الموضوع: خطر النفس الأمّارة وضرورة السيطرة عليها
خطاب
الحاضرون: سيِّدات لنكرود وحرس الثورة بهمدان
عدد الزوار: 57
التاريخ: 2 تير 1358 هـ. ش/ 28 رجب 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: سيِّدات لنكرود وحرس الثورة بهمدان
بسم الله الرحمن الرحيم
أعرض على الإخوة والأخوات كلمات في مفاد الآية الشريفة التي قرأتها تلك الأخت، وهي قوله- تبارك وتعالى-: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة﴾ 1 فالله- تبارك وتعالى- يذكر فضله على الناس ببعثه فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته المباركة. وقدّم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة بياناً عن سموّ قدرها في الحياة على كل شيء. وآيات القرآن الشريفة زاخرة بفرائد المعاني في كل ذرّة من ذرّاتها، وليست مثل أثر كاتب بلا غاية من الممكن ألّا يراعي فيه التقديم والتأخير. وتلاوة القرآن هي تلك الرسالة، أي أنّ الرسول أتى ليتلو آيات القرآن على الناس، لماذا التلاوة؟ التلاوة لتزكية الناس، أي لتطهير نفوسهم.
للإنسان جانبان: معنوي، وظاهري، والظاهري هو هذا الذي ترونه، وهذه الدنيا التي تنظرون، وهذه المادية المشهودة. والجانب المعنوي هو المتعلق منه بما وراء هذا العالم. فالإنسان مجمع هذا العالم كله. إذ خلق الله- تبارك وتعالى- الموجود في نسختين: إحداهما هي العالم بأكمله، والأخرى صغيرة هي الإنسان، فهو عُصارة كل العالم، فهو منطوٍ على كل شيء. والله- تبارك وتعالى- التفت إلى الإنسان واعتنى به، ومَنّ عليه، فبعث إليه رسلًا، ليهذّبوا الجانب المعنويّ فيه، لأنّه الأهمّ والجدير بالتربية والتزكية، والرسل يهذّبون الناس، ويعلّمونهم الكتاب والحكمة، ويقضون على الانطلاق المادّي فيهم. وأولئك الماديون يطلقون العنان للمادية. والأنبياء جاؤوا لِلَجْم هذه المادية وتوجيه الموجودات المادية التي هذا الإنسان نسخة منها، ويربّون الإنسان تربية تسيطر فيها المعنويات على الماديات.
واجب ضبط الخصال المادّية والحيوانية
الأساس هو المعنويات، هذا هو الأصل، وليس من تعليم ولا تربية في الدنيا، وما من نظام في العالَم من بين كل أنظمته التي تعهدونها يهتم بمعنوية الإنسان. ويُتوهَّم أنّ الفرق ما بين النظام الإسلامي والإنساني وسائر الأنظمة هو أنّ في الإسلام عدالة، وهذا صحيح، لكن ليس هو الفرق الوحيد. فهناك فروق منها قضية العدالة الإجتماعية، فما من نظام في هذه الدنيا ما عدا نظام الأنبياء التوحيدي يعبأ بمعنويات الإنسان، فهذه الأنظمة لا ترى المعنويات تترقّى، وكلها دائبة على تنمية الماديات والاستفادة منها لإيجاد نظام مادي محض في هذا العالم. بينما جاء الأنبياء أصلًا لتزكية النفوس الإنسانية وتعليم البشر الكتاب والحكمة وتربيته عليهما وتمكينه من السيطرة على غرائزه. فالإنسان قبل السيطرة على الطِّباع بيد الأنبياء بنحو الإصلاح يريد كل شيء. فهو واحد من موجودات العالم. وحَيْوان كسائر الحيوانات سوى أنّه قابل للتربية. ولا قوّة من قواه محدودة، فشهوته غير محدودة بنظام يضبطها مثل سائر الحيوانات، بل أسوأ منها، وغضب الإنسان غير محدود بنظام يتيح له أن يغضب في هذا الشأن، ولا يغضب في ذاك، أجل غير محدود الغضب. والتسلّط على البلدان والجماعات غير محدود أيضاً بنهج يسمح له بغلبة هذا، ولا يسمح له بغلبة ذاك. إنّه مطلق. ومثلما أنّ شهوة الإنسان غير محدودة ولا حدّ لها لا فرق بين أفراده فيما هو غير محدود من طباعِه وخِصاله، فحين يغضب ليس لغضبه حدّ، ولا تمكن السيطرة عليه. فلابد من ناس يستطيعون السيطرة على هذه الطبيعة وبقية الطباع المطلقة غير المحدودة، وهؤلاء هم الأنبياء- عليهم السلام- الذين جاؤوا ليحدّوا هذه القوى المطلقة العنان بتزكية النفوس وتعليمها الكتاب والحكمة، وتربيتها تربية إلاهية.
