مع الامام في بيته
ولادة الإمام الخميني(قده)
ستون عاماً من العمر قضتها إلى جنب الإمام، رافقته في حياته وشاركته أفراحه وأتراحه، ولا شاهد أقرب و أكثر صدقاً في حكاية حياة الإمام منها. لقد لمست عن قرب عظمة الإمام وخلوصه وتقواه ومعنوياته ونظمه وصدقه، وبكلمة واحدة شخصيته الرفيعة.
عدد الزوار: 109
لقاء حميم مع قرينة الإمام الخميني (قده)
إنارة:
ستون عاماً من العمر قضتها إلى جنب الإمام، رافقته في حياته وشاركته أفراحه وأتراحه، ولا شاهد أقرب و أكثر صدقاً في حكاية حياة الإمام منها. لقد لمست عن قرب عظمة الإمام وخلوصه وتقواه ومعنوياته ونظمه وصدقه، وبكلمة واحدة شخصيته الرفيعة. إنها رأت بأم عينها وأودعت في قلبها كثيراً من الحقائق والدروس الحلوة التي سمعها الآخرون أو قرأها، وليست هي إلاّ قرينة الإمام وكريمته وعزيزته الحاجة السيدة الثقفي، التي تحظى باهتمام و تكريم عشاق الإمام.
إن حكايتها لسلوك الإمام العائلي رواية صادقة عن خصائص القيادة الإلهية المقدسة، وذلك بعد مضي عشرين عاماً من خطّ نسخة فريدة وتبلور نظام إلهي. وقد أجرت ابنتها الدكتورة السيدة زهراء مصطفوي معها لقاءً مطوّلاً، ننشر لكم النص الكامل لهذا اللقاء.
- السيدة مصطفوي: أماه السلام عليكم، أرجو قبول عذري، إن كنت موافقة، أردت أن تتفضلي بالحديث المختصر عن حياتك المشتركة مع الإمام، وكذا عن احوالك قبل الزواج، وعن عائلتك من الناحية العلمية والاقتصادية.
قرينة الإمام: وعليكم السلام، بسم الله الرحمن الرحيم
إذا أردت الحديث عن عائلتي فينبغي أن أبدأ من عدة أجيال مضت. فالوالد هو الحاج ميرزا محمد الثقفي كان من علماء طهران، وقد أثر عنه التفسير (نوين) في عدة مجلّدات، وقد كان في أغلب أوقاته مشغولاً بالتأليف، وقلّما يمارس الوظائف الأخرى مثل أخذ الوجوهات الشرعية (أخماس وزكوات)، والاتصال بالتجار وما شابه ذلك. وقد كان يأمّ جماعة. وباعتبار أن الوالدة كانت من عائلة متمولة فقد كان في غنى عن البحث عن مورد. وقد كان والدها الميرزا أبو الفضل الطهراني من نوابغ زمانه، وقد توفي عن عمر يناهز الأربعين، وكان له كتاب (شفاء الصدور) وهو شرح على زيارة عاشوراء. وقد كان الامام يقول: كان السيد الميرزا أبو الفضل من العظماء، وقد طُبع له ديوان شعر بالعربية.
- يبدو انه كانت له مكتبة ضخمة تم وقفها.
