الموضوع: أهمية تحقيق العلماء والمفكّرين الإسلاميين في تدوين الدستور والمصادقة عليه
خطاب
الحاضرون: علماء الحوزة العلمية بمشهد وطلّابها
عدد الزوار: 43
التاريخ: 30 خرداد 1358 هـ. ش/ 25 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: علماء الحوزة العلمية بمشهد وطلّابها
بسم الله الرحمن الرحيم
هدف الثورة الأساسيّ تحقيق الإسلام في جميع الأبعاد
ما كان لي رغبة في أن يُشرِّف السادة الفضلاء في هذه الشمس الحارة في هذه الدار البائسة في هذا الجوّ الساخن تحت الشمس، وظننتُ، وقلتُ لبعض الأكارم إذا أحبّ السادة فليتفضّلوا في قاعة المدرسة الفيضيَّة، وأنا أوافي خدمتهم هناك، لكن المسؤولين ارتأوا فيما بعد أن تشرّفوا هاهُنا. وأنا أعتذر الآن كثيراً من كونكم في مشقّة سواء الأخوات والأخوةِ والعلماء الأعلام. واحتسبوا تحمّلَ هذه الاتعاب جُزءاً من الخدمات لإمام الزمان- سلام الله عليه- وللإسلام العزيز.
القضايا كثيرة والمطالب التي ستحصل كثيرة، لكنّنا نحقق في القضية التي تقع من بين القضايا، وقبل وقوعها، ونبذل فيها فعالية. حتّى الآن تجاوزنا قضايا كبيرة بهمّة كلّ طبقات الشعب وعلماء الدين العظماء خاصة. وبحمد الله وُفّقتم أنتم أيها السادة والشعب العظيم وكل الفئات في أن أديتم هذه الخدمة العظيمة للإسلام، وهزمتم أولئك الذين خانوا الإسلام ونَوَوْا خيانته الكبرى ومن كانوا يؤيدونهم وينوون التأييد الأكثر لهم هزيمة فاضحة، وَوَلَّوا وانكفَّت يد خيانتهم، مثلما انكفت يد القوى الكبرى الناهبة أيضا. وذاك الذي اجتزناه كان بِحَمْد الله مُوَفّقا، لكن يجب ألّا نقنع بهذا المعنى ونبتهج بأن الأمور قد انتهت، فهي لم تنته بعد والقضايا الأساسية باقية، لأَنَّ أصل حركة علماء الدين وحركة كل طبقات الشعب كان لإقامة الإسلام بدلًا من الطاغوت. طبعاً يجب أن يزول الطاغوت أوّلا مقدّمة لهذه الإقامة، وزال. والوقت الآن هو وقت إقامة حكومة عدل إسلامية حكومة إنسانية، حكومة قرآنية مكان ذلك الطاغوت، وهذا هو أَوَّل العمل. والأساسُ طبعا تغيير النظام وإقامة الجمهورية الإسلامية، أي أَنَّ أصل النظام قد تغيَّر، وقامت مقامه الجمهورية الإسلامية قياماً رسميّا، واعترف الجميع الآنَ بإيران بهذا المعنى، لكننا لا نريدُ هذا المعنى فقط، وهو أن تكون الجمهورية الإسلامية بالتصويت فقط أو لفظاً. المُهِمَّ لدينا كلّنا نحن وأنتم والشعب والعلماء الأعلام هو أن يتحقّق الإسلام بكل أبعاده بنحو إذا دخل البلاد أي أحد يرى آثار الإسلام من الحدود التي ورد منها حتَّى العاصمة، فالجامعة غدت إسلامية والوزارات والإدارات الحكومية، والسوق صار إسلامياً، وما عند الفلّاحينَ ولدى العمال غدا إسلامّياً. فغايتنا هي هذا المعنى، لا ذهاب الناهبين فقط. ونحن في أوّل خطوةٍ إلى هذا المعنى، والقضايا خلفنا غاية الأمر أنّ منها ما يجب أن نلتفت إليه الآن بكل قوانا، ومنها ما يأتي بعد هذا، ومن القضايا ما هو فرعيّ يجب تحقُّقُه فيما بعد.
