الموضوع: واجب السوق في منع رفع الأسعار وظلم الفقراء والقيام بواجب الأمر والنهي
خطاب
الحاضرون: جمع من رجال السوق (البازار)
عدد الزوار: 130
التاريخ: 11 خرداد 1358 هـ. ش/ 6 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من رجال السوق (البازار)
بسم الله الرحمن الرحيم
التحوّل الروحيّ أثمن من الاجتماعي
في جميع الثورات الحاصلة في إيران كان السوق أحد المرافق الأكثر تأثيراً في التقدّم.
ففي ثورة التبغ كان له النصيب الأوفر في تقدّمها، وهكذا في الثورة الدستورية.
وفي هذه الثورة الإسلامية مئة بالمئة والسوق اسلاميّ مئة بالمئة كان لوفاء الكسبة الذين لم يرتبطوا بالأفكار الأخرى نصيب كبير جدّاً.
فالسوق مبدأ البركات، وهكذا يجب أن يكون.
وفي هذه البلاد التي نريد أن تكون إسلامية إنسانية بكل ما في الكلمة من معنى نريد لهذا السوق أن يكون هكذا، وهو الذي خاض الثورة بتعطيلاته الطويلة التي دامتْ أشهراً أحياناً، وقدَّمَها إذ نشأ فيه وفي سائر المرافق تحوّل روحيّ عظيم جدّاً ربّما كان أهم من هذه الثورة التي حطمت هذا السدّ.
فحِسّ التعاون الذي سرى في المجتمع كان فائق القيمة في الناس، لكنّه انخفض نوعاً ما بعدما اقتربت هذه الثورة من النصر، وهاهي تلك المعاني الإسلامية والتحوّلات التي بدأت تخِفّ بعض الشيء، وطرف من هذا مرتبط بالسوق.
مجابهة الاستغلال في السوق
مثلما للسوق من حظّ وافر في الشؤون السياسية والإسلامية والاجتماعية له أن يُوجِد تحوّلات مهمّة.
فهناك الآن أحاديث بأنّ فئة تريد أن تتلافى ماخسرته أيام التعطيل مثلا وأنّ فئة كانت تتربّص بالناس الفرصة لاستغلالهم.
وهذا السوق هو الذي يستطيع صدَّ هؤلاء، ويكبح جِماح مَنْ أعدُّوا أنفسهم للاستغلال.
ولا نقول: عليهم أن يذهبوا ويضربوا، أو يفعلوا كذا.
وإنّما عليهم أن يذهبوا حتى إذا رأوا أحداً يُجحف بحقّ هؤلاء المحتاجين الفقراء الذين بذلوا أرواحهم ودماءَهم، وهم الآن ضعفاء، ولا شيء لديهم سوى البُؤسِ والفاقة ويريدون أن يشتروا أشياء باهظة الثمن فلا يستطيعون، فيبقون محرومين.
افرضوا أنّ في السوق جماعة بارزة فيه، وهي فيه، واتفقوا معهم على أن يذهبوا إلى أولئك المُجحفين واحداً واحداً ويسلّموا عليهم، ويقولوا لهم: يا أخي لا تفعل هذا.
وإذا ذهب أَلف من الناس في يوم واحد إلى أحدِهم، وقالو له: يا سيِّد لا تفعل هذا، فهو خلاف الإنصاف، فإنّ هذا العمل يتقدّم.
حكاية عن الأستاذ الشاه آبادي
رحم الله شيخنا المغفور له الشاه آبادي- رضوان الله عليه- فقد قال لي: في زمن الشِّدَّة ذاك افتُتِحَ دُكان مقابل منزلنا، والظاهر أنَّه يبيع أشياء ممنوعة، كان دكّان سَوْء، فقلت لرفاقي: اذهبوا إليه واحداً واحداً، وانهَوه.
فذهب إليه في يوم واحد زهاء مئتي رجل صباحاً وكلّهم: سلام عليكم، وعليكم السلام يا سيّد هذا الدكّان غير مناسب هنا.
يقول هذا ويمضي، ويخلِفه الآخر على القاعدة حتّى العصر حتى بلغوا حوالي مئتي رجل، فطوى بِساطَه ومضى.
فالنهي إذا تكرَّر أثّر في روح الإنسان، فإذا كان الناهي واحداً، فمن الممكن أن يكون تأثيره ضئيلا.
