الإمام الرضا عليه السلام يترعرع بين الأطهار
شهادة الإمام الرضا(ع)
يذكر الرواة أن أم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حميدة المصفاة كانت من أشراف العجم، فاشترت جارية قد ولدت في البلاد العربية وتربت فيها، فلما اختبرتها ووجدتها من افضل الناس في دينها وعقلها، اختارتها لولدها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ...
عدد الزوار: 121
يذكر الرواة أن أم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حميدة المصفاة كانت من أشراف العجم، فاشترت جارية قد ولدت في البلاد العربية وتربت فيها، فلما اختبرتها ووجدتها من افضل الناس في دينها وعقلها، اختارتها لولدها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وقالت له: يا بني إن تكتم (وهذا أحد أسماءها) جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوصي بها خيراً.
وذكروا من فضلها: أنها لمّا وَلدت للإمام علي الرضا كان الرضا يرتضع كثيراً وكان تام الخلق، فقالت: أعينوني بمرضعة فقيل لها: أنقص الدر ؟ فقالت: لا أكذب، والله ما نقص، ولكن علي ورد عن صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولَدت.
وقد ذكر المؤرخون أسماء عديدة لوالدة الإمام، أما الجارية فكانت تسمى عند كل مولاة باسم جديد. فكانت تسمى نجمة، وأروى، وسكن وسمان، وتكتم وطاهرة. إلاّ أن أشهر الأسماء هي تكتم، وبعد ولادتها سميت طاهرة، وأم البنين.
وفي سنة مائة وثمان وأربعين من الهجرة في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ولد الإمام عليه السلام ، وعمَّ بيت الرسالة سرور وبهجة.
تقول أمه (تكتم الطاهرة) لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً في بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل إلي أبوه موسى بن جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم ردّه إلي وقال: خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه.
وكــان الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قد منحه لقب " الرضا " منذ نعومة أظفاره، كما أنه أعطاه كنية أبـو الحسن فكان كثير الحب له، هكذا يروي المفضل بن عمر يقول:
دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعلي ابنه في حجره وهو يقبله ويمص لسانه، ويضعه على عاتقه ويضمه إليه ويقول: بأبي أنت ما أطيب ريحك وأطهر خلقك، وأبين فضلك ؟ قلت: جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلاّ لك، فقال لي: " يا مفضل هو مني بمنزلتي من أبي عليه السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ".
قال: قلت هو صاحب هذا الأمر من بعدك ؟ قال: " نعم من أطاعه رشد ومن عصاه كفر "
وهكذا ترعرع الوليد في ظل والده يزكيه بآداب الإمامة ويعلّمه أسرارها ويطلعه على ودائع النبوة.
وكان الإمام موسى بن جعفر يقول - حسبما جاء فيالحديث :
" علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري، ينظر معي في كتاب الجفر والجامعة، وليس ينظر فيه إلاّ نبي أو وصي نبي ".
وخلال سني حياته مع والده تولى - - إدارة بعض شؤون الطائفة نيابة عن والده، ولعل الحديث التالي يدل على ذلك. يقول زياد بن مروان القندي: دخلت على أبي إبراهيم (الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وعنده علي ابنه، فقال لي: " يا زياد هذا كتابه كتابي، وكلامه كلامي، ورسوله رسولي، وما قال فالقول قوله ".
وقد أكثر الإمام موسى بن جعفر عليه السلام من بيان فضائل ابنه الرضا عليه السلام وأنه خليفته والإمام من بعده مما يثير السؤال عن حكمة ذلك، ولعل من الأسباب التي تهدينا إلى تلك الحكمة:
أن الظروف السياسية كانت قياسية جداً. حيث التقيّة في أشدها، وأهل البيت مطاردون، وهارون الرشيد كان يلاحق أصحاب وانصار أهل البيت من بلد إلى بلد، ويقتلهم زرافاتٍ ووحداناً. والإمام موسى بن جعفر يتنقل بأمره من سجن لآخر، فكانت إمكانية تفرق كلمة الشيعة بعد وفاته تجعل من الحكمة التأكيد على ولاية الإمام الرضا.
والأصحاب بدورهم كانوا يتوجسون خيفة من اختفاء الإمام فجأة دون معرفة الإمام من بعده، يظهر ذلك كله من بعض الأحاديث التالية:
روي عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقيت موسى بن جعفر فقلت: أخبرني عن الإمام بعدك بمثل ما أخبر به أبوك قال: " كان أبي في زمن ليس مثل هذا ".
