العجب من (الأربعون حديثاً)
العلاقة مع الله
عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام: "العجب درجات منها أن يزين للعبد سوءُ عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على الله عز وجل ولله عليه فيه المنّ"،وعن الإمام الصادق عليه السلام:"إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداً"
عدد الزوار: 121
عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام: "العجب درجات منها أن يزين للعبد سوءُ عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمنّ على الله عز وجل ولله عليه فيه المنّ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداً".
ما معنى العجب؟
العجب كما عرفه العلماء هو: "تعظيم العمل الصالح واستكثاره والسرور والابتهاج به والتغنج والدلال من خلاله، واعتبار الإنسان نفسه غير مقصر".
فالعجب في نظرهم يتألف من هذه العناصر مجتمعة، ولتوضيحه أكثر يقول الشيخ بهاء الدين العاملي قدس سره: "لا ريب في أن من عمل أعمالاً صالحة من صيام الأيام وقيام الليالي، وأمثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج. فإن كان من حيث كونها عطية من الله له، ونعمة منه تعالى عليه، وكان مع ذلك خائفاً من نقصها، شفيقاً من زوالها، طالباً من الله الازدياد منها، لم يكن ذلك الابتهاج عجباً. وإن كان من حيث كونها صفته وقائمة به ومضافة إليه، فاستعظمها وركن إليها، ورأى نفسه خارجاً عن حد التقصير، وصار كأنه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب".
فنستطيع أن نقول: إن العجب عندهم يتألف من هذه العناصر الخمسة: عمل، صالح، سرور، تغنج ودلال، استكثار وإحساس بإيفاء الحق والخروج عن التقصير.
وما ذكروه رضوان الله تعالى عليهم صحيح، مع بعض الشرح والتعديل، فيجب اعتبار العمل يشمل العمل الظاهري والباطني، يعني يشمل عمل البدن وتوجهات القلب، ولا يشترط في العمل أن يكون صالحاً بل يمكن أن يصاب الإنسان بالعجب من خلال عمله الشنيع أيضاً كما هو واضح في الرواية التي نقلناها عن الإمام الكاظم "عليه السلام"، فهو يعجب بخصاله وصفاته سواء كانت صالحة أم طالحة.
درجات العجب
إن للعجب كما وردت إليه الإشارة في الحديث الشريف درجات ثلاث:
الدرجة الأولى: على مستوى العقائد والمعارف، فقد يصاب الإنسان بالعجب بالإيمان والمعارف الحقة ويقابله العجب بالكفر والشرك والعقائد الباطلة.
الدرجة الثانية: على المستوى الأخلاقي، وهو العجب بالملكات الفاضلة والصفات الحميدة أو العجب بسيئات الأخلاق وباطل الملكات.
الدرجة الثالثة: على مستوى الأعمال، حيث قد يعجب الإنسان بالأعمال الصالحة والأفعال الحسنة أو يعجب بالأعمال القبيحة والأفعال السيئة.
مراتب العجب
إن لكل واحدة من درجات العجب الآنفة الذكر مراتب، وهذه المراتب بعضها واضح وبين يمكن للإنسان الإطلاع عليها بأقل تنبه والتفات وبعضها الآخر دقيق للغاية وخفي لا يستطيع أن يدركه الإنسان ما لم يفتش ويدقق بصورة صحيحة، وهذه المراتب يختلف تأثيرها بطبيعة الحال من حيث شدتها وصعوبتها وكثرة تدميرها وتخريبها:
المرتبة الأولى: وهي أشد المراتب وأهلكها، حيث يكون العجب في قلب الإنسان شديداً إلى درجة أنه يمن بإيمانه وصفاته الحميدة على ولي نعمته ومالك الملوك، فيتخيل أن الساحة الإلهية قد اتسعت بسبب إيمانه! أو أن دين الله قد اكتسب رونقاً بذلك وأنه بإرشاده وهدايته أو بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وإقامة الحدود أو بمحرابه ومنبره قد أضفى على دين الله بهاءً جديداً. أو أنه بحضور جماعة المسلمين وإقامة مجالس العزاء قد أضفى على الدين جلالاً. لذلك يمن على الله وعلى سيد المظلومين وعلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإن كان لا يظهر هذه الحالة وإنما يبطنها في قلبه.
