فإذا اتبعها الإنسان بخطوة واحدة، فستستدرجه للثانية ثم الثالثة وهكذا... فبفتحك باباً واحداً لهوى نفسك فإنك ستصل إلى فتح كل الأبواب وستبتلى بآلاف المهالك، حتى تنغلق جميع طرق الحق بوجهك - لا سمح الله - وهو أكثر ما يخشاه النبي صلى الله عليه وآله الأئمة عليهم السلام، فهو باضطراب لئلا تضمحل وتسقط أوراق شجرة النبوة والولاية، ولذلك كان يقول صلى الله عليه وآله: "تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم ولو بالسقط".

فإذا كنت على صلة برسول الرحمة صلى الله عليه وآله ومن محبي أمير المؤمنين عليه السلام وأولادهما الطاهرين عليهم السلام فاسعَ لكي تزيل عن قلوبهم المباركة القلق والاضطراب وقد جاء في القرآن الكريم في سورة هود:﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ...(هود:112).

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "شيّبتني سورة هود" لمكان هذه الآية.

وقد قال أحد العرفاء: هذا على الرغم من أن هذه الآية قد جاءت في سورة الشورى أيضاً، ولكن من دون ﴿وَمَن تَابَ مَعَكَإلا أن النبي صلى الله عليه وآله خص سورة هود بالذكر! والسبب في ذلك أن الله تعالى طلب منه استقامة الأمة أيضاً، فكان يخشى أن لا يتحقق ذلك الطلب، وإلا فإنه بذاته كان مستقيماً اشد استقامة وهو مثال العدل والاستقامة.

فاعمل على أن لا تخجل النبي صلى الله عليه وآله بقبيح عملك وسوء فعلك، كالولد المفسد الذي يخجل أباه أمام الناس ويطأطأ رأسه أمامهم! وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله: "أنا وعلي أبوا هذه الأمة".

فأيها الإنسان الغافل أهكذا تكافئ من أحسن إليك وهكذا تصون أياديهم البيضاء نحوك؟ وقد تحملوا أشد المصائب وأفظع القتل وأقسى السبي لنسائهم وأطفالهم من أجل إرشادك ونجاتك! اخجل من نفسك واتركهم يعانون من الظلم الذي تحملوه من أعداء الدين من دون أن تضيف على ظلامتهم ظلامة أخرى، لأن الظلم من المحب أشد ألماً وأكثر قبحاً.

تعدد هوى النفس
إن أهواء النفس متعددة ومتنوعة بحسب ما تتعلق به هذه الأهواء، وكل نوع منها له مراتبه أيضاً، التي قد تكون خفية في بعض الأحيان إلى درجة أن الإنسان لا يلاحظها ويغفل عنها. وهذه المراتب:

1- أصحاب الأهواء الباطلة الذين يعبدون الذهب وغيرها كما يخبر الله تعالى عنهم: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ(الجاثيه:23).
2-
أصحاب الأهواء والأباطيل الشيطانية في عقائدهم وأخلاقهم الفاسدة، فهم يحتجبون عنه سبحانه بصورة أخرى.
3- أصحاب المعاصي الكبير والصغيرة والموبقات والمهلكات يبتعدون عن سبيل الحق بصورة ثالثة.
4- أهل الأهواء في الرغبات النفسية المباحة مع الانشغال والانهماك فيها يتخلفون عن سبيل الحق بصورة رابعة.
5- أهل المناسك والطاعات الظاهرية الذين يعبدون من أجل عمران الآخرة وتلبية الشهوات النفسية، ومن أجل البلوغ إلى الدرجات العلى، أو الخشية من العذاب الأليم والنجاة من الدركات السفلى يحتجبون عن الحق وسبيله بصورة خامسة.
6- أصحاب تهذيب النفس وترويضها لإظهار قدرتها في التحلي بالصفات الكمالية، فيفصلون عن الحق ولقائه بشكل آخر.
7- مقامات العارفين الذين لا يهمهم سوى لقاء الحق والوصول إلى مقام القرب، يحتجبون عن الحق وتجلياته الخاصة بنوع سابع لأن التلون وآثار وجوده الخاص لا يزال عندهم موجوداً.

وهناك مراتب فوق تلك أيضاً، فعلى أصحاب هذه المراتب أن يراقبوا حالهم بدقة، وأن يطهروا أنفسهم من الأهواء لئلا يتخلفوا عن طريق الله تعالى ولا يضلوا عن صراط الحقيقة المستقيم، حتى تظل أبواب الرحمة مفتوحة عليهم، مهما كانت مقاماتهم ومراتبهم، والله ولي الهداية.

طول الأمل ينسي الآخرة
إن اليقظة هي أول منزل من منازل الإنسانية  كما يقول كبار أهل السلوك في بيانهم لمنازل السالكين ، فعلى الإنسان أن يلتفت إلى أنه مسافر، والمسافر لا بد له من المسير، وأن له هدف يجب الحركة نحوه، وأن الوصول ممكن، وما لم يلتفت إلى هذه الأمور فلن يكون له عزم وإرادة.

إن من أهم أسباب عدم اليقظة هو أن يظن الإنسان أن هناك متسع من الوقت للبدء بالسير، وأنه إذا لم يبدأ اليوم فسيبدأ غداً.

إن طول الأمل هذا والظن بطول البقاء والرجاء بسعة الوقت والأمل بالدنيا، يمنع الإنسان من التفكير في المقصد الأساسي الذي هو الآخرة، ويبعث الإنسان على نسيانه وعدم التزود لهذا السفر، ومن لم يتهيأ لهذا السفر الطويل المحفوف بالمخاطر ولم يعدّ العدة مع ضيق الوقت سيتعثّر ويسقط أثناء الطريق ويهلك دون أن يهتدي إلى سبيل.

إن أمامك رحلة خطرة لا مناص لك منها، وما يلزمها من عدة وعدد وزاد وراحلة هو العلم والعمل الصالح. وهي رحلة ليس لها موعد معين، فقد يكون الوقت ضيقاً جداً، فتفوتك الفرصة. إن الإنسان لا يعلم متى يقرع ناقوس الرحيل للانطلاق فوراً.

فيا أيها القلب الغافل! انهض من نومك وأعدّ عدّتك للسفر "فقد نودي فيكم بالرحيل"1، وعمّال عزرائيل منهمكون في العمل ويمكن في كل لحظة أن يسوقوك سوقاً إلى العالم الآخر، ولا تزال غارقاً في الجهل والغفلة!

"اللهم إني أسألك التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار السرور والاستعداد للموت قبل حلول الفوت"2.

*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية،ط 2 ،2007م ،ص45-50



1- نهج البلاغة، خطبة 204.
2- مفاتيح الجنان، دعاء ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
2009-08-04