قال يزيد فقلت من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال فضحك ثم قال: " أخبرك يا أبا عمارة إني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنّي وأشركتهم مع علي ابني وأفردته بوصيَّتي في الباطن ".
ويروي علي بن عبد الله الهاشمي: قال: كنا عند القبر (أي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله إذ أقبل أبو إبراهيم موسى بن جعفر ويد علي ابنه في يده فقال: " أتدرون من أنا " ؟
قلنا: أنت سيدنا وكبيرنا، قال: " سموني وانسبوني ".
فقلنا أنت موسى بن جعفر، فقال: " من هذا معي " ؟
قلنا: هو علي بن موسى بن جعفر، قال: " فاشهدوا أنه وكيلي في حياتي ووصيي بعد موتي ".
وقد اتخذ الإمام موسى بن جعفر كافة وسائل الاحتياط لبيان إمامة الإمام الرضا. فمثلاً: كتب كتاباً بذلك وأشهد عليه ستين رجلاً من وجوه أهل المدينة.
وكان يرجع الأمور إليه في حياته كما فعل عندما أشخص به إلى البصرة، حيث دفع إلى عبد الله بن وحوم كتباً وأمره بإيصالها إلى نجله الرضا في المدينة .
خلقه وفضائله:
كان الإمام الرضا عليه السلام بمثابة قرآن ناطق، فخلقه من القرآن، وعلمه ومكرماته من القرآن، أوليس القرآن هو آية الله العظمى في خلقه، أولم ييسّره ربنا لمن شاء من عباده أن يستقيم عليه ؟ أوَ يكون ذلك غريباً أن يصبح من تمثل القرآن في حياته آية عظمى لرب العالمين.
وكان الإمام الرضا عليه السلام قد تمثل هذا النور - بكل وجوده حتى جاء في الحديث: عن ابي ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يقول:
ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن شيء قط إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمنحه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاث ليالٍ، ويقول:
" لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت، ولكني ما مررت بآية قط إلاّ فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم كل ثلاثة أيام ".
والإمام الرضا عليه السلام عظَّم الله ووقره وسلّم له أمره واستصغر كل شيء سواه، واستعد لكل بلاء في سبيلــه، وكان كل ذلك وسيلته إلى ربه.
كان من عبادته عليه السلام أنه إذا صلّى الفجر في أول وقتها يسجد لربه فلا يرفع رأسه الى أن ترتفع الشمــس.
السبيل إلى الله:
ومــن يعظم الله يعظم أولياءه، ومن يرفض توقير أولياء الله يفقد السبيل الى الله. والإمام الرضـا عليه السلام
سلك هذا السبيل إلى ربه. ولعمري إن الشيطان يزين للإنسان مخالفة أولياء الله والتكبر عليهم حتى يضله عن سبيل الله القويم، ويلقيه في تيه السبل المتفرقة.
وكلما ازداد الإنسان تسليماً لقيادته الشرعية، وحباً لولي أمره، ولأولياء الله من الأنبياء والأوصياء والصالحين، كلما يزداد من ربه قرباً.
والإمام الرضا كان كما سائر الأئمة أطوع الناس لولي أمره الإمام موسى بن جعفر فجعله الله حجة من بعده.
يقول الإمام الكاظم: " علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي، وأطوعهم لأمري "
وقال: " علي أكبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي ".
الشجرة الطيبة:
كان الرضا من الشجرة الطيبة التي أكرمها الله، وبارك لأمة محمد فيها وقال سبحانه:
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(آل عمران / 34).
ولقد اختار الله يحيى بن زكريا للنبوة وآتاه الحكم صبيّاً، بحكمته البالغة وإكراماً لوالده زكريا.
واختار مريم صديقة حينما نذرت امرأة عمران ما في بطنها محرراً لله.
واختار عيسى عليه السلام كرامة لوالدته الصديقة فكلم في المهد قائلاً: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ﴾(مريم / 30).
فلماذا نستغرب حينما يختار من أهل بيت محمد صلى الله عليه واله اثنا عشر نقيباً، أئمة هداة ميامين بحكمته البالغة وكرامة لأقرب الناس إلى الله سيد المرسلين محمد صلّى الله عليه وآله1 .
1- راجع أحاديث ما ذكرناه في بحار الأنوار : ج 49، ص 5 ، 9، 21 وج 49، ص 126 - 127 .