الصفات الذاتية
صفات وأسماء الخالق
أن الله تعالى، وهو العلة الموجدة للكون، توجد فيه كل كمالات الوجود، وكل أنواع الكمالات المتوفرة في أي موجود إنما هي مستمدة منه دون أن ينقص من كمالاته شيء عند إفاضتها على مخلوقاته. ولتقريب هذه الفكرة للذهن، يمكن أن نضرب المثال التالي:إن المعلم يزود التلميذ من علمه، دون أن ينقص من علم المعلم شيء.
عدد الزوار: 554
الصفات الذاتية
المقدمة
إن الله تعالى، وهو العلة الموجدة للكون، توجد فيه كل كمالات الوجود، وكل أنواع الكمالات المتوفرة في أي موجود إنما هي مستمدة منه دون أن ينقص من كمالاته شيء عند إفاضتها على مخلوقاته. ولتقريب هذه الفكرة للذهن، يمكن أن نضرب المثال التالي:
إن المعلم يزود التلميذ من علمه، دون أن ينقص من علم المعلم شيء. وبطبيعة الحال، فإن إفاضة الوجود والكمالات الوجودية من الله تعالى، أسمى بكثير من هذا المثال، ولعل أقرب تعبير في هذا المجال أن نقول: أن عالم الوجود نور وتجلى من الذات الإلهية المقدسة، كما يمكن استفادة هذا التعبير من الآية الشريفة ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض﴾(النور:35).
وبملاحظة الكمالات الإلهية اللامتناهية، فإن كل مفهوم يعبر عن كمال من الكمالات، دون أن يستلزم أي نقص أو تحديد، يقبل الصدق والإنطباق على الله تعالى، كما نسبت لله تعالى في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة، والأدعية والمناجاة المأثورة عن المعصومين عليهم السلام مفاهيم أمثال النور،والكمال، والجمال، والمحبة، والبهجة وغيرها، وأما ما ذكر من الصفات الإلهية في كتب العقائد والفلسفة والكلام الإسلامية فهو عدد محدود من الصفات التي تقسم إلى مجموعتين: (الصفات الذاتية، والصفات الفعلية) وهما مندرجان تحت الصفات الثبوتية، ونذكر أولاً توضيحاً لهذين القسمين، وبعد ذلك، نتعرض لذكر أهم هذه الصفات وإثباتها والإستدلال عليها.
الصفات الذاتية والفعلية
إن الصفات التي تنسب إلى الله تعالى، إما أنها مفاهيم منتزعة من الذات الإلهية بالنظر إلى أنها واجدة لنوع من أنواع الكمالات، أمثال الحياة والعلم والقدرة، وإما أنها مفاهيم تنتزع من نوع علاقة وإرتباط بين الله تعالى ومخلوقاته، أمثال الخالقية والرازقية. ويطلق على القسم الأول "الصفات الذاتية" وعلى القسم الثاني "الصفات الفعلية".
والفرق الرئيس بين هذين القسمين من الصفات هو: أنه في القسم الاول تكون الذات الإلهية المقدسة مصداقا عينيا خارجيا لها، أما في القسم الثاني فتعبر عن نوع نسبة وإضافة بين الله تعالى ومخلوقاته، وتمثل الذات الالهية وذوات المخلوقات طرفي الإضافة والنسبة، أمثال صفة الخالقية، التي تنتزع من الارتباط الوجودي للمخلوقات بالذات الإلهية ويمثل الله والمخلوقات طرفي هذه الإضافة، ولكن لا يوجد في الخارج غير الذات الإلهية المقدسة وذوات المخلوقات، حقيقة عينيةخارجية أخرى تسمى ب"الخالقية"، وبطبيعة الحال فإن الله تعالى يملك بذاته القدرة على الخلق، ولكن القدرة من صفات الذات، وأما "الخلق" فهو مفهوم إضافي ينتزع من مقام الفعل، ومن هنا يعتبر "الخالق" من الصفات الفعلية، الا إذا فسرناه ب"القادر على الخلق" فتؤول وتنتهي إلى صفة القدرة.
