الإعتدال أساس الحياة
مواعظ حسنة
فترى بعض الناس مفرطين في حياتهم في كل شيء؛ فهم يأكلون أكثر مما يشتهون، ويشربون أكثر مما يحتاجون، وينامون النوم الطويل، ويسرفون في حبهم أو بغضهم، ويبذرون في طاقاتهم وإمكانياتهم.
عدد الزوار: 116
﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ الإسراء:29.
تعتبر أزمة الإفراط والتفريط أزمة خطيرة جداً، من طبيعتها أن تضيع على الإنسان حياته ، وأن تسلبه السعادة الأخروية الأبدية.
فترى بعض الناس مفرطين في حياتهم في كل شيء؛ فهم يأكلون أكثر مما يشتهون، ويشربون أكثر مما يحتاجون، وينامون النوم الطويل، ويسرفون في حبهم أو بغضهم، ويبذرون في طاقاتهم وإمكانياتهم.
بينما ترى البعض الآخر يقصّرون في كل شيء؛ فلا يأكلون إلا قليلاً، ولا ينامون إلا قصيراً.
وبين هذا وذاك؛ نجد الإسلام يأمر بالقسط والاعتدال، والسير في الحياة ضمن الصراط المستقيم، والمحجّة البيضاء. وقد يعيش المرء حسبما يامره الوحي والعقل ، ووفق ما تامره خبرته العلمية وتملي عليه تجربته العملية.
والله ربنا يأمرنا بالاعتدال في كل شيء، حتى في عطائنا للآخرين، إذ يلزمنا بمراعاة الجانب الاقتصادي، فيقول: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِك﴾ أي لا تحشر نفسك في شباك الاغلال والقيود، ولا تضطرها إلى الانطواء والانغلاق، حيث تحرّم عليها كل شيء وتمنعها من طيبات ما رزقك الله.
فالإنسان في المجتمع المسلم لا ينبغي له أن يكون مقيداً بقيود إضافية، فيشرّع لنفسه بغير ما أمره خالقه أو ما نهى عنه العقل السليم.
أما أن يكون المسلم في حالة انكماش وانطواءٍ دائم على نفسه، لا يحب الانطلاق والتحرك، ثم الافظع من ذلك أنه ينسب كل ذلك إلى الدين، فيحرم الطيبات عليه وعلى الآخرين ، وكلمة الحرام والممنوع لا تسقط عن لسانه. فعليه والحالة هذي -أن يراجع ويقوّم جملة اعتقاداته الدينية، لا سيما وأن الله تعالى حينما يصف رسوله الكريم وبعثته الشريفة، يقول: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الأعراف:157 .
وهو أيضاً يوسّع الآفاق امام الناس بقوله الكريم : ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ الأعراف:32 .
فالقرآن المجيد الذي يامرنا بالتحرك في الحياة؛ فنأكل ونشرب ونسافر وننفق... تراه من جهة اخرى ينهانا عن الافراط فيقول: ﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً﴾ أي لا يصح ولا يجوز العيش حسب العواطف، ولا سيما الارتجالية منها، حيث يخرج المرء من امواله جميعاً -مثلاً- فينسى حقوق نفسه وأولاده وزوجته واقاربه. فلا يصح ان يتصرف وكأنه يعيش لهذه اللحظة، وأن ليس له غدٍ.ان الشرع والعقل يأمران الإنسان بأن يعمل حسب الحاجة بمعنى ضرورة أن تكون تصرفاته مدروسة ومعقولة، وذلك لتحاشي الوقوع في مطبات الندم ، وتحاشي أن تكون حياته في المستقبل جملة من ردود الفعل المعاكسة.
فقضية الإنفاق لابد لها من قيود، إذ من الخطأ الواضح أن ينجي المرء فقيراً ما بإنفاقه كل أمواله، فيتحول هو إلى فقير. وإنما يجدر الاعتقاد بأن ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ .
فلما كان لزاماً على المؤمن التخلق بأخلاق الله فعليه معرفة ان الرزق بيد الله، وأنه يرزق من يشاء، وأنه يمنع على من يشاء، وأن كل ذلك ضمن خبرة وبصيرة إلهية لاتُجارى.
ومن هنا؛ يتبين أنه لا يكون المؤمن مؤمناً حقاً، ما لم يلتزم بالاعتدال والقسط في الحياة؛ بعواطفها وحبها وبغضها ، وبحركة العطاء والمنع... حيث يأخذ الطريق الوسط والمستقيم في مختلف الابعاد، ويتجنب الإفراط والتفريط .
* في رحاب القرأن/ السيد المدرسي ص30_33.
2012-02-25