الصفات الفعلية
صفات وأسماء الخالق
الصفات الفعلية المقدمة:إن الصفات الفعلية عبارة عن المفاهيم التي تنتزع من مقارنة الذات الإلهية بمخلوقاتها من خلال ملاحظة نسبة وإضافة ورابطة معينة بينهما، وأن الخالق والمخلوق يمثلان طرفي الإضافة، أمثال مفهوم الخالقية، الذي ينتزع من ملاحظة إرتباط وجود المخلوقات بالله...
عدد الزوار: 430
الصفات الفعلية
المقدمة
إن الصفات الفعلية عبارة عن المفاهيم التي تنتزع من مقارنة الذات الإلهية بمخلوقاتها من خلال ملاحظة نسبة وإضافة ورابطة معينة بينهما، وأن الخالق والمخلوق يمثلان طرفي الإضافة، أمثال مفهوم "الخالقية"، الذي ينتزع من ملاحظة إرتباط وجود المخلوقات بالله تعالى، وإذا لم يلاحظ هذا الإرتباط بينهما لم يمكن انتزاع هذا المفهوم. وليس هناك حصر وتحديد للروابط والإضافات التي يمكن تصورها بين الله والخلق، ولكن يمكن تقسيمها بصورة جامعة وكلية إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: ملاحظة الإضافات المباشرة بين الله والمخلوق، كالإيجاد والخلق والإبداع وأمثالها.
المجموعة الثانية: الإضافات التي تتصور بعد تصور إضافات وروابط أخرى، كالرزق، وذلك لأنه في البداية لا بد أن نتصور علاقة الموجود المرتزق بالشيء الذي يرتزق منه، وبعد ذلك نتصور توفير الله تعالى لذلك الشيء، لنتوصل من خلال ذلك إلى مفهوم الرازق والرزاق، بل يمكن أحياناً أن نتصور، إضافات وروابط متعددة بين المخلوقات نفسها، قبل أن تنتزع الصفة الفعلية للّه تعالى، وبعد ذلك نلاحظ إرتباطها بالله تعالى، أو أن هناك إضافة مترتبة على عدة إضافات سابقة بين الله والخلق، أمثال المغفرة حيث تترتب على الربوبية التشريعية الإلهية وتعيين الله تعالى للأحكام التكليفية، وعصيان العبد لها.
إذن فلأجل التوصل إلى الصفات الفعلية لا بد أن نعقد نوع مقارنة ونسبة بين الله تعالى والمخلوقات، ونتصور نوع ارتباط وإضافة بين الخالق والمخلوق، لنتوصل من خلالها إلى المفهوم الإضافي، وعليه فلا تكون الذات الإلهية المقدسة بذاتها مصداقا للصفات الفعلية دون ملاحظة هذه الإضافات والنسب، وهذا هو الفرق الرئيسي بين الصفات الذاتية والفعلية. وقد ذكرنا سابقا، أننا يمكن أن نلاحظ الصفات الفعلية بلحاظ مبادئها التي تنشأ منها وفي هذه الحالة، تؤول وتنتهي إلى الصفات الذاتية، كما في الخالق والخلاق، لو فسرناه بالقادر على الخلق، فيؤول إلى صفة "القدير"، أو صفة "السميع" و"البصير" لو فسرناهما بالعالم بالمسموعات والمبصرات فتؤول إلى "العليم".
وهناك بعض المفاهيم عدت من الصفات الذاتية. ولكن قد يتصور لها معنى إضافي وفعلي، ولذلك تعتبر من الصفات الفعلية، مثل مفهوم "العلم" حيث استعمل في القرآن الكريم في آيات كثيرة، بمعنى الصفة الفعلية كما في قوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ﴾(البقرة:187). ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال:66 وغيرهما).
والملاحظة التي لها أهميتها، والتي يجب علينا التأكيد عليها هنا هي: أننا حين نتصور الرابطة بين الله تعالى والموجودات المادية، وعلى ضوئه تنتزع الصفة الفعلية المعينة للّه تعالى، فإن هذه الصفة سوف تتحدد ببعض القيود الزمانية والمكانية، بلحاظ تعلقها بالموجودات المادية التي تمثل أحد طرفي الإضافة، وأن كانت هذه الصفة بلحاظ تعلقها بالله تعالى الذي يمثل الطرف الآخر للإضافة منزهة عن مثل هذه القيود والحدود.
فإن إفاضة الرزق إلى الشخص مثلا، إنما تتم في ظرف زماني ومكاني معينين، ولكن هذه القيود والحدود في واقعها متعلقة بذلك الشخص المرتزق، لا بالرازق. والذات الإلهية منزهة عن أية نسبة زمانية ومكانية. وهذه الملاحظة الدقيقة تعتبر المفتاح لمعالجة الكثير من الشبهات التي أثيرت في موضوع معرفة الصفات والأفعال الإلهية، وأدت إلى الكثير من النزاعات بين العلماء والمفكرين.
الخالقية
بعد إثبات واجب الوجود، وأنه العلة الأولى لوجود الموجودات الممكنة، وبملاحظة أنها جميعاً محتاجة في وجودها إلى الله، تنتزع من ذلك صفة الخالقية لواجب الوجود، والمخلوقية للممكنات. ومفهوم "الخالق" الذي يتوصل إليه من خلال هذه العلاقة الوجودية مساو للعلة الموجدة وكل الموجودات الممكنة المحتاجة التي تمثل طرف إلاضافة متصفة بصفة المخلوقية.
