جهاد النفس من (الأربعون حديثاً)
العلاقة مع الله
عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية، فلما رجعوا قال:"مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس". الإنسان، هذا المخلوق العجيب.
عدد الزوار: 108
منزلة المُلك
عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله بعث سرية، فلما رجعوا قال: "مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس".
الإنسان، هذا المخلوق العجيب الذي صنعه الله تعالى بيده وحسده إبليس لما أولاه الله تعالى من نعمه، يبهر العقول بما لديه من صفات وخصائص وإمكانات جعلها الله تعالى ليتحمل الأمانة الإلهية ويتمكن من الوصول إلى الأهداف التي خلق لأجلها.
تقسيم الإنسان إلى عالمي الملك والملكوت
وهذا الإنسان له نشأتان وعالمان:
أ- نشأة ظاهرية ملكية دنيوية هي بدنه.
ب- نشأة غيبية باطنية ملكوتية تكون من عالم آخر وهي الروح التي هي من عالم الغيب والملكوت ليست أمراً جامداً وخامداً في هذه الدنيا، فلها مراتب ودرجات ومقامات، قد ترتقي النفس فيها حتى تصبح طاهرة نقية خالصة لله تعالى سعيدة تحشر مع الأنبياء والأولياء والصالحين، وقد تنحدر حتى تصل إلى الجهل والظلام والشقاء فتحشر في زمرة الشياطين. فالإنسان هو ساحة صراع ونزاع مستمر بين معسكرين يريد أحدهما الانحطاط بالنفس إلى الظلام السفلي ويريد الآخر رفعها إلى الأنوار العلوية والسعادة الأبدية.
وفي هذا الصراع يظهر دور النفس التي عليها أن تأخذ زمام المبادرة في هذه الساحة الدقيقة، لتحقق الجهاد الأكبر وتنتصر... فكيف يمكنها أن تقوم بهذا الدور؟
حتى يحصل التوفيق في جهاد النفس لا بد من التعرف على أمرين أساسيين:
1- نفس الإنسان بما عندها من عالمي الملك والملكوت وأوجه سعادتها وتعاستها.
2- كيفية مجاهدة هذه النفس.
مقام الملك
تدور أعمال الإنسان في مقام المُلك والظاهر على الأمور المادية السبعة وهي "الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل".
وهذه الأمور السبعة تتجاذبها جنود الرحمان وزمر الشيطان، من خلال قوى الوهم من جهة والعقل والشرع من جهة أخرى، فإن غلب الوهم تسلط الشيطان وجنوده على هذه المرتبة وصارت ظلمانية، وإن غلب العقل والشرع تسلطت جنود الرحمان وهجرتها جنود الشيطان وصارت نورانية. وعلى النفس أن تجاهد حتى تطرد جنود الشيطان وتجعل هذا المقام بأبعاده السبعة مؤتمرة بأمر الخالق تعالى.
كيف يكون جهاد النفس في هذه المرتبة؟
إن جهاد النفس في هذه المرتبة له مراحله التي يمر بها:
المرحلة الأولى- التفكر:
إن أول شرط من شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى هو التفكر. والتفكر هو أن يترك الإنسان شيئاً من وقته ليجلس مع نفسه ويخاطبها خطاباً وجدانياً، وينبهها إلى المولى الكريم الذي خلقه في هذه الدنيا ووفر له كل أسباب الراحة ووهبه جسماً صحيحاً وقوى سليمة لها إمكانات ومنافع وآثار تحيّر العقول وتبهر الأنظار، هذا الإله الذي رعاه وهيأ له ووسع عليه وأعطاه وأنعم عليه وشمله بعطفه ورحمته وأرسل له الأنبياء وأنزل إليه الكتب والرسالات وأرشده ودعاه إلى الهدى وعرفه طريق السعادة... هذا المولى ماذا يستحق منا؟ وكيف يكون تعاطينا مع هذه النعم؟ هل أن وجود جميع هذه النعم هو فقط لإشباع الشهوات والانغماس في حياة حيوانية لا يتميز فيها الإنسان عن الحيوانات؟! أم أن هناك هدفاً وغاية أخرى؟.
