الكبر من (الأربعون حديثاً)
العلاقة مع الله
بالسند المتصل عن حكيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى الإلحاد، فقال:الكِبر أدناه وعن الإمام الصادق عليه السلام: ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة ومَلك يمسكها فإذا تكبر قال له:اتّضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس.
عدد الزوار: 117
بالسند المتصل عن حكيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى الإلحاد، فقال: "الكِبر أدناه".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من عبد إلا وفي رأسه حكمة ومَلك يمسكها فإذا تكبر قال له: اتّضع وضعك الله، فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس. وإذا تواضع رفعه الله عز وجل. ثم قال: انتعش نعشك الله، فلا يزال أصغر الناس في نفسه وأرفع الناس في أعين الناس"1
ما هو الكِبر؟
الكبر هو عبارة عن حالة نفسية تجعل الإنسان يترفع ويتعالى على الآخرين، وتصرفات الإنسان هي التي تدل على وجود مثل هذه الحالة عنده.
والكبر هو من آثار العجب وتوابعه، والفرق بينهما أن العجب هو الإعجاب بالذات، بينما الكِبر هو التعالي والتعاظم على الناس. فعندما يتوهم الإنسان أنه يتملك أي صفة من صفات الكمال ستنتابه حالة هي مزيج من السرور والتمنن وغيرها، وهذه هي صفة العجب، ثم يرى أن الآخرين لا يملكون هذه الصفة التي يتوهمها في نفسه، فينتابه شعور آخر هو تصور التفوق والتقدم، وهذا يؤدي به إلى التعاظم والترفع، وهذه هي صفة الكِبر.
درجات الكبر من جهة الموضوع
إن للكبر درجات تشبه الدرجات التي ذكرناها في العجب، وهي ستة
1- الكبر بسبب الإيمان والعقائد الحقة، ويقابله الكبر بسبب الكفر والعقائد الباطلة.
2- الكبر بسبب التوجهات الفاضلة والصفات الحميدة، ويقابله الكبر بسبب الأخلاق الرذيلة والتوجهات القبيحة.
3- الكبر بسبب العبادات والأعمال الصالحة، ويقابله الكبر بسبب المعاصي والأعمال السيئة.
وهذه الدرجات يمكن أن تكون وليدة مثيلتها من درجات العجب وأو وليدة سبب آخر سوف تأتي الإشارة إليه. وهناك درجات أخرى للكبر غير هذه تكون بسبب أمور خارجية كالحسب والنسب والمال والجاه والرئاسة وغيرها.
درجات الكبر من جهة الواقع عليه
إن للكبر من هذه الحيثية درجات أيضا
1- التكبر على الله تعالى، وهذه الدرجة أقبح الدرجات وأشدها هلكة، و كما يمكن أن تجدها بين أهل الكفر والجحود ومدعي الألوهية، كذلك يمكن أن تراها بين أهل الدين. وهذا التكبر هو منتهى الجهل، جهل بالممكن الفقير والمحتاج، وجهل بمقام واجب الوجود الغني والمعطي.
2- التكبر على الأنبياء والرسل والأولياء صلوات الله عليهم. وكثيراً ما كان يحصل في زمن الأنبياء، قال تعالى على لسانهم: ﴿... أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا..﴾(المؤمنون:47). وقال تعالى على لسان آخرين: ﴿... لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾(الزخرف:31).
وفي صدر الإسلام وقع الكثير من التكبر على أولياء الله، وفي هذا الزمان أيضاً نجد نماذج منه في بعض المحسوبين على الإسلام.
3- التكبر على أوامر الله تعالى، وهذا يرجع بحقيقته إلى التكبر على الله، وهو يظهر في بعض العاصين، كأن يمتنع أحدهم عن الحج لأنه لا يستسيغ مناسكه من إحرام وغيره، أو يترك الصلاة لأن السجود لا يليق بمقامه، وربما يظهر مثل هذا الكبر عند أهل النسك والعبادة وأهل العلم والتدين، كأن يترك الآذان تكبراً، أو لا يتقبل الكلام الحق إذا جاء ممن هو مثله أو دونه منزلة.