وتتبع هذه الحالة المنة على عباد الله في الأمور الدينية، كالذي يمن على الضعفاء والفقراء بإعطائهم الصدقات الواجبة والمستحبة ومساعدتهم، وأحياناً تكون هذه المنة خافية حتى على الإنسان نفسه!
المرتبة الثانية: وهي أن يصل فيه العجب إلى درجة التغنج والتدلل على الله تعالى، وهذا غير المنة، فإن صاحب هذا المقام يرى نفسه محبوباً لله تعالى، ويرى نفسه في سلك المقربين والسابقين، وإذا ذكر أولياء الله والمحبين والسالكين المجذوبين إليه اعتقد في قلبه أنه منهم، وقد يظهر التواضع رياء وقلبه على خلاف ذلك، أو ينفي عن نفسه هذا المقام ليثبته لنفسه لأن التواضع من مستلزمات هذا المقام.وإذا ما ابتلاه الله تعالى ببلاء راح يعلن أن "البلاء للولاء".
المرتبة الثالثة: أن يرى العبد نفسه دائناً لله تعالى، وأنه بذلك يكون مستحقاً للثواب حتى لو عامله الله تعالى بعدله، ويرى واجباً على الله تعالى أن يجعله عزيزاً في الدنيا ومن أصحاب المقامات في الآخرة، وإذا أصابه بلاء وصادفه ما لا يرغب فإنه يعترض على الله في قلبه ويتعجب من ابتلاء المؤمن ورزق المنافق، ويغضب في باطنه على الله تبارك وتعالى وتقديره، ولكنه يظهر الرضا في الظاهر، ويسلي نفسه عندما يسمع أن المؤمن مبتلى وهو غافل عن أن الكثير من المنافقين يصيبهم البلاء أيضاً وليس كل مبتلٍ مؤمناً.
المرتبة الرابعة: أن يرى الإنسان نفسه متميزاً عن سائر الناس، فهو أفضل من العاديين بالإيمان، وأفضل من المؤمنين بكمال الإيمان، وبالصفات الحسنة عن غير المتصفين بها، وبفعل الواجب وترك الحرام عمن لا يفعل، وكذلك بالنسبة لفعل المستحبات، فيثق بنفسه وبأعماله ويرى سائر الخلق ناقصين وينظر إليهم بعين الاحتقار ويطعن بهم بقلبه أو لسانه ويعيبهم ويبعد كلاً منهم بصورة ما عن ساحة رحمة الله، ويجعل الرحمة خالصة له ولأمثاله.
هذه علامات العجب التي قد يغفل الإنسان عنها، وهناك مراتب أخرى له أدق من ذلك.
دقة حيل الشيطان
إن الشيطان - وكذلك النفس الأمارة - عندما يتعامل مع الإنسان يتعامل معه عن تخطيط ودراسة، فهو لا يطلب من الإنسان المتقي الوقوع في الآثام العظيمة بداية كالقتل والسرقة والزنا...، وكذلك في العجب فهو لن يطلب من الإنسان بداية المنّ على الله بهذه الأعمال، أو أن يحسب نفسه في زمرة المحبوبين المقربين، وإنما يبدأ الأمر بالخطوة الأولى ليشق طريقة نحو القلب ويستولي عليه بشكل تدريجي.
فتجده يؤكد عليك الالتزام بظواهر المستحبات والأذكار والأوراد، بل يدفعك نحو الحرص الشديد عليها حتى تظن بنفسك خيراً، وفي الوقت نفسه تجده يركز في قلبك قبح معصية معينة موجودة عند بعض أهل المعاصي غير موجودة عندك، ويضعها تحت المجهر ويضخمها حتى يصبح فاعلها أقبح من إبليس في نظرك، ثم يبدأ يوحي لك بأنك أفضل من مرتكب المعصية هذا بحكم العقل والشرع، وأنك طاهر بريء من المعاصي وأنك من أهل النجاة حتماً بحكم أعمالك الصالحة، فينتج عن هذا الإيحاء أمران كلاهما من المهلكات:
1- سوء الظن بعباد الله.