خطر ترك زمام النفس الأمّارة
هذه المقدمة التي عرضتها عليكم كانت لأننا في معرض خطر عظيم أدهى من خطر النظام السابق. وذاك الخطر هو الخلاعة، فبعدما رأى الإنسان نفسه حرّاً، ولمس أنّه حطّم أسوار الاستبداد، وخرج من سجن يضمّ 35 مليونا، وجد من المناسب أن يعيش طليق العنان يفعل ما يشاء، أي: على خلاف التعاليم التي جاء بها الأنبياء منذ فجر الخليقة، ليضبطوا قوى الإنسان، ويسيطروا على ما لديه من قدرات، ينظّموا شهواته. ونحن الآن وشعبنا الذي وفّقه الله- تبارك وتعالى- بما بذله من همّة عالية، وبما أظهر من إيمان عميق، وغلَّبه على الطاغوت يجب أن نطلق العنان للنفس.
هذا الخطر خطر عظيم يذهب بتعاليم الأنبياء مع الريح، ويمضي بمشقّات الرسول الأكرم مع الريح، يُزيل هيبة الإسلام. وهيبة الإسلام الآن مرهونة بأعمالكم يا شعب إيران، فشعوب العالم كلها متجهة إليكم لترى ما تصنعون. ماذا تفعلون إذ نلتم الحرية، وخرجتم من الكبت؟ أو صرتم مطلقي العنان؟ أما عاد للأفعال حدّ؟ هل أنتم حرس بأيديكم البنادق ولكم القوّة، وأنتم أولو القدرة وتطئون البيوت، وتستولون على أموال الناس. وتهتكون حرماتهم؟ أو لا، أنتم أولو تربية إسلامية ذات حدّ وسدّ، ففي الإسلام ضبط وانضباط؟ إذا كنتم هكذا، فإنّه إذا كان أحد معادياً للآخر- وهذا ما يجب عدمه في الإسلام- وإذا كان أحد قتل ابن الآخر، أعطى الإسلام أبا المقتول حقّاً أنْ يقتصّ من القاتل، ولا حقّ له غير هذا. وليس من حقه أن يقتص من غير القاتل نفسه وعينه، فمن قتل ابن القاتل أو أبناءه أو عشيرته، أو ارتكب القتل العامّ، فيجب أنْ يقاصّ في الإسلام، ويُقتل. ليس له حقّ غير القصاص من قاتل ولده وَحْدَه، وليس له أن يشتم ذلك القاتل، أو يصفعه، أو يُؤذيَه أيَّ إيذاء.
