الموضوع: وجوب حفظ الاستقلال وعدم الانبهار في السفارات والممثليات
خطاب
الحاضرون: يزدي، إبراهيم وزير الخارجية وسفراء إيران الجدد في الخارج
عدد الزوار: 47
التاريخ 21 خرداد 1358 هـ. ش/ 16 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: يزدي، إبراهيم وزير الخارجية وسفراء إيران الجدد في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
الغرب في لجَّةِ التوحش أو دورة التحضُّر
المهم في نظري أنّ أبرز ماحدث في إيران في عهد الأب وابنه غير الجديرين بالذكر هو أنّهم سلبونا محتوانا بألوان الدعاية الشاملة المكثّفة، وجعلونا مؤمنين بالغرب، حتى إننا لسنا مستعدّين أن نقبل غير ما يأتي عن الغرب.
وهكذا صار شبّاننا أغلبهم، وتحوّلوا من إيرانيين إلى غربيين، وهذا خطر على بلاد ماعادت تقبل نفسها أصلا، وتقبل الأجنبيّ بدلًا منها.
حيث تمت استمالة شخصيته وقد غُسِلَ دماغه- على ما تصطلحون- فأولئك غسلوا أدمغتهم، فأزالوا وطنيّتهم وإسلاميتهم، وأحلّوا الغرب محلّها، حتى إننا إذا كان الشيء لدينا نمدّ أيدينا إلى الغرب.
فنحن نعلم مثلًا أنّ لدينا مهندسين يستطيعون التعبيد والعمارَة ومدَّ السكك الحديدية، لكنّنا عند الحاجة نقول: يجب أن يأتي مهندس غربيّ، وينجز ذلك.
ولدينا أطباء، لكن حين يمرض أحدنا يجب أن نرسله إلى الخارج مع وجود الطبيب بيننا.
لقد أذلُّونا، أفرغونا حتى إنّنا صدّقنا أنّنا لا نملك شيئا، وأنّ أولئك يملكون كل شيء.
ولو رجعنا إلى ما أحرزوه من التقدم، لوجب أن نتأمّله تأمّلًا دقيقاً، لنرى أين يتّجه؟ أإلى التحضّر، أم إلى التوحُّش؟
وتعبيري هو أنّ أمريكة والدول الغربية والشرقية تحضّرت تحضّراً مُفاده أنّها ربَّت الإنسان على الافتراس الذي عملت كل شيء من أجله.
ولا أعني شعوبها، بل حكوماتها، فكل أفكارها متّجهة أن تصنع شيئاً أشدّ تحطيماً، وأوّل من أمس رأيت في الصحيفة أنّهم صنعوا قنبلة تزيد خمس مرّات على قدرة القنبلة التي ألقوها على اليابان، وقتلوا بها مئتي ألف نسمة.
فهم يسعون إلى أن يصعنوا آلة فتّاكة، أي أنّهم بصدد صنع حيوانات أشدّ افتراساً من الحيوانات السابقة، فليس مِن تمدُّن، وإنّما إقبال على التوحّش.
فالغرب مشغول بتربية ناس يفتك بعضهم ببعض، ويقطّعه بمخالبه وأنيابه.
وهذا على خلاف التحضر الذي تدعو إليه المدارس الإلهية، فهي تريد أن تصنع إنساناً ليعيش إلى جنب أخيه هادئاً ومطمئناً.
بينما مدارس الغرب ماضية في الاستيلاء على هذا المكان وذاك تضرب وتقتل وتفعل ماتفعل.
ذلّة الشاه
إذا حدثت الآن ثورة، وحصل تحوّل، وأثبتت الطبقة المتوسطة والسفلى الإيرانيّتان أنّهما مستقلتان يجب علينا جميعاً أن نكون خلفهما، ونحفظ هذا الاستقلال الفكريّ.
