خبر بدء متاجرة النبي بأموال خديجة
وفاة السيدة خديجة(رض)
كان أبو طالب عليه السلام قد كبر وضعف عن السفر وترك ذلك منذ أن كفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أحد الأيام دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده حزيناً مهموماً، فقال: ما لي أراك يا عم مهموماً...
عدد الزوار: 202
كان أبو طالب عليه السلام قد كبر وضعف عن السفر وترك ذلك منذ أن كفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أحد الأيام دخل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده حزيناً مهموماً، فقال: ما لي أراك يا عم مهموماً؟
فقال: يا بن أخي إنه لا مال لنا وقد ضاق بنا الزمان وليس لنا مادّة وقد كبرت وضعف جسمي وقلّ ما بيدي وأرى أنّ الأجل قد قرب منّي ولا اُحب أن أموت قبل أن أرى لك زوجة يا ولدي لتسكن إليها.
فقال لـه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما هو الرأي عندك يا عم؟
قال: اعلم يا بن أخي أنّ خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس وهي تعطي أموالها لجميع من يسألها ليسافروا للتجارة به، فهل لك يا بن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه؟
فقال: نعم ، قم إليها وافعل ما بدا لك 1. وبعد أن اتّفق أبو طالب مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يعمل في تجارة خديجة، أشار عليه أعمامه بأن يذهب معهم إلى دارها ليخبروها بالخبر.
وبالفعل فقد قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعمامه دار السيدة خديجة وطرقوا الباب، فاستقبلتهم استقبالاً حافلاً، وبعثت إليهم ميسرة ليرحّب بهم ويقدّم لهم مستلزمات الضيافة اللازمة فأكلوا وشرعوا في الحديث.
فقالت لهم السيّدة خديجة من وراء الحجاب: لعلّ لكم حاجة فتقضى، فإنّ حوائجكم مقضية.
فقال أبو طالب عليه السلام: جئناك في حاجة يعود نفعها إليك وبركتها عليك. قالت: وما ذلك؟
قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فقالت: أين هو محمّد حتى نسمع ما يقول؟
فقال العباس: أنا آتيكم به. فنهض وسار يبحث عنه فلم يجده، فالتفت يميناً وشمالاً، فتساءل منه الناس وقالوا: ما تريد؟ فقال: اُريد محمّداً. فقالوا له: في جبل حرى 2.
فسار إليه فإذا هو فيه، نائماً في مرقد إبراهيم الخليل عليه السلام ملتفّاً ببردة وعلى رأسه ثعبان عظيم، فلمّا نظر إليه العباس قال: خشيت عليه من الثعبان فسللت سيفي وهممت بالثعبان فحمل عليّ، ولمّا رأى العباس ذلك صاح برفيع صوته: أدركني يا بن أخي. ففتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم عينيه فذهب الثعبان.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما لي أرى سيفك مسلولاً يا عم؟
قال: رأيت هذا الثعبان عندك فسللت سيفي وقصدته خوفاً عليك منه فخشيت على نفسي الغلبة فصحت بك ولمّا فتحت عينك ذهب كأنه لم يكن. فتبسّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا عم ليس هذا بثعبان، ولكنّه ملك من الملائكة ولقد رأيته مراراً وخاطبته جهاراً وقال لي: يا محمد إنّي ملك من عند ربّي موكّل بحراستك في الليل والنهار من كيد الأعداء والأشرار. فقال العباس: من ينكر فضلك يا محمد، قم لنذهب إلى دار خديجة بنت خويلد لتكون أميناً على أموالها. فسارا معاً إلى دارها، فجاءت السيّدة خديجة لتنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا دخل المجلس نهض أعمامه إجلالاً لـه وأجلسوه في أوساطهم، فلمّا استقرّ بهم المجلس قدّمت لهم الطعام فأكلوا ورحّبت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: أترضى أن تكون أميناً على أموالي تسير بها حيث شئت؟
قال: نعم رضيت. ثم قال: اُريد الشام. قالت: ذلك إليك.
ثمّ إنّ السيّدة خديجة خاطبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلة: تحسن أن تشدّ على الجمل وترفع عليه الأحمال؟
قال: نعم. فقالت: يا ميسرة إيتني ببعير حتى أنظر كيف يشدّ عليه محمد؟ فخرج ميسرة وأتى ببعير قوي لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدّة بأسه فأدناه ليركبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهدر البعير واحمرّت عيناه. فقال العباس لميسرة: ما كان عندك غير هذا البعير لتمتحن به ابن أخينا؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعه يا عم، فلمّا سمع البعير حديثه برك على قدميه وأخذ يمرّغ وجهه على قدمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونطق بلسان فصيح وقال: من مثلي وقد لمس ظهري سيد المرسلين!.
فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة: ما هذا إلاّ سحر عظيم.
فقالت لهم السيّدة خديجة: ليس هذا سحراً وإنّما هو آيات بيّنات وكرامات ظاهرات 3.
1-بحار الأنوار: ج16 ص25.
2-بحار الأنوار: ج16 ص26.
3-بحار الأنوار: ج16 ص27.