الموضوع: اختلاف الحكومة الإسلامية عن غيرها
خطاب
الحاضرون: حرس الثورة الإسلامية في آباده
عدد الزوار: 111
التاريخ 13 تير 1358 هـ. ش/ 9 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: حرس الثورة الإسلامية في آباده
بسم الله الرحمن الرحيم
سير الإنسان مِنَ الطبيعة إلى الله
ما نقوله وأشرتم إليه هو أنه لا يستطيع نظامٌ غير الحكومة الإسلامية أن يدير الإنسان والشعوب الإدارة التي تجب، ويربِّيها. وهذا لأنّ جميع الأنظمة غير التوحيدية والأنظمة التي لم يُقيمها الأنبياء محدودة النظر، ولو فرضنا أنها أمنية مئة بالمئة وحنون على الشعوب، فإنه تجبُ رؤية مدى النظر البشري، وإلام يستيطيع الإنسان أن يسير، وما مقدار احيتاجاتهِ 1. هل يستوعب نظر الأنظمة غير الإلهية سعة وجود الإنسان وقدرته على التكامل. فلو فرضنا أنّ هناك أشخاص عطوفين يريدون أن يخدموا الشعوب، فهل يستطيعون أن يخدموها حتّى تلك الحدود؟ إذا راينا مراحل سير الإنسان من الطبيعة إلى ما فوقها، ليصل إلى مقام الألوهيّة متصلًا من الطبيعة إلى مقامٍ لا يرى فيه غير الله- تعالى- رأينا مراتب الإنسان المعنوية، وهو الموجود القادر على السير من هذه الطبيعة وإيجاد كل المعنويات في نفسه بالتربية الصحيحة، والوصول إلى ما يعلو على مقام ملائكة الله، ومثل هذه الأمور هي حاجة الإنسان. فالإنسان ليس كالحيوان، لتحصر حاجته بالأكل والشرب والنوم، وإنما هو موجود خلقه الله- تبارك وتعالى- لِيُوجَدَ فيه كلّ ما في العالم، لكن بالقوّة والاستعداد، وهذه القوّة يجب أن تنتقل إلى الفعل، وتتحقّق.
رؤى الأنظمة غير التوحيدية المحدودة
كل الأنظمة غير الألهية التي ظهرت بأيدي غير الأنبياء حدود نظرها هي هذه الطبيعة. تستطيع أنّ تقضي الحاجات المادّية، وتتمكّن من قضائها على أحسن وجه. فالسفر سابقاً كان على الحمير والخيل، واليوم بالطائرة، وكان الطبّ ناقصاً، وهو اليوم كامل، وسوف يكون أكمل، وكلّ هذه حدود الطبيعة، وجميع هذه الأشياء تنالها يد الإنسان، وتبلغ حدود الطبيعة هذه الأشياء التي يراها الناس بعيونهم، ويعرفونها بإدراكهم الناقص. ويد الإنسان قاصرة عن بلوغ الطرف الآخر من عالم الطبيعة. والتربيات التي يمارسها غيرُ الإلهيين غير الأنبياء الذين يربُّون الناس بإلهام الله، هي تربيات طبيعية. فالطبيب يُعالج أجسامنا، ويعالج كلّ مرض علاجاً حسناً، يُعالج المرض الجسمانيّ، لكنه لا يُعالج الأمراض الروحانية، لأنها غير مربوطة به، وما من طبيبٍ له صلة بها، ولا يستطيع أن يكون ذا صلة بها، لأنه لا اطلاع له عليها. وكلّما ارتقى العلم الطبيعي اوصل الإنسان إلى ما يحتاج إليه من الأشياء في الطبيعة، وتلك الورقة التي فوق الطبيعة لا يبلغها علِم من العلوم البشرية. لو فرضنا أنّ الأنظمة البشرية صالحة- ونحن نعلم أنَّ أكثرهم ليس كذلك- فإنها تقودُ الإنسان إلى ما هو في حدود نظرهم. وحيث لا تعرف لا تستطيع أن تتقدّم.
ولهذا نرى الأنظمة غير المتّصلة بالوحي ولا المربوطة بمبدئه لا علاقة لها بالإنسان. أي بتلك الخصائص الباطنة فيه. فالحكومات لا علاقة لها بك كيف تفكّر عند نفسك، ولا بم تعتقد، ولا ماذا لديك من الملكات. لا علاقة لها بهذه الأمور اصلًا. كلّ ما لديهم هو أنّ هؤلاء الناس الأسوياء وهذه الحكومات العادلة النظام يحفظون نظام الطبيعة هذا، فيكون سوقهم منظماً، وبلادهم منظمة، يردعون اللصوص، ويقمعون المُبطلين. هذا كلّ ما يشغل هذه الأنظمة، ولا يعنيها ما أنتم في منازلكم، وما تفعلون، لا علاقة لهم بما في المنزل، فهم معنيون بأن تحفظا النظام إذا خرجتم من البيوت. أما داخل بيوتكم، فأنتم ورَبّكم. وليس مِن قانون تتابعُ فيه هذه الأنظمة شؤون الناس الخاصّة.