ولينْتبهِ السادة الذاهبون إلى الخارج، وإلى البلدان الغربية في الأكثر أنّ ذاك الانبهار الذي كان أيام الحكومة السابقة وأسلافها الذين يُلبّون كل مايُطلَب منهم صاغرين قد وَلَّى.
فقد رفض ما جاء به سفير أمريكة «1»، ولم يستطع هذا أن يفعل شيئاً، ولن يستطيع.
وأنتم حين تزورون سفاراتكم سترون إنساناً متحوّلًا، لا خاضعاً مثلما كان الشاه.
وقد كرّرتُ هذا، ومع شِدَّة تأثّري اعيد عليكم أنني عندما رأيت الشاه إلى جانب جونسون «2» وقد رفع نظّارته، وراح ينظر جانباً، ولا ينظر إليه وهو واقف في الطرف الآخر من المنضدة مثل طفل بإزاء معلِّمه يُعظِّمُه.
فتأثّرتُ مثله بسوء حالِنا التي يكون فيها الرجل الأول في بلادنا على ما يصطلح عليه بهذه الهيئة قبالة ذاك وهو يقلّب عينيه في الجهة الأخرى غير عابئ به، وظهرت الصورة في الصحف.
وأظنّهم أرْغموا الصحف أن تنشر هذه الصورة.
فلا تكونوا هكذا.
تذكير لسفراء إيران
نحن الآن دولة مستقلة لا يستطيع أحد أن يتدخل في شؤوننا، وأنتم الآن ممثّلو هذه الدولة المستقلة، ولا حاجة لنا إلى أحد، أولئك محتاجون إلينا، ولسنا محتاجين إليهم.
فاعملوا هناك بكمال الاستقلال، ولايكن الأمر على مامضى وما كان أولئك يريدون، فقد صرَّح الشاه أنّ ثبت الوكلاء كان يُرسَلُ إلى الدول، وهي تُعيِّن مَن تريد.
وقد قال ذلك ليؤيّدَ نفسه فكذّب أباه، فقد كانا يُقدِّمان هذا الثبت، وقبل سنوات كان يكذّب حتّى نفسَه مدّعياً أن الوضع ليس اليوم كما مضى، فقد كان مأموراً أن يقول ذاك.
فلا نقبل اليوم كل ما يقولون لنا، لا، لا يكن هذا.
كونوا مستقلّين، فبلادكم أنجزت عملًا بهر الدنيا، وإذا ذهبتم الآن سترون احترام الشعوب لكم، لكن ربّما تسعى الحكومات لاستغلالكم، فقِفوا إزاءَهم بصلابة وقوف قوّة عظمى إزاء الأخرى، لا وقوف ضعيف قبالة قويّ.
نحن الآن لا ينبغي لنا أن يظهر منّا ضعف، ولن يظهر.
طرحنا القوى العظمى جانباً، ورُحنا نُنجز أعمالنا بأنفسنا.
وأنتم الآن تمثّلون دولة طرحت القوى العظمى، وحلّت محلّها، وراحت تحكم مستقلة.
هي حكومة إسلامية يهديها الإسلام المستقل الذي حكم آسية ومساحة كبيرة من أوربة زهاء سبع مئة عام.
والأهم أن نحفظ هذه الإسلامية، فالذي قدّم هذه الثورة هو قدرة الإسلام، لا نحن، ولا أنتم، لا الحكومة، ولا الجهات، لا النهضات، ولا الأحزاب، لا أحد من هؤلاء، ولا السوق.
كل هؤلاء إذ حلّ فيهم روح الإسلام تمّت هذه الأعمال.
هذا الروح الذي انتابه الآن فتورما هو الذي حمل الشبّان أن يكرّروا المجيء إليّ، ويستحلفوني أن أدعو لهم بالشهادة، ومازالوا يفعلون.
كان هذا التحوّل هو السبب أن نتقدم، فاحفظوا هذا الإيمان والإسلام.
