التاريخ: 28 خرداد 1358 هـ. ش/ 23 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: حرس مسجد النبي الأكرم بطهران
بسم الله الرحمن الرحيم
وجوب إقامة أحكام الإسلام
آمل أن نكون كلنا حرس الإسلام. آمل أن يكون كلّ المسلمين من حرس القرآن الكريم. وكل المسلمين من حرس إمام الزمان. أشكركم أيها الحرس الذين ارتديتم لباس الحراسة. فأنتم حيثما كنتم في هذه المدّة كنتم تحرسون وتؤازرون النهضة، وأشكر للسيد بطائحي الذي تجشّم الأذى وحضر معكم هنا.
نحن الذين مقصدنا الإسلام يجب ألّا نفكّر بغيره، ولا بغير قوانينه، أقصد أننا أينما نذهب في بلادنا نرى الإسلام. ولا يكن أن نعطي الجمهورية الإسلامية رأينا، وحيثما نذهب لا يكن للإسلام خبر. معنى الجمهورية الإسلامية هو أن تكون جمهورية تحكمها قوانين الإسلام، كل قوانينها منه وليس بينها قانون من غيره. وإلّا لم تكن مورد رضانا ولا رضا شعبنا. شعبنا الذي انهال أبناؤه على الشوارع، واعتَلَوا السقوف، وعانوا الليل والنهار، وقدَّموا شبّانهم، وبذلوا دماءهم، فعلوا كل هذا من أجل الإسلام، ولولا الإسلام لما فعلوا شيئاً من هذا.
القدرة الإلهية في الثورة الإسلامية
كان هذا هو الإسلام الذي حملكم على السير، وأعطاكم مثل هذه القدرة التي وقفتم بها قُبالة القوى الشيطانية دونما خشية. هذه القدرة مَنَّ الله بها عليكم، وإلّا فنحن عباد ضعاف لا شيء لدينا. كلّنا كنّا عاجزين إزاء بندقية واحدة. ونحن هؤلاء العاجزين عن بندقية واحدة والخائفين من شرطيّ واحد قَبْلًا. هذا الشعب الذي كان يخاف الشرطيّ أعطاه الله قدرة نزل بها إلى الشوارع، وهتف أنْ لا نريد هذا النظام، لا نريد الأساس. ويجب أن تشكروا لله هذه القدرة التي أعطاكموها. كانت هذه القدرة قد جاء بها الإيمان بالله، وكان هذا التحوّل قد وقع بيد الله. والآن يأتيني الشبّان أحياناً، ويقولون: ادعُ لنا أنْ نُسْتَشْهَد. يريدون الشهادة. كان هذا تحوّلًا نشأ في هذه الأمّة جاعلًا الحياة الدنيا غير مهمّة عندها، فقد كانت تريد الشهادة. ولو كانوا يريدون هذه الأمور المادّية في الحياة، لما وقفوا إزاء المدافع والدبابات والرشاشات. جابهوا المدفع والدبابة من صغارهم إلى كبارهم، من الجامعي إلى علماء الدين، من الكاسب إلى العامل، وصار الجيش جزءاً منكم. جيش أعدّوه لأنفسهم سنين طوالًا لمطالبهم رأيتم أنّه أعطاهم ظهره في مدّة قصيرة، واتّجه إليكم، وكان ذلك بقدرة الله، وهو شيء منّ الله به عليكم، وعليكم أن تحتفظوا بهذه المنّة التي ستكون منشأ كلِّ نصر إن شاء الله، حتى نخطو خطواتنا الأخرى بِمُظاهرةِ بعضنا بَعْضا حتماً.
عدم إمكان انتصار الثورة الإسلاميّة في النَّظرِ المادِّي
على نحو ما جرى منذ البدء غَدَا الإيمان منطلقاً أن تتقدّم الثورة، وأن تحطّموا مثل هذه القدرة الشيطانية باجتماعكم كلّكم الذي تحقّق بالإيمان الثابت في قلوبكم. كانت هذه عناية خاصَّة من الله- تبارك وتعالى- ولهذا بطل حساب كل من يفكّرون بالمادِّيات، ولا يهتمون بالمعنويات. وعلى حساب الناس الذين يسيرون على حسابات الدنيا، ولا ينظرون للمعنويات كان الحق لأولئك أنّه لا إمكان أن تزول تلك القدرة. كانوا يقولون لنا هذا مراراً، ولا سيّما حينما صاروا يأتون زرافات في باريس، ومنهم من لم يكونوا سيئي النيّة، بل كانوا أهل خير، لكنّهم مخطئون. يجب أن لا يسير شعب على الحساب المادي حساب أهل الدنيا، فها أنتم أولاء بأيديكم بضع مسدسات جاءتكم بعد الثورة، ولم يكن لكم قبلها شيء. وهذه غنيمة أصلًا، وإلّا ما كان لكم من قبل شيء. وشعب ليس له شيء سوى قبضة خالية، شعب كانت نساؤه خلف ستر، وما وضَعْنَ أقدامهنّ خارج هذا الستر، شعب ما كان مستعدّاً أنْ يخطو خطوة في المهمّات تحوّل تحوّلًا إلهيّاً، فتقدّم وهو خالي اليد على أولئك الذين كان بأيديهم كل شيء.