- نعم كانت له مكتبة ضخمة، وقد سمعت من أبي أنه وهبها لمدرسة (سپهسالار) أي مدرسة الشهيد مطهري حالياً. وقد كانت له دروس في تلك المدرسة اضافة إلى انه كان يصلي هناك. والده هو الحاج ميرزا أبو القاسم الثقفي كان معروفاً باسم (الحاج ميرزا أبو القاسم كلانتر) وهو من مجتهدي عصره، وأحد كتبه هو تقريرات درس المرحوم الشيخ الأنصاري (من العلماء العظام) وقد كان هذا الكتاب في متناول الجميع. على هذا، كان الوضع الاقتصادي لعائلتكم جيداً؟
- نعم، لقد ورثت جدّتي أباها، وقد كان زوجها مسئولاً عن الخزينة (خازن المماليك) وكان متمولاً. أما الوالدة فكان أبوها يعطيها 30 توماناً يومياً. أما أبي فقد كان طالب حوزة ورغم أنه ما كان يملك شيئاً، إلاّ أن أباه كان يقطن زقاق (صدر أعظم) الذي كانت بيوته ملكاً لأتابك. وأتابك كان زوج عمة أمي. وقد كان العلماء آنذاك يحظون باحترام واهتمام جهاز الحكومة، لأن شؤون الدولة جميعها كانت تحت اشراف العلماء. وقد كان الوالد الحاج ميرزا أبو الفضل يحظى باحترام وتقدير من قبل أتابك، وبما أنهما كانا أقارب، كانت علاقتهما وثيقة. يبدو أن الوالد سبق وأن سكن مدينة قم لفترة. جاء الشيخ عبد الكريم الحائري إلى قم سنة 1340هـ.ق، وباعتبار أن تاريخ ولادتي 1333هـ.ق فإني كنت آنذاك سبع سنوات تقريباً. والدي في السنة التاسعة والعشرين أو الثلاثين من عمره قرّر أن يذهب إلى مدينة قم لأجل الدراسة، وقد كنتُ آنذاك تسع سنين. ذهب أبي برفقة أمي إلى قم ومكثوا مدة خمس سنين هناك، وأنا لم أذهب معهم بل بقيت عند جدتي، وما كان والدَي يتوقعان التحاقي بهم لأني كنت مع جدتي منذ الصغر.
- أنا عشت مع جدتي منذ الشهر السادس مع عمري. وكانت تُدعى السيدة مخصوص، وكنا ندعوها نحن السيدة ماماني. وعندما هاجر والدي إلى قم، كنت مع جدتي نزورهما كل سنتين مرة. لم تكن آنذاك سيارات، بل عربات حصانية ودليجنسات وكنا نبيت في الطريق ليلتين في علي آباد وفي مكان آخر. الوالد كان قد استأجر بيتاً موقراً في زقاق السيد اسماعيل في السوق. البيت كان كبيراً فيه ساحة وبرّاني، وصاحب البيت كان تاجراً محترماً، وقد كان له خادم في البيت باسم ذبيح الله واثنين من الحشم وأشخاص آخرون كانوا يترددون عليه لأجل أداء أعمال مختلفة. كان لأمي ثلاثون توماناً شهرياً، لذا أرسلتنا إلى المدرسة، وكان آنذاك مدرسة حديثة فيها صف يضمُ عشرين طالبةً، وما كان الكل يتمكن من إرسال أطفاله إلى المدرسة إلاّ بنات الأطباء والتجار والمجتهدين. ونحن كنا ثلاث أخوات نذهب إلى المدرسة ودرسنا إلى الصف الثامن أنا في طهران وأختي في قم، وفي الصف الثامن طرح حديث الزواج.
- بعد ما بلغ الحديث موضوع الزواج، نرجو أن تتكلمي عن زواجك، وكيف الإمام حصل عليك أو وجدك؟