2- العجب بالنفس.
هذا في المرحلة الأولى، ثم بشكل تدريجي ينتقل إلى المراحل الأخرى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة يمن فيها على ولي نعمته بإيمانه وأعماله ويصل إلى أسفل الدرجات!
رد حيل الشيطان: في هذه الحالة يجب أن يخاطب الإنسان نفسه والشيطان ليقول: إن هذه المعصية التي وقع بها فلان هي أقل قبحاً من العجب الذي وقعت فيه أنا، وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى مؤمناً بذنب أبداً".
ولعل سوء ظني بهذا الإنسان سيوصلني إلى سوء العاقبة فأكون من أهل النار! ويكون له أعمال صالحة لها نور ترفع ظلمات معصيته تلك فيكون من أهل الجنة.
وكان يقول أحد العارفين: "لا تعيبوا على أحد حتى في قلوبكم، وإن كان كافراً، فلعل نور فطرته يهديه، ويقودكم تقبيحكم ولومكم هذا إلى سوء العاقبة".
وكان يقول: "لا تلعنوا الكفار الذين لا يعلم بأنهم رحلوا عن هذا العالم وهم في حال الكفر، فلعلهم اهتدوا في أثناء الرحيل".
عجب أهل الفساد بفسادهم
إن أهل الكفر والنفاق وأهل الأخلاق السيئة والصفات الرديئة وأهل المعاصي والفساد قد يصلون أحياناً إلى درجة الإعجاب بزندقتهم وأخلاقهم السيئة وموبقات أعمالهم! ويسرّون بها، ويرون أنفسهم من أصحاب الحرية الخارجة عن التقليد والمحررة من التعقيد، والبعيدة عن الخرافات، فيتصورون أن الإيمان بالله والتدين من ضعف العقل وصغره، والأخلاق الحسنة والصفات الفاضلة من ضعف النفس والمسكنة، والأعمال الحسنة والعبادات من ضعف الإدراك.
هؤلاء قد استولت الصفات القبيحة على قلوبهم حتى استأنسوا بها وتصوروها كمالاً، وهذه الحالة هي التي أشار إليها الحديث الشريف:"العجب درجات، منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً".
إشارة إلى قوله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًاً﴾(فاطر:8).
وهناك عدة آيات في القرآن الكريم تشير إلى هذه الحالة مثل قوله تعالى:﴿يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاً﴾
وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾(الكهف:103 - 105).
هؤلاء هم أكثر الناس مسكنة وأسوأ الخلائق حظاً وأولئك يعجز أطباء النفوس عن علاجهم ولا تؤثر فيهم الدعوة والنصيحة بل قد تعطي أحياناً نتيجة عكسية.
إن النفس والشيطان يهونان المعاصي في عين الإنسان حتى إذا وقع في معصية استدرجاه إلى أخرى حتى يصل إلى درجة الاستهانة بالشريعة والقانون الإلهي وتوصله يداه إلى الزندقة والكفر والإعجاب بهما!
عن الإمام الصادق عليه السلام:"يدخل رجلان المسجد،أحدهما عابد والآخر فاسق، فيخرجان من المسجد والعابد صدِّيق والعابد فاسق، وذلك أنه يدخل العابد المسجد وهو مدلٌّ بعبادته وفكره في ذلك، ويكون فكرة الفاسق في التندّم على فسقه فيستغفر الله من ذنوبه".
آثار ومفاسد العجب
إن العجب من الموبقات والمهلكات وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من دخله العجب هلك".
وقال الله تعالى لداوود عليه السلام : "يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين، قال: يا رب كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين قال: يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك".