وأهم الصفات الذاتية الإلهية هي، الحياة والعلم والقدرة. وأما السميع والبصير، فإن فسرناهما بالعالم بالمسموعات والمبصرات أو القادر على السمع والإبصار، فتؤول إلى العليم والقدير، وإن كان المراد منهما السمع والرؤية بالفعل، التي تنتزع من العلاقة بين ذات السميع والبصير والأشياء القابلة للسمع والرؤية، فلابد أن نعدهما من الصفات الفعلية.
كما أن "العلم" أحياناً يستعمل بهذا المعنى، ويسمى بهذا الإعتبار ب"العلم الفعلي" وقد إعتبر بعض المتكلمين الكلام والإرادة من الصفات الذاتية.
إثبات الصفات الذاتية
لإثبات الصفات الذاتية دليل عام يجري فيها جميعاً، ولكل صفة أدلة خاصة بها يأتي بيانها، والدليل العام: فاقد الشيء لا يعطيه، وبيانه:
إن أيسر الطرق لإثبات الحياة والقدرة والعلم الإلهية هو الطريق التالي: إن هذه المفاهيم حينما تستخدم في المخلوقات، تعبر عن كمالاتها، فيلزمها إذن أن توجد بدرجتها المتكاملة في العلة الموجدة، إذ كل كمال يوجد في أي مخلوق، فهو مستمد من الله، فلا بد أن يكون الله تعالى الخالق واجدا له، حتى يمكنه إفاضته وإعطاءه للمخلوق، ولا يمكن لمن يخلق الحياة أن يكون فاقدا لها، أو لمن يفيض العلم والقدرة للمخلوقات أن يكون جاهلا عاجزا، وفاقد الشيء لا يعطيه. إذن فوجود هذه الصفات الكمالية في بعض المخلوقات دليل على وجودها في الخالق تعالى دون أن يكون فيه نقص أو تحديد، أي أن الله تعالى يتوفر على الحياة والعلم والقدرة اللامتناهية. والآن لنبدأ بتوضيح أوسع لكل واحدة من هذه الصفات.
الحياة
مفهوم الحياة يستعمل في مجموعتين من المخلوقات:
الأولى: النباتات، حيث تتميز بالنمو.
الثانية: الحيوانات والإنسان حيث تمتلك الشعور والإرادة.
ولكن المعنى الأول لمفهوم الحياة مستلزم للنقص والإحتياج، ذلك لأن طبيعة النمو تفرض أن يكون الشيء النامي في بداياته فاقدا للكمال، ولكن نتيجة لبعض العوامل والمؤثرات الخارجية تحصل فيه تغيرات تصل به إلى كمال جديد بالتدريج، ولا يمكن نسبة مثل هذه الأمور إلى الله تعالى، كما مر توضيحه في موضوع الصفات السلبية.
أما المعنى الثاني: فإنه مفهوم كمالي وإن اقترن في بعض مصاديقه الإمكانية ببعض النقائص والتحديدات، ولكن يمكن أن نتصور له مرتبة لامتناهية ليس فيها أي نقص أو تحديد أو احتياج كما هو الأمر في مفهوم الوجود ومفهوم الكمال.
والحياة بمعناها الملازم للعلم والفاعلية الارادية من مستلزمات الوجود غيرالمادي، وذلك، فإنه وإن نسبت الحياة إلى الكائنات المادية الحية، ولكن الحياة في واقعها صفة لروحها، لا لبدنها، وإنما يتصف بها البدن لتعلق وإرتباط الروح به، وبعبارة أخرى: كما أن الإمتداد من لوازم الوجود الجسماني، فكذلك الحياة من لوازم الوجود المجرد (غير جسماني). ومن هنا ينشأ دليل آخر على الحياة الإلهية وهو: أن الذات الإلهية المقدسة مجردة غير جسمانية، كما أثبتنا ذلك في الدرس السابق وكل موجود مجرد واجد بذاته للحياة، إذن فالله تعالى واجد للحياة بذاته.