حفظ سمعة الإسلام والبلاد
اليوم إذ أصبحت القدرة بيد الشعب، ونال القدرة على أن يُقابِلَ القوى، والشرطة مقتدرون، والحرس مقتدرون، فهل يمارسون هذه القدرة على موازين الكتاب والسنّة وتعاليم الرسول الأكرم، أو كلّما حدث حدث، وذو القدرة الآن يمارسها في كل مكان يستطيع فيه هذه الممارسة غير معنيٍّ أن تكون على الحق والعدل، وإنّما هو معنيّ أن يبسط قوَّته مطلق العنان كهامل الحيوان. الحيوانات هَمَلٌ لا ميزان لأفعالها، والإنسان يريد الأنبياء تربيته وضبطه بضوابط وقوانين ترفعه عمّا يشينه. وإذ غدت إيران اليوم محط أنظار الدنيا التي انشدّت إليها، وأقبل كل علمائها على دراسة أحوال هذه البلاد وهذا الشعب، فهل هذا الشعب في صدد أن نقوم بعمل يرفع به رأس الإسلام عاليا؟ نحن نتحدّث بالجمهورية الإسلامية، فهل نعتقد بها، أو نتحدّث بها ونعمل ما يحلو لنا؟ هل المُرابون يعتقدون بالجمهورية الإسلامية ويشتغلون بالرِّبا؟ كانت السلطة بيد من كانوا يظلمون، وأصبحت الآن بيد ناس آخرين، فهل هؤلاء يعتقدون بالجمهورية الإسلامية؟ إن كانوا يعتقدون بها، فيجب أن تكون الحكومة الإسلامية مثل حكومة علي بن أبي طالب- سلام الله عليه- والناس الذين يعيشون في كنفها يجب أن يكونوا إسلاميين، ولا يقارفوا فعلًا يتبيّن منه في الخارج أنّهم حفنة وحشية ساعة انطلقت من الشرك فتك بعضها ببعض.
الخطر المدمّر للإسلام
إخواني وأخواتي، كرامة الإسلام اليوم رهن بأعمالنا، بأعمالكم. كرامة الإسلام اليوم رهن بأعمال علماء الدين، فهم مربّو الناس، وورثة الأنبياء، فهم مبعوثوهم. وعِزّة الإسلام اليوم في إيران مرتبطة بأعمال الجميع وعلماء الدين خاصّة، فلو صدر عن علماء الدين- لا سمح الله- اشتباه أو غلط أتى على أساس الإسلام. فانتبهوا على أنّ المسؤولية كبيرة، وكلكم مسؤولون كلكم مسؤولون، لكن علماء الدين أكثر مسؤولية. كفانا الله أن يصدر عن هذه الطبقة عمل يكون مدعاة لقول القائلين وذوي الأغراض: خرجنا من استبداد رضا خان، فوقعنا تحت استبداد الواعظين. وليس الواعظ مستبدّاً، ولا المستبدّ واعظا. فلو كان الرسول الأكرم أو أمير المؤمنين- سلام الله عليهما- مستبدَّين- والعياذ بالله- لكان الواعظ مستبدّاً أيضا، لكنهما ما كانا كذلك، ولا استعملا القوّة في غير موضعها، وإنّما كانا على ما نقل عن أمير المؤمنين أنّه ساعةَ غلب عدوّاً بصق العدوّ في وجهه، فصبر الأمير- عليه السلام- بُرْهةً، ثمّ قتله، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت ألّا يكون قتلي إيّاه لله. وذلك لأنّه كان أساءَ إلى الإمام مع إهانته- عليه السلام- تستوجب القتل. وكل من أهان رسول الله أو أئمة الهدى، فهو واجب القتل. في حين أنّ الإمام هو نفسه كان، والحقّ كان له، لكنّه تأنّى في الأمر، ليكون عمله خالصاً لوجه الله غير مشوب بهوى النفس والانتصار لها، ولئلّا يظهر فيه خلل غير مقصود. والسادة علماء الإسلام مسؤوليتهم كبيرة مثلما أن عملهم أشرف العمل، فهو عمل الأنبياء، ومسؤوليتهم مسؤولية الأنبياء، وكلّنا جميعاً مسؤولون أن نسير سيرة سليمة" كلكم راع" فيجب أن نرعى الحدود، ونؤدّي كل ما يجب عمله. علينا كلنا أن نكون عباد الله ونعمل بكل ما أمرنا الله به ونهانا عنه من أحكام، لا بما نريد. والإسلام اليوم متعلّق بأعمالكم أيها السادة، أنتم أيها الأخوة والأخوات، وفي المقدمة العلماء، لأنّهم الرأس، فإذا وقع من الرأس خطأ- لا سمح الله- سرى في الناس، ورأوه من عمل الأنبياء- والعياذ بالله- وقال العدوّ لا أقل: هذا هو تعليم أولئك، وصاح أعداؤنا: هذا هو الإسلام.