أعوذ بالله تعالى من المناقشة في الحساب التي تهلك الصديقين ومن هو أعظم منهم.
وصورة هذا العجب في البرزخ وما بعد الموت تكون موحشة ومرعبة جداً لا نظير لها في الهول، وأوضح ما يشير إلى ذلك قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في وصيته لأمير المؤمنين عليه السلام: "ولا وحدة أوحش من العجب".
وللعجب أثار ومفاسد تتبعه، يقع الإنسان بها إذا أصيب بالعجب، نذكر بعضها:
1- إحباط الأعمال: إن العجب يحبط إيمان الإنسان وأعماله ويفسدها، وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أن الشيطان يقول: "إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث فلا يهمني عمله بعد ذلك لأنه لن يقبل منه: إذا استكثر عمله، ونسي ذنبه، وتسرب إليه العجب".
2- يستحوذ عليه الشيطان ويصبح فريسة سهلة أمامه، وقد ورد أنه سأل موسى بن عمران عليه السلام الشيطان: "أخبرني بالذنب الذي إذا ارتكبه ابن آدم استحوذت عليه، قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه".
3- استصغار الذنوب، بل إن صاحب العجب يظن أن نفسه زكية طاهرة فلا ينهض لإصلاح نفسه، ولا يخطر على باله أبداً أن يطهرها من المعاصي لأن ستار العجب وحجابه الغليظ يحول بينه وبين أن يرى عيوبه، وهكذا سيبتلى الإنسان بأنواع النواقص دون أن يكون قادراً على معرفتها وإصلاحها، مما سيوصله إلى الهلاك الأبدي...
4- اعتماد الإنسان على أعماله، وهذا ما يصبح سبباً في أن يحسب الإنسان نفسه في غنى عن الحق تعالى، ولا يرى لله تعالى فضلاً عليه! ويرى بحسب عقله الصغير أن الحق تعالى ملزم بأن يعطيه الأجر والثواب، ويتوهم أنه لو عومل بالعدل أيضاً لاستحق الثواب.
5- احتقار عباد الله، فيحسب أعمال الناس لا شيء وإن كانت أفضل من أعماله ويسيء الظن بعباد الله ويرى نفسه أرفع منهم جميعاً.
6- من مفاسده أيضاً أنه يدفع الإنسان إلى الرياء، لأن الإنسان إذا استصغر أعماله ووجد أخلاقه فاسدة وإيمانه لا يستحق الذكر، لا يطرح بضاعته تلك ولا يتظاهر بها، فإن البضاعة الفاسدة غير صالحة للعرض، ولكنه إذا رأى نفسه كاملاً وأعماله جيدة، فإنه يندفع إلى التظاهر والرياء ويعرض نفسه على الناس.
7- من مفاسده أيضاً أنه يوصل الإنسان إلى التكبر، وهو رذيلة مهلكة سيأتي الكلام عنها مفصلاً فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فالعجب هو شجرة خبيثة تنتج الكثير من الكبائر والموبقات، فمن المحتم أن يعتبر الإنسان نفسه ملزماً بالنهوض لإصلاح النفس، وتطهيرها من هذه الرذيلة واستئصال جذورها من باطن النفس لئلا ينتقل لا سمح الله إلى العالم الآخر وهو بهذه الصفة فيكون حال أهل الكبائر أفضل من حاله، فيغمرهم الله برحمته الواسعة بسبب ندمهم أو بسبب ما كان لديهم من رجاء بفضل الله تعالى، وأما هذا المسكين الذي حسب نفسه غنياً عن الله تعالى، فسيرى العدل الإلهي إذا تجلى ولم تشمله الرحمة الإلهية، سيرى حساباً عسيراً وسيخضع لميزان العدل، فيعلم أنه لم يقم بأي عبادة لله تعالى وأن كل أعماله وإيمانه باطل وتافه، بل وأن تلك الأعمال والعبادات نفسه هي سبب الهلاك وبذرة العذاب الأليم ورأس مال الخلود في الجحيم. عندما يعلن رسول الله محمد المصطفى صلى الله عليه وآله قائلاً: "ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك".
