الموضوع: نداء الغدير، الولاية والحكومة
خطاب
الحاضرون: السيد علي الخامنئي (رئيس الجمهورية) ميرحسين الموسوي (رئيس الوزراء) اكبر الهاشمي الرفسنجاني (رئيس مجلس الشوري الاسلامي) المسؤولين الاداريون والعسكريون علماء الدين مسؤولوا أركان الدفاع في البلاد
عدد الزوار: 158
التاريخ صباح 2 شهريور 1365. ش/ 18 ذي الحجة 1406. ق
المكان: طهران، حسينية جماران
المناسبة: عيد غدير خم الأغر
الحاضرون: السيد علي الخامنئي (رئيس الجمهورية) ميرحسين الموسوي (رئيس الوزراء) اكبر الهاشمي الرفسنجاني (رئيس مجلس الشوري الاسلامي) المسؤولين الاداريون والعسكريون علماء الدين مسؤولوا أركان الدفاع في البلاد
بسم الله الرحمن الرحيم
نداء الغدير، الولاية والحكومة
آمل أن يكون هذا العبد مباركاً على جميع الشعوب المظلومة، لاسيما الشعب الايراني النبيل. أسأ ل الله تعالى أن يلقي نظرة خاصة على هذه الأمة العظيمة الحاملة للواء الا سلام في هذا العصر، وأن يهبها عناية متميزة.
ما عساني قائلًا حول شخصية اًمير المؤمنين، وما عسى غيري يقول. يستحيل أن يستوعب البشر أبعاد هذه الشخصية العظيمة حتى لو تكلموا أشهر. من وصل الى مرحلة الكما ل، وكان مظهراً لجميع أسماء الله جل وعلا وصفاته، يجب أن يكون عدد أبعاده مساوياً لأسماء الباري تعالى (أي ألفاً)، وليس بمقدورنا تبيين بعد واحد منها. لقد اجتمعت الأمور المتناقضة في هذه الشخصية، ولايستطيع المرء الإحاطة به والتحدث عنه؛ انطلاقاً من ذلك، الأفضل لي الصمت في هذا الخصوص. لكنّ هناك مسألة يحسن بي تناولها، وهي عبارة عن الإنحرافات التي تعرضت لها الشعوب وخاصة شيعة الامام علي عليه السلام علىّ مر العصور، والأيادي التي أوجدت تلك الانحرافات والدسائس والمؤمرات على امتداد التاريخ، ومنها ماحدث في السنوات الًاخيرة.
لاتعتبر قضية الغدير بذاتها أمراً مهماً لأميرالمؤمنين عليه السلام ، إنّه هو الذي أوجدها. لقد أحدث ذلك الوجود المبارك الذي يعد مصدراً لجميع الأمور قضية الغدير. لاقيمة للغديربالنسبة له؛ ما يملك القيمة هو الامام نفسه، وجاءت قضية الغدير على أثره. لما لاحظ الله تبارك وتعالى أن لاشخص بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يستطيع إجراء العدالة كما ينبغي وبكل ما للكلمة من معنى سوى ذلك الرجل، أمر رسوله الكريم صلى الله عليه واله وسلم بتنصيبه خليفة وقائداً للحكومة الالهية. ولايعد تنصيب الإمام خليفة من مقاماته المعنوية، بل إنّ مقاماته المعنوية الجامعة هي التي أوجدت الغدير. إنّ تبجيل وتقديس يوم الغدير ليس لأجل أنّ الحكومة شيء مهم، تلك الحكومة التي يقول بحقها الإمام لابن عباس:" واللهِ لهذهِ النعلُ أحبُّ إليّ من إمرتكُم " 1، بل كل ما في الأمر إقامة العدل. فلو سنحت الفرصة للامام وأولاده لأقاموا العدل بما يرضي الله، لكنّهم لم يحصلوا على الفرصة الكافية. لايُحيا هذا العيد لإنارة المصابيح في الشوارع وقراءة القصائد والمدائح، فبرغم أنّ هذا جيد ومطلوب، لكنّه ليس المهم في الموضوع.