ولكن أحيانا يتصور للفظة "الخلق" معنى أكثر محدودية، حيث تعتبر الموجودات التي وجدت من مادة سابقة فحسب طرفاً للإضافة، وفي مقابل ذلك مفهوم "الإبداع" حيث يستخدم في الموجودات التي لم تسبق بمادة سابقة (كالمجردات والمادة الأولى). وعلى هذا الأساس يقسم الإيجاد إلى قسمين: الخلق، والإبداع.
إذن فعملية الخلق التي يقوم بها الله تعالى، لا تشابه تصرفات الإنسان في الأشياء وصنعه للصناعات، حيث يحتاج في عمله هذا إلى الحركة، وإلى إستخدام أعضاء بدنه لتمثل حركته "الفعل" بينما تمثل الظاهرة التي تحصل منه "نتيجة الفعل"، وأما في خلق الله فلا يكون "الخلق" شئيا، و"المخلوقات" شيئا آخر، وذلك بالإضافة إلى تنزه الله تعالى عن الحركة، وخصائص الموجودات الجسمانية، فإنه لو كان ل"خلق" الله مصداق عيني خارجي زائد على ذات المخلوق، لكان موجودا ممكن الوجود، ومخلوقا من مخلوقات الله بدوره، ليعود الحديث مرة أخرى حول خلقه نفسه أيضا، ولكن وكما ذكرنا في تعريف الصفات الفعلية أن هذه الصفات مفاهيم منتزعة من الإضافات والنسب بين الله والخلق، وقوام الإضافة والنسبة بلحاظ العقل.
الربوبية
ومن الروابط التي تلاحظ بين الله والخلق، أن المخلوقات ليست في أصل وجودها محتاجة لله تعالى فحسب، بل إن كل شؤونها الوجودية مرتبطة بالله تعالى، وليست لها أية إستقلالية، ويمكن له تعالى التصرف فيها بما شاء، وأن يدبر امورها بما يريد. وحين نلاحظ هذه الرابطة بصورة عامة، ننتزع منها مفهوم "الربوبية" الذي من لوازمه تدبير الأمور، وله مصاديق عديدة، كالحافظ، والمحيي والمميت والرازق والهادي والآمر والناهي وأمثالها.
ويمكن تقسيم الأمور المرتبطة بالربوبية إلى مجموعتين: الربوبية التكوينية، التي تشمل تدبير الأمور لكل الموجودات، وإرضاء إحتياجاتها، وبكلمة واحدة "تدبير العالم". والربوبية التشريعية، وهي مختصة بالموجودات التي تمتلك الشعور والاختيار، وتشمل عدة مسائل أمثال بعث الأنبياء، وإرسال الكتب السماوية، وتعيين الوظائف والتكاليف، ووضع الأحكام والقوانين.
إذن فالربوبية الإلهية المطلقة تعني: أن المخلوقات في كل شؤونها الوجودية مرتبطة بالله تعالى، وأن العلاقات والروابط بينها تنتهي بالتالي إلى ارتباطها بالخالق، وهو تعالى الذي يدبر بعض المخلوقات بواسطة البعض الآخر، وهو الذي يفيض الرزق من خلال مصادر الرزق التي يوفرها ويخلقها، وهو الذي يهدي الموجودات التي تملك الشعور من طريق الوسائل الداخلية (كالعقل وسائر القوى الإدراكية) والوسائل الخارجية (كالأنبياء والكتب السماوية) وهو الذي يضع للمكلفين الأحكام والقوانين، ويضع الوظائف والتكاليف.
والربوبية كالخالقية مفهوم إضافي مع الفرق بأنه تلاحظ في مجالاتها المختلفة الإضافات الخاصة بين المخلوقات نفسها، كما ذكرناه في مفهوم الرازقية. ولو تأملنا بدقة في مفهوم الخالقية والربوبية، وكونهما من الصفات الإضافية، سيتضح لنا أن هناك تلازماً بين هاتين الصفتين، ويستحيل أن يكون رب الكون غير الخالق، بل إن الذي خلق المخلوقات بتلك الخصائص المعينة والعلاقات فيما بينها، هو الذي يحافظ عليها ويدبرها، وفي الواقع ان مفهوم الربوبية والتدبير منتزع من كيفية خلق المخلوقات ومراعاة انسجامها وتكاملها مع بعضها.
الألوهية
هناك بحوث كثيرة لدى العلماء حول مفهوم "الإله" و "الألوهية" ذكرت في كتب التفسير، والمعنى الذي نرجحه لهذا المفهوم هو: أن "الإله" بمعنى "المعبود" أو "الذي يستحق العبادة والطاعة" مثل لفظ "الكتاب" فهو بمعنى "المكتوب". وعلى ضوء هذا المعنى، فإن الألوهية صفة إذا أردنا إنتزاعها فلابد أن نتصور إضافة عبادة العباد وطاعتهم، فإن الضالين وإن إتخذوا آلهة باطلة لهم، ولكن الذي يستحق العبادة والطاعة هو الخالق والرب فحسب، وهذه الدرجة من الإعتقاد هي الحد الذي يلزم توفره في كل إنسان بالنسبة للإعتقاد بالله تعالى، أي بالإضافة إلى إيمانه بأن الله واجب الوجود، وأنه الخالق والمدبر، ومن يخضع العالم لإرادته، يلزم عليه أيضا أن يؤمن بأنه الذي يستحق العبادة والطاعة. ومن هنا أخذ هذا المفهوم في شعار الإسلام (لا إله إلا الله).
*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص48-52