فماذا سيكون حال سائر الناس؟ نعم أنهم عليهم السلام العارفون بفقرهم وبغناه تعالى، فلو قضوا جميع أعمارهم بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح، لما أدوا شكر نعم الله، أي كمال يملكه الفقير بنفسه؟ وأي جمال لم يأخذه من ربه؟ وأي قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها؟
﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك﴾(النساء:79).
أساس العجب - حب النفس
الإنسان مفطور على حب الذات، وبسبب هذا الحب يرى الإنسان أعماله الصغيرة كبيرة، ويرى نفسه من الصالحين ومن خاصة الله، ومستحقاً للمدح والثناء على تلك الأعمال الزهيدة والتافهة، وفي بعض الأحيان تلوح لنظره قبائح أعماله حسنة، فيما لا يعير أعمال غيره ممن هم أفضل منه أي أهمية، بل يصف أعمال الصالحين بالقبح.
وبسبب حبه لنفسه هذا يرى أن الله مدين له وأنه يستوجب منه الرحمة بسبب تلك الأعمال الزهيدة المصحوبة بآلاف الشوائب المبعدة عن الله تعالى ، فجميع الأخطاء والمعاصي الإنسانية والرذائل الأخلاقية أساسها حب النفس.
ولكننا إذا أبعدنا تأثير حب النفس هذا ونظرنا بعين الإنصاف إلى هذه الأعمال لنرى هل أننا نستحق عليها المدح والثواب والرحمة أم أننا جديرون باللوم والعقاب والنقمة، فماذا سنرى؟
لمن العبادات؟
إذا أردتم أن تعرفوا قيمة أعمالكم فلتطرحوا على أنفسكم السؤال التالي:
لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وآله أخبركم أنكم إذا عبدتم الله طوال عمركم وأطعتم أوامره وتركتم شهوات النفس ورغباتها، أو فعلتم عكس ذلك فتركتم العبادة وعملتم خلاف أوامره وغرقتم في الشهوات ورغبات النفس طوال حياتكم، أخبركم أنه في كلتا الحالتين لن تختلف درجاتكم في الجنة، فلا فرق من هذه الجهة بين أن تصلوا أو تزنوا، ولكن من جهة أخرى يكون رضا الله تعالى في عبادته والثناء عليه وحمده والابتعاد عن الشهوات والرغبات مع عدم الثواب على ذلك فهل كنتم تصبحون من أهل المعصية أم من أهل الطاعة؟ هل كنتم تتركون الشهوات من أجل رضا الله والتقرب إليه والرغبة فيه؟ هل كنتم من المتوسلين إليه بالمستحبات والجمعة والجماعات؟ أم أنكم كنتم ستغرقون في الشهوات وتلازمون اللهو واللعب والملاهي...؟ إنني أعلن عن نفسي وعمن هم على شاكلتي بأنا كنا نصبح من أهل المعصية ونترك الطاعات ونعمل بالشهوات!
قيمة هذه العبادات
إن جميع أعمالنا هي من أجل اللذات ومن أجل الاهتمام بالبطن والفرج، إننا عباد البطن والشهوة، ونترك لذة صغيرة للذة كبيرة وأعظم، إن صلاتنا التي هي معراج المؤمن نؤديها قربة لنساء الجنة ولا علاقة لها بالتقرب إلى الله!
إن جميع عباداتنا هذه هي من كبائر الذنوب عند أولياء الله الصالحين العارفين له تعالى.
أيها العزيز إن الصلاة التي تكون لأجل امرأة، سواء كانت في الدنيا أم في الجنة، لا تكون لله تعالى، فلماذا تتدلل إلى هذا الحد وتنظر إلى عباد الله بعين الاحتقاروتحسب نفسك من خواص الله تعالى!
الثواب تفضل لا استحقاق
اعمل الأعمال التي أُمرت بها واعلم أنها ليست لأجل الله، واعلم أن الله يدخلك الجنة بتفضله ورحمته.