هل أن الأنبياء الكرام والأولياء العظام والحكماء الكبار وعلماء كل أمة، كانوا أعداءً للإنسانية عندما حذروا الناس من الانغماس في الشهوات الحيوانية والغرق في هذه الدنيا البالية؟ هل أنهم كانوا لا يعرفون هدف الإنسان وطريقه ومسيرته فضلوا كما ضللنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات؟!
لو وقف الإنسان مع نفسه وقفة صدق ولو للحظة واحدة لعرف أن الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأن الهدف من هذا الخلق أسمى وأعظم وأن هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها، وأن على الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه وأن يترحم على حاله ويشفق على نفسه المسكينة ويخاطبها قائلاً: أيتها النفس الشقية التي قضيت سني عمرك الطويلة في الشهوات، ولم يكن نصيبك سوى الحسرة والندامة، ابحثي عن الرحمة واستحي من مالك الملك واتجهي نحو الهدف الأساسي وسيري نحو حياة الخلد والسعادة السرمدية، ولا تخسري تلك السعادة بسبب شهوات أيام قليلة فانية زائفة، تأملي في أحوال أهل الدنيا من السابقين واللاحقين، لم يحصلوا على الراحة ولا استقرت أمورهم على ما يحبون، كم أن متاعبهم وآلامهم أكبر وأعظم من راحتهم وهنائهم!
هذا الصديق الذي يأتي ليدعوك إلى الشهوات، ويقول: يجب تلبية الحياة المادية وعدم تفويتها، هذا الصديق الذي يأتي بصورة إنسان ولكنه جند من جنود الشيطان وأعوانه، إذا تأملت في حاله واستنطقته، هل ستجده راضٍ عن ظروفه مسروراً بحياته، أم أنه مبتلٍ ويريد أن يبلي مسكيناً آخر؟!
إذن فأدعو ربك بعجز وتضرع واسأله أن يعينك على أداء واجباتك والقيام بوظائفك، فيشكل هذا التوفيق أساس العلاقة بينك وبين الله سبحانه وتعالى، ليأخذ بيدك بعد ذلك ويرفعك إلى منزلة أرفع من منازل المجاهدة.
المرحلة الثانية - العزم
بعد التفكر والخطاب الوجداني الذي يقوم به الإنسان تأتي مرحلة العزم، والمقصود من العزم أن يوطن الإنسان نفسه على ترك المعاصي وأداء الواجبات، ويتخذ قراراً حازماً بذلك، وبالإضافة إليه يتدارك ما فاته في أيام حياته، فيقضي ما ترك ويرد حقوق الناس ويدفع المظالم وينهي كل أثر للمعاصي التي ارتكبها ويجبر كل نقص في الواجبات التي تخلف عنها وتركها، فيصبح ظاهره ظاهر الإنسان الشرعي الذي ينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع.
ملاحظة وتنبيه: أول خطوة في السلوك في المعارف الإلهية هي الالتزام بأحكام الشريعة، ولا يمكن للإنسان أن يحصل على الأخلاق الحسنة إلا من خلال ذلك، ولا يتصور أحد أنه يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة وتتكشف له الأنوار الإلهية من خلال الالتزام بطريق آخر وترك هذا الطريق، وبعد ظهور المعارف والأنوار الإلهية في القلب لا بد من الاستمرار في التأدب بالآداب الشرعية الظاهرية أيضاً.
كيف نحصل على العزم؟
إن التجرؤ على المعاصي يفقد الإنسان تدريجياً العزم، فيفقد هذا الجوهر الثمين، وكان يقال: "إن أكثر ما يسبب فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء".
عليك إذن أن تهجر المعاصي وتهاجر إلى الحق تعالى، وتحافظ على الظاهر الإنساني الشرعي واسلك سبيل الأنبياء والصالحين، واطلب من الله تعالى في الخلوات أن يوفقك لذلك ويعصمك من المزالق فيمكن للإنسان أن يسقط في لحظة واحدة فيعجز عن إنقاذ نفسه ويكون الهلاك!واستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته عليهم السلام ليتم التوفيق.
المرحلة الثالثة - المشارطة والمراقبة والمحاسبة
وهي من الأمور الضرورية للمجاهد، وهي أمور ثلاث:
الأول - المشارطة: وتكون في أول اليوم حيث يخاطب الإنسان نفسه ويشارطها على أن لا يرتكب اليوم أي عمل يخالف أوامر الله تعالى، ويتخذ قراراً بذلك ويعزم عليه.