المهم أن نتعلم كيف نقتفي أثر الامام ونحذو حذوه، ونتعلم أنّ الغدير لايختص بذلك الزمان فقط، بل يجب أن يوجد في جميع العصور والازمنة، ونتعلم أنّ النهج الذي سار عليه الامام عليه السلام يجب أن يكون نهجاً لجميع الشعوب والأمم وقادته وموظفيه. قضية ا لغدير قضية إنشاء حكومة، وهذا من شأنه التنصيب، ولاتستحصل المقامات المعنوية بالتنصيب، لكنّ تلك المقامات التي كان يتمتع بها الامام وشموليتها جعلت منه خليفة وقائداً منصباً من قبل الباري عز وجل، ولهذا نلاحظ اًنّ الصلاة والصيام وأمثالها تأتي عرضاً، والولاية هي المنفذة لها. تلك الولاية التي تعني الحكومة في حديث الغدير لا المقام والمنزلة المعنوية. الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كما قلت فيما يتعلق بالقرآن الكريم بأنّه نزل على شكل منازل مختلفة قد تصل الى سبعين أو أكثر، ثم صار بأيدينا بشكله المخطوط، فالأمير كذلك، ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم كذلك. فقد طويت المراحل وأنزلوا من ذلك الوجود المطلق والجامع حتى وصلوا الى عالم الطبيعة، واستقر هذا الوجود المقدس وذلك الوجود المقدس وأولياء الله العظام في عالم الطبيعة. بناءاً على هذا، ليس من الصواب اعتبار أنّ حديث الغدير يريد أن يمنح الأمير سمة معنوية أو شأناً خاصاً أو ميزة معينة. الامام هو الذي أوجدالغدير ومقامه الشامخ جعل الله تعا لى يختاره خليفة وولياً.
حكومة العدل تضمن تنفيذ اًحكام الاسلام
القضية قضية الحكومة، القضية قضية السياسة، الحكومة عِدل السياسة، بل هي تمام معنى السياسة. أمر الله جل وعلا النبي صلى الله عليه واله وسلم بتسليم هذه الحكومة وهذه السياسة الى الامام علي عليه السلام ، كما كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يمتلك السياسة، فتستحيل الحكومة بلا سياسة. هذه السياسة وهذه الحكومة المعجونة بالسياسة التي أثبتت للامام أميرالمؤمنين عليه السلام في يوم الغدير. جاء في الروايات الشريفة:" بُنَي الاسلامُ علي خُمسٍ " 2، هذه الولاية ليست بمعنى ولاية الامامة المطلقة.
تلك الامامة التي لايقبل أي عمل بدون الاعتقاد بها لا تعني هذه الحكومة. حسن، لم يصل أغلب أئمتنا الى دفة الحكم. نحن الآن نعتقد أنّ الامام أميرالمؤمنين عليه السلام تولى الحكومة برهة من الزمن، كذلك الامام الحسن عليه السلام حكم فترة قصيرة جداً جداً، لكنّ باقي الأئمة لم يتولوا الحكم. إنّ ما جعله الله تبارك وتعالى للإمامين علي والحسن عليه السلام ثم جعله بعد ذلك لأئمة الهدى عليه السلام هو الحكومة، لكنّ هذه الحكومة منعت من أن تأتي ثمارها. بناءاً على هذا، جعل الله الحكومة لاميرالمومنين عليه السلام ، تلك الحكومة التي تعني السياسة، أي إنّها معجونة بالسياسة. مايؤسف أنّ كثيراً من الانحرافات قد وجدت، وأبرز هذه الانحرافات وجود أيد خفية يمتد تاريخها الى عصر الخلفاء الامويين والعباسيين (عليهم لعنة الله) تقول بفصل الدين عن السياسة واستقلالية الحكومة عن السياسة.
كلما ابتعدنا عن زمن التشريع ازدادت هذه العقيدة قوة ورسوخاً، حتى ارتأى فنانوا هذه الدنيا وجوب جعل الدين شيئاً تعبدياً. لقد قام الفنانون والممثلون بفعل ذلك، ونحن صدقنا ما قالوا ورددنا معهم: ماشأن الدين والسياسة؟ السياسة للملوك والسلاطين. ومعنى ذلك أنّنا نخطيء الله ورسوله الكريم وأميرالمؤمنين، لأنّ الحكومة سياسة، وليست هي قراءة دعاء أو صلاة أو صياماً. تضمن حكومة العدل إقامة الصلاة والصيام وأمثالها، أما الحكومة نفسها فهي جهاز سياسي. من يقول بفصل الدين عن السياسة فقد كذب الله سبحانه، وكذب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وكذب أئمة ا لهدى عليه السلام .