فقد يسمع الإنسان قولاً من زميل له فيرده بشدة ويطعن في قائله، ولكنه إذا سمع ذلك القول نفسه من كبير في الدين أو الدنيا قَبِله (إن ترك القبول له ناحيتان: إحداهما تكبر على أوامر الله، وثانيهما تكبر على عباد الله تعالى).
ومن هذا التكبر أيضاً من يترك تدريس علم أو كتاب باعتباره لا يليق به، أو يرفض تدريس أشخاص لا مركزية لهم. أو لأن عددهم قليل...حتى وإن علم أن في مثل تلك الجماعة رضا الحق تعالى.
4- التكبر على عباد الله تعالى، وهذا أيضاً يرجع بحسب نظر أهل المعرفة إلى التكبر على الله، وأقبحه التكبر على العلماء بالله، ومفاسد التكبر عليهم أكثر وأخطر من أي شيء آخر. ويدخل في هذا التكبر أيضاً رفض مجالسة الفقراء، والتقدم في المجالس والمحافل وفي المشي والسلوك.
وهذا النوع من التكبر شائع بين الناس وشامل لجميع الطبقات، من أشراف وأعيان وعلماء ومحدثين وأغنياء بل حتى الفقراء والمعوزين، إلا من حفظ الله وسلّمه من ذلك.
دقة الطريق
هناك فرق واضح بين التواضع الحسن والتملق القبيح، وبين الإباء الحسن والتكبر القبيح، ولكن في بعض الأحيان قد يصبح التمييز بين هذه الأمور على درجة كبيرة من الصعوبة على الإنسان فتختلط عليه هذه الأمور فيظن التملق تواضعاً والتكبر إباءً أو العكس. فلا بد للإنسان أن يتعوذ بالله ليهديه إلى طريق الهداية، وإذا تصدى الإنسان لإصلاح نفسه وتحرك نحو الهدف الصحيح، فإن الله تعالى سوف يشمله برحمته الواسعة وييسر له سبيل الهداية.
السبب الأساسي للتكبر
هناك عدة عوامل ومبررات على المستوى العلمي أو العملي أو غيرهما قد تدفع الإنسان إلى التكبر، ولكنها كلها ترجع إلى شيء واحد يمكن اعتباره السبب الحقيقي للتكبر، وهو: توهم الإنسان الكمال في نفسه مما يبعث على العجب الممزوج بحب الذات، فيحجب كمال الآخرين ويراهم أدنى منه، ويترفع عليهم قلبياً أو ظاهرياً.
وقد يحدث أحياناً أن صاحب الأخلاق الفاسدة والأعمال القبيحة يتكبر على غيره، ظاناً أن ما فيه ضرب من الكمال! وآثار هذه الحالة قد تظهر في سلوك الإنسان بشكل واضح.
نماذج من آثار التكبر
ولنستعرض بعض نماذج التكبر لما فيها من فائدة عملية في معرفة هذا المرض والاحتراز عنه
- قد يتصور الإنسان نفسه من خواص الله المقربين وعباده المخلصين فيترفع على الآخرين ويتعاظم عليهم. ويرى أن الحكماء والفلاسفة سطحيين وأن الفقهاء والمحدثين لا يتجاوزون الظاهر في نظراتهم، وأن سائر الناس كالبهائم. فينظر إلى عباد الله بعين التحقير والازدراء، ويبدأ هذا المسكين بالكلام عن حب الله وعشقه والفناء فيه... مع أن المعارف الإلهية تقضي حسن الظن بالكائنات، فلو كان قد تذوق حلاوة المعرفة بالله لما تكبر على خلقه! لكن الحقيقة أن هذه المعارف لم تدخل قلبه، وأن هذا المسكين لم يبلغ حتى مقام الإيمان ولكنه يتشدق بأنه من خواص الله!