وترك ما يخالف أوامر الله لمدة يوم واحد هو أمر يسير وسهل للغاية، ويمكن للإنسان بكل سهولة أن يلتزم به، فاعزم وشارط وجرب وانظر كيف أن الأمر سهل يسير، وقد يوسوس لك الشيطان ليصعب عليك الأمور ويصور الأمر وكأنه صعب عسير، ولكنه وهم عليك أن تخرجه من قلبك،جرب ليوم واحد تعرف سهولته.
الثاني - المراقبة: بعد المشارطة يأتي دور المراقبة، فيبقى طوال اليوم متنبهاً لتطبيق المشارطة، فتعتبر نفسك ملزماً بالعمل وفق ما شارطت، فإذا حدثتك نفسك بارتكاب المعاصي فاعلم أنه وسوسة الشيطان الذي يحاول استدراجك للمعصية فالعنه واستعذ بالله من شره، وتذكر شرطك لهذا اليوم وخاطب نفسك: "إني اشترطت على نفسي أن لا أقوم في هذا اليوم وهو يوم واحد بأي عمل يخالف أمر الله تعالى، وهو ولي نعمتي طوال عمري، فقد أنعم علي بالصحة والسلامة والأمن وتلطف بألطاف أخرى، ولو أني بقيت في خدمته إلى الأبد لما أديت حق واحدة منها، أفلا أفي بشرط بسيط كهذا؟!
الثالث - المحاسبة: إذا جاء الليل فقد حان وقت المحاسبة، فعليك أن تحاسب نفسك لترى هل أديت ما اشترطت على نفسك مع الله ولم تخن ولي نعمتك في هذا العهد البسيط؟ إذا كنت قد وفيت حقاً فاشكر الله على هذا التوفيق، وسيكون عمل الغد أيسر وأسهل عليك من سابقه فواظب عليه فترة حتى يتحول إلى عادة مطبوعة في نفسك تقوم بها بشكل تلقائي وبكل سهولة.وستحس حينها باللذة والأنس بطاعة الله تعالى وترك معاصيه رغم أن هذا العالم ليس عالم الجزاء...
وإذا وجدت لا سمح الله في أثناء المحاسبة تهاوناً و فتوراً تجاه ما اشترطت على نفسك، فاستغفر الله واطلب العفو منه، واعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غداً، وثابر على ذلك واصبر حتى يفتح الله تعالى أمامك أبواب التوفيق والسعادة ويوصلك إلى صراط الإنسانية المستقيم.
منزلة الملكوت
إن الكلام في هذا القسم أهم من القسم السابق وجنود النفس فيه أكثر، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية أعظم، والغلبة والانتصار فيها أشد وأهم، بل إن الانتصار في ذاك المقام يتبع الانتصار في هذا المقام ومرتبط به، ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات، والدرجات والدركات.
ويجب الالتفات إلى أن هزيمة الجنود الرحمانية في هذا المقام ربما يسفر عن الهلاك الدائم للإنسان بشكل يستحيل معه الرجوع والتصحيح، وينظر إليه أرحم الراحمين بعين الغضب والسخط، ويحرم شفاعة الشافعين، بل يصبح شفعاؤه خصماؤه! وويل لمن كان شفيعه خصمه!.
إن الجنة وجهنم التي ورد وصفها في القرآن الكريم، المقصود منها غالباً جزاء الأعمال فالنار هي نار الأعمال والجنة هي جنتها، ولكن الجزاء لا يختص بالأعمال فقط بل هو يشمل الأخلاق التي يتخلق بها الإنسان أيضاً، وهذه لها جنتها ونارها الخاصة بها وهي أهم وأكبر من السابقة! وهناك إشارات خفية في النصوص لهذه الجنان والنيران، بالإضافة إلى ذلك هناك جنة اللقاء ونار الفراق التي ورد الإشارة إليها في النصوص أيضاً.
وما قالوه بشأن جنة الأخلاق الحسنة وجهنم الأخلاق الرذيلة، أمور عظيمة ومصائب جمة لا يطيق الإنسان حتى سماعها!