إن دل ارتفاع صوت الغدير وارتفاع مرتبته وقدره على شيء فإنّما يدل على تسوية جميع المشاكل وإزالة كافة الانحرافات بإقامة الولاية أي بوصول الحكم الى صاحبه الحقيقي. إن أقيمت حكومة العدل، إن تركوا الإمام يقيم الحكومة التي كان يرومها لزالت جميع الانحرافات ولأصبحت البيئة صحيحة وسليمة، ولفتح المجال أمام جميع المفكرين، من العرفاء الى الحكماء الفقهاء. لذا قيل إنّ الاسلام بني على خمس، وليس معنى ذلك أنّ الولاية في عرض تلك الخمس، بل أصل الولاية قضية الحكومة، والحكومة كذلك أيضاً، إذ ليست هي من الفروع.
ما كان للأئمة قبل الغدير وقبل كل شيء هو نوع من المقام، وهو عبارة عن مقام الولاية المطلقة التي هي الامامة، حيث جاء في الرواية: «الحسنُ والحسينُ إمامانِ قاما أو قَعدا" 3، فلما يقعد أحدهم لايكون إماماً. إذن ليس الامام هنا بمعنى الحكومة، بل هو إمام من نوع آخر، تلك مسألة أخرى. وهذه المسألة عبارة عن الولاية المطلقة، فإن رفض الانسان هذه الولاية المطلقة لا يقبل له عمل حتى لو جاء به مطابقاً لكافة القواعد الاسلامية الشيعية، فهذه لاتعني الحكومة، وليس تلك الولاية في عرض هذه، فهذه من أصول المذهب.
والانحراف الذي وجد بالاضافة الى جميع الانحرافات الأخرى هو تصديقنا بعدم صلة السياسة بنا. جاء الغدير ليفهم الجميع أنّ السياسة تتعلق بالجميع، يجب أن تكون هناك حكومة تمارس السياسة في كل عصر، تلك السياسة العادلة التي يمكن بواسطتها إقامة الصلاة والصوم والحج وجميع المعارف الأخرى، والتي تفتح الطريق أمام المفكرين لتقديم أفكارهم بكل اطمئنان وسكينة. بناءاً على هذا، لايجب أن نظن أنّ الولاية هنا بمعنى الامامة، والامامة من فروع الدين، كلا؛ هذه الولاية عبارة عن الحكومة. إنّ الانحرافات من هذا القبيل كثيرة جداً ولايمكن إحصاؤها.
الانحراف عن سيرة النبي والًائمة عليه السلام في السير والسلوك
لقد تصورت طائفة كبيرة أنّ معنى العرفان امتلاك الانسان لمنزلة معينة وقوله لذكرخاص وأدائه لمجموعة من الحركات وماشابه ذلك. هذا معنى العرفان؟! حاز الامام علي عليه السلام أعلى مراتب العرفان ولم يقم بأي مما ذكر. كانوا يتصورون أنّ من أصبح عارفاً يجب عليه أن يتنحى جانباً ويتخلى عن كل شيء، ويؤدي مقداراً من الأذكار ويفعل كذا وكذا. برغم أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان أعرف خلق الله بعد رسول الله في هذه الأمة، وأعرفهم بالله تعالى لم يتنح جانباً ويدع كل شيء، ولم يشكل حلقة للأذكار أبداً، كان منهمكاً بأعماله ويقوم ببعض ما ذكر أيضاً. أو يتصور أنّ السالك الى الله عليه أن يترك التعامل مع الناس ومعاشرتهم، فليحدث ما يحدث في المدينة، إنّني سالك، عليّ أن أنزوي عن الناس وأقرأ الأوراد، وأصل الى مرحلة السلوك كما يدعي.