العلم
ومفهوم العلم أكثر المفاهيم وضوحا وبداهة، ولكن مصاديق هذا المفهوم التي نعرفها في المخلوقات، مصاديق ناقصة محدودة، ومفهوم العلم بهذه الخصائص التي تتصف بها المخلوقات لا يمكن أن يصدق على الله تعالى، ولكن العقل كما أشرنا إليه يمكنه أن يتصور لهذا المفهوم الكمالي مصداقا ليس فيه أي نقص أو تحديد، وهو عين ذات العالم، وهو هذا العلم الذاتي للّه تعالى.
ويمكن لنا إثبات علم الله تعالى - فضلاً عن الدليل العام المتقدم - من طرق عديدة نكتفي بواحد منها وهو الإستعانة على إثبات ذلك بدليل النظام - وقد أشرنا إليه سابقاً وقلنا أن الأثر يدل على المؤثر وعلى خصوصياته - فإن أي ظاهرة أو مخلوق كلما إزداد دقة وإحكاماً في النظام أو الإتقان، إزداد دلالة على علم خالقه كما هو الملاحظ في الكتاب العلمي، أو القصيدة الرائعة، أو الصورة الفنية، حيث تدل على مدى ما يملكه مبدعها من ثقافة وذوق وخبرة، ولا يمكن لعاقل أن يتصور أن الكتاب العلمي أو الفلسفي قد كتبه شخص جاهل غير مثقف. إذن فكيف يحتمل أن يخلق هذا الكون العظيم بكل ما فيه من أسرار ونظام مدهش موجود غير عالم؟ وإن للإعتقاد والإيمان بالعلم الإلهي وسعته دور كبير في بناء شخصية الإنسان، ولذلك كان تأكيد القرآن الكريم كثيرا على هذه الحقيقة، ومن الآيات الشريفة في ذلك ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾(غافر:19).
القدرة
يقال في حق الفاعل الذي يؤدي عمله بإرادته وإختياره. أنه يملك "القدرة" على عمله. إذن فالقدرة عبارة: عن القوة ومبدئية الفاعل المختار للعمل الذي يمكن صدوره منه. وكلما كان الفاعل أكثر تكاملا من حيث المرتبة الوجودية كان أكثر قدرة، وبطبيعة الحال فالموجود الذي يتوفر على الكمال اللامتناهي له قدرة غير محدودة ﴿إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾(البقرة:20).
ويجب علينا هنا أن نؤكد على بعض الملاحظات:
1- إن العمل الذي تتعلق به القدرة لا بد أن يكون ممكن التحقق، إذن فالشيء المحال في ذاته، أو المستلزم للمحال، لا تتعلق به القدرة، وهذا ليس من جهة قصور القدرة بل من جهة عدم قابلية المستحيل للتحقق وإلا لما كان مستحيلاً، كوجود إله آخر، أو أن يكون رقم 2 أكبر من 3، أو أن يخلق الابن على تقدير كونه ابناً قبل أبيه.
2- إن القدرة على كل عمل لا توجب ولا تفرض على مثل هذا القادر أن يحقق كل الأعمال التي يقدر عليها، بل إنما يحقق تلك الأعمال التي يريد تحقيقها، والله الحكيم لا يريد إلا الأفعال الصالحة والحكيمة، ولا يحقق إلا مثل هذه الأعمال، وإن كان قادرا على الأعمال القبيحة والمنكرة أيضاً.
3- إن القدرة بالمعنى الذي ذكرناه، متضمنة للإختيار أيضا، فكما أن الله تعالى يملك أكمل مراتب القدرة وأرقاها، كذلك يملك أكمل مراتب الاختيار، ولا يمكن لأي عامل أن يقهره ويجبره على القيام بعمل، أو أن يسلب منه الاختيار، وذلك لأن وجود كل موجود وقدرته مستمدة منه تعالى، ولا يمكن أن يكون مقهورا للقوى والقدرات التي أفاضها ذاته للآخرين.
*دروس في العقيدة الاسلامية ،إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.ط1،ص42-47