التاريخ 15 خرداد 1361 هـ. ش/ 12 شعبان 1402 هـ. ق
المكان: طهران، جماران
المخاطب: الشعب الايراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى حمداً لا نهاية له، ها قد بلغنا اليوم الخامس عشر من خرداد سنة 1361. ان الذكرى السنوية لخرداد سنة 42 هي اساس النهضة المباركة للشعب الايراني الكبير واليوم الذي بذرت فيه ثورتنا الاسلامية الكبرى. وعلى الشعب العزيز ان يبحث عن هذا الاساس والبذرة المباركة في عصر عاشوراء 83 قمري؛ عصر عاشوراء المصادف لساعات الشهادة المنصورة لسيد المظلومين وسيد الشهداء؛ عصر عاشوراء الذي سال فيه الدم الطاهر والمطهر لثار الله وابن ثاره على ارض كربلاء الساخنة وسقى جذور الثورات الاسلامية. لقد فجر شعبنا العظيم تلك الثورة العارمة في الذكرى السنوية لهذه الماساة المتفجرة المصادفة للخامس عشر من خرداد 42 مستلهمينها من عاشوراء. ولو لم يكن عاشوراء وحرارته وحماسه المتفجر، لما كان من المعلوم ان تحدث مثل هذه الثورة دون خلفية ودون تنظيم. ان حادثة عاشوراء العظيمة من 61 هجرية وحتى خرداد 61 ومنها حتى الثورة العالمية لبقية الله ارواحنا لمقدمه الفداء هي صانعة للثورة في كل مرحلة. ففي ذلك اليوم حفر اليزيديون قبورهم بأيديهم المجرمة وسجلوا إلى الابد هلاكهم وهلاك نظامهم الظالم المجرم، وفي 15 خرداد 42 حفر البهلويون وانصارهم وقادتهم المجرمون قبورهم بأيديهم الظالمة وخلفوا السقوط والعار الابدي لانفسهم، حيث ان الشعب الايراني العظيم الشان يصب اللعنات والحمد لله تعالى بقوة وشعور بالانتصار على قبورهم الجهنمية.
ان الذكرى السنوية للخامس عشر من خرداد 60 تختلف كثيرا عن ذكرى 61 التي نشهدها الان. ففي سنة 60 كان بلدنا وشعبنا الشريف يعاني للاسف من بلايا كثيرة منها مصيبة الحرب المفروضة وخيانة بعض العناصر المثيرة للفتن وتعاملها مع الاجانب والاعمال التخريبية للعناصر الفاسدة من المنافقين وحتى الشراذم الاخرى المنحرفة الارهابية والتي ادت إلى استشهاد عدد كبير من الاعزاء الملتزمين بالاسلام والجمهورية الاسلامية، ولكن مقاتلينا الاقوياء انتصروا والحمد لله تعالى في ذكرى 15 خرداد 61 على مثيري الحروب بتضحياتهم وعشقهم حيث كان سندهم عناية الباري تعالى والاهتمام الخاص لبقية الله روحي لمقدمه الفداء ودعم الشعب الكريم في ارجاء البلاد، وهم يخطون الان الخطوات الاخيرة. والصداميون المفسدون يلفظون انفاسهم الاخيرة وتم القضاء على المفسدين في الداخل والشراذم العميلة بهمة حرس الثورة، واللجان الثورية وافراد الشرطة والتعبئة وتعاون ابناء الشعب الاعزاء. وفي سنة 60 كاد ان يحدث شرخ بين حرس الثورة، هؤلاء الشباب الملتزمين المضحين وبين العسكريين المقاتلين الاعزاء حيث نرى تضحيات الجميع في الجبهات، وذلك من خلال النشاط المكثف للخائنين والمرتبطين بامريكا وبالايدي القذرة للمجرمين المتلاعبين بالسياسة والارهابيين المجرمين وبحيلهم الشيطانية. والله يعلم إلى اين انساق بلدنا المظلوم بهذا المخطط المشؤوم وماذا حدث وحدث لشعبنا الشريف وماذا جرى وجرى للاسلام. وبارادة الله العظيم وهمة مجلس الشورى الاسلامي ودعم ابناء الشعب الشرفاء في سنة 61 الذكرى السنوية لخرداد، فقد خرجت من الساحة جراثيم الفساد والخيانة هذه ودفن المجرمون الامريكيون في قبور النسيان.
