الموضوع: ضرورة تغيير أساليب المالكين في المصانع في عهد الثورة
خطاب
الحاضرون: أصحاب المصانع وتجار السوق في طهران
عدد الزوار: 78
التاريخ: 15 تير 1358 هـ. ش/ 11 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: أصحاب المصانع وتجار السوق في طهران
بسم الله الرحمن الرحيم
رعاية أصحاب المصانع للعمّال
أعظكم بكلمة ترتبط بأساس قضاياكم، أعظ أصحاب المصانع بأن يغيّروا وضعهم عمّا كان عليه في النظام السابق، لأنّ الناس كانوا لا يعدونه إسلامياً، وإنما يعدّونه طاغوتياً، فإذا حصل سوء قالوا: حصل في نظام مستبدّ، وإذا حدث منغص للعمّال أو أمر يدفعهم إلى الإضراب أو المشاغبة يقمعونهم بالضغط، وإذا هاج رجال الدين أسكتوهم بالموعظة. والوقت الآن مختلف عن ذاك الوقت. فنحن كلّنا ندّعي الآن أن البلاد إسلامية، ويجب أن تعمل بأحكام الإسلام. فإذا جرى- لا سمح الله- في بلاد إسلامية ما يثير العمّال في المصانع من قبيل سوء النظر في أحوالهم، ينفجر الوضع، وإذا حدث هذا الانفجار في محيط بلاد تدّعي بالإسلام لا يستطيع إطفاءه عالم دين ولا غيره. وذلك لأن رجل الدين في ذاك الوقت يستطيع التهدئة بأن يقول: فعل هذا آحاد غير إسلاميّين. أمّا إذا حصل ما يحمل العمّال على الانفجار في بلاد إسلامية، فإنه لا تمكن السيطرة عليه. وهذا خطر عليكم جميعاً وعلينا جميعاً وتهديد لنا كلّنا. من هنا يجب على أصحاب المصانع أن ينتبهوا، ولا يعاملوا العمّال المعاملة السابقة، بل عليهم أن يُؤاخوهم ويُصادقوهم، ويلطفوا بهم إلى الحدود التي يريدونها- وليس للعمّال مطامح عالية فوق حياة طيّبة- وعليهم أن يعملوا على توفير هذه الحياة عليهم، ويتوقّوا انفجاراً غير قابل للسيطرة عليه. قلت: إذا حصل انفجار باليأس من الحكومة الإسلامية لا قُوَّةَ تستطيع كبحه على خلاف ما لو حصل الانفجار، ويلوذون بالإسلام، فهذا قابل للسيطرة عليه. أمّا إذا قامت دولة إسلامية، وكانت الأحوال فيها هي الأحوال السابقة، أي أنّ اللفظ إسلاميّ، والعمل طاغوتيّ، وحصل انفجار- لا سمح الله- بهذه المثيرات التي ترونها الآن من المؤامرات القائمة الساعة، فهو انفجار مضادّ للإسلام. ومثل هذا الانفجار انفجار نابع من باطن بلاد تدّعي بالإسلام إذا حصل لدى اليائسين من الإسلام وبرامجه لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه. ومن يثيرون التوتر، ويطرحون هذه القضايا بدعوى أنّ شيئاً لم يتغيّر ما عدا الاسم. وقلنا: الحكومة ملكية، وتقولون الآن: جمهورية إسلامية، والواقع هو القضايا الحاضرة هي القضايا الغابرة، والعمّال هم العمّال، والموظّفون هم أولئك الموظفون، والشعب هو الشعب، والمرابون هم المرابون، والجبّارون هم الجبّارون. إذا حصل انفجار- لا سمح الله- في مثل هذا المحيط، كان غير الانفجارات الأخرى، ولن يبقى لأحد شيء، ولذا يجب أن يفكرّ السادة في ألّا يقع مثل هذا الشيء، وذلك بأن تنزلوا قليلًا، وترفعوا العمّال قليلًا. أولئك لا يريدون أن يكونوا بينكم، بل يريدون حياة فقط وأنتم- والحمد لله- أغنياء ولديكم المصانع وعمّال كثيرون فساعدوا هؤلاء بقدر يسير حفظاً لمصلحتكم، ولئلّا- لا سمح الله- يحدث انفجار يعصف بكل شيء، ويذهب كل شيء لهذه البلاد مع الرّيح، ساعدوهم بأيديكم مساعدة تعود عليكم، اعملوا أشياء تجعلهم يرون أنهم قد تغيّرتْ أحوالهم في هذا الوضع الذي حصل، وستعينهم الدولة، ونحن نعظهم وننظر في أمرهم، لكنّ الأصل هو أن يرى هؤلاء أنّ على رأسهم في الجمهورية الإسلامية ناساً- كانوا يَدْعونهم أرباب العمل- يعاملونهم بالحُسنى. وأن ما يشيعه الشيوعيون والمنحرفون ليس صحيحاً. وبناءً على هذا يجب أن يعاملوا معاملة حسنة، وتحسَّن حياتهم، وتسدَّ حاجتهم.
