يتم التحميل...

الموضوع: خطر هزيمة الإسلام‏

خطاب

الحاضرون: أهالي اردكان من محافظة فارس‏

عدد الزوار: 40

التاريخ:3 تير 1358 هـ. ش/ 29 رجب 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: أهالي اردكان من محافظة فارس‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الانتصار الأصيل تحوّل الشعوب في جميع الأبعاد

الثورات الواقعة في الدنيا نوعان: ثورة إسلامية، وثورة غير إسلامية. وإذا كانت الثورة غير إسلامية، فليس بعدها قيد ولا حدّ، فهي تعامل الناس بما تهوى إذ لا سيطرة على الأعمال. أما إذا كانت الثورة إسلامية، أي مستندة إلى فكر الإسلام ومتفيّئةً أحكامه. وشعبنا وصل إلى هنا بحمد الله منتصراً، لكن النصر ليس أن نُزيل الطاغوت فحسب، وإنما النصر الأصيل هو أن نتبدَّل إلى موجود إنساني إلهيّ إسلاميّ، وتكون كل أعمالنا وعقائدنا وأخلاقنا إسلامية.

وقد انشدّت كل أنظار المفكرين في الدنيا الآن إلى إيران، وانشداد الأنظار الآن هو إلى ما هم هؤلاء الإيرانيون الذين نالوا هذا النصر مدّعين بأن الإسلام هو أسمى مدرسة وأزكى من كل المدارس، ما هو هذا الشعب المدَّعي مثل هذا الادّعاء؟ وإذا استقرّت الجمهورية الإسلامية الآن في إيران، أي نظام الجمهورية الإسلامية ما هو أثرها في إيران؟ أهي الأحوال السابقة مع تبدّل الوجوه؟ في ذلك العهد كان مأمور النظام والحكومة يظلمون، والآن يظلم الحرس الإسلامي والشعب والكسبة. فما تغيّر سوى الاسم والوجوه فقط. أمّا السيرة والأحوال، فباقية. أو لا تغيَّر المحتوى؟

هزيمة الدين لا تجبر

أخشى أن نبوء بالهزيمة الكبرى في الدنيا، وهي أن تُهزم مدرستنا. أخشى ذلك كثيرا. فإذا بقيت مدرستنا وهُزِمنا، فلا إشكال علينا، فكثير من أولياء الله هُزموا أمام غيرهم، لكنّ مدرستهم بقيت محفوظة. فإن ننتصر- لا سمح الله- بمعنى أننا أخرجنا تلك الجماعة من الذين ظلموا ونهبوا، وجئنا بجماعة أخرى من الظلمة والناهبين، وأحللناهم محلّ أولئك لكن بصورة أخرى وأسلوب آخر ولون من المحبوبية، فهذا يُظهر للدنيا أنّ مدرستنا غير صحيحة، وتبوء عندئذ بأفدَح هزيمة لا يمكن جبرها.

الخلافات الذاتية باسم الاسلام‏

نرى الآن في إيران كلها مشكلات وخلافات ومخالفات يجب ألّا تكون فيها. فهناك أشياء تخالف رضا الله ورسوله وأحكام الإسلام تقع في كل أرجاء البلاد، لا يرتكبها الجميع، لكنّها تقع في أنحاء البلاد كلها، والخشية أن تنسَب إلى الإسلام وتناط بعاتق الجمهورية الإسلامية. ويقال في الخارج: هذا هو نظام الإسلام، وهذه الجمهورية الإسلامية أيضا كسابقها مع اختلاف الأفراد. مثلما كانوا في السابق يُداهمون منازل الناس، ويأخذونهم دون استناد إلى قاعدة سوى قاعدة التجبّر والظلم يذهبون الآن إلى منازل الناس أيضاً في مناطق مختلفة، ويفتشونها، وهذا يُحسَب على الإسلام، ولو حُسِبَ علينا، لكان الأمر صحيحاً، غير أنّ أولئك الذين يريدون أن يكونوا في هذه البلاد يُخالِفون مثل مخالفات النظام السابق التي ما كانت تحتَسب على الإسلام، فأولئك كانوا يرتكبونها، والناس يَعُدّونها على النظام الطاغوتيّ، وهذا السلوك ما ضرّنا شيئاً وإنْ ضرَّ بلادنا، فقد بقي سلوكنا مصوناً ورأى الناس أولئك مخالفين للإسلام ونظامه. أمّا اليوم فإنّ طبقات الشعب إذا رأت- لا سمح الله- أحداً بلباس الدّين عَمِل شيئاً باسم لجنة كذا خلافاً للموازين الشرعية، فلا تعدّه على ذمّة النظام الطاغوتي، وإنما يقولون: هذا هو النظام الإسلامي، وهذه هي أفعاله، وهذه هي أقواله.