كان الأنبياء سالكين الى الله أكثر من غيرهم، والأولياء كذلك، لكنّهم لم يتنحوا جانباً ويقولوا: نحن سالكون، لانتدخل بما يحدث للأمة، فليفعل كل واحد منهم مايشاء. اذا كان من المقرر أن يتنحى السالك جانباً فكان على الأنبياء أن يفعلوا ذلك ولم يفعلوه. كان موسى بن عمران سالكاً الى الله ومع ذلك تحدى فرعون وفعل به ما فعل، كذلك قام إبراهيم بما قام به على غرار موسى، كذلك فعل رسولنا الكريم كما نعلم جميعاً. قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مدة مديدة بتهذيب النفس والسلوك وسبر أغوار المعارف الالهية، وعندما سنحت له الفرصة انتهزها لتشكيل حكومة سياسة من أجل إيجاد واستقرار العدالة. حينئذ يتمكن كل شخص من تقديم ما لديه.
عندما يكون الانسان مشوشاً وضطرباً لا يستطيع تقديم شيء، لن يتمكن أهل العرفان مثلًا من تقديم عرفانهم في جوّ يسوده القلق والفوضى، ولا الفلاسفة ولا الفقهاء ولا غيرهم، لكن لو أمست الحكومة حكومة العدل الالهي، وطبقت العدالة بحذافيرها، وردعت الانتهازيين عن نيل أهدافهم المشؤومة، لأصبح الجو هادئاً ومستقراً، عندئذ يمكن تقديم المزيد في هذا الجو المناسب. بناءاً على هذا قيل "ما نُوديَ بشيء مثلَ مانُوديَ بالولاية "لأنّها عبارة عن الحكومة. لم يُدع الى أي شيء مثلما دعي الى هذا الامر السياسي، نعم إنّه أمر سياسي كان في زمن ا لنبي صلى الله عليه واله وسلم وزمن أمير المؤمنين عليه السلام ، ولو توفرت الفرصة المناسبة فيما بعد لاغتنمت. لقد ازدادت الانحرافات. يتفوه بعض رجا ل الدين بكلمات عجيبة فيقولون على سبيل المثا ل: "ملابس الجندي محرمة لأنّها لباس شهرة وتقدح بالعدالة". ألم يكن أميرالمؤمنين عادلًا؟! ألم يكن سيد الشهداء عادلًا؟! أما كان الامام الحسن عادلًا؟! أما كان النبي الكريم عادلًا؟! فإنّهم جميعاً لبسوا ملابس الجندي! لقد ألقت الأيادي المتآمرة ذلك إلينا بطريقة صدقنا معها به.
ماشأنك بما يحصل؟ إنهمك في دروسك! وأنت انكب على فقهك! وأنت انشغل بفلسفتك! وأنت زاول عرفانك! دع عنك ما يجري حولك! عندما حدثت بعض القضايا سابقاً وتكلمت عنها في وقتها وقلت: يجب التحقيق في ذلك، أجابني أحد الأصدقاء الطيبين جداً والرجل ا لصالح والمثابر: ما لنا وذلك؟ إنّه شأن سياسي! لقد زرعوا ذلك بيننا بهذه الكيفية حتى يرد عالم ومفكر مطلع على الأمور بهذا الشكل. كان على النبي أن يقول أيضاً: ما لي والسياسة؟ وكان ينبغي على أمير المؤمنين الذي كان على رأس الحكومة أن يقول: السياسة كذا ... يجب أن نكرسها لقراءة الأدعية والأذكار وقراءة القرآن والصلاة وغير ذلك! لقد كانت حكومة وولاية وتزويد وتجهيز الجيوش الجرارة وما الى ذلك، كل ذلك عبارة عن السياسة. من يقول: ما شأن المشايخ بالسياسة؟ ويعاديهم يعادي الاسلام.
يريدون عزل المشايخ ورجا ل الدين وفصلهم عن الشعب للقيام بما يحلو لهم، وقد وقع ذلك بالفعل. لم يتخل علماؤنا عن السياسة طبعاً على امتداد التاريخ.
كانت قضية النظام الدستوري قضية سياسية، وقد ساهم بها كبار علمائنا، بل هم الذين أسسوها. وكانت مسألة تحريم التبغ مسألة سياسية أيضاً، وقد أدارها الميرزا الشيرازي (رحمه الله). وفي الآونة الأخيرة كان المدرس والكاشاني رجا ل سياسة أدوا واجبهم على أحسن وجه، فقد كانت الأيادي المتآمرة قوية ومقتدرة بحيث لم يكن من السهل زحزحة فكرة أنّ القضية ليست بهذا الشكل عن أدمغة رجال الدين أيضاً. كانت قضية الحكومة في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وحصلت السياسة في زمن أميرالمؤمنين عليه السلام ، وقد نقل ذلك، وحظيت قضية الغدير بعناية خاصة وعظم أمرها لتعليمنا بأنّ الموضوع لابد أن يكون كذلك.
