الموضوع: خطر التكتّل واختلاق الفُرقة- وجوب التربية الثورية لأجيال المستقبل
خطاب
الحاضرون: طالبات جامعة دماوند
عدد الزوار: 41
التاريخ: 11 تير 1358 هـ. ش/ 7 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: طالبات جامعة دماوند
بسم الله الرحمن الرحيم
أصداءُ النصر السلبية
من ضروريات كل ثورة التي ربما لا يمكن اجتنابها بعد الانتصار أو بعد الاعتقاد به هي حصول هذه القضايا الشخصية مادام الشعب- أيّ شعب- في حال الثورة لا تطرح المسائل الفردية والفئوية، ويمضي الجميع معاً إلى غايتهم مثلما شهدتم في ثورة إيران إذ اطّرحت جميع طبقات الشعب القضايا الشخصية والحزبية والفئوية جانباً، وانطلقوا إلى مقصدهم حتّى الجماعات التي ما كانت موافقة على الثورة التزمت السكوت، ولم تعرض خلافها، لأنّها كانت ترى أنّه لا يمكن فعل ذلك إزاء الشعب، لكن بعدما بلغ النصر هذا الحدَّ، وعرف الناس أنّهم أخرجوا الخصم من الميدان، وهو خصم مقتدر ومتجذّر، فهو نظام 2500 سنة. وبعدما أحسّ الناس أنّهم انتصروا ظهر 35 مليوناً من السكّان كالخارج من السجن، فقد انطلقوا من القمع والقهر والنهب والسلب فجأةً، وبعدما رأوا أنفسهم أنّهم انتصروا حصل هذا المعنى الذي هو لازمة الثورة، حصل هذا في إيران أيضاً، فظهر الاهتمام بعد الثورة بالشؤون الخاصّة. فما كان أيّام الثورة حديث السكن ومن عنده مسكن ومن ليس عنده، حتّى أصحاب الأكواخ على ما أظهروا في وقتٍ ما، إذ قال أحدهم في مقابلة: عند الصباح نذهب كلّنا معاً إلى المظاهرات، وما كان مطروحاً أنّ فلاناً له منزل أو ليس له، أو أنّ فلانا يحتاج إلى كذا أو لا يحتاج، أو أن راتبه قليل أو كثير، كلّ هذه الأمور لم تجرِ أيّام الثورة، ورأيتم أنّها ما كانت موجودة في إيران.
الانتصار غير التام والمطالب المتزايدة
وما يؤسف عليه أنّنا قبل أن نصل إلى النصر الحاسم في إيران شُغِل الناس بقضاياهم الخاصّة، واهتمّوا بالمشاكل الباقية من النظام السابق والمعضلات التي ورثتها جميع الطبقات من ذاك النظام، والالتفات لهذه الأمور هو الذي اجتذب الناس عن وحدة الكلمة وما كانوا عليه من غاية كان الجميع ينطلقون إليها معا.
ولعلّ أمراً آخر كان في ثورتنا، وهو أنّ بيننا جماعات لا تحبّ الجمهورية الإسلامية والإسلام، أو أنّها كانت مخالفة على ما تعبّر به مدارسهم المنحرفة، أو أنهم كانوا يخافون الإسلام ويظنّون به الظنون الباطلة. هذه الفئات أخذت تعرض نفسها، وكان هذا العرض واسعاً جدّاً، فقد بلغ عددها مئة أو أكثر أو ذلك الحدّ على ما يقال، وكلّها مختلفة وبأسماءٍ شتّى، وهذه المجموعات المتباينة يظهر للناظر أنّها علاوة على خلاف قسم منها للإسلام، وخوف قسم آخر منه برغم أنّ هذا القسم ليس له مدارس تعارض الإسلام، فخوفه بلا دليل، ومع ذلك كان خائفاً، علاوة على هذين القسمين كان هناك قسم يعمل من وراء حجاب لتأليف هذه الطوائف المتناقضة وبَثّ الاختلاف. وهذه الأمور قائمة في إيران الآن: منها الإحساس بالنصر الذي يبعث على البحث عن الثمار، وعلى التصوُّر أنّ كلّ شيء يتسنّى فور الانتصار، وأنّ البلاد الفاقدة لكل أشيائها تستعيد كلّ مفقوداتها دفعة واحدة ساعة الانتصار، هذا أمر.
