الموضوع: الاعتبار بتاريخ العصر الحاضر
خطاب
الحاضرون: الهيئة المشاركة في محاسبات وزارة المالية
عدد الزوار: 119
التاريخ: 10 تير 1358 هـ. ش/ 6 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: الهيئة المشاركة في محاسبات وزارة المالية
بسم الله الرحمن الرحيم
لزوم الاعتبار بالتاريخ
يجب أن يكون التاريخ وما يجري للشعوب عبرة للناس، ومنه تاريخ العصر الحاضر، لننظر ماذا حدث، فزالت مثل هذه القدرة، ولتنظر الحكومات لماذا انهدمت مثل هذه القدرة، ولتنظر أجزاء الحكومة والإدارات ما القضيّة، ليكون عبرة للجميع.
كلّ حكومة لا تستند إلى الشعب، أو تقف في مواجهته هذه عاقبتها مهما طال الأمد، عاقبة هذا الأب والابن. فرضا خان عمل حتّى لم يبق له موطئ قدم، وكنت شاهداً عندما اتّجه الحلفاء إلى إيران وأخذوها، وأصبح كل شيء للإيرانيين في معرض خطر، حتى إذا ذهب رضا خان ابتهج الناس. وأنا قلت لهذا الابن الجاهل 1: لا تفعل ما فعل أبوك حتّى إذا ذهب ابتهجوا، فيبتهجوا بذهابك. ولم يسمع، ورأيتم أنّ الابتهاج بذهابه كان أكثر، وكان هذا هو الحقّ، لماذا؟ لأنّه لم يكن له موطئ قدم بين الناس. كان الأساس أنّ الحكومة الخائنة لا تستطيع مُصانعة الشعب لما ترتكب من خيانة، وما تمارس من نهب، وما تتمسّك به من تعلّق بالأجانب. فهي تخاف دائماً من نفسها، وهي قلقة دائماً من أن يحاسبها الشعب على خيانتها، ويقتصّ منها. من هنا تضطر لمعاملة الشعب بالضغط والرعب، ويزداد ضغطها كلّ يوم يمر، ويتعاظم كُرْه الشعب لها من الجانب الآخر. وفي هذه النيّف والخمسين سنة كانت شدَّتُهم على الناس تتفاقم يوميّاً، ويتعاظم كره الناس لهم كل يوم حتّى وصل إلى ما رأيتم أنّ كل الشعب لا فئة منه ولا فئتين، بل كل الشعب انطلق لمجابهتهم، ولأنّ هذه الحكومة لا مكانة لها بين الناس ما استطاعت لا هي ولا القوى الكبرى التي معها أن تحفظها.
مصير الشاه عبرة للحكومات
إذا الشعب أراد شيئاً، فليس لأحد أن يعمل خلافه، وشعبنا كلّه أراد ألّا يكون النظام الطاغوتي. وقد سعت الدول والقوى الكبرى أيضا لحفظه، ولم تُفْلِح، ولا استطاعت أن تحفظه، فيجب أن يكون عِبرة للحكومات.
ولحكومات العالم أن تنظر ما الذي حصل لقدرة كبيرة كانت القوى الكبرى كلّها خلفها، والجميع يدعمونها. لا القوى الكبرى فقط، بل حتى الدول الصغيرة كانت تؤازرها، ويمكن القول: إنّ كلّ القوى الشيطانية كانت قد اجتمعت لتحفظ هذه القدرة، فما استطاعت. فيجب أن يكون هذا عبرة للحكومات لتعرف واجباتها سواء الحكومات التي ستقوم في إيران والأمل أن تكون إسلامية إنسانية، والحكومات التي في الخارج. يجب أن يكون هذا عبرة لأولئك، ليعرفوا ما يصنعون للشعب وكيف يعاملونه؟ فإذا عاملوا الشعب بالحسنى، وأرادت جميع القوى إخراجهم، فإنّها لا تستطيع. إذا كان الشعب ظهيراً لحكومةٍ وأرادت القوى الكبرى إخراجها تحفظها قدرة الشعب، وما تستطيع تلك القوى أن تفعل بها شيئا. وهكذا عكسه أيضا، فقد أراد الجميع أن يبقى، والشعب أَبَى، فزال.