- إن بين الفلاسفة أيضاً أناساً يرون أنهم بما يملكون من براهين ومن علميمتازون عن غيرهم، فينظرون إلى سائر الناس بعين التحقير ولا يقيمون وزناً لعلم الآخرين، ويرون عباد الله جميعاً ناقصي علم وإيمان فيتكبرون عليهم في الباطن ويعاملونهم في الظاهر بكبرياء وغرور، مع أن العلم بفقر المخلوق، ومقام الخالق رب السماوات والأرض يقتضي غير ذلك، والحكيم لا يمكنه إلا أن يكون متواضعاً بعد معرفته بالمبدأ والمعاد. فهذا لقمان الحكيم يقول في جملة وصاياه لابنه: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(لقمان:18).
إن الكبر منتشر بين علماء سائر العلوم الأخرى، في الطب والرياضيات والطبيعة، وكذلك أصحاب الصناعات الهامة، فك منهم يحسب أن ما عنده وحده هو العلم وما عند غيره ليس بعلم، فيتكبر على الناس بباطنه وظاهره.
- هناك من أهل النسك والعبادة من يتكبر على الناس أيضاً، ولا يعتبر الناس حتى العلماء من أهل النجاة، فإذا ذكر العلم قال: ما فائدة العلم بلا عمل؟ العمل هو الأساس، فينظر بعين الاحتقار إلى جميع الطبقات، مع أنه لو كان من أهل الإخلاص والعبادة ينبغي لعمله أن يصلحه. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي معراج المؤمن، فصلاته تلك التي لم تنهه عن المنكر والتي تقربه من الشيطان والتكبر الذي هو من خواص الشيطان، ليست بصلاة، لأن الصلاة لا تستدعي ذلك.
- الذي يملك الحسب والنسب يتكبر على من لا يملكهما، وقد يتكبر صاحب الجمال على فاقده أو إذا كان كثير الأتباع والأنصار أو له تلامذة كثيرون وأمثال ذلك، فإنه يتعالى ويتكبر على الذي ليس له مثله. بل كما ذكرنا قد يحصل أحياناً أن يتكبر صاحب الأخلاق الفاسدة الأعمال القبيحة على غيره ظناً منه أن هذه القبائح هي كمالات.
يقول أحد المحققين: "إن أدنى درجة الكبر في العالِم هي أن يدير وجهه عن الناس كأنه يعرض عنهم، وفي العابد هي أن يعبس في وجوه الناس ويقطب جبينه كأنه يتجنبهم أو أنه غاضب عليهم، غافلاً عن أن الورع ليس في تقطيب الجبين ولا في عبوس ملامح الوجه ولا في البعد عن الناس والإعراض عنهم، ولا في لي الجِيد وطأطأة الرأس ولملمة الأذيال، بل الورع يكون في القلب"، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ها هنا التقوى" وأشار إلى صدره.
قد تخفى الآثار
إن المتكبر قد يمتنع أحياناً لسبب ما من إظهار التكبر علانية، فلا يُظهر أي أثر لذلك التكبر إلا أن هذه الشجرة الخبيثة تمد جذورها في قلبه، ولا بد من ظهور آثاره في الأوقات الحرجة عندما يخرج عن طوره الطبيعي بسبب الانفعال والغضب وغيره فإذا به تظهر عليه علامات التكبر، فيباهي الآخرين بما عنده من علم أو عمل أو أي شيء آخر ويفاخرهم به.
في مفاسد الكبر
إن لهذه الصفة القبيحة بحد ذاتها مفاسد كثيرة، وهذه المفاسد تتمخض عنها مفاسد أخرى كثيرة. ونشير هنا إلى بعض تلك المفاسد
- إن هذه الرذيلة تحول دون وصول الإنسان إلى الكمالات الظاهرية والباطينة، فهي تقف وسط الطريق لتقطع طريق الإنسان وتمنعه من الوصول إلى الكمالات الأخرى، وهي بالتالي تمنعه من الاستفادة والاستمتاع بالحظوظ والنعم الإلهية الدنيوية والأخروية. إن الكبر من أخلاق الشيطان الخاصة، فقد تكبر على أبيك آدم فطرد من حضرة الله، وأنت أيضاً مطرود لأنك تتكبر على كل الآدميين من أبناء آدم.