وأمر آخر أن تلك التكتلات والأيدي التي تريد سلبنا خيراتنا تخشى ألّا يبقى لها مكان إذا تحقّق الإسلام واستقرّ نظام الجمهورية الإسلامية، فشرعت بتأسيس الفئات لإيجاد الخلاف جامعة صنوفا متعارضة من بقايا النظام السابق ونفاياته وعملاء القوى الكبرى الطامعة في إيران ولا تستطيع نفض يدها من طمعها، وفرق لكل منها غايته الخاصّة نشأت خوفاً من الإسلام أو مخالفة له. كلّ هذه كانت أسباباً لخلاف يطفو على سطح البلاد. وطوائف مختلفة تمارس- على قولهم- فعاليات سياسية، وهناك مجموعة فئات تمارس الفعاليات التخريبية، وترتكب التخريب. من هنا كانت هذه المسألة لا يمكن اجتنابها بعد كل ثورة، والثورة في إيران هي إحدى هذه الثورات، فحدثت خلافات على يد تلك الجهات المختلفة، وربّما على يد جهات أخرى.
إيران عند النصرِ الحاسم أو على حافة السقوط والهلاك
واجبنا اليوم سواء السيدات المحترمات وسائر الشعب كلّ السيدات والإخوة والأخوات والجميع هو أننا في مثل هذه المرحلة التاريخية نواجه طريقين: أحدهما النصر الحاسم، والآخر الهزيمة- لا سمح الله- والعودة إلى الأحوال الأولى، وواجب كل الشعب هو أنّه مثلما كانت هذه الثورة بوحدة الكلمة ووحدة الغاية وغاية الجميع الإسلام فكلّهم كانوا يهتفون به معاً، عليهم الآن أن يحفظوا تلك الوحدة، يحفظوا اجتماعاتهم، ويملأوا مساجدهم من الناس، ويجتمعوا في الأماكن التي تجري فيها الاجتماعات العامّة، ويعرضوا مطالبهم تلك المطالب التي هي غايتهم، وهي إقامة أحكام الإسلام كلّها في إيران. يجب أن يتمسّكوا بهذه تمسّكاً قاطعا. فبهذه التجمعات وهذا الأسلوب تحفظ الثورة حية. يحفظون الثورة حية وفاعلة، لتمرّ هذه المسائل فيما بعد، وتتبدّل هذه الحكومة الانتقالية إلى حكومة مستقرّة مستقلّة ويقوم مجلس شورى، ويظهر رئيس للجمهورية. لينسحب البساط من تحت تلك الأحزاب وأولئك المخالفين للإٍسلام، ويزولوا، وتُديروا أنتم بلادكم إن شاء الله، وتحفظوا أنتم المستقلّين استقلالها من غير قمع، وتتقدّموا إلى الأمام. طبعا نحن بحاجة إلى أمور من أجل المستقبل، فما يجب أن نفرض أنّنا الآن أقمنا جمهورية إسلامية والأمل إن شاء الله أن تكتمل لوازمها أيضاً، وكفى.
وجوب تربية الأجيال القادمة تربية ثورية
يجب ألّا نقتنع بإقامتنا الجمهورية الإسلامية، لأنّ علينا أن نفكّر بالآتين بعدَنا، أي: مثلما أنّ مطامح حدتنا على هذه الثورة، فإنّ من بعدنا لهم هذه المطامح، وهم محتاجون إلى الاجتماع والوعي، ليستطيعوا أن يصونوا ما أنجزتموه، وهذه مهمّة التربية والتعليم اللذين يجب أن يكون مسيرهما مسير هذه الثورة متعقّباً ما حقّقتموه من أمور.