والأعداء الآن منهمكون في عمل ما يشين هذه النهضة الإسلامية، وليست الهزيمة مهمّة، وإنّما المهمّ التلوّث، فإنّنا إذا هُزِمنا بكرامة، فلا أهمية لهذه الهزيمة، فالأنبياء واجهوا الهزيمة. وثورتنا إذا هُزِمت- لا سمح الله- بكرامة، فهي باقية محفوظة في التاريخ. ما تضِيرُنا الهزيمة، فأمير المؤمنين أيضاً هُزِم أمام معاوية. أمّا إذا هُزمنا معنوياً بأن فقدنا الإسلام الذي صار بأيدينا أمانة، وخُنّا هذه الأمانة وتجاوزنا الحدود في التفريط بها، فإنّ الثورة تُلوَّث، ويقال في الخارج: هذا أيضا إسلام، إذ ينسبون كل شيء للإسلام غير عالمين أنّ هذا ليس من الإسلام في شيء.
مكانة علماء الإسلام المهمّة
إذا أخطأنا، فنحن المخطئون لا الإسلام. علينا ألّا نعمل لا نحن ولا أنتم ولا علماء الإسلام وأكابر القوم ما يشين الإسلام، ويعيب مدرسته. فلا إشكال في أن نزول وتزول ثورتنا، لكنّ المرارة أن تزول- لا سمح الله- مدرستنا التي هي مدرسة التوحيد، مدرسة الإسلام، مدرسة الله. إذا عملنا ما يعيب الإسلام يقولون في الدنيا: عندما آل الأمر إلى الناس، حصل هذا، وإذا آل الوضع إلى حرس الثورة قالوا: نحن حرس الإسلام، وإذا صار بأيدي العلماء قالوا: نحن علماء الإسلام، ونحن ورثة الأنبياء، وصدر خطأ ما، كان كبيراً، فهذه ليست من صغار القضايا. فالأمور اليوم كبيرة، وصغير الأخطاء اليوم كبير. والإسلام اليوم بأيدينا ليرى ما نفعل، والقرآن بأيدينا ليرى ما نفعل، هل نفعل ما يقولون فيه: هذا إسلام أيضاً، ويُعلَّق عملنا على الإسلام.
فتيقظّوا أيها الأخوة، واحرسوا جيّداً، كونوا جند الإسلام، وحرس الإسلام والقرآن. دافعوا عن الإسلام. أمس أبلغوني أنّ حارساً في قم قتل أحداً عبثاً، وهذا يُقْتَل بِمَنْ قتلَهُ قِصاصاً، ولكم الحقّ أن تقتصّوا منه، ويسلَّم إليكم ويُقتل فيمن قتل. قلتُ اليوم لابدّ أن يُقتل. ليس من حق من كانت بيده القدرة أن يفعل ما يشاء. هنا موازين عَدْل، وقتل مسلم لا يكون إلّا بميزان، أهي فوضى؟ قتل إنسان له ميزان، ولا يجوز قتل أحد بغير ميزان.
آمل أن يوقظنا الله، ويبصِّرنا، ويمنّ علينا بالإيمان، ويسعدنا- إن شاء الله- ويسعد إخواني وأخواتي أينما كانوا، وأن يُوفّق الجميع لأداء هذه المسؤولية العامّة المنوطة بعاتق الجميع إن شاء الله تبارك وتعالى، وحفِظ الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 208,204
1- الجمعة: 2
2011-05-08