- تتسبب في انبعاث الحقد والعداوةفي نفوس الناس بدل الرحمة، والمجتمع الذي يحكمه الحقد والعداوة سيقع في مفاسد أكثر من أن تحصى.
- تحط من قدر الإنسان في أعين الخلق وتجعله تافهاً، فيبادره الناس بالمعاملة بالمثل تحقيراً له واستهانة به. كما جاء في الرواية السابقة عن الإمام الصادق عليه السلام: "فلا يزال أعظم الناس في نفسه وأصغر الناس في أعين الناس"2.
إذا تكبرت على الناس لم تنل منهم شيئاً من الاحترام. بل لو استطاعوا أن يذلوك لأذلوك ولم يكترثوا بك، وإن لم يستطيعوا إذلالك، لكنت وضيعاً في قلوبهم وذليلاً في أعينهم ولا مقام لك عندهم. افتح قلوب الناس بالتواضع إذا أقبلت عليك القلوب ظهرت آثارها عليك وإن أدبرت تكون آثارها على خلاف ما تحب وترغب.
- إن هذه الرذيلة ستتسبب بالذل والمسكنة في الآخرة أيضاً، فكما أنك احتقرت الناس في هذا العالم وترفعت على عباد الله وتظاهرت أمامهم بالعظمة الجلال والعزة، كذلك تكون صورة هذا التكبر في الآخرة الهوان. عن أبي عبد الله عليه السلام:"إن المتكبرين يُجعلون في صور الذريتوطّاهم الناس حتى يفرغ الله من الحساب"3.
وجاء في وصايا الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه:"إياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله عز وجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة"4.
ولا أعرف إذا أذل الله تعالى شخصاً ماذا يصنع به؟ وبماذا يبتليه؟ لأن أمور الآخرة تختلف عن أمور الدنيا كثيراً فإن الذل في الآخرة يختلف عن الذل في الدنيا، وكرامتها أسمى من تصورنا.
- بالإضافة إلى كل ما سبق لن يرى الجنة من كان في قلبه كبراً، كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"5.
وستكون عاقبة أمره إلى النار، ففي الحديث عن الإمام أبي جعفر محمد الباقرعليه السلام: "الكبر مطايا النار"6.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "العز رداء الله، والكبر إزاره، فمن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنم"7.
وما أدراك ما جهنم التي أعدها الله للمتكبرين. فهي غير جهنم التي أعدت لسائر الناس، ويكفي أن نورد هنا الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له "سقر"، شكى إلى الله عز وجل شدة حرّه وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم"8.
أعوذ بالله من مكان تحترق جهنم بتنفسه.
التفاوت بين عذاب الدنيا والآخرة
إننا لا نستطيع أن ندرك شدة حرارة نار الآخرة في هذا العالم، إذ أن أسباب شدة العذاب وضعفه تختلف بين الدنيا والآخرة من جهات خمسة:
أولاً: تتبع قوة الإدراك وضعفه إذ كلما كان الإدراك أتم وأنقى كان إدراك الألم والعذاب أكثر. وجميع إدراكاتنا في هذه الدنيا ناقصة وضعيفة ومحجوبة بحجب كثيرة، إن أعيننا لا ترى اليوم الملائكة ولا جهنم وآذاننا لا تسمع الأصوات العجيبة والغريبة التي تصدر من البرزخ وأصحابه ومن القيامة وأهلها، وحواسنا لا تحس بحرارة ذلك المكان. كل ذلك لأنها ناقصة، إن الآيات والأخبار الواردة عن أهل البيت صلوات الله عليهم تؤكد على هذا الأمر تلويحاً وتصريحاً.
ثانياً: تعتمد على اختلاف الأجسام في تقبل الحرارة ومكوثها في النار، فالذهب والحديد مثلاً يتقبلان الحرارة أكثر من الرصاص والقصدير، وهذان يتقبلانها أكثر من الخشب والفحم، وهذان أكثر من الجلد واللحم.