القوى الباطنية ومظهر الإنسان في الآخرة
إن قوى باطن النفس ثلاثة وهي: "الوهمية والغضبية والشهوانية "، ولكل واحدة من هذه القوى الثلاث منافع كثيرة من أجل حفظ النوع والشخص وإعمار الدنيا والآخرة، فهذه القوى الثلاث هي منبع جميع الملكات الحسنة، ولكن يجب التنبه إلى أنها منبع جميع الملكات السيئة أيضاً. وبناء على هذه القوى الثلاث تتحدد شخصية الإنسان وهويته الباطنية.
إن للإنسان صورة ملكية دنيوية ظاهرية خلقه الله تعالى عليها، فجعله على أحسن صورة، جيدة، جميلة المنظر تبارك الله أحسن الخالقين، وبالإضافة إلى هذه الصورة الظاهرية هناك صورة أخرى للإنسان هي الصورة الملكوتية الغيبية الباطنية التي تأخذ هيئتها بحسب الأخلاق والملكات التي يتلبس بها الإنسان، وهذه الصورة الباطنية هي التي يظهر بها الإنسان بعد الموت سواء في البرزخ أو القيامة فإذا كانت خلقة الإنسان في الباطن والملكة والسريرة إنسانية، تكون صورته حينها إنسانية أيضاً، وأما إذا كانت غير إنسانية فستكون صورته غير إنسانية أيضاً. ولكل واحدة من هذه القوى الباطنية الثلاث صورة خاصة إذا لم يتحكم بها الإنسان، فإذا غلبت على باطنه ملكة الشهوة صارت صورته صورة بهيمية، وإذا غلبت ملكة الغضب صار بصورة الحيوان المفترس، وإذا غلب الوهم صارت صورته صورة أحد الشياطين حسب ما يتناسب وتلك الصورة. ومن الممكن أحياناً أن تتركب الصورة الباطنية من ملكتين أو عدة ملكات، فتتشكل له صورة غريبة مخيفة ليس لها مثيل في هذا العالم. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن بعض الناس يحشرون يوم القيامة على صورة تحسن عندها صورة القردة.
ويمكن أن يكون له أكثر من صورة وهيئة سيئة، فليس بالضرورة في ذلك العالم أن يكون للإنسان صورة واحدة كما كان في هذا العالم بل يمكن أن تتعدد صوره هناك.
قد يتساءل البعض هنا: أن الإنسان قد تتغير أخلاقه في حياته فيمكن أن يصبح الصالح طالحاً والطالح صالحاً فأي صورة سيظهر بها في الآخرة منهما؟
والجواب عن ذلك أن صورته التي سيظهر بها في الآخرة هي الصورة التي تتناسب مع صفاته لحظة وفاته وتركه لهذه الدنيا وانتقاله لذلك العالم، فكما تكون صورته الباطنية في تلك اللحظة ينتقل إلى البرزخ بتلك الصورة، نسأل الله تعالى حسن العاقبة.
المطلوب هو السيطرة لا الإفناء
ما دام الوهم والغضب والشهوة، يمكن أن توصل الإنسان إلى الغضب الإلهي وتظهره في الآخرة بمظهر البهيمة والعياذ بالله، فهل المطلوب القضاء على الوهم والغضب والشهوة؟
ليس المطلوب ذلك أبداً، لأن هذه القوى الثلاث يمكن أن تكون من الجنود الرحمانية وتؤدي إلى سعادة الإنسان وتوفيقه إذا سلمها للعقل السليم وجعلها ضمن إرشادات الأنبياء العظام، وليس خافياً على أحد أن الأنبياء العظام عليهم السلام لم يكبتوا الشهوة والغضب والوهم بصورة مطلقة، ولم يطلب ذلك داعية على الإطلاق، وإنما قالوا: يجب السيطرة عليها حتى تؤدي واجبها في ظل ميزان العقل وحكم الشرع.فالمطلوب هو السيطرة عليها والاستفادة منها دون إفساح المجال لها للتجاوز والإسراف والظلم.
فهذه القوى لو تركت وشأنها ستحاول أن تحصل على ما تريد ولو عن طريق الفساد والفوضى، فالنفس البهيمية المنغمسة في الشهوة الجامحة تريد أن تحقق هدفها ومقصودها ولو من خلال الزنا بالمحصنات في الكعبة والعياذ بالله ، والنفس الغضوب تريد أن تنجز ما تريد حتى ولو استلزم ذلك قتل الأنبياء والأولياء، والنفس ذات الوهم الشيطاني تريد أن تؤدي عملها حتى لو استلزم ذلك الفساد في الأرض.