المسألة الخطرة في النظام الإسلامي‏

ولذا تطرح اليوم مسألة خطرة، فلو كنّا قد هُزمنا في عهد الطاغوت لما أبينا ذلك الهزيمة، وقلنا: حسن، نحن هُزِمنا، وأمير المؤمنين- سلام الله عليه- هُزم أمام معاوية، وليست تلك الهزيمة مهمّة. حسناً، نحن كنّا نتحدّث بشي‏ء، وكنّا نقول حقاً: ما استطعنا أن نتقدّم، فقد غلبنا أولئك. أمّا اليوم، فليست القضية هي تلك. اليوم لدينا صفحة جديدة في العمل، وهي أنّ شعبنا المسلم هزم الطاغوت، واختار الجمهورية الإسلامية، وعادت البلاد إسلامية. فإذا ارتكبنا اليوم أخطاءً والعدوّ يتربّص بنا في الخارج والداخل لِيُذيعها في الخارج والداخل تشهيراً بأنّ الإسلام مثل سائر الأنظمة أو أدنى منها، فهذه ثُلْمة لا تجبر. فهزيمة أمير المؤمنين أمام معاوية لا أهمية لها، لأنها لم تكن هزيمة مدرسة، وإنّما هزيمة شخص. أمّا حين ندّعي الآن بإسلامية نظامنا، وحين نذهب إلى السوق ونراه السوق السابق نفسه، والربا هو هو، والنهب ذاك النهب، والإجحاف والغلاء فوق العادة على نحو ما كان سابقاً. وحين نذهب إلى الإدارات نرى أيضاً أولئك الأفراد وذاك الوضع غير المرتّب فيها، وحين نذهب إلى الجامعة مثلًا نجد تلك القضايا على ما كانت عليه، وأينما ذهبنا وجدنا تلك المسائل، وهذا يبيِّن أنّ نظاماً فاسداً ولّى، وحلّ محلّه نظام فاسد آخر. أي أننا لم نفعل شيئاً ما عدا إقصاء نظام فاسد ما كانت معايبه تنسَب إلى الإسلام، وما كان من الخطر علينا أن يقترف محمد رضا ظلماً، أو أن يفعل جهاز الأمن بالناس سوءاً. ولا صلة لهذا بالإسلام، فحسابه منفصل عن هذا، وحسابُ أولئك منفصل عنه أيضا. وما في ذلك خطر على الإسلام أصلًا، فأولئك كانوا يظلمون والإسلام يقوى" لا زال يُؤيّد هذا الدِّين بالرجل الفاجر" 1 لأنّه كلّما ظلم ازداد الناس التفاتاً إلى الدين. أمّا اليوم والبلاد إسلامية والنظام إسلامي والحرية متوفّرة، ويمكن استغلالها- لا سمح الله- في ممارسة الظلم والتعدّي وكل ما يخالف مسير الثورة، فليست هزيمتنا كهزيمة محمد رضا، حتى لا تكون مهمّة لنا. اليوم التديُّن يهزم، وهذا مهمّ جدّا.