- باعتبار أن الوالد قطن قم مدة خمس سنوات، وأنا ذهبت لزيارته عدة مرات، مرة كنت بنت العاشرة وأخرى بنت الثلاثة عشرة وأخرى بنت الاربعة عشر، وفي احدى هذه المرات طلب الوالد من جدتي بقائي إلاّ أنّ جدتي أرادت الاقامة لمدة خمسة عشر يوماً فقط باعتبار قرب العيد. ترجّاها والدي كثيراً قائلاً لها: "لم أشبع من رؤية قدسي، فاتركيها عندنا مدة شهرين، وعندما تأتي إلى طهران في الصيف نأتي بها معنا". وقد رضت الجدّة في النهاية، أما أنا فما كنت راضية على البقاء، رغم ذلك بقيت مدة أشهر. وقد كنت تخرّجت من الصف السادس ولم يوافق الوالد على ذهابي إلى الثانوية، وقد كانت ثانويات البنات آنذاك قليلة جداً، وكان الوالد يقول: "ان المعلمين والمفتشين والفراش كلهم رجال، فلا تذهبي"، ولأجل ذلك بقيت في قم أشهراً، ثم رجعت بصحبة الوالدة إلى طهران. خلال فترة إقامة الوالد في قم مدة خمس سنوات، تعرّف على عدة أصدقاء، كان السيد روح الله واحداً منهم، ولم يكن حاجاً آنذاك، وهو رجل متدين ونجيب وفاهم وكيّس وقد ارتضاه الوالد رغم اني كنت اختلف معه في العمر اثنا عشرة سنة، أما الوالد فكان يختلف معه بسبع سنوات، ومن بين اصدقاء الوالد هو السيد محمد صادق اللواساني وقد كان صديقاً للسيد روح الله كذلك، وفي الوقت الذي جاء فيه الوالد إلى طهران، كان السيد اللواساني قد تحدث مع السيد روح الله (حيث كان له من العمر 26 - 27 سنة) حول موضوع الزواج وقد كان السيد روح الله قد قال للسيد اللواساني: "لم أرتضِ بعدُ ببنت، ولا أريد الزواج ببنت من مدينة خمين"، فقال له السيد اللواساني: "إن السيد الثقفي له بنتان، وكلاهما حسنتان كما تقول زوجة أخي". لقد حكى لي هذا كله أبي بعد ذلك… على كلِّ حال، كان يرتدي الملابس الجيدة، فكان يرتدي الجلود الإسلامبولية ويذهب إلى الدرس. وكان الطلبة يتعجبون من ملابسه، فقد كان عالماً ومتديناً وأنيقاً في نفس الوقت. كان أبي لا يدعنا نذهب إلى المدرسة إلاّ بعد ارتداء السروال الطويل وأحذية سوداء وبسيطة، وأكمام طويلة. لكنه - روحياً - ما كان يحب التجمّل وكان حقاً من أهل العلم وروحانياً. وكان السيد (الإمام) دائماً يقول: "والدك روحاني رفيع المستوى، وصاحب علم وفضل كبير، لكن من المؤسف أنّه ما كان شيء من زمام شؤون الروحانيين بيده".
- بما أنه كان صاحب علم وفضل، لابد وأن كانت له تأليفات؟
- أنا لا أعرف عن ذلك شيئاً إلاّ تفسيراً واحداً، وإذا أردت الإطلاع فاسألي من الأخوين السادة علي وحسن، فانهما يعلمان بهذه القضية. ورغم أنّ الكثير قد أخذ منه كتباً مجانياً، ورغم أنه قد وهب مكتبته إلى الجامعة، لا زالت له مكتبة تملأ غرفة كاملة إلى السقف تحتوي على كتبه وكتب والده وكتباً أخرى قد حصل عليها.
- أماه، تكلمي عن كيفية حصول الخطبة؟
- ما تقدم كان دافعاً للسيد أحمد أن يقدم على خطبتي للإمام، وقد استغرقت موافقتي على الزواج مدة عشرة أشهر، وذلك لأني كنت غير مستعدة للمجيء إلى قم، وكنت عند المجيء إلى قم لا أقيم أكثر من 10 - 15 يوماً، وبعد ذلك كنت أطالب جدتي بإرجاعي إلى طهران. وذلك لأن قم لم تكن كما هي الآن، فقد كانت مكتظة بالمقابر، والقبور كانت ملتصقة بجدار صحن الحرم، والأزقّة كانت ضيقة و… فما كنت أقيم في قم كثيراً، بل أرجع في وقت مبكر، وقد كنت منزعجة عندما أرغمني الوالد مرة للبقاء في قم مدة شهرين. لقد بدأت مراحل الخطبة، وقد قال لي أبي آنذاك: "لا إشكال من جانبي، حتى لو غرّبك عن جدتك وبعدك عنها، لأنه إنسان لا يدع السيدة قدسي تتأذى". وباعتبار صداقته مع السيد، كان يعرفه جيداً. أما أنا فكنت أقول: لا أذهب إلى قم أبداً، وكانت هناك أمور تجعلني أكره الذهاب إلى قم.
* دار الولاية.
2012-05-11