يتم التحميل...

أبو نواس يمدح الإمام عليه السلام

شهادة الإمام الرضا(ع)

بعدما بويع للإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد تجاوبت الدنيا مع هذا العهد واهتزّت فرحاً وطرباً وفاضت قرائح الشعراء تنشد النفيس من الشعر في هذه المناسبة العظيمة حيث يعلمون أنّ هذا الوقت هو الوقت المناسب لقرض الشعر وبثّه في حقّ بني علي وفاطمة ومن فاته اليوم فسوف تفوته الفرصة لذلك جاءوا من كل حدب وصوب يؤكّدون للإمام ولاءهم بقصائدهم العصماء.

عدد الزوار: 799

بعدما بويع للإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد تجاوبت الدنيا مع هذا العهد واهتزّت فرحاً وطرباً وفاضت قرائح الشعراء تنشد النفيس من الشعر في هذه المناسبة العظيمة حيث يعلمون أنّ هذا الوقت هو الوقت المناسب لقرض الشعر وبثّه في حقّ بني علي وفاطمة ومن فاته اليوم فسوف تفوته الفرصة لذلك جاءوا من كل حدب وصوب يؤكّدون للإمام ولاءهم بقصائدهم العصماء.

غير أن شاعراً من أكبر الشعراء في عصره لم يذكر اسمه في عداد الشعراء ولم يسمع صوته هناك وهو من هو في خدمة الدولة العباسية فكيف تأخّر ولم يحضر المهرجان الأدبي الكبير والموسم العالمي الخطير، فهل يعقل أن ينسى مثل أبي نواس، إذا الشعراء دعوا أو أنّ أبا نواس يهرب من مثل هذه المواقف التي تخلّد شعره وترفع ذكره.

وهل يبخل بباقة ورود على أئمة الحق والهدى مع أنّه نثر منها على هارون وأحزابه.

ولعلّه تغيب لعذر نجهله عن قصد أو عن غير قصد أو تغيب ليبدع في هذا الحقل الخصيب فيفكر مليّاً ليكون فارس الحلبة وشاعرها الخلاّق أو لعلّه يريد أن يخفي للناس ولاءه لعلي وآل علي حتى يكون في الرعيل الآخر فإذا ما عوتب على عدم مشاركته في هذه الحلبة الإسلامية العظيمة أنشد ومن خير ما أنشد:
قيل لـــــي أنــــت أوحـد الناس طراً ** فــــــي فـــــنون مـــن الكلام النبيه
لك مـــن جــــــوهر الكــــــلام بديع ** يثــــــمر الــــــدر فــي يدي مجتنيه
فعلام تركـت مــــدح ابـــــن موسى ** والخصـال الــــــتي تجمّــــــعن فيه
قلت لا أستــــطيع مـــــــدح إمــــام ** كـــان جــــــــبريل خــــــادماً لأبـيه

فأعجب المأمون هذا الشعر الجيد، وممّا يدل على إعجابه به أنّه وصله بمثل الذي وصل به الشعراء كافة وفضّله عليهم.

وهذا الشعر من أبي نواس يدلّ دلالة واضحة على أنّه علوي الهوى شيعي النزعة متتبع لأخبار آل محمد يعيش آلامهم وإن لم نعرف عنه شيئاً في مدائحهم قبل هذا ولعلّ الأجواء السياسية الساخنة هي التي هيمنت عليه وكمّت فاهه وحالت بينه وبين مدح آل البيت عليهم السلام.

لكنه بعد أن أتيح له الجو وتنفّس ملء رئتيه أظهر ما في كوامن نفسه من محبة وعاطفة شديدة لعلي وآله. فقد خرج أبو نواس ذات يوم من داره فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه وقيل إنّه علي بن موسى الرضا فأنشد يقول:
إذا أبصــــرتك العــين من بعد غاية ** وعارض فـــــيك الشـك أثبتك القلب
ولو أن قوماً يمـــــموك لقــــــادهم ** نسيمك حــــتى يســـــتدل به الركب
وهكذا بدأ يكشف أمره ويذيع سرّه ويزين شعره بمدح آل علي ليكون ذكراً له في الدنيا وأجراً وثواباً له في الآخرة.

فنظر مرة إلي الإمام وهو خارج من عند المأمون على بلغة له فدنا منه أبو نواس فسلّم عليه وقال: يا بن رسول الله قد قلت فيك أبياتاً فأحبّ أن تسمعها مني قال: هات... فأنشد.
مطهــــــرون نقــــــيات ثـــــــيابهم ** تجــــري الصلاة عليهم أينما ذكرو
من لم يـــــكن علــــوياً حين تنسبه ** فـــما لــــه فـــي قديم الدهر مفتخر
فالله لـــــــما بـــــرا خلــــــقاً فأتقنه ** صفاكم واصــــطفاكم أيـــــها البشر
فأنتم المـــــلأ الأعــــــلى وعـــندكم ** عــــلم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا: قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد.
ثم قال: يا غلام هل معك من نفقتنا شيء؟
فقال: ثلاث مائة دينار.
فقال: أعطها إيّاه.
ثم قال: لعلّك استقللتها، يا غلام سق إليه البغلة.
إلى هنا يسدل التاريخ ستاره على مديح أبي نواس للإمام الرضا ويحرمنا من التمتّع بأفضل وأجود أنواع الشعر ويحرمنا من التغنّي بذكر أمجاد أئمة الحقّ ومصابيح الهداية.


* الإمام الرضا عرض وتحليل / عفيف النابلسي ص 125_124.

2012-01-10