مسؤولية أمناء الإسلام‏

يجب أن نستيقظ جميعا، وننتبه ألا نستغلّ الحرية، فإذ تسود الحرية تظهر الفوضى والمرج، وكل يريدها لنفسه، ومثل هذه الحرية يجب ألا تكون بين الناس، ولا مكان لها في الإسلام، فليس الإنسان فيه حُرّاً في إيذاء الناس والإجحاف بحقوقهم، وهكذا في كل الأشياء. نحن كلنا اليوم مؤتمنون على الإسلام الذي نشر ظلّه على رؤوسنا، فقد تبدّل النظام الملكيّ إلى نظام إسلاميّ، وإذ أصبحت هذه الأمانة بأيدينا، وخناها- لا سمح الله- فهذا في نظر الغربيين في نظر أعدائنا الداخليين والخارجيين ومن يريدون تشويه هذه الثورة وعيبها وسيلة لطعنها. فإن نفعل اليوم ما يكون ذريعة بيد الأعداء للنيل من الثورة، فقد خُنّا الإسلام. يجب أن نفتح عيوننا جميعاً، وعلى رأس الجميع علماء الدين الذين يجب أن يكونوا يقظين جدّاً، فالحال الآن غير ما مضى، فعلماء الدين ما كانوا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، وإذا عملوا أيضاً قيل: هؤلاء شرطة سِرّية، وإذا فعل معمّم سوءاً كان الناس يقولون: هذا شرطيّ سِريّ، هذا من خَدَم الظَّلمة مثلًا. واليوم لا يقال مثل هذا.

الهزيمة التي لا تُجبر

اليوم إذا جاء أحد- لا سمح الله- في هيئة عالم دين، وظهر بين علماء الدين، أو أنتم انضمّ إلى اللجنة، وارتكب خلافاً، لا يقولون: هذا شرطيّ سرّيّ، وإنّما يقولون: هذا عالم دين يفعل هذا الفعل، أمس كان الشرطيّ يفعل هذا الفعل، واليوم يفعله عالم الدين. وهكذا أنتم، فالسوق أمسِ سوق الطاغوت، واليوم هو سوق الإسلام، هل تغيّر جوهره؟ لا، فالمُرابي هو ذاك المُرابي، والبائع غالياً هو ذاك البائع غاليا، والمجحف هو ذاك المجحف، وهكذا في كل مكان من البلاد نذهب إليه. فإذا لم يتغيّر الجوهر نخشى أن تكون مدرستنا معرّضة للإهانة، وينقلب الناس عنها، وهذه أفدح هزيمة يمكن أن تنزل بنا. افرضوا أحداً من أولئك- وهذا فرض فقط- أعاد علاقاتهم مع أميركا، ووقفت هي سنداً لهم، وحصلت مؤامرة، وقتلونا، وقضوا علينا، وتسلَّموا المواقع، فليس هذا بهزيمة لِمسلكِنا، ولا نحن هُزِمنا، وإنّما هُزِمنا هزيمة طبيعية لا هزيمة معنوية. أما إذا قمنا بعمل بين الناس في المحافل بين المفكّرين، ويقوم أعداؤنا بالدعاية ضدنا في الداخل والخارج، وينالون من مدرستنا مما يؤدي الى هزيمة مدرستنا الفكرية، هذه هي الهزيمة التي لا تجْبر. وهذه هي الهزيمة التي وقف الأنبياء والأولياء بإزائها لئلّا تقع، وبذلوا أرواحهم، لتبقى مدرستهم محفوظة. على كل حال نحن وصلنا إلى هنا والحمد لله، لكنّ الأمر من هنا فصاعداً سيكون أعقَدَ وأهم.

أشكر لكم أيّها السادة مجيئكم من بعيد لتلاقونا، وتبلِّغوا رفاقكم وأصدقاءنا وإخواننا سلامي، أيّدكم الله جميعاً ووفقكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏

* صحيفة الإمام، ج‏8، ص: 217


1-  كنز العمّال: 1/ 170.

2011-05-08