فإذا تَبِعَه آخر، وقال: ياسيّد لاتفعل هذا، فهو خلاف الإنصاف، فهؤلاء الناس بذلوا دماءهم، وأنت الآن تُضيِّق عليهم، وهؤلاء البائسون لايستطعيون أنْ يشتروا بهذه الأثمان الفادحة.
أُسلوبُ مكافحة الغلاء
إذا عزم شبّان السوق هؤلاء ووجهاء السوق على الخير، ذهبوا إلى أولئك واحدا واحدا، ونهوهم قائلين لهم بلطف:" لا تفعلوا هذا" نفعوهم.
وإذا ذهب عدد غفير منهم في يوم واحد إلى كل من أولئك، وقالوا لهم قولًا ليّناً مافيه كلمة حادَّة أو جارحة، ونهوهم على مايريد الله- تعالى- نهياً حكيماً من قبيل: هذا الغلاء غير طيِّب، فَدَعْه؛ فإنّهم يُؤَثّرون فيهم.
فالسوق والعاملون فيه- إذا جدّوا في هذه المسألة- يستطيعون بهذه النصيحة ورقّة القول والنهي الرشيد أن يردعوا هؤلاء الذين يبيعون غاليا.
ولانريد أن يُعامَل مُخالِفو الإنصاف هؤلاء بِشِدّة، وإنّما نريد أن تُحلَّ قضايا الجميع بأُخوَّة وصداقة.
والأحسن أن يقول الكسبة أنفسهم لمن يبيع الفاكهة غالية في السوق مثلًا مخالفاً الإنصاف قولًا وَدوداً: لاتفعل هذا ياسيّد.
فهنا يمكن أن يؤثّر في أولئك- إن شاء الله- ويكون السوق إسلاميّاً مثلما كان في إحدى مراحل هذه الثورة حين سرى في الناس حسّ التعاون العجيب جدّاً.
مثال للخصال الإسلامية وروح الأخوّة
كرَّر لي عدَّة مِمَن كانوا في هذه المظاهرات، فقال أحدهم: كنّا إذا جاء أحدُنا بساندو مثلًا قطّعها قِطعاً صغيرة، ووزَّعها بين مَنْ حوله قطعة قطعة، هذه لهذا، وهذه لذاك، ورُبّما لم تبق له واحدة منها.
وعندما كان الناس يتظاهرون في الشوارع، وتتحرَّك جماعاتهم كان الآخرون يسقونهم ويَغْذونَهم وهم سائرون، وهذا مطلب إسلامي وتحوُّل روحيّ يريده الإسلام الذي يريد أن يسود سوقنا وشارعنا ودارنا داخلًا وخارجاً نظمٌ إسلاميٌ، ويشعّ فيها تعاون ومحبّة يجعلانها محيط مَوَدَّة يتراحم فيه الناس وأن يكونوا رحماء بينهم ويتعايشون متحابِّين يرى كل منهم الآخرين مثل أبنائه وإخوانه على ما كان عليه رسول الله- صلى الله عليه وآله- الذي هو على رأس الجميع شفقة ورحمة، حتى إنّه كاد يقتل نفسه على هلاك المشركين بشركهم 1، إذ كان محبَّة عالَمية ورحمة كبرى استوعبت حتى المشركين، وكان للأمة كالأب الحنون يُحسنُ إليها، ويدعوها إلى الخير والصلاح، لأنّهما كانا طيّبَين لها.
الاقتداءُ بالرسول والأئمّة
يجب أن تقتدي البلاد الإسلامية بالرسول وأئمّة الإسلام الذين كانت سيرتهم باعثة على محبَّة إخوانهم وناسِهم لهم، وعلينا كلنا نحن أتباعهم أن تكون لنا هذه السيرة، وأن نجدّ لينمو الشبَّان إسلاميين على هذا النحو، فإنّهم إذا نَمو إسلاميين كانوا أمناء لايخونون ونافعين لبلادهم، وأملي أن يوفّقكم الله جميعاً ويُؤيدكم.
(وبعد كلام الإمام سأله أحد الحاضرين أسئلة عن الغلاء وما يجري في السوق، فقال:)
بَلَى، هذه أيضاً فئة من أولئك المحدودي العدد الذين قلت لكم: أقبِلُوا عليهم، فأنا آمل أن يستقيموا بنهيكم لهم، ويتأثروا به.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 46,44
1- إشارة الى الآية 3 من سورة الشعراء.
2011-05-08