إن جسم الإنسان في هذا العالم لا يتحمل الحرارة فإنه إن بقي ساعة واحدة في نار هذه الدنيا التي تعتبر باردة بالقياس إلى نار الآخرة لاستحال إلى رماد، وبالتالي لن يبقى في العذاب، بينما الله القادر يجعل الجسم قابلاً للبقاء في نار جهنم دون أن يذوب ليذوق العذاب، هذه النار التي شهد حبرائيل بأنه لو جيء بحلقة واحدة من سلاسل جهنم التي طول الواحدة منها سبعون ذراعاً إلى هذه الدنيا لأذابت جميع الجبال من شدة حرارتها.
ثالثاً: إن مستوى ارتباط قوة الإدراك بالموضع المتعرض للحرارة له أثر كبيرة في شدة العذاب وضعفه، فالمخ مثلاً سيكون تأثره بالحرارة أشد من العظام، لأن قوة الإدراك والإحساس فيه أكبر.
إن ارتباط النفس بالجسد في هذه الدنيا ضعيف وناقص، ففي هذا العالم يستعصي على النفس أن تظهر فيه بكامل قواها، وأما الآخرة فهي عالم ظهور النفس، ويكون ارتباطها بالجسد هناك أتم مراتب النسبة والإرتباط كما هو ثابت في محله.
رابعاً: إن للحرارة نفسها من حيث كمالها ونقصانها دوراً في الشدة والضعف، فالحرارة التي تصل إلى مائة درجة تؤلم أكثر من الحرارة التي تصل إلى درجة خمسين.
إن نار هذه الدنيا نار باردة عرضية تحتاج لمادة تقوم بها ومشوبة بمواد خارجية غير خالصة. أما نار جهنم فنار خالصة لاتشوبها شائبة، قائمة بذاتها ذو إرادة تحرق بإدراك وإرادة وتشدد العذاب بقدر الإمكان والقرآن الكريم والأخبار الشريفة مليئة بوصفها.
خامساً: إن مدى ارتباط الحرارة المحرقة بالجسم وتمكنها منه له تأثيره في تخفيف العذاب و تشديده. فإذا كانت النار قريبة من اليد كان الإحتراق أخف مما إذا التصقت النار باليد.
إن ارتباط نار جهنم والتصاقها بالجسم لا شبيه له في هذا العالم، ولو تجمعت جميع نيران العالم وأحاطت بإنسان لما أحاطت بغير سطح جسمه. أما نار جهنم، فتحيط بالظاهر والباطن، إنها تحرق القلب والروح والقوى، وتتحد بها بنحو لا نظير له في هذا العالم.
فيتبين مما ذكر أن هذا العالم لا تتوافر فيه وسائل العذاب بأي شكل من الأشكال، فلا أجسامه جديرة بالتقبل، ولا مصادره الحرارية تامة القوة، ولا الإدراك تام. إن النار التي تستطيع أن تحرق جهنم بنفس منها لا يمكن أن نتصورها ولا أن ندركها، إلا إذا كنا لا سمح الله من المتكبرين، انتقلنا من هذا العالم إلى الآخرة قبل أن نظهر أنفسنا من هذا الخُلق القبيح، فإننا سنراها حينئذٍ رأي العين ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾(النحل:29).
العوامل المساعدة على التكبر
هناك عدة عوامل توصل الإنسان إلى التكبر، فمن هذه العوامل
1- الجهل وصغر العقل، حيث تشتبه الأمور عليه فيرى النقص كمالا.
2- ضعف القابلية وعدم الإستعداد للإستفادة من العطاءات الإلهية، وتلقيها بالشكل الخاطئ.
3- ضعة نفس الإنسان وضعفها، التي تدفع الإنسان لإظهار التكبر والعلو لتخبئ ضعفها خلفه، فيمكن أن يتكبر الفقير على الغني والجاهل على العالم، فكما كان العجب مدخلاً للتكبر فالحسد أيضاً يمكن أن يكون مدخلاً له.
4- قلة الصبر، الذي يتسبب بوقوع الإنسان بردات الفعل غير الملائمة عند الإبتلاء والإمتحان.