دور الأمّ في تربية الولد
ولسيّدات الإسلام الحظّ الأوفر في التربية والتعليم، فالتربية تبدأ في أحضان الأمهات، وفي أكنافهنّ تنمو إذا كانت منطلقاً تربويّا، فإضافة إلى أن الطفل يكبر في ظلالها يتربّى فيها إنسانياً وإسلاميّاً أملًا أن تقدِّم للمجتمع ولداً صالحاً ملتزماً، فمذ تضع الثدي في فمه وتربِّيه جسميّاً تغذوه هذا الإسلام كلمة كلمة على قدر فهمه، فهي تنفُث فيه الدِّين والأخلاق، وتسعى إلى أن يكون الجو العائلي جواً سالماً، ففي كنف الأمّ والأسرة مبدأ التربية الأساسية، وعندما ينشأ الطفل في محيط الأسرة وحجر الأمّ اللذين هما أسمى محلّ للتربية يتخرّج طيِّباً يبقى على طيبه دائماً ما لم تصدُّه عنه عوامل شديدة التأثير فيه، وإلّا فإنّ تربية الطفولة والصغر تبقى أبدا. من هنا كان جوّ الأسرة من أهمّ الأجواء المناسبة لتربية الأولاد، وحضن الأمّ كذلك من أهمّ الأجواء الجديرة بالتربية. والطفل يتعلّم في حجر الأمّ ومنها أكثر مما يتعلّم من المعلّم ومن الرفاق اللذين يجدهم فيما بعد، وأكثر ممّا يناله في المجتمع، ففي حضن الأمّ يقبل أكثر الأشياء، لأنّ محبَّتَه لأمّه لا تعدلها محبَّة، وقول الأمّ أوْقع في قلبه وأبلغ في عقله. من هنا كان الأجدى أن تُلقّنه الأمّ القضايا والمقاصد الطيبة في طفولته وتربِّيه عليها لينشأ نشأة حسنة، لا أن ينشأ طفيلياً. إذا أرادت الأمهات أن يتربّى أبناؤهن تربية جيّدة، فليجعلن جو الأسرة كريماً لطيفاً ليتأثّر به الطفل، أي: يجلعن جو الأسرة جو محبَّةٍ ووئام وتمسّك بالإسلام، فإنّ الطفل إذا رأى أبويه متوادَّين يعملان بالإسلام يتربّى على ما يرى، فَتَوادُّهما حسن وعلوّ أخلاقهما حسنة، وهذا وذاك يُؤثِّر فيه خيرا. بخلاف رؤيته النزاع والجدال اللذين يبدّلان الدار إلى ساحة حرب كلّ يوم بين الزوجين، وبخلاف عيشه في جوّ معصية- لا سمح الله- تتوفّر عليه وسائل المعصية وأسبابها، فلابدَّ أن يتأثر بها، وينشأ عليها. فسعادة الأطفال- بناءً على هذا- تمتدّ مِن أحضانكنّ.
استمرار الثورة رهن بتربية الناشئة
وسعادة البلاد بأطفال صالحين، فبهم تطيب، وما أكثر ما صنع ولد صالح بلاداً صالحة! فإنسان صالح يستطيع أن ينقذ بلادا، كما أنّ إنساناً طالحاً يستطيع أن يُهلك بلاداً. وهذه من المسائل المهمّة جدّاً للأمّهات. وبعدها التربية في المدارس. ومدارسنا كانت الأيدي غير الطاهرة لا تدع التربية تنمو فيها، وجعلتها محيطاً لنشأة شبّاننا نشأة سيِّئة، فما كانت التربية والتعليم بالمعنى الذي يجب أن يكونا عليه. وما كانت التعليمات صحيحة. من هنا نرى أنّ من الأشياء المهمّة أن تكون مدارسنا من الابتدائية إلى الجامعة لابدّ أن تكون أماكن تربي الناشئة وتصنع إنساناً مستقلًا لا يَرْتبط بالأجانب حازما ثابت الموقف واثقاً بنفسه معتقداً بالمبادئ الأخلاقية والإسلامية. ومتى جرت الأمور هكذا، استطعنا مستقبلًا أن نقول- إن شاء الله-: نحن منتصرون وبلادنا مستقلّة إلى الأبد، فقد خرجت من تحت ضغط الآخرين، وغدتْ لنا ونحن نريدها.
آمل- إن شاء الله- أن تكون السيدات الحاضرات هنا والمشاركات في كثير من الأمور مشاركات في هذه الثورة مؤثرات، بل يجب القول: متقدِّمات، ويجب القول: إنَّ الرجال يستلهمون منهن في هذه النهضة. أيّدَكنّ الله جميعاً- إن شاء الله- وفِّقْتنّ واسعِدتنَّ بأن تسهمن في إدارة بلادكنّ بأنفسكنّ، وتربِّين أبناءً صالحين.
* صحيفة الإمام، ج8، ص:281,278