ان القوات المسلحه تتمتع اليوم والحمد لله تعالى على الطافه، بتلاحم ووحدة القيتا الرعب المميت في قلوب المغرضين القذرين، وعلى الرغم من الاعلام الكاذب لوسائل اعلام الاعداء الدجالين، فقد سادت اليوم بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وبينهم وبين الشعب وحدة الكلمة والاخوة الايمانية اللتين لم ير التاريخ نظيرا لهما. وانا آمل أن تسود هذه البارقة الالهية التي تجلت في ايران ببركة الاسلام والالتزام به دوماً وتبقى ثابتة. دعوا الاعداء المنهزمين والمغرضين المنعزلين الذين انحسر نفوذه في كل شيء وخدعوا انفسهم بهذه الاكاذيب المفضوحة والتمنيات الطفولية؛ من مثل ادعائهم ان ايران بلغت تجري جرياً محموماً وراء السلطة وعلماء الدين يقفون في صفوف للامساك بزمام الامور وان ايران سوف يسودها في المستقبل القريب الاضطراب بعد الشخص الفلاني وان الجمهورية الاسلامية سوف تتحول إلى جمهورية ديمقراطية! ان عليهم ان يعلموا ان هذه الاماني الذهبية كما يتوهمون سوف يحملونها معهم إلى القبور.
فقد وصل الشعب الايراني والحمد لله إلى درجة بحيث سادت الاخوة الايمانية- القرآنية بين جميع الموسسات والشرائح وبلغ درجة من الثبات بحيث انها لا يمكن ان تصاب بسوء بموت الاشخاص مهما كانوا. وقد ابتليت هذه الوسائل الاعلامية المختلقة للاكاذيب بالتناقضات والاختلافات بحيث ان احداً لم يعد يصغي إلى هذه الاكاذيب سوى- ربما- اصدقاؤها المحلقون في عالم الخيال والآمال. لقد رأينا خلال حياتنا في هذه الثورة الاسلامية اشياء وكنا قد رأينا جوانب منها قبل ذلك لا تصدق وعجيبة؛ اعتبارا من تجول رضا خان في التكايا وايقاده للشموع وحتى طبع محمد رضا للمصاحف وارتدائه لملابس الاحرام، ومن تحول صدام إلى عابد وزاهد ومسلم وحتى تحول كارتر إلى عارف بالاسلام وحتى اصدار الحكم بجهاد المسلمين ضد ايران، وتهديدات ابواق بيغن وريغان، ولعلنا نراهم ان استمرت الحياة في صفوف الجماعة ومحاريب العبادة! ففي الوقت الذي تدعو فيه الجمهورية الاسلامية إلى حفظ الوحدة الاسلامية وتطلق نداء ياللمسلمين ، ينطلق من مركز الوحي اقتراح الجهاد ضد هذه الدعوة لخنق هذه الصرخة فنراهم يولولون لصالح امريكا عدوة الاسلام، واسرائيل التي تسعى للاحتلال من الفرات إلى النيل والتسلط على الحرمين الشريفين.
ولكننا نرى ان هذه الحكومات الناهبة لثروات العالم والمرتبطين بها لم يدينوا صداما ومنظمات حقوق الانسان وامثالها تلوذ بالصمت خلال مدة تقرب من سنتين حيث اعتدى صدام العفلقي على ايران المسلمة ودمر المدن الايرانية العربية، وقتل الصغار والكبار في تلك المناطق بنيران المدافع والصواريخ والاسلحة الاخرى، ولكن وبعد ان اصبحت الجثة المحتضرة لصدام وحزب البعث الكافر في العراق يلفظان انفاسهما الاخيرة في بغداد، فان جميع الابواق الدعائية ووسائل الاعلام التابعة لناهبي الثروات وجميع المرتبطين بهم اصبحت داعية للسلام من خلال الدعايات ووالزيارات المتتالية والاستمداد من اسرائيل ومصر والاردن. وقد تهدد امريكا ايران احيانا، وهي لم تدرك بعد انها ثارت بدافع الشهادة من اجل الحد من نفوذهم وانها تشتري بروحها وقلبها الجهاد في سبيل الله، ولا تخشى تهديدات امثالها. واذا نهض مسلمو العالم من نومهم وجمعهم الايمان بعون الله فليس بمستطاع اية قوة ان تهددهم. وقد دعاهم المسؤولون الايرانيون إلى الاخوة والاتحاد في كل مرحلة. ومن المؤمل ان يعودوا إلى انفسهم وان لايضحوا بشرفهم الانساني والاسلامي للقوى الشيطانية، وان لا يهبّوا لمعارضة الجمهورية الاسلامية في ايران بدلا من مدهم يد الاخوة اليها حيث انها مستعدة لدعمهم لانقاذهم وانقاذ البلدان الاسلامية، وان لا يضحوا بانفسهم في سبيل صدام العفلقي واربابه.
