يتم التحميل...

الرّؤيا والحُلم

مواعظ حسنة

إِنّ مسألة الرؤيا في المنام من المسائل التي تستقطب أفكار الأفراد العاديين من الناس والعلماء في الوقت نفسه. فما هذه الأحلام التي يراها الإِنسان في منامه من أحداث سيئة أو حسنة، وميادين موحشة أو مؤنسة، وما يثير السرور أو الغم في نفسه؟!

عدد الزوار: 32

إِنّ مسألة الرؤيا في المنام من المسائل التي تستقطب أفكار الأفراد العاديين من الناس والعلماء في الوقت نفسه.

فما هذه الأحلام التي يراها الإِنسان في منامه من أحداث سيئة أو حسنة، وميادين موحشة أو مؤنسة، وما يثير السرور أو الغم في نفسه؟!

أهي مرتبطة بالماضي الذي عشعش في أعماق روح الإِنسان وبرز الى الساحة بعد بعض التبديلات والتغييرات؟ أم هي مرتبطة بالمستقبل الذي تلتقط صوره عدسة الروح برموز خاصّة من الحوادث المستقبلية؟! أو هي أنواع مختلفة، منها ما يتعلق بالماضي، ومنها ما يتعلق بالمستقبل، ومنها ناتج عن الميول النفسية والرغبات وما الى ذلك...؟!

إِنّ القرآن يصرّح في آيات متعددة أنّ بعض هذه الأحلام- على الأقل- انعكاسات عن المستقبل القريب أو البعيد.

كما في قصّة الرؤيا التي حدثت لبعض السجناء مع يوسف في الآية (36) وقصّة رؤيا عزيز مصر في الآية (43) من سورة يوسف.وجميعها تكشف الحجب عن المستقبل.

وبعض هذه الحوادث- كما في رؤيا يوسف- تحقق في وقت متأخر نسبياً "يقال أنّ رؤيا يوسف تحققت بعد أربعين سنة" وبعضها تحقق في المستقبل القريب كما في رؤيا عزيز مصر ولمن في السجن مع يوسف.

وفي غير سورة يوسف إِشارات الى الرؤيا التي كان لها تعبير أيضاً، كما ورد في سورة الفتح عن رؤيا النّبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما ورد في سورة الصافات عن رؤيا إِبراهيم الخليل "وهذه الرؤيا كانت وحياً إِلهياً بالإِضافة لما حملت من تعبير".

ونقرأ في الحديث عن النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن الرؤيا قوله: "الرؤيا ثلاث: بُشرى من الله، وتحزين من الشيطان، والذي يحدث به الإِنسان نفسه فيراه في منامه" .1

وواضح أنّ أحلام الشيطان ليست شيئاً حتى يكون لها تعبير، ولكن ما يكون من الله في الرؤيا فهي تحمل بشارة حتماً ويجب أن تكون رؤيا تكشف الستار عن المستقبل المشرق.

وعلى كل حال يلزمنا هنا أن نبيّن النظرات المختلفة في حقيقة الرؤيا، ونشير إِليها بأسلوب مكثف مضغوط.

والتفاسير في حقيقة الرؤيا كثيرة ويمكن تصنيفها الى قسمين هما:
1- التّفسير المادي
2ـ التّفسير المعنوي


1ـ التّفسير المادي:

يقول الماديون: يمكن أن تكون للرؤيا عدّة علل:
ألف- قد تكون الرؤيا نتيجة مباشرة للأعمال اليومية، أي أنّ ما يحدث للإِنسان في يومه قد يراه في منامه.
ب- وقد تكون الرؤيا عبارة عن سلسلة من الأماني، فيراها الإِنسان في النوم كما يرى الظمآن في منامه الماء، أو أن إِنساناً ينتظر مسافراً فيراه في منامه قادماً من سفره.
ج- وقد يكون الباعث للرؤيا الخوف من شيء ما، وقد كشفت التجارب أن الذين يخافون من لص يرونه في النوم.

أمّا فرويد وأتباعه فلديهم مذهب خاص في تفسير الأحلام، إِذ أنّهم بعد يقولون: إِنّ الرؤيا عبارة عن إِرضاء الميول المكبوتة التي تحاول الظهور على مسرح الوعي بعد تحويرها وتبدّلها في عملية خداع الأنا.

