يتم التحميل...

الصّفات السلبيَّة : ليست حقيقته معلومة لغيره

صفات وأسماء الخالق

إن أدوات المعرفة للإِنسان عبارة عن القوى العقلية الّتي تقوم بالتعرف على الشيء بالوقوف على حدود وجوده وماهيته. فإذا كان الشيء مركباً من وجود وماهية، فالوقوف على حده تعرُّف على كنهه. فإذا أردنا أن نَعرف الإِنسان لزم إعمال القوى العقلية حتى نقف على مرتبة وجوده وذاته وذاتياته الّتي جسّدها عروض الوجود عليها في الخارج.

عدد الزوار: 57
إن أدوات المعرفة للإِنسان عبارة عن القوى العقلية الّتي تقوم بالتعرف على الشيء بالوقوف على حدود وجوده وماهيته. فإذا كان الشيء مركباً من وجود وماهية، فالوقوف على حده تعرُّف على كنهه. فإذا أردنا أن نَعرف الإِنسان لزم إعمال القوى العقلية حتى نقف على مرتبة وجوده وذاته وذاتياته الّتي جسّدها عروض الوجود عليها في الخارج. فيقال إنَّ ماهية الإِنسان هي الحيوان الناطق أي ذلك المفهوم عارياً عن الوجود والعدم، الّذي إذا عرضه الوجود في الخارج جسّده وحققه.

وأَما حقيقة الوجود العارض فلا يمكن للنفس التعرّف عليها، لعدم المسانخة بين أدوات المعرفة والمعرَّف.فإن الإِنسان إِنما يحصّل المعرفة بفكره وذهنه والمفاهيم الّتي تلقي ضوءاً على الخارج. ومثل ذلك لا يمكن أنْ يتعرف إلاّ على ما يسانخه من المفاهيم والماهيات. وأمَّا الوجود المحقق للماهية فسنخه سنخ العينية والواقعية والخارجية، فلا يحصّل الإِنسان واقعيته لعدم السنخية بين العاقل والمعقول.

ولأَجل ذلك اتفق أهل المعقول على أَن الإِنسان يعرف ماهية الأَشياء وحدودها لا حقيقة الوجود العارض عليها الّذي ليس له واقعية إلا العينية الخارجية. فإذا كان هذا حال الوجود العارض للأشياء، فكيف بالتعرف على وجوده سبحانه الّذي هو وجود محض لا حدّ له، وحقيقة خارجية لا ماهية لها. فليس في وسع الإِنسان الّذي تنحصر أدوات معرفته بالذهن والفكر والقوى الموجودة فيهما، أنْ يتعرف على الحقيقة العينية الخارجية الّتي يمتنع أنْ تنعكس على الذهن وتُتخذ منها صورة مسانخة لعمل الذهن.

وبعبارة أُخرى: لو وقف الإِنسان على مدى قدرته في التعرف على الحقائق وأدوات معرفته والقوى الموجودة في ذهنه لأذعن أنَّ حقيقته سبحانه أعلى من أَنْ تقع في إِطار ذهن الإِنسان وفكره. فالذهن يدرك المفاهيم والمعاني والصور الّتي لا عينية لها إلاَّ بالوجود، والله سبحانه هو نفس الوجود، فكيف يمكن للذهن أَنْ يدرك حقيقة الشيء الّذي ليس بين المدرك والمدرَك أي سنخية. ولأجل ذلك تنحصر معرفة الإِنسان بالله سبحانه بالعناوين والمعرِّفات الّتي نسمّيها بالأسماء والصفات وهي لا توقفه على حقيقته تبارك وتعالى، فإنها نوافذ على الغيب يشرف بها الإِنسان البعيد عن ذلك العالم عليه إشرافاً غير كامل، فلا تعدو المعرفة الحاصلة بها عن التعرف بالاسم. يقول ابن أبي الحديد:

 

فِيكَ يا أُعْجُوَبةَ الكَـوْ 

نِ غَدا الفِكْرُ كَليـــــــلا 

أَنْتَ حَيَّرْتَ ذَوي اللُّـ 

بِ وَبَلْبَلْتَ العُقُــــــــولا

كُلَّما قَدَّم فكْري فيــــ

كَ شِبْراً فَرَّ ميــــــــــلا

ناكِصاً يَخْبِطُ فـــــــي

عَمْياءَ لا يُهْدى سَبيلا








وبذلك يعلم صدق ما ذكرناه عند البحث عن الأَسماء والصفات بأَنَّ الصفات الثبوتية لا تنحصر بالأثمان المعروفة ولا الصفات السلبية بما ذكرناه، بل الله جل جلاله موجود تام من جميع الجهات، فكل كمال لا يشذ عن حِيطة وجوده ، كما أنَّ وجوده مقدس عن كل نقص يُتصور ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ(الرحمن:78).

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج2،ص143-144

 

2009-08-01