يتم التحميل...

الدعاء في البلاء والرخاء

في رحاب الدعاء

الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارئ الكون ، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال ، نابعا من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الإنساني. الدعاء في البلاء : إن علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان ، ولكل امرئ طريق من قلبه إلى خالقه،

عدد الزوار: 182

الدعاء باعتباره عبادة تسمو بالنفس وتشرق بالروح وتوصل الإنسان بربه بارئ الكون ، يجب أن لا ينحصر في وقت الشدة والاضطرار بل يجب أن يكون في جميع الأحوال ، نابعا من التسامي النفسي والانفتاح الروحي والكمال الإنساني.

الدعاء في البلاء : إن علاقة الإنسان بربه علاقة ذاتية متأصلة في نفس الإنسان ، ولكل امرئ طريق من قلبه إلى خالقه، وثمة باب في القلوب يفتح إلى من بيده مجريات الأحداث وهو بكل شئ محيط ، فحتى أشقى الأشقياء نجده عند الابتلاء بالمصائب والمحن ، وعندما توصد في وجهه الأبواب ، وتنقطع به العلل والأسباب ، يفزع إلى خالقه وينقطع إليه ضارعا منكسرا ، وهذا أمر ذاتي يتساوى فيه الناس مهما كانت اتجاهاتهم وميولهم ، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (يونس:12) . وقال تعالى : ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (الروم :33) .

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وكلها تدل على أن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار أصيل في فطرة الإنسان وطبيعي في وجوده . قال رجل للإمام الصادق عليه السلام : يا بن رسول الله ، دلني على الله ما هو ؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني ، فقال له : يا عبد الله ، هل ركبت سفينة قط ؟ قال : نعم . قال عليه السلام : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ، ولا سباحة تغنيك ؟ قال : نعم ، قال عليه السلام : فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : نعم . قال الإمام الصادق عليه السلام : فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي ، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث. لقد جعل الإمام الصادق عليه السلام الرجل يعرف الله تعالى عن طريق قلبه ، لقد دله الإمام على ذلك الطريق الذي يوصل بين القلب والخالق القادر ، إن هذا الاتجاه الفطري الذي يتجلى عند تقطع الأسباب ويتوجه إلى القدرة القاهرة الغالبة على الأسباب والعلل الظاهرة ، هو الدليل على وجود تلك القدرة ، ولولا وجودها لما وجدت تلك الفطرة في قلب الإنسان . إن التوجه إلى الله تعالى في حال الشدة والاضطرار والتضرع إليه بالدعاء ، أمر غير مرئي بالحواس ، ويمكننا أن نشبهه بتوجه غريزي مرئي ومعروف ، ذلك هو ميل الطفل إلى ثدي أمه، هو غريزة تنشأ معه منذ ولادته ، فإذا جاع تحركت فيه هذه الغريزة وهدته إلى البحث عن ثدي أمه الذي لم يره ولم يعرفه ولم يتعود عليه ، فلولا وجود ثدي ولبن يناسبان معدة الطفل لما أرشدته الغريزة إليهما ، وكذلك حال الغرائز الأخرى في الإنسان ، فلولا وجود تلك القدرة القاهرة لما وجدت تلك الفطرة وذلك التوجه الغريزي في ذات الإنسان . إن هذا الأمر الأصيل في وجود الإنسان ، قد تغطيه حجب الإثم والشقاء بعد ما يظهر للعيان بنداء الفطرة ، فيتراءى للإنسان أنه قد استغنى ، فيطغى ويعرض عن خالقه متعلقا بالأسباب التي هي دونه ، قال تعالى :﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (العلق:6) . وقال تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (يونس:12). وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (الإسراء:67) .

فإذا اقتصر الإنسان على الدعاء في حال الاضطرار والشدة ، فإن ذلك لا يمثل كمالا إنسانيا ولا إخلاصا عباديا ، بل هو جفاء وقسوة وابتعاد عن رحاب الرحمة والمغفرة .

ومما دلّ على الدعاء في الرخاء : ما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موصيا الفضل بن العباس : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة .يعني أدع الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب لدعائك في الشدة ولا ينساك ، ولا تكن من الذين نسوا الله فنسيهم ، وذلك لأن من نسي ربه في الرخاء أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء ، ثم إذا دعا ربه في الشدة ، كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية في حال الشدة وحسب، وليس هو تعالى على هذه الصفة ، بل هو رب في كل حال وعلى جميع التقادير . عندما يكون الإنسان في حال رخاء واطمئنان ، يجب أن يعلم بأن ما هو فيه من نعمة مزجاة هي من الله ، وأنه هو القادر على أن يسلبه إياها كما هو القادر على أن يزيده منها ، وذلك لأنه خالق الكون والإنسان والحياة ، وأنه اللطيف بعباده الرؤوف بهم . ولهذا نجد أن الأنبياء والأوصياء والصالحين يتوجهون إلى ربهم بنفس متسامية مشرقة حتى عندما يكونون في رخاء وبحبوحة عيش ، يدعون ربهم ويتوسلون به ليديم عليهم نعمته ويزيدهم من فضله .1


1- حقيقة الدعاء /مركز الرسالة ص17-20

2011-08-18