اختلاف المدارس النبوّية عن المادّية
النظام الوحيد والمدرسة الوحيدة المعنيان بالإنسان قبلَ أن يلتقي أبواه هما ما جاء به الأنبياء. ما من مدرسة في العالم غير مدرسة الأنبياء تدلّك على المرأة التي تختارُها، وتقترن بها، وتدلّ المرأة على الرجل الذي ترتضيه. وهذه الدلالة لا صلة لها بتلك الأنظمة، وهي لا تعنى بهذه الأمور، فلا شيء في قوانينها أي امرأة تنتخب وايّ رجل ينتخب، وليس في قوانينها ما تفعل المرأة أيام الحمل، ولا ما تفعل أيام الرضاعة وأيّام الحضانة، ولا تبيّن وظيفة الأمّ عندما يكون الطفل في تربية أبيه. ليست هذه الأعمال في القوانين المادّية والطبيعية وأنظمة غير الأنبياء، ولا هذه القوانين تلتفت إليها. أولئك ينظرون للإنسان عندما يدخل المجتمع فيصدونه عن المفاسد التي يرتكبها، وهي المفاسد التي تضر النظم العامّ، أمّا مفاسد الشراب والمجون واللذات، فلا تعبأ بها، بل ربّما تنشرها، لا تهتم بما يصنع الإنسان، ولا تنظر إليه. فلا فرق بين الإنسان والحيوان عندهم إلا هذا التقدم في الطبيعة. الحيوان لا يستطيع أن يصنع طائرة، ولا يتمكّن أن يكون طبيباً، والإنسان يقدر على ذلكِ، لكن في حدود الطبيعة، أمّا المعنيّ بكل شيء، أي: ذاك الذي يرعى الإنسان قبل الزواج ويدُلُّهُ قبل أن يتزوّج أن ينظر أن يأتي من هذا الزواج إنسان سليم، يجب أن يكون إنساناً كاملًا قبل أن تتزوّجوا. فهو يأمرُ أن تزوّج هذه المرأة، وتزوّجي هذا الرجل. لماذا يأمُرُهما هذا الأمر؟ لأنهما كفلاح زارع إذا أراد أن يزرع ينظر إلى الأرض ما نوعُها، فينتخب الأرض الصالحة، وينظر للبذر الذي يريد أن يزرعه من أيّ نوع، وينتخب القمح الصالح، ويوفّر كلّ ما يلزم لجعل الحقل عامراً مثمراً ذا رَيع. هذا نظر الإسلام للإنسان أن يكون الزوج المنتخب صالحاً ليأتي منه إنسان صالح. وأن تكون المرأة المنتخبة صالحةً أيضاً، ليأتي من هذين الزوجين إنسان، ثم بأي ادبٍ يجب أن تكون؟ وعلى ايّ أدب يجب ان يكون هذا الزواج، وفي أيّ حال وأدبٍ يجب أن يتمّ التلقيح، وما هي الآداب الخاصة بالحمل؟ وما هي آداب الرضاعة بعدئذ؟ كلّ هذه الأمور جاءت بها أديان التوحيد التي أسماها الإسلام لتصنع الإنسان، وما جاءت لتصنع حيواناً غير أنه ذو إدراك في حدود تلك الحيوانية ومقاصد حيوانية إلا أنها تزيدُ على ما للحيوان من مقاصد، ما جاءت لتصنع هذه، وإنّما جاءت لتصنع الإنسان. وما قلتموه من أنه لا دين مثل الإسلام، ولا نظام مثل الإسلام يتجلّى معناه في أنّ الإسلام يستطيع أن يُربّي الإنسان على الارتفاع من الطبيعة إلى الروح وما فوق الروح. وليس لغير الإسلام والأديان التوحيدية شأن بما وراء الطبيعة أصلًا، فعقولهم لا تصل إلى ما ورائها أيضاً، ولا عليهم ومنْ يصل عمله إلى ما وراء الطبيعة هو منْ يتلقّاه من الوحي، وإدراكه متّصل بالوحي، وأولئك هم الأنبياء.