دعوة المفكّرين وعلماء الإسلام
ما هو محل ابتلائنا كلِّنا الآن هو أنَّ مُسودّة الدستور تهيأت، وعُرضتْ على الرأي العامِّ الآن، ويجب على كل الطبقات وعليكم أنتم علماء الدين علماء الدين في كل بلاد وكل المثقفين والمفكرين الإسلاميين أن ننظر إلى الجمهورية الإسلامية نظرة إسلامية ونتدبر هذا القانون ونحكم بشأنه. وهذا الدستور الذي سوّد إنما سُوِّد مِن أجل أن يرى الجميع رأيهم فيه. أنتم أيها السادة، أيها العلماء الأعلام، أيّها المفكرون الإسلاميّون، أيها المحبون للإسلام والدين الإسلامي المقدّس والمعتقدون بأنه لا حكومة مثل الحكومة الإسلامية عليكم أن تنظروا في هذا الدستور مادَّة مادَّة منه ولكم مهلة شهر تدرسون فيها موادّه واحدة واحدة، وكلما عرض لكم ما هو مفيد للإسلام ومناسب للجمهورية الإسلامية وغير مذكور في هذا الدستور ذكِّرُوا به وَدونوه وانشروه في الصحف. لا تقعدوا أيّها السادة، وتدعوا أولئك يحملون أقلامهم، ويكتبون على الدستور وهم يحسبون أنهم يصلحونه. هذا الحق حقكم، لا ينظر في دستور الإسلام إلّا عارف الإسلام. فدستور الجمهورية الإسلامية يعني دستور الإسلام. وحقّ هذا البحث لكم، للعلماء الأعلام، للمراجع العظام، للمفكّرين الإسلاميين. لا تقعدوا حتى يأتي المفكّرون الأجانب والمثقّفون الذين لا يعتقدون بالإسلام، ويظهروا آراءهم في هذا الدستور، ويكتبوا عليه ما يكتبون. ارفعوا أقلامكم في كل المساجد والمدارس والأزقة والأسواق، واعرضوا المسائل التي تعرض لكم في الدستور. على العلماء أن يبيّنوا، وأنتم الناس لا تقعدوا وتدعوا الآخرين يعيّنون لكم واجبكم. عيّنوا أنتم الواجب. حقّقوا أنتم أنفسكم القانون، وأظهروا رأيكم فيه، واملأوا الصحف من مقالاتكم. لا تقعدوا ليكتب لكم الآخرون، ويعرضوا قضايا تكون- لا سمح الله- مخالفة لقضايا الإسلام وشؤونه. كلّنا مكلّفون أن ننهض بهذا العمل، ونرى رأينا فيه، وكلّنا لنا حقّ النظر. وأنتم العلماء الأعلام لكم الحقّ الأوفر في إبداء الرأي. أولئك الذين يعرفون الإسلام، أولئك المحبّون للإسلام عليهم أن يجدّوا أكثر من غيرهم في هذا الأمر، ويتقدّموا الجميع فيه.
أهمية انتخاب الخبراء للنظر في الدستور
وبعدُ، فالشيء المهم جدّاً هو قضية انتخاب من يجب أن ينظر في هذا القانون، ويجب بعدما يعرض الجميع آراءهم، ويبيّنون آراءهم يقعد هؤلاء الخمسة والسبعون خبيراً مثلًا وينظرون في الدستور مع الآراء الظاهرة من الجميع، ويمارسون الجرح والتعديل، ويكتبون الصفوة لتقدّم إلى الاستفتاء. والمهم هو أن يعلم الشعب مَنْ هم الذين ينتخبهم للتحقيق في الدستور. أن يعلم أن القضية قضية إسلامية، وليست غربية ولا شرقية، نحن لا نريد أن نناقش دستوراً غربياً ولا شرقيا. نحن نريد أن نناقش دستوراً للجمهورية الإسلامية. وهذا يوجب أن يُنتخبَ له مَنْ ينتخبهم الشعب. السادة علماء الدين يقترحون، والمراجع يقترحون ناساً، والشعب يقترح من يحبّون الإسلام ويعرفون معناه. في مجلس كان سابقاً مع أنّه أقامه الطاغوت، وكان مجلس مؤسسين أيام رضا خان في إيران كان فيه علماء من الطراز الأول من علماء إيران. وكان طبعاً بأسِنَّة الحراب، لكنّ علماء الدرجة الأولى كانوا فيه. وفي هذا الزمان أيضاً تقرّرتْ مناقشة الدستور، وقصرت يد الظالم ورجع الأمر إليكم، وهو أن يعيِّن الشعب والعلماء اختياراً لا إجباراً، لكنّ الاقتراح أن يكونوا من العلماء المطّلعين على قانون الإسلام وقضايا العصر، وعلى العلماء ألّا يمتنعوا عن الذهاب إلى ذلك المجلس، لأنه كان مجلساً يقرر فيه مصير الإسلام، وحين يتعيَّن مصير الإسلام في مجلس يتجلَّى حقّ العلماء في الذهاب إليه، ليقرروا مصير الإسلام بأيديهم المباركة.
دراسة الإسلاميين للدستور
والأمر المهمّ الآن إذن قسمان: أحدهما دراسة الدستور الذي يشارك فيه الجميع، وأوصي أن يدرسَهُ العلماء الأعلام، ويعرضوا آراءهم فيه. والقسم الآخر هو أنه بعد ذاك التحقيق العام يعيَّن ناس بعدما يرى الشعب رأيه، ويطرح مطالبه بشأن الدستور تعييناً شعبيّاً للنظر في كل الآراء. ولابد أن يعلم شعبنا أنّ هؤلاء المنتخبين لهذه المهمّة محبّون للإسلام عارفون به. هذا هو طرحُنا، والشعب مختار. طرحنا هو أن يكون للإسلام عارفه، وهو من يدرك حقيقته، ويدري مصلحته، وهو يحبّه، ويحبّ القرآن المجيد، ويحبّ البلاد الإسلامية. شعبنا يُعيِّن مثل هؤلاء الناس للنظر في الدستور. وسنذكر نحن إن شاء الله صفات الناس الجديرين بهذا الواجب ونكتبها.
وفّقنا الله نحن وأنتم جميعاً أن نخدم هذا المجتمع، وأن نخدم الإسلام، وأن نحقّق الإسلام في الخارج كما يريد الإسلام.
وأشكر لكم جميعاً، ولكل علماء مشهد الكرام، ولآية الله 1 وكلّ الآيات العظام المشرّفين الآن هنا، ولكل العلماء الأعلام الذين يتفقدوننا، ولكل الخطباء الأعاظم من فضلاء مشهد المقدسة الذين هم في الخندق الأول في القضايا الدينية. أشكر لكم جميعاً وأنا داع لكم كلّكم وخادمكم جميعا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 178,176
1- إشارة الى احد علماء الدين في المجلس.
2011-05-08