وسينتج عن ذلك كله ضيق أفق، ما أن يجد في نفسه خصلة مميزة حتى يتصور لها مقاماً ومركزاً خاصاً، ولكنه لو نظر بعين العدل والإنصاف إلى كل أمر يتقنه وكل خصلة يتميز بها لأدرك أن ما تصوره كمالاً يفتخر به ويتكبر بسببه، إما أنه ليس كمالاً أصلاً، وإما أنه إذا كان كمالاً فإنه لا يكاد يساوي شيئاً إزاء كمالات الآخرين. فهو كمن صفع وجهه ليحسب الناس احمرار وجهه نتيجة النشاط والحيوية، وكما قيل "استسمن ذا ورم".
كيف نعالج الكبر
هناك عدة أمور يمكن اعتبارها كعوامل تساعد على علاج النفس
- إن التفكر فيما ذكرنا من مفاسد الكبر وخطورته وعاقبة المتكبرين، كافٍ لإيقاظ النفس وتنبيهها وابعادها عن هذه الصفات الرذيلة.
- عليك أن تمسح عن نفسك عار الجهل والانحطاط, وتتصف بصفات الأنبياء وتبتعد عن صفات الشيطان، وتعلم أن التكبر ليس كمالاً، فهذا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي كان علمه من الوحي الإلهي، والذي وضع جميع العادات الجاهلية تحت قدميه ونسخ جميع الكتب واختتم النبوة، كان يكره أن يقوم له أصحابه احتراماً وإذا دخل مجلس لم يتصدر، ويتناول الطعام جالساً على الأرض قائلاً: "إنني عبد آكل مثل العبيد وأجلس مجلس العبيد"، كان يعطي الفقراء بكلتا يديه ويشترك في أعمال المنزل ويحتلب الأغنام ويرقع ثيابه ويخصف نعله بيده... مع أنه بالإضافة إلى مقامه المعنوي كان في أكمل حالات الرئاسة الظاهرية.
- مع شيء من المثابرة سيكون طريق إصلاح نفسك - إذا عزمت - أمراً سهلاً، ولو اتصفت بهمة الرجال وحرية الفكر عن الأهواء وعلو النظر، فلن تصادفك أي مخاطر.
- اعمل على خلاف هوى نفسك، فإذا رغبت نفسك بأن تتصدر المجلس متقدماً على أقرانك فخالفها واعمل عكس ما ترغب فيه، وإذا كان تأنف عن مجالسة الفقراء والمساكين فمرغ أنفها في التراب وجالسهم وآكلهم ورافقهم في السفر ومازحهم، قد تقول لك النفس: "إن لك مقاماً ومنزلة وعليك أن تحافظ عليها من أجل ترويج الشريعة، ومجالستك الفقراء تذهب بمنزلتك، والمزاح مع من هو دونك يقلل من هيبتك، فلا تقدر أن تؤدي واجبك الشرعي على أكمل وجه"، أعلم أن هذه كلها من مكائد الشيطان والنفس الأمارة، فلم تكن تلك سيرة النبي صلى الله عليه وآله وهو من حيث المركز والرئاسة أرفع منك. بل سيرة فقهائنا ومراجعنا العظام أيضاً كانت قائمة على التواضع رغم ما لهم من مركز، كالفقيه الشيخ عبد الكريم الحائري صاحب السيرة العجيبة، حيث كان يرافق الخدم في السفر ويؤاكلهم ويفترش الأرض ويمازح صغار الطلبة وأواخر حياته كان يخرج بعد المغرب يتمشى في الشارع وقد لفّ رأسه بقطعة قماش بسيطة متنعلاً حذاءاً بسيطاً من دون اهتمام بالمظهر. وكان هذا يزيد من وقعه في القلوب من دون أن تصاب هيبته بأي اهتزاز أو وهن.
*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية،ط 2 ،2007م ،ص83-95
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه .
4- وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، الحديث 9.
5- وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، الحديث 6.
6- وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، الحديث 14.
7- وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، الحديث 2.
8- وسائل الشيعة، المجلد 11، أبواب جهاد النفس، باب تحريم الكبر، الحديث 6. 2011-05-30