إن الله تعالى خفف عن عباده لضعفهم بالتجاوز عن دوافعهم تلك التي تعتبر نوعاً من الشرك، وطواه بغفرانه وأسدل عليه وستره برحمته، فحاذر من تمزق ستار الرحمة هذا بالعجب، فإذا حصل لا سمح الله أن انطوت صفحتك هذه ورحلت من الدنيا وجاءت صفحة العدل فإن عفونة عباداتنا عندئذٍ لن تقل عن عفونة المعاصي والموبقات التي يرتكبها أهل المعصية، وقد أسلفنا الحديث القدسي: "يا داود بشر المذنبين وأنذر الصديقين. قال: كيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟ قال: يا داود بشر المذنبين أني أقبل التوبة وأعفو عن الذنب وأنذر الصديقين أن لا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك".
لأنه مستحق للعذاب وفق العدالة. فإن ثواب عبادات العبد لا تعادل شكر واحدة من نعمائه.فإذا كان هذا حال الصديقين وهم المطهرون من الذنب والمعصية! فماذا نقول نحن؟
هذا كله إذا كان عملنا خالصاً من الرياء الدنيوي والمعاصي والموبقات، وقلما تخلو الأعمال وتخلص من الرياء والنفاق!
عبادتك تستوجب التوبة لا العجب!
بعد كل ما ذكرناه، عليك أن تتوب من تلك الأكاذيب التي قلتها في حضرة الله تعالى، ومما نسبته إلى نفسك دون دليل. ألا ترى أن عليك أن تتوب من قولك وأنت تقف أمام الله قبل الدخول في الصلاة ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾(الانعام:79)، وكذلك قولك: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الانعام:162)، فهل وجوهكم متوجهة إلى فاطر السماوات والأرض؟ هل أنتم خالصون من الشرك؟ هل صلاتك وعباداتكم وحياتكم ومماتكم لله؟
ثم بعد ذلك عندما تقولون ﴿الحمد لله﴾ فهل أنتم حقاً تقرون أن المحامد كلها لله؟ أم أنكم تقرون بالحمد لعباده بل ولأعدائه؟، أليس قولكم ﴿رب العالمين﴾ هو كذب أيضاً، لأنكم في الوقت نفسه تقرون بالربوبية لغيره تعالى في هذا العالم؟ أفلا يحتاج ذلك للتوبة والخجل؟
وحينما تقول﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فهل تراك تعبد الله أم تعبد بطنك وفرجك؟ هل أنت تطلب الله أو الحور العين؟ هل تطلب العون من الله فقط؟ إن الشيء الذي نغفل عنه في الأعمال هو الله تعالى. ثم عندما تذهب إلى بيت الله تعالى فهل أنت تقصد الله تعالى صاحب الدار وقلبك مترنم بقول الشاعر:
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار
أباحث أنت عن الله؟ طالباً لآثار جماله وجلاله؟ ألأجل سيد المظلومين تقيم العزاء؟ ألأجله؟ تلطم على رأسك وصدرك أم لأجل الوصول إلى آمالك وأمانيك؟ أهي بطنك التي تدفعك لإقامة مجالس العزاء، وشهوة الظهور هي التي تدفعك للذهاب إلى صلاة الجماعة، وهوى النفس هو الذي يجرك للمناسك والعبادة؟.
فيا أيها الأخ، كن حذراً تجاه مكائد الشيطان واعلم أنه لن يدعك تؤدي عملاً واحداً بإخلاص، وحتى هذه الأعمال غير الخالصة التي يتقبلها الله بفضله لا يدعك الشيطان تصل من خلالها إلى الأهداف المقصودة منها، فيعمل على إحباطها وتخسر حتى هذا النفع بسبب العجب والتدلل في غير موقعه! وحتى أنك لن تصل إلى الجنة وحور العين، بل تخلد في العذاب ويشملك الغضب الإلهي كذلك.
*الأخلاق من (الأربعون حديثاً)،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية،ط 2 ،2007م ،ص57-68