الأنبياء عليهم السلام إنما جاءوا بالشرائع وأنزلت عليهم الكتب السماوية من أجل الحيلولة دون الانفلات والإفراط في الطبائع، وإخضاع النفس الإنسانية وترويضها وتأديبها.
الخيال والسيطرة عليه
الخيال هو كالطائر الذي يطير يميناً ويساراً وينتقل من شجرة إلى أخرى، وهو قادر على دفع الإنسان نحو الشقاء والفساد، وهو وسيلة من وسائل الشيطان التي يتسلط من خلالها على الإنسان فيكبله بواسطة الخيال ويدفع به نحو الشقاء.
والإنسان المجاهد الذي نهض لتهذيب نفسه وإصلاحها عليه أن يمسك بهذا الطائر ويسيطر عليه ولا يسمح له بالطيران إلى أي موطن يريد، بل عليه أن يمنعه من التحليق في الخيالات الفاسدة والباطلة والمعاصي والشيطنة وأن يوجه خياله دائماً نحو الأمور الشريفة.
كيف يمكن السيطرة على الخيال؟
قد يظن الإنسان أن السيطرة على الخيال أمر صعب جداً لأن الخيال أشبه ما يكون بالزئبق الذي يفر من الإنسان كلما حاول أن يمسكه، ويأتي الشيطان ليهول على الإنسان ويعظم له الأمور ليشعر الإنسان بالعجز أمام الخيال فيستسلم ويسقط أمامه. والحقيقة أن السيطرة على الخيال أمر يسير مع المراقبة والحذر.
يمكن أن يصعب على الإنسان السيطرة على خياله دفعة واحدة، ولكن لا يصعب عليه السيطرة التدريجية، فيبدأ بالسيطرة على جزء من الخيال ويراقب نفسه ويتنبه جيداً، فمتى ما أحس خياله يتوجه نحو هذا الأمر يصرفه نحو أمور أخرى مباحة أو محببة إلى الله تعالى، فإذا حصلت على نتيجة فاشكر الله تعالى على هذه النعمة وهذا التوفيق وأكمل السيطرة على هذا الخيال بهذا الأسلوب التدريجي لعلك تهتدي إلى صراط الإنسانية المستقيم ويسهل عليك مهمة السلوك إليه سبحانه وتعالى، فالخيال هو من أهم المواقع الشيطانية التي يتترس بها إبليس وجنوده فإذا سقط هذا الدرع وهذا المتراس فتأمل خيراً.
معالجة المفاسد الأخلاقية
الوقاية من المفاسد الأخلاقية خير من العلاج وأسهل، ولكن إذا تلبست لا سمح الله بالأخلاق الفاسدة، فعليك أن تعاجل بالمعالجة ولا تسوّف لأن هذه الأخلاق الرذيلة تتأصل فيك وتتغلب عليك بشكل تدريجي، وعليك أن تتذكر أن العمر غير مضمون وأن المنيّة تأتي من غير استئذان فمن يضمن العمر إلى الغد حتى يؤجل الإصلاح إلى الغد، ولو أطال الله عمرك فسيصعب الإصلاح إن لم تبادر الآن، لأن من شب على شيء شاب عليه، فما دام في العمر بقية ومادامت همة الشباب موجودة ابحث عن العلاج وتلمس دواء هذه الأخلاق الرذيلة لتطفئ ثائرة الشهوة والغضب فتأخذها من يد الشيطان وأعوانه وتجعلها في ساحة الرحمان.
كيف تعالج نفسك؟
أفضل علاج لدفع هذه المفاسد الأخلاقية، هو أن تأخذ كل واحدة من الصفات القبيحة والميول الفاسدة التي تراها في نفسك، فتجمع همتك وتعزم على مخالفتها وعمل عكس ما ترجوه وتطلبه، وبالتدريج يحصل ترويض هذه النفس وكسر شوكة هذه الميول والسيطرة عليها.
ولا تنسى التوكل على الله تعالى وطلب التوفيق منه لإعانتك في هذا الجهاد، ولا شك في أن هذا الخلق القبيح سيزول بعد فترة وجيزة، ويفر الشيطان وجنوده من هذا الخندق وتحل محلهم الجنود الرحمانية.
*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية،ط 2 ،2007م ،ص16-26