شعبيَّة الحاكمين
يجب أن تتفق الشعوب والحكومات، أي أنّ على الحكومة والجيش والشرطة والدَّرَك أن تكون على حالٍ تجعل الشعب يُحِبُّها، ويشعر بمودَّتها ومحبَّتها، لا أن تكون بحال إذا وَرَدَ السوق فيها شرطيّ أو ضابط شرطة يخافه الناس ويكرهونه مثلما كان سائداً بهذه الأماكن، بل كان سائداً طوال عهد الملكية. في السلطنة أي في الحكومة التي يجب ألّا تقال فيها السلطنة أي في الحكومة الإسلامية لا يكون بين رأسها ومن في الجيش ونحوه والإدارات وسائر أبناء الشعب فرق. فهذا الشعب فئة منه جيش، وعِدَّة حكومة، وهكذا، وحين يأتي رئيسها في الجمع لا خوف عليه من الناس، لأنّه أحسن إليهم، فطابُوا منه نَفْساً. رأيتم أنّ محمد رضا ما استطاع يوماً واحداً أو ساعة واحدة أن يكون بين الناس. إذا أراد أن يعبر هذا الشارع كانت جميع المنازل- على ما كانوا يقولون- التي على طريقه تُراقَب، إذ تبعث منظّمة الأمن عناصرها ينظرون ويأخذون ويسيطرون، لماذا؟ لأنّهم كانوا يخافون أن يقصده أحد بسوء. وهو حسن. إذا كانت حكومة للشعب يُريدها، فإنها لا تخشى أن تجيء داخل السوق بين الناس تجالسهم وتحادثهم بلا خوف منهم مثلما كان في صدر الإسلام، إذ كان رأسها يُجالس الناس في المسجد وغيره، ويعلو المنبر، ويحادث الناس.
حكومة معاوية المعادية للشعب
بلى عندما امتدّ البساط لمثل معاوية لم يستطع أن يظهر بين الناس، فقد كان يأتي للصلاة، لكنْ إلى مقصورة بنوها له، وكانوا يُقفلونها عليه، يُصلّي فيها، والناس خارجها يأتمون به، فما كان يستطيع أن يأتي بين الصفوف، كانت قوى الشرطة تأتي به، وتُدْخله تلك المقصورة ويُغلقونها عليه، ويُصلّي فيها، وإذا تمّت الصلاة جاؤوا إليه، وفتحوا الباب، وذهب مع الشرطة، لأنّه لم تكن له منزلة بين الناس. أمّا من كان يحكم بالعدل، فقد كان بين الناس وهم معه يُحبّونه ويتعلّقون به، لا هم يخشونه، ولا هو يخشاهم. لماذا يجب أن يخاف الناس الجيش؟ لماذا يخشون قوى الشرطة والدرك والأمن العامّ؟ حسنا، هؤلاء بحسب القاعدة يجب أن يحفظوا المدينة، ويجب أن ينظر الناس إليهم على أنّهم حُماتهم لا أعداؤهم. والجيش يجب أن يحفظ البلاد لا أن يتخيّل الناس أنّه يريد أنْ يقمعهم، ويؤذيهم.
الحكومة المثالية
الحكومة الإسلامية التي نتوق إليها هي التي يكون رئيسها أليفاً للناس رفيقاً بهم، ينضمُّ إليهم ولا يعتزل عنهم، يُجالسهم ويُحادثهم، وكل من له حاجة إليه يُفضِي بها إليه، وكلّما قامت عرضها عليه.