ولزيادة الإِيضاح يقولون:- بعد قبول أن النفس البشرية مشتملة على قسمين "الوعي" وهو ما له ارتباط بالأفكار اليومية والمعلومات الإِرادية والإِختيارية للإِنسان، و"اللاّوعي" وهو ما خفي في باطن الإِنسان بصورة رغبة لم تتحقق- فكثيراً ما يحدث أن تكون لنا ميول لكننا لم نستطع إِرضاءها- لظروف ما- فتأخذ مكانها في ضمير الباطن: وعند النوم حين يتعطل جهاز الوعي تمضي في نوع من إِشباع التخيل الى الوعي نفسه، فتنعكس أحياناً دون تغيير(كمثل العاشق الذي يرى في النوم معشوقته) وأحياناً تتغير أشكالها وتنعكس بصور مناسبة، وفي هذه الحالة تحتاج الرؤيا الى تعبير.

فعلى هذا تكون الأحلام مرتبطة بالماضي دائماً ولا تخبر عن المستقبل أبداً، نعم يمكن أن تكون وسيلة جيدة لقراءة "ضمير اللاوعي!".

ومن هنا فهم يستعينون لمعالجة الأمراض النفسيّة المرتبطة بضمير "اللاوعي" باستدراج أحلام المريض نفسه.

ويعتقد بعض علماء التغذية أنّ هناك علاقة بين الرؤيا وحاجة البدن للغذاء، فمثلا لو رأى الإِنسان في نومه دماً يقطر من أسنانه، فتعبير ذلك أنّ بدنه يحتاج الى فيتامين (ث) وإِذا رأى في نومه أن شعر رأسه صار أبيضاً، فمعناه أنّه مبتلى بنقص فيتامين (ب).

2- التّفسير المعنوي

وأمّا الفلاسفة الميتافيزقيون فلهم تفسير آخر للرؤيا، حيث يقولون: إِنّ الرؤيا والأحلام على أقسام:
1- الرّؤيا المرتبطة بماضي الحياة حيث تشكل الرغبات والأمنيات قسماً مهماً من هذه الأحلام.
2- الرؤيا غير المفهومة والمضطربة وأضغاث الأحلام التي تنشأ من التوهم والخيال وإن كان من المحتمل أن يكون لها دافع نفسي.
3- الرّؤيا المرتبطة بالمستقبل والتي تخبر عنه.


وممّا لا شك فيه أنّ الأحلام المتعلقة بالحياة الماضية وتجسّد الأُمور التي رأها الإِنسان في طول حياته ليس لها تعبير خاص ... ومثلها الأطياف المضطربة أو ما تسمى بأضغاث أحلام التي هي افرازات الأفكار المضطربة، كالأطياف التي تمرّ بالإِنسان وهو في حال الهذيان أو الحمّى، فهي- أيضاً- لا يمكن أن تكون تعبيراً عن مستقبل الحياة ... ولهذا فإنّ علماء النفس يستفيدون من هذه الأحلام ويتخذونها نوافذ للدخول الى ضمير اللاّوعي في البشر، ويعدّونها مفاتيح لعلاج الأمراض النفسيّة، ويكون تعبير الرؤيا عند هؤلاء لكشف الأسرار النفسية وأساس الأمراض، لا لكشف حوادث المستقبل في الحياة!

أمّا الاحلام المتعلقة بالمستقبل فهي على نحوين:

قسم منها أحلام واضحة وصريحة لا تحتاج الى تعبير ... وأحياناً تتحقق بشكل عجيب في المستقبل القريب أو البعيد دون أي تفاوت.

وهناك قسم آخر من هذه الأحلام التي تتحدث عن المستقبل، ولكنّها في الوقت ذاته غير واضحة، وقد تغيّرت نتيجة العوامل الذهنية والروحيّة الخاصّة فتحتاج الى تعبير.

ولكل من هذه الأحلام نماذج ومصاديق كثيرة، ولا يمكن إِنكارها جميعاً، لأنّها لا في المصادر المذهبية أو الكتب التأريخية- فحسب- بل تتكرر في حياتنا أو حياة من نعرفهم بشكل لا يمكن عدّه من باب المصادفات والإِتفاقات! .2


1- بحار الأنوار، ج 14، ص 44
2- لأمثل في تفسير الكتاب المنزل ج7 / ص128-132

2012-03-08