معرفة الله
قيد الدراسة3
معنى العقيدة العقيدة في الأصل مأخوذة من "عَقْد" الذي يعني الإحكام والشد والربط، تقول: "عقدت الحبل" إذا أحكمته أو شددته أو ربطته. ونصطلح عليها هنا: بالمعلومات التي تربط بالعقل ويتقبّلها ويعتقد بها بنحو قطعي يقيني، فتصبح محكمة ومشدودة ومربوطة بعقله، ونقصد بها أصول الدين، وهي: التوحيد، العدل، النبوة، الامامة والمعاد.
عدد الزوار: 40
معنى العقيدة
العقيدة في الأصل مأخوذة من "عَقْد" الذي يعني الإحكام والشد والربط، تقول: "عقدت الحبل" إذا أحكمته أو شددته أو ربطته. ونصطلح عليها هنا: بالمعلومات التي تربط بالعقل ويتقبّلها ويعتقد بها بنحو قطعي يقيني، فتصبح محكمة ومشدودة ومربوطة بعقله، ونقصد بها أصول الدين، وهي: التوحيد، العدل، النبوة، الامامة والمعاد.
دور العقيدة في حياة الإنسان
إنَّ عقيدة الإنسان هي الأساس لجميع توجهاته وسلوكه في الحياة، فهي التي تحفزه للعمل وتحدد اتجاهه وتدفعه للانتاج، ومن المؤكد أنه ليس هناك فكر يفوق الإسلام في تقديره للعقيدة، فالعقيدة في الإسلام هي الميزان لتقويم الأعمال، حتى الصحيحة منها فإنها تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة.
عن الإمام الباقرعليه السلام: "لا ينفع مع الشك والجحود عمل"1، فصحة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان أمور مرتبطة بصحة عقيدة العامل، فإذا لم تتوفر سلامة عقيدته وكان منكراً لما هو حق، أو سيطر عليه الشك، فإنَّ هذا الإنسان لا يملك دافعاً للعمل الصحيح، فالعقيدة السويّة هي التي توجّه نحو العمل وتحدد ارتباطه وبالتالي قيمته.
لذلك، فإنّ من وجهة النظر الإسلامية أول ما يُطرح على الإنسان أي إنسان بعد مماته ولدى دخوله عالم الاخرة من استجوابات مبدئية للتسجيل في ملف أعماله هو السؤال عن العقائد، لا عن العمل، من هو ربّك وإلهك الذي تؤمن به؟ وما هو دينك الذي تعتقد به؟ ومن هو نبيّك وأسوتك التي أتّبعتها في حياتك؟. لذا على الإنسان أن يتعرّف على ربّه ويعتقد به، ويعرف دينه ويسير على نهجه وصراطه، ويعرف نبيه وأسوته فيتبعه.
طرق المعرفة
سهّل الله عز وجل للإنسان الطريق والسبيل لمعرفة العقائد الصحيحة، وذلك حبّاً بهذا الإنسان ورحمة به، وجعل الطرق اليه سبحانه وتعالى بعدد أنفاس الخلائق، حيث جعلها سهلة العبور، يسيرة التناول، واضحة المعالم، منسجمة مع طبيعته وفطرته، يهتدي إليها عند التنبّه والإلتفات، كما أودع في الإنسان قدرات وإمكانات يستطيع من خلالها تحصيل العقائد الصحيحة، فما هي هذه القدرات والإمكانات؟
يمتلك الإنسان قدرات وامكانات لتحصيل ما يجهل، واكتساب المعرفة، منها:
1- الحواس: وهي السمع والبصر والشمّ والذوق واللمس، فيعرف ما يجهله عن طريق إحدى الحواس، فيدرك بعقله معاني الكلمات بعد سماعها، وجمال الطبيعة عند رؤيتها، وزكاوة الرائحة عند شمّها وحلاوة العسل عند تذوقه، وحرارة النار عند لمسها. وتسمى هذه النعم الإلهية التي رزقنا الله إياها بالقدرة الحسية، ويمكن من خلالها إدراك كل ما يقع تحتها وضمن حيازتها.