امتيازات الحكومة الإسلامية
ليس الإسلام كالحكومات الأخرى، وما الفرق بينه وبينها أنّه عادل وهي ليست كذلك. لا، توجد فروق، أحدها هو هذا. بين الحكومة الإسلامية والإسلام والأنظمة الأخرى فروق كثيرة أحدها أنّ حكومة الإسلام حكومة عادلة، فما هي صفات الحاكم؟ وما صفات الشرطة؟ وما صفات الجيش؟ وما هي الصفات التي يجب أن يتوفّر عليها بقيّة موظفي الحكومة؟ هذه من الفروق وهي فروق دنيا، وأعلى منها تلك الأمور التي ترتفع بالإنسان إلى المعنويات. جاء الإسلام ليجذب الطبيعة إلى الروح، ويصدّ عنفوانها، وما يقول به الجميع من معنى الطبيعة يقول به الإسلام أيضاً، لا أنّه لا يلتفت إليها. والإسلام يقبلّ التحضر بأعلى درجاته، ويسعى لتحقيقه، ولهذا كانت الحكومات الإسلامية تزخر بكل أنواع التحضّر، لكن لا بالنحو الذي يسود البلدان المتمدّنة اليوم. الإسلام يقبل التحضر كلّه، ويسعى لتوفُّره، وفي الوقت الذي تنظر فيه هذه البلدان للطبيعة وحدها بنظر الإسلام إلى جذب التحضّر إلى الروحانية وهدى التوحيد. ومن هذه الجهة يتجلّى الفرق بين الإسلام وغيره، بين الحكومة الإسلامية والحكومات غير الإسلامية، بين تلك الأشياء التي جاء بها الإسلام والتي جاءت بها الأديان الأخرى. كثير من الأديان الناقصة تتخيل أنّها كاملةٌ أيما كمال، وحدودها هذا النظر الذي عندها لا أكثر. والدّين الإسلامي نظرُه مستوعبٌ كلّ شيء، فالطبيعة فيه هي تلك الدنيا المذمومة بلسان الأنبياء كثيراً، فكلمة دنيا تعني تافهة جدّاً، و (أسفل السافلين) 2 الواردة في القرآن هو هذه الطبيعة. وآثارها والمراد الذي يجب بلوغه أعلى علّيين.
السر والعلن في صلب القانون الإسلامي
يريد الله أن يوصل الناس إلى أعلى الدرجات، يجذبهم من أسفل السافلين إلى أعلى علّيين، وليس هذا في غير انظمة الأنبياء. لا يعنيهم أن يكون الناس إلهيّين. ما علاقته بنا؟ إن لم ينتظموا هنا يضّر حكومتنا مهما كان. والأنبياء ليسوا هكذا. الانبياء معنيّون بكم أينما كنتم حتّى لو كنتم في قانون الإسلام للسر والعلن. لا أحد معكم، لكنّ حكم الله رافقكم. فالأنبياء يريدون أن يُربّوا الإنسان تربيةً لا يختلف بها بسرّهُ عن علانيتهِ، فكما لا يخون ظاهرياً في حضور الناس ملاحظة لهم يريد الأنبياء أن يجعلوه إنساناً لا يختلف فعلُه في حضور قومه عن فعله في غيابهم، فهو إنسان في الحالين، وإذ يكون إنساناً يستوي فعلُه في السرّ والاجتماع. هؤلاء ينظرون لهذا المعنى وميلنا وأمنيتنا أهمها أن يتحقق هذا في يتحقّق هذا في الخارج. وهذا هو ميل الأنبياء أيضاً. رغبتنا كلّنا هي في أن تكون لنا حكومة مثل حكومات صدر الإسلام العادلة، كلها كانت عادلة، وفوق ذلك كان كلّ ما في القرآن الكريم والإسلام من قضايا نافذاً، كلّ شيء. وفيما يخص الجمهورية الإسلامية الآن نقول: هي في خطوتها الأولى، والإسلام الآن والجمهورية الإسلامية نظامنا، لأنكم انتخبتموه، وقام.
السعي لجعل النظام إسلامي الجوهر
ولّى النظام السابق، ودُفن إلى الأبد، ونظامكم الآن إسلامي، ونحن مسؤولون في هذا النظام مسؤولية جسيمة، وهي حفظ كرامة الإسلام، فكلّنا مكلّفون إذ قامت الجمهورية الإسلامية أن نكون إسلاميين، فحكومة الإسلام عدم، وما من جمهورية إسلامية. إذا قامت الجمهورية الإسلامية وشرطتها- لا سمح الله- غير إسلامية ومحكمتها غير إسلامية ووزارتها غير إسلامية، فهي حكومة طاغوتية باسم الإسلام. هو ذلك الطاغوت غير أننا غيّرنا اسمه. لا نريد أن يتغيّر الاسم، وإنما نريد أن يحّب الجوهر، فيجب أن تجدّوا أن يستقيم المضمون.
والإسلام اليوم رهن بأعمالكم. إذا سرتم سيرة حسنةً وسارت كلُ طبقات الشعب الإيراني سيرة حسنة فالحكومة إسلامية، والحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي هو ما كانت حكومته إسلامية وشعبه إسلامياً. إذا صارت كلّ الوزارات والإدارات إسلامية،، وغدا الجيش والشرطة والدرك إسلامية كانت حكومتنا حينها إسلامية. وإذا صرنا نحن ناساً أسوياء يتخذ كلّ منا عملًا ومهنة ونعمل بأوامر الإسلام ونواهيه كنا شعباً إسلامياً، وإلا كان أمرنا لفظاً بلا معنى. فأنا أتشدّق بالإسلام وعملي مخالف له، ويُدعى الحاكم إسلامياً وعمله على خلاف الإسلام، وهذا الوضع لا النظام يكون فيها إسلامياً، ولا الشعب. فاجتهدوا أن يكون الشعب إسلامياً والحكومة إسلامية.
أسأل الله- تبارك وتعالى- أن يحفظ اتحادكم هذا وروحيتكم القوية هذه لتبلغوا هذه الدرجات، وتجتازوا هذه المراحل. حفظكم الله جميعاً.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 316,313
1- هنا خلل في الشريط.
2- التين: آية 5.