وهكذا يفعل قائد الجيش، ومدير شرطة المدينة، وآمر الدَّرَك، فيكونون بين الناس، يُخالطونهم، لا يستوحشون منهم. يجب أن يكون هذا أمراً لكل الحكومات والشعوب. ومتى غدت الحكومة هكذا تبعها الناس وحفظوها مثلما تحفظهم، ونحن نتوخّى أن يكون لنا مثل هذا الشيء، وهو أن يكون الشعب حافظ الحكومة من كلّ جهة، وتكون الحكومة حافظة لمصالح الشعب من كل جهة. إذا تحقّق مثل هذا الأمر ظهرت بلاد هادئة لا يستطيع أحد أن ينال منها شيئا ما لم تكن خيانة الكبار. لا تستطيع الدّول الأخرى أن تمسّها ما لم تقع الخيانة فتكون سبباً أن يفتح هؤلاء الطريق إليها، فيأتوا بمستشار- لا أدري- ويأتوا بخبير ويتذرّعوا بمثل هذه الذرائع. والخيانة هي التي تفتح طريق هؤلاء، فإن تكن حكومة غير خائنة، لم يفتح الطريق لهؤلاء، ليأتوا ينهبون خيراتنا. الآن وقد تسلّمنا الحكم علينا أن ننظر في هذه البلاد المضطربة المتداعية الفاقدة لكل شيء، ويتعاون الجميع على إصلاحها.
البناء والعمران واجب عيني
فما واجبنا كلّنا من الآن فصاعدا؟ واجبنا كلّنا أن نتعاون جميعاً على بناء هذه البلاد. فساعدوا حيثما كنتم، ونحن أيضاً نساعِدُ قدر إمكاننا، والفلّاحون أيضاً يساعدون، وهكذا العمّال وكلّ الموظّفين.
فإذا لم يتعاون الجميع لا تعمر هذه الخَرِبة، فالمساعدة لازمة. ولا يتخَيلَنّ أحدُنا أنّه فرد، وما عسى أن يُفيد. كلّ منّا يستطيع أن ينفع بمقدار فرد نافع. وكلّ منّا مكلّف هذا وهو مقدار عمل نفس واحدة. وكلّنا الآن كلّ طبقات الشعب مكلّفون أن نعمل لبلادنا، لتدار بأيدينا وتصلح بعملنا، فالبلاد الآن لكم، وأنتم الآن تعملون لأنفسكم.
وأملي إن شاء الله أنْ نعرف كلّنا واجباتنا، وأنتم ذوي المقام الحسّاس أدّوا واجباتكم وألّا تكون قلّة العمل المُدَّعى بوجودها في الإدارات بعدَ الآن إن شاء الله إذ يقال فيها بطالة أحياناً. وقلّة العمل اليوم مخالفة للثورة، فيجب أن نعمل جميعاً لبلادنا لشعبنا، فعملنا اليوم لنا، وليس لأحدٍ أن يتدخّل فينا.
الطغاة المرعوبون والهاربون
وفي هذه البلاد خائنون طبعاً، لكنَّ رؤوسهم ذهبوا، أولئك الذين كانوا رؤوساً زالوا، ولا إمكان لعودتهم بعدُ، وما يتشدَّقون به- لا أدري- من أنّ فلاناً في الحدود، وفلاناً موجود لا معنى له، فهؤلاء لا يجرؤون أصلًا أن يفعلوا شيئا حتّى لو كانوا في بلاد مجاورة. فهؤلاء هربوا من هذه البلدان، وتجمّعوا هناك، ولا تظنّوا اويسِيَّاً يستطيع أن يكون في الحدود أو باليزبان، فهؤلاء يخافون من الحدود مثلما يخاف الشيطان من (بسم الله). لقد فرّ هؤلاء، أخذوا النقود وذهبوا إلى ذلك الطرف، ليعيشوا في أمريكة وما حولها. ولا تتخيّلوا أن هذه الأقاويل ستتحقق يوماً ما. يشغبون علينا طبعا، ويثيرون البلبلة طبعاً، وهذه الفوضى من حفنة مفسدة لا تريد أن تصلح هذه البلاد، تريد أن يبقى الشغب دائماً، لينتهزوا الفرصة. هذا موجود، وهو إن شاء الله سيصلح بعملكم أيّها الشبّان وأنتم أيّها الشعب. حفظكم الله جميعا، ووفّقنا جميعاً، وعرَّفنا واجباتنا، وجعل كلًّا مِنّا يُنجز عمله على أحسن وجه.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 272,269
1- في كلمة ألقاها في 13 خرداد 1342 هـ. ش في المدرسة الفيضية بقم.
2011-05-08