إستشكال بعض المقدسين من قضية الحرب
نحن الآن نعاني من الحرب. وثمة طائفة تستشكل وتتوقف في هذه القضية، وبرغم أنّها لا تتكون من رجا ل ذوي نفوذ واسع إلا أنّهم موجودون. هناك أشخاص ينادون بالصلح والهدنة. علينا أن نتعلم ذلك من التاريخ، لقد فرض المقدسون ما يساوق ذلك على أمير ا لمؤمنين، فرض أصحاب الجباه السود وأضر الناس على المسلمين التحكيم على الامام، ولم يستطع الامام مقاومة ظغوطهم وأرادوا قتله إن لم يستجب لمطالبهم؛ اقترحوا عليه جعل القرآن حكماً بينه وبين معاوية. ابتلي الامام بذلك، ونحن الآن مبتلون بمثله. إنّهم يطالبون بجعل حكم يعين المتجاوز، الدنيا لا تعلم من المعتدي، يجب علينا أن نتعظ من قضية أمير المؤمنين، وألّا نخضع للتحكيم. لقد تعرفنا خلال السنوات السبعة الماضية على الحكام وعلى من يدعون الى الهدنة. قصة الامام الحسن عليه السلام شاهد آخر على قضية الصلح، كان صلحه مفروضاً عليه، حيث قام الخونة الذين أحاطوا بالامام بإجباره على الصلح فكان صلحا قسرياً.
والصلح المعروض علينا من هذا القبيل. وبعد إبرام الصلح وحسب ماجاء في الرواية ارتقى معاوية المنبر وقا ل: "ألا إنّ كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به"، كما قام هذا الرجل بتمزيق الاتفاقيات المبرمة بيننا. إنّ ماجرى في تلك العصور يرشدنا الى عدم الرضوخ الى الهدنة المفروضة وعملية التحكيم المفروضة أيضاً. يجب علينا مواصلة الحرب وفقاً لرأينا ورأي شعبنا الباسل حتى تحقيق النصر المؤزر الذي بدأ يلوح في الأفق، فهو قريب إن شاء الله تعالى، ولو أراد شعبنا الكريم المساهمة في تعجيل النصر مما يعود بالنفع عليه وعلى الشعب العراقي والمنطقة برمتها فعليه أن يتجهز، يجب عليه في هذه البرهة من الزمن الاستعداد والتجهز للجبهات بكل ما للكلمة من معنى.
قال السادة: هناك أشياء كثيرة جداً في أغلب نقاط البلاد يمكن الاستفاده منها بعنوان أدوات لجهاد البناء وفي الجبهات، وهي فائضة عن الحاجة هناك. أقول: لو وجدت أدوات إضافية في مكان ما، ورأى حكام ومحافظوا المدن وأئمة الجمعة فيها عدم الحاجة إليها في ذلك المكان فيجب إرسالها الى الجبهة. إن أردتم أن تصبح بلادكم عامرة وإسلامية خلال مدة قصيرة فعليكم أن تتجهزوا بكل ما تملكون من قوة للقضاء على هذا الرجل اللعين. قيل سابقاً بأنّ صدام سوف يتلقى صفعة قوية، وقد تلقاها بالفعل، وهو الآن مذهول لايعرف ماذا يفعل. واقعاً لايعرف ماذا يفعل، فمن جهة يتبجح ويبالغ، ومن جهة أخرى يناشد ويتوسل، ومن جهة ثالثة يتسول ويستجدي، إنّه الآن يمر بحالة من الذهول. وأنا أخاف أن يعرض العراق الى كوارث لو جنّ أكثر مما هو عليه الآن بعد اندحاره وهزيمته في الحرب، فيقول: إنّني غرقت، فلأغرق الجميع، إنّه من هذا الطراز. أنا أخشى أن يتطاول على العتبات المقدسة، وأسأ ل الله أن لايمهله ذلك. يجب أن توجه له صفعة أخرى تجعله ينتحر أو يفر عن هذا المكان.