أعطوا سفاراتكم صبغتها الإسلامية، ولا تفزعوا أن يصفوكم بالتخلّف.
أولئك الذين يجرّون الناس إلى العصر الحجري هم المتخلّفون، لا نحن الذين نقود الناس إلى التحضّر بمعناه الواقعي.
فلا تخشَوا ما يقولون، فما من قدرة تُقابل قدرة الإسلام التي غلبت بها فئة قليلة فئة كثيرة، وهزمت قوى كبرى.
أسلموا سفاراتكم وإداراتكم هناك كلها، وأصلحوا ما بها مِن تأثّر بالغرب، وقوُّوا جانبها الإسلامي. فكلّما قويتم أبعادها الإسلامية فإنهم يخافون منكم أكثر، وكلّما اتجهتم نحو الغرب فإنهم... (لا يحترمونكم)، فضعوا نصب أعينكم أنكم ذهبتم من بلاد إسلامية بحال إسلامية تريدون حلّ القضايا حلًّا إسلامياً.
ليكن هذا الأمر في بالكم حيثما كنتم، وكرّروا التجربة، تَرَوا الاحترام لكم يزداد.
متى رأَوكم اولي فكرة ومتمسّكين بها وترسِّخونها، انضمّوا إليكم.
كتاب اسم الله في جميع الأوراق الحكومية
إذا حدتم خُطْوةً، أو تقهقرتم خطوة، تقدَّم أولئك.
هذا هو الوضع: تتقهقرون خطوة، يتقدّمون خطوة، وتوقّعهم أكثر.
اجعلوا مجالسكم إسلامية، وسفاراتكم إسلامية، وكل شأن إسلامياً، واكتبوا اسم الله في أعلى مكان، اكتبوا
بسم الله الرحمن الرحيم
، وليكن في صدر أوراقكم
بسم الله الرحمن الرحيم
ولاتخافوا أن يتقوّلوا علينا، فهذه تعليماتهم التي غرَّبتنا، وجعلتنا نخاف أن نكتب بسم الله الرحمن الرحيم في أعلى أوراقنا.
وقد أبلغت السادة أن يجعلوا هذه رسميَّاً، وتتصدَّر البسملة كل الأوراق.
فهذه حكومة العراق- مع أنّ مسؤوليها أكثرهم لااعتقاد لهم بهذه الأمور أصلًا- يعلو كل أوراقها
بسم الله الرحمن الرحيم
، وعندما يريدون أن يتحدّثوا يبدأون بالبسملة، ويتكلمون.
لا تخافوا من
بسم الله الرحمن الرحيم
، فإنما يخافه الشيطان، وأنتم ملك إن شاء الله.
والأهمّ في نظري أيّها السادة- على كل حال- ألّا تخافوا الغرب.
لقد أخافونا كثيراً، وليس في الغرب من شيء، فلا تخافوا.
أعني كونوا مستقلّين إسلاميين اولي شؤون إسلامية ومجالس إسلامية، ولا يكن لكم مثل المجالس التي كانت للطاغوت.
ولا تصنعوا تلك الولائم، وإذا أوْلَمْتُم، فلا تُسْرِفُوا و لأنّ التواضع يحفظ على الدَّعوة طابعها الديني.
أمّا طابعها السياسي، فالسيد الدكتور وأنتم أنفسكم أدرى به، فلا أقول فيه شيئا.
أدعو الله أن يحفظكم جميعا، ويُبصِّرنا كلنا بتكاليفنا لنستطيع أن ندير البلاد التي آلت إلينا وهي الآن بأيديكم إدارة صحيحة و لئلا يقولوا: عجز هؤلاء، وإذا عجزوا أرادوا مِنّا أن نكون سادة عليهم فلنكن سادتهم.
لا يكن هذا.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 88,85
1- إشارة إلى وزير الخارجية الإيراني.
2- ليندون جونسون، الرئيس الاميركي آنذاك.