2- العقل: وهو ما يميز الإنسان عن سائر الحيوانات التي لا تعقل، وبه شرفه الله عز وجل على سائر الموجودات، فيدرك وجود الأشياء التي لا يطالها سمعه أو بصره أو باقي حواسه، فيدرك أنَّ هذا السلك يحمل الكهرباء مع أنه لم يرها ببصره، لكن رأى أثرها وهو النور المنبعث من ذلك المصباح المضيء.
وتسمى هذه القدرة بالعقل أو القدرة العقلية. ويستطيع الإنسان بما يمتلك من قدرات وامكانات الوصول الى العقائد الحقّة بطريق سهل ويسير، لأنها كما أشرنا تنسجم مع فطرته الصافية وعقله السليم.
معرفة الله عز وجل
يمكن للإنسان أن يسخّر ما وهبه الله عز وجل من قدرات وامكانات ويجعلها سبلاً للوصول الى معرفة الله سبحانه وتعالى، وقد أرشد الله سبحانه وتعالى اليها في كتابه الكريم فقال عز من قائل: ﴿سَنُرِيهِمْ ايَاتِنَا فِي الْافَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق﴾(فصلت:53).
السبيل الأول: لو توجهت بحواسك لافاق العالم من حولك، وما فيه من المخلوقات التي تحيط بنا من شمس وقمر وكواكب وحركتها وتعاقب الليل والنهار وجريان الرياح وفوائدها، كلُّ ذلك في نظام دقيق خال من أي تناقض أو تضارب، لأدركنا بشكل واضح وجلي، أنه يستحيل أن تُوجد من دون خالق مبدع أخرجها من ظلمة العدم الى نور الوجود، وجعلها ضمن هذا النظام المتناهي في الدقة، وهذا الخالق هو الله جل وعلا.
وإلى هذا يرشد القران الكريم: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لايَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون﴾(البقرة:164).
تبرز هذه الاية القرانية المباركة الايات (العلامات) الدالة على الخالق المتعالي جل اسمه:
- من سماوات تحوي مليارات الشموس والأجرام التي يُرى بعضها بالعين المجردة وبعضها الاخر بالتلسكوبات،والتي تنتظم مع بعضها ضمن نظام مترابط.
- والأرض بما عليها من حياة تتجلى بمظاهر مختلفة بالاف الانواع من الحيوان والنبات.
- وتعاقب الليل والنهار، والظلمة والنور بنظام خاص، فينقص أحدهما بالتدريج ليزيد الاخر، وما يتبع من تعاقب الفصول الأربعة، وتكامل النبات وسائر الأحياء، فلو انعدم هذا التعاقب لانمحت الحياة عن وجه هذه الأرض.
- وطفو السفن في البحار والمحيطات وجريانها بواسطة الرياح التي تهب ضمن نظام خاص من القطبين الشمالي والجنوبي نحو خط الاستواء وبالعكس، وتعتبر هذه الرياح قوة طبيعية لتحريك السفن العملاقة التي تشبه المدن العائمة، ولم يقلل من أهميتها استعمال المحركات الوقودية في وقتنا الحاضر.
- والمطر النازل الذي يحيي الارض فتدبّ فيها الحياة وتهتز ببركته وتنمو النباتات وتحيا الدواب بحياة هذه النباتات.
- وتصريف الرياح من جهة الى جهة لا على سطح البحار والمحيطات لحركة السفن فحسب، بل على اليابسة أيضاً لتلقيح النباتات وتلطيف المناخ، ولمنع تراكم السموم في الفضاء.
- والسحب المتراكمة في أعالي الجو، الحاملة لالاف الاطنان من المياه المسخر والمخلوق لمصلحة هذا الانسان.
كل هذه العلامات والمظاهر البيّنة التي ندركها بحواسنا، دليل واضح وجلي على عظمة هذا الخالق المبدع بما لا يقبل شكاً ولا ريباً، وكأنّ هذه الكائنات تقول: هل يمكن اجتماع كل هذه العوامل والمخلوقات بمحض الصدفة، ودون وجود خالق أوجدها ورتّبها ونظّمها.