عدم الاهتمام بالمصالح الخاصّة
غلبتم الدبابات الضخمة بأيديكم التي كان ظهيرها الإيمان. غلبت دماء شبّاننا الرشاشات. وكان هذا شيئاً مَنّ الله به عليكم، فيجب أن تحفظوه، ولا تفكّروا الآن أننا مثلًا حرس- لستم أنتم- ولا يعطوننا رواتب، أو يعطوننا قليلًا. الزموا تلك الحال التي كنتم عليها أيام الثورة تتقدّموا فيها، وتحطّموا السدّ، وما كنتم تجلسون مرّة تفكّرون في أن اليوم نذهب إلى المنزل، فما العَشاء؟ وما كان هذا الفكر في ذهن أحد أصلًا. أنا أدري أنه لم يكن. لو كان لما أقبلوا يبذلون أرواحهم. في تلك الأيام التي أقبلتم فيها على الميدان، وملأتم الشوارع، وأولئك بالأسلحة الثقيلة وأنتم بالأيدي. وما كنتم في فكرة راتبي قليل قط، ما كانت الرواتب تجري قطعاً. كان المبذول هو الروح، فأين منه الرواتب. هذه الروحية التي أعطتكم الغلبة، فاحفظوها، احفظوا هذا الشيء الذي غلّبكم، فإنّه ما دام لديكم، فأنتم منتصرون. ادعُوا أن يبقى لكم. جدّوا، جدّوا أن تحفظوه. لقد لطف الله بكم، فاحفظوا هذا اللطف، احفظوه. احفظوا هذا الشيء الذي تحقّق به أصول القضايا، وبعد ذاك غيره، ولا تفكّروا براتبي قليل، ورتبتي متدنية.
علينا الآن جميعاً أن نكون على ما كنا عليه في البَدْء مِن النظر إذ لم تلتفتوا لمطالبكم الخاصّة، فاحفظوا الآن هذه المزيّة، ولا تُؤثروا أنفسكم عليها، وأنا لا أقول هذا لكم وحدكم أنا أقول هذا للجميع، فما يجب أن يكون ابن السوق بصدد الربح، والعامل بقلَّة الأجر، والفلّاح بوضع الزراعة هذه السنة، نزل المطر أو لا، فهذه الأمور تعوقكم عن تلك القدرة الإلهية. فأنتم قمتم لله، وهذا ما وصَّى به الله- تبارك وتعالى- رسوله الأكرم بقوله الحكيم: (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) 1 أي: انهضوا لله، حتى إن كنت واحداً تنتصر. فانهضوا لله جميعاً.
مظاهر القيام لله
أنتم قمتم لله بدلالة وضع أرواحكم على أكفّكم، ونزلتم إلى الشوارع، وهتفتم بالإسلام وهذا برهان على أنكم قمتم لله، ولو لم يكن لله لما بذل أحد روح أخيه ولا روحه. أنت تدري أنّ البندقية مسدّدة إليك، والرشاش ينثر عليك، والمدفع مصوّب، والدبابة آتية، والجندي مسلّح. وهذا دليل على أنّ هذا العمل جرى لله. هذه هي وصية الله التي أوصى بها، وهي الوعظ بواحدة (إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ) أي: قل لهؤلاء: إنّي أعظكم موعظة واحدة، وهي أنْ تكون نهضتكم وقيامكم لله. ففي هذه كل شيء. في هذه الموعظة، في هذا العمل كل شيء. أنتم قبلتم موعظة الله هذه حتى الآن، فلا تدعوها تتبدَّدُ بعدُ، فالقيام كان لله، ويجب من الآن فصاعداً أن يبقى لله. أنتم أكثركم أو كلكم مستيقظون في الليل حتى الصبح، وساعة يجب أن يهجع شابّ أنتم مستيقظون وبنادقكم على أكتافكم. وإذا لم يكن هذا لله، فلمن؟ لم يرغمكم عليه أحد. فإن وقف صاحب منصب حيناً، وشهر سلاحه عليكم، وقال: يجب أن تقفوا هنا، فذاك ليس لله، وإنّما لصاحب المنصب، للبندقية. ما ضغط عليكم أحد أن تنهضوا وتسهروا حتى الصباح. هذا لله، شابّ يجب أن ينام في قلب الليل- هذا ما يقتضيه الشباب- وأنتم لا تنامون، جعلتم بنادقكم على أكتافكم، ووضعتم أنفسكم في معرض الهلاك. والشياطين يتعقّبونكم كي- لا سمح الله- يضربونكم، وأنتم وقفتم، وأخذتم تؤازرون الإسلام. هذا لله. وإذا لم يكن لله، فأيّ علم كان هذا الذي يحمل الإنسان أن يدع نومه. ويأتي إلى موضع الخطر يهجر مورد الاطمئنان، وموضع الأمان، ويأبى النوم، ويقصد معرض الخطر، ويفقد عزيز نومه المريح. لا يكون هذا إلّا لله. وليس مِن قَهْر عليه. فما من أحد قال لكم هذا. إنه قدرة فيكم فقط، وتلك هي قدرة الإيمان، فاحفظوها فيكم. فتلك هي التي نصرتكم حتى الآن، وأبطلت كل دعاوى المادّيين. بطلت بها كل دعاوى الشيوعيين. لو كانت الدنيا وحدها، وكانت هذه فقط، لما كانت هذه القدرة التي ضربت الأرض، وصعقت القوى الكبرى. لو كان ذلك فقط كلكم قلتم: غير معقول ولا ممكن.. فهلموا نتصالح. تواضعوا قليلًا، وتنازلوا عن ذاك الشيء الذي تقولون. الإيمان أوصلكم إلى هنا، فاحفظوا هذا الإيمان ليوصلكم إلى النهاية.
تأييد اقتراح الحكومة والمصادقة على الدستور
علينا الآن أن نثبت الدستور على النحو الإسلامي، ونحكّم أساسه. يجب أن نصادق عليه. أن يصادق عليه سريعاً. وهذا الاقتراح الذي اقترحته الحكومة صحيح. وإذا اريد الأخذ بما يقول به المتغرّبون أن تفعلوا مثلًا أشياء تَعجب منها الدنيا، فتكوّنوا مجلساً من خمس مئة عضو أو ستِّ مئة، ثم يجلسون واحداً واحداً كلّهم. ومعنى هذا أننا نجلس سنتين أو ثلاثاً نعزِي بعضنا بعضاً، وهم يقوون علينا. وهذا مشروع إمّا من تقديم الغرب، وإمّا من وقت كان الشاه هنا. من هناك خرج هذا المشروع المستورد. وهو غير مقبول. نحن نريد أن تنتهي القضية سريعاً، وتكون البلاد إسلامية إن شاء الله. وعليكم جميعاً وعلينا جميعاً أن نتّبع هذا المعنى، وهو أن نتعقّب هذا المشروع الذي قدّمته الحكومة وهو مطابق لما يريده أولئك، غير أنّهم يريدون شيئاً آخر تمتلئ منه جيوبهم، ويخلو جيب الإسلام! الإسلام مع الضعفاء.
إحقاق حقوق المحرومين
الإسلام هو ذاك الذي أميره يقول: أخشى أن يكون في ذاك الطرف القصيِّ مِن البلاد بحسب ما ينقلون جائعٌ، لعلّ هناك من لا يجد ما يأكله. يجب أن تكون حياتي أن يكون قلبي مستقراً أنه إذا كان أحد هناك جائعاً، فأنا جائع هنا أيضا. هذا هو الإسلام. وهو يقول: وأنتم لا قدرة لكم. وقوله صحيح، نحن لا قدرة لنا، لكننا نقدر ألّا نملأ جيوبنا بعد. أعني أنّنا نستطيع ألّا يكون لنا أملاك وقصور من مال هؤلاء الفقراء وهؤلاء الضعفاء. فما يدرّه النفط في جيب هؤلاء غزير وفير، حتى إننا لا نستطيع أن نتصوّره، وقد انصبّ في جيب هذه الأسرة، أكثره في جيب تلك الأسرة والبعيد والقريب منهم. فقسم منه ذهب في جيب هؤلاء، وقسم منه ذهب في جيب أميركا. نحن نريد أن نستخرج هذه اللقمة من فم هؤلاء، ونعطيها الفقراء هؤلاء عمّال نفطنا الذين يعملون بمشقّة وعناء، وينصبّ حاصل شقائهم في بطون المالِكيْن ومن يقيمون الأملاك لأنفسهم في الخارج، فيبنون لأنفسهم الحدائق والبساتين، فهل هذا صحيح؟ نحن نريد أن نستخرج هذا من بطون هؤلاء، ونقسمه بين هذا الشعب، بين هؤلاء الذين صنعوا هذه الثورة.
أسأل الله- تبارك وتعالى- سلامتكم وسعادتكم، وأملي بكم وطيد، حفظكم الله جميعاً إن شاء الله. وُفِّقْتُم.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 167,164
1- سورة سبأ، الآية 46.
2011-05-08