وإلا فان شعبنا الكبير والقوات الايرانية المسلحة المقتدرة سوف لا تعتبر نفسها مسؤوله في اية حادثة تقع على ايديهم هم انفسهم. على ان الشعب الايراني لا يمكنه ان يقف مكتوف اليد في مقابل الاحداث التي تهدد الاسلام او البلدان الاسلامية وخاصة مهبط الوحي والحرمين الشريفين. فالشعب الايراني وكما هو حال سائر المسلمين في العالم مسؤول امام الله القدير امام المشاكل والاخطار التي تدبر الان ضد الاسلام. واليوم فان من اخطر القضايا مشروع كامب ديفيد و مشروع فهد اللذان من شانهما ان يثبّتا اسرائيل وجرائمها. فنحن كلنا وخاصة الحكومة السعودية مسؤولون امام الاسلام والقرآن الكريم والاجيال القادمة. وانا اخشى ان تعود في يوم ما لا سمح الله الشعوب والحكومات الاسلامية إلى نفسها وهي ترى اسرائيل وقد حققت على يد امريكا المجرمة مطالبها الظالمة والاجرامية دون ان يستطيع المسلمون فعل شيء. انني اعتبر تاييد مشروع استقلال اسرائيل والاعتراف بها كارثة للمسلمين وانفجارا للحكومات الاسلامية واعتبر معارضته فريضة اسلامية كبرى، واستعيذ بالله العظيم من هذه المخططات التي تحاك ضد الاسلام بيد المتظاهرين بالاسلام.
ان الشعب الايراني العظيم يحيي الذكرى السنوية للخامس عشر من خرداد الذي هو يوم الله، ولا ينسى ابدا مفخرة ثورة ابناء الشعب الذين اراقوا دماءهم بقبضاتهم التي لوّحوا بها في مقابل الظلم البهلوي ورسخوا الدعامة الحصينة للثورة الاسلامية- التي ادت إلى الاطاحة بأقوى المجرمين في المنطقة-. وهذا الشعب يجلل اليوم تضحيات وجهاد الشباب الماجدين في بلدنا الاسلامي والتي وضعت الحجر الاساس للخروج من الظلمات إلى النور ومن الحقارة إلى الاباء ومن العبودية نحو الاستقلال، ويكرّم عاشوراء الذي انطلقت فيه صرخة" هيهات من الذلة " 1 والخامس عشر من خرداد وايام الله الاخرى التي جاءت على اثره وقد اقتبس من نور عاشوراء الالهي الضياء ومن شمس الجمال الحسيني الدفء ومن شعاع هدايته المعرفة بالواجب ومن ثباته امام الباطل الصمود.
ندعو الله تعالى ان يرشد بنور هدايته هذا الشعب الذي ضحى منذ 15 خرداد 42 وحتى 22 بهمن 57 ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن بكل ما يملك لاقامة العدل الالهي، وقدم اعزاءه قرابين للحبيب هؤلاء الشباب الذين كانت قاماتهم الرشيدة والطويلة تزودنا بالمعنويات كالخلود الثابت وحرارة دمائهم كعشق جمال الجميل، وان يجله بمظهر قدرته الازلية وببارقته الغامرة في احقاق الحق وابطال الباطل، وان لا يسلب منه هذه الوحدة والصلابة." ولاحول ولا قوة الا بالله ". والسلام على عباد الله الصالحين.
روح الله الموسوي الخميني
* صحيفة الإمام، ج16، ص: 221
1-قرئ نص بيان الامام الخميني في التجمع الضخم والمهيب لاهالي طهران الذين كانوا قد اجتمعوا لتكريم الذكرى السنوية لانتفاضة 15 خرداد سنة 42، بعد مسيرة من مختلف مناطق هذه المدينة في ساحة الامام الخميني، من قبل السيد احمد الخميني. وقد شارك في هذا التجمع شرائح من مجاهدي حركات التحرر في العالم، وحشد كبير من العشائر التعبوية، والقوات المسلحة، والسيدات وشرائح الشعب المختلفة، وفي مقدمتهم علماء الدين. وتطالعنا في اللافتات شعارات مثل الخامس عشر من خرداد كان للاسلام وباسم الاسلام وبتوجيه من علماء الدين تكريم يوم الخامس عشر من خرداد الصانع للملاحم، هو تكريم للقيم الاسلامية في التاريخ.
2011-06-08