ابتداع الانحرافات والغفلة بعد غدير خم
على كل حال حدثت انحرافات بعد غدير خم، وقد غفلنا وتهاونّا جميعاً، أو أنّ غالبيتنا أصيبت بحالة من الذهول والغفلة حتى نحينا، ولم يدعونا نتدخل في شؤون المسلمين، وقد أدى ذلك الى الابتلاء بهذه المصائب والمآزق التي تتعرض لها كافة الدول الاسلامية. صدق علماء السنة بوجوب إطاعة كل حاكم قوي حتى لو كان ظالماً، وقد وصل هذا الشخص الى سدة الحكم عن طريق أولئك الأقوياء. هل يصدق أنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم يؤسس الأحكام ثم يقول: أطيعوا أتاتورك الذي نسف أحكامنا؟ أي عقل يقبل هذا؟ يأتي النبي بالأحكام، ويرسل الله تعالى تلك الأحكام ويقول مثلًا: صلوا، ثم يقول بعد ذلك: أطيعوا أتاتورك الذي يقول لاتصلوا! إذن نطيع من، الله أم أتاتورك؟ أي عقل يصدق بذلك؟ واضح أنّ أولي الامر الذين ذكرهم القرآن الكريم هم من جاءوا تلو رسول الله؛ الله سبحانه وتعالى ثم رسوله الكريم ثم أولوا الامر، يجب أن يمتلكوا صفات كصفات الله ورسوله.
ليس من المعقول أن يجبر الله تعالى الناس على إطاعة رضاخان الذي وضع كل الموازين الشرعية جانباً؛ يرسل ديناً على يد أنبيائه ثم يقول: أطيعوا من لادين له، أي تخلوا عن دينكم، يصح هذا؟! هذه وللأسف من جملة الانحرافات التي ابتدعت بأيد قوية، ونحن نعيش في حالة من الغفلة والذهول. من جملة الانحرافات الكثيرة التي ابتدعها أعداء الاسلام الخلافات بين طوائف المسلمين المختلفة، كالخلاف بين السنة والشيعة، يختلف السنة والشيعة طبعاً في كثير من العقائد، ويجب أن يكونوا كذلك، لكن يجب أن تكون علاقاتهم طيبة مع بعضهم، فهم أحرار في المعتقد. ويجب أن لايدفعنا الخلاف الى عرقلة اقتدار دولة منا ترغب بطرد أمريكا عن بلادها، وعرقلة قتل من أراد الفتك بالاسلام والمسلمين ودولة مسلمة.
ألف أحد المشايخ (من علماء البلاط) كتاباً مثيراً للفتنة والتفرقة ونشره في مكة. لا أدري كيف يفكر أولئك، ولاتفسير لما يفعلون سوى أنهم عملاء لأمريكا أو بعض البلدان الأخرى، وهي تجبرهم على هذه الأفعال المثيرة للفرقة! هناك تشتت بيننا أنفسنا أيضاً، هذا شيخي وذاك صوفي، وهذا إخباري وذاك أصولي. لمَ تؤثر العقائد المختلفة على إيجاد خلافات خارجية بيننا؟ لمَ لانشترك في هذا الامر الذي يعنينا جميعاً؟ إنّ هذه الخلافات عبارة عن نوع من التربية التي أوجدها المتآمرون، ونشأنا عليها من الصبى الى مرحلة الشباب وما بعد ذلك، وهي تتطلب أن تعتقد كل فئة وطائفة بخلاف ما تعتقده الفئة والطائفة الأخرى، فيكون الجميع مختلفين مع بعضهم، ويعود النفع على أولئك، هذا ما يقتضيه العقل!
أسأل الله تعالى بتواضع وتذلل أن يهب هذه الجمهورية الاسلامية قدرة وقوة، ويقوي شوكة الاسلام في كل مكان، ويقوي القضايا الاسلامية كذلك، وأسأله تعالى أن يوحد هذه الأفكار المشتتة في فكر إسلامي صحيح واحد، ذلك الفكر الذي يتمكن من إدارة هذه الدولة الاسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*صحيفة الإمام، ج20، ص: 95
1-نهج البلاغة، الخطبة 33.
2-أصول الكافي، ج 2، ص 18، باب دعائم الاسلام، ح 1.
3-علل الشرايع، ج 1، ص 211، الباب 159، ح 2.