السبيل الثاني: لو تدبر الانسان في هذا الوجود لأدرك بشكل واضح وجلي أنه لا بد من موجد وخالق لهذا الكون فيستحيل أن يوجد شيء من دون موجد، وهذا معلوم بالبداهة ويدرك هذا المعنى حتى الطفل، فلو وضعت يدك على كتفه دون أن يراك لتنبه إليك والتفت نحوك، كل هذا لأنه يدرك بشكل بديهي أنه لا بد من شخص سبّب وفعل هذا اللمس على كتفه.
وقد أرشد الله عز وجل الى هذا المعنى بقوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾(الطور:35-36). فهاتان الايتان القرانيتان المباركتان تطرح تساؤلات واحتمالات حول مبدأ ومُوجِد هذا العالم:
- الاحتمال الأول: أن تكون الكائنات البشرية قد وجدت لوحدها من دون خالق، وبطلانه واضح، كمن يدّعي أن هذا البناء الذي نقيم فيه، قد وجِد من تلقاء نفسه فتجمعت حجارته وحديده واسمنته فكان هذا البناء المشيّد.
- الاحتمال الثاني: أن تكون هذه الكائنات خالقة لنفسها، وهو باطل أيضاً لأن معنى أن يوجد الشيء نفسه أن يكون موجوداً قبل وجوده حتى يُوجد نفسه، فإذا أفترضنا أن الإنسان هو الموجد لنفسه فهذا يعني أنه كان موجوداً قبل وجوده حتى يستطيع إيجاد نفسه، وهذا مستحيل.
- الاحتمال الثالث: أن تكون هذه الكائنات هي الموجدة للسماوات والارض، وهو واضح البطلان أيضاً، فالانسان العاجز عن خلق نفسه وعن خلق مثله، كيف يستطيع أن يُوجد ما هو أعظم منه خلقاً.
إذن هناك عالم حي غني عن العالمين قادر على كل شيء، هو الخالق الموجد المبدع وهو الله عز اسمه.
وقد أرشد إلى هذه الحقيقة ودل عليها أمير المؤمنين عليه السلام حينما سُئل عن إثبات الصانع، فقال: البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، واثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير2؟
للمطالعة
قارب من دون صانع
تروي كتب التاريخ أن إنساناً حضر أحد مجالس بغداد الفكرية في العصر العباسي ليناقش في وجود الله، فأرسل صاحب المجلس رسولاً الى أحد العلماء يطلب منه القيام بهذه المهمة.
ذهب الرسول إلى العالم، وأخبره بالأمر، قال له العالم: سألحق بك على الفور. انتظر الحضور ساعات، وكادوا أن يتفرقوا.. وفجأة دخل العالم، وبادرهم بالقول: أعتذر عن التأخير، لأني صادفت في طريقي أمراً عجيباً..
قالوا له (وهم في دهشة): وما هو هذا الأمر؟.. أخبرنا؟
قال العالم: خرجت من البيت، حتى وقفت على شاطىء نهر دجلة. رأيت شجرة كبيرة تسقط في النهر، وتتحول الى قطع هندسية مختلفة، ثم أبصرت مسامير تركض من بعيد لتشد القطع الخشبية وتصنع منها زورقاً في غاية الدقة والإتقان.
قالوا له: وبعدها ماذا حدث؟
قال: تقدم الزورق نحو الشاطىء الاخر بدون مجذاف وربان حيث نزل جميع من ركب عليه بسلام.
هنا أخذ الرجل في الضحك والسخرية، وقال: "إني اسف من إضاعة الوقت في انتظار مثل هذا الجاهل الأحمق.. كيف يمكنني الحوار مع رجل يدَّعي العلم، ويتحدث عن شجرة تسقط وتتقطع، تلتحم، وتتحول الى زورق يحمل الناس دون مجذاف أو ربان!!
التفت العالم، وأجاب بلغة المؤمن الواثق بربه: لقد ضحكت، وسخرت، وتكلمت بكلام سيىء.. ومن حقي الان أن أرد عليك بالدهشة والتساؤل: إذا كان وجود الزورق البسيط من تلقاء نفسه أمراً عجيباً ويدل على الجهل والحمق.. فالعجب سيكون أكثر حين تقول بأن السموات والأرض وجدت صدفة وبدون خالق!!
فسكت الرجل.
1- الكافي الكليني ج2 ص 400.
2- بحار الأنوار العلامة المجلسي ج3 ص55.