الفروق الطبقية
ما عاد هذا المعنى عملياً اليوم، وهو أن تتربّع فئة في الأعلى، ويتحقّق لها كل شيء على أحسن وجه من الحدائق والسيارات والتَرف، وأن تنزل الأكواخ التي في جنوب طهران فئة أخرى، وترى تلك الفئة المُترفة، لا يحقّ هذا، ولا يرضاه منطق إسلاميّ ولا إنصافي، وما هو بصحيح. وإذا ارتفع صوت هؤلاء- لا سمح الله- لا ينخفض بعدُ. فعليكم أن تفكّروا بهؤلاء. ولحفظ أنفسكم وأسركم وثرواتكم وكرامتكم جالسوا هؤلاء وأرْضُوهم. ومن الجماعات التي حضرت عندي من إصفهان جاءتني جماعة قلت لها هذه الكلمات التي خطرت على بالي من قبيل: فكّروا ألّا يبقى تفاوت طبقيّ، فلابدّ من تعديل، لأن الإسلام يريد تعديلًا لا يحدُّ الثروات، ولا يدعها على هذه الحال التي يملك فيها أحد مئات المليارات من الدولارات، ولكلبه سيَّارة وسائق، وأمثال هذه الأشياء، وآخر يذهب إلى أطفاله بلا خبز. لا يحقّ هذا، وهو غير عمليّ، ولا يوافقه الإسلام ولا إنسان ما.
ونصف حَلِّه بأيديكم، نصفه، إذا لم أقلْ كلّه. نصف حَلِّه بأيديكم، ونصفه الآخر بيد الدولة التي تبني لهؤلاء دوراً. أقول: الحياة هي هذا القدر الذي يتوق إليه هؤلاء المساكين.
لا تتخيّلوا أنّ أولئك العمّال يقولون: نريد سيّارات، ونريد حدائق. لا شيء من هذا. أولئك يريدون حياة إذا ذهبوا فيها إلى منازلهم، وقال ابن أحدهم لأبيه:" ما عندي حذاء" يستطيع أن يشتري له حذاء. هؤلاء بشر، يألمون. فكّروا بأنفسكم أنتم حين تذهبون إلى منازلكم، ولديكم طفل عزيز يريد منكم شيئاً لا تملكونه، ولا تقدّمونه له دُفعة، ألا تألمون؟ تريدون أن تعطوه شيئاً دفعة، وأنتم لا تملكونه، فضلًا عن أن يذهب الرجل إلى منزله، ويراه الطفل عائداً بلا خبز. فكّروا في هذه الحال، إذ لا يستقيم عندها بعد أن تقولوا: نحن مختارون، ولنا كامل الاختيار أن نكون على هذه الصورة أو تلك، ولا شأن لنا بالآخرين. لا يصحّ هذا. وما أقوله الآن من وجهة سياسيَّة: تقتضي السياسة أن يفكّر أرباب المصانع والأعمال في هذه القضايا ويتناقشوا فيها، ويحلّوها من أجل أنفسهم. قلت لأولئك الإصفهانيين الذين أتوا إلى هنا: ألِّفوا أنتم أنفسكم شيئا، ألّفوا مجلساً، تحادثوا وقرّروا أن تساعدوا هؤلاء، ليبتهجوا بكم، ويعملوا لكم جيّداً، ولا يحصل ذلك الانفجار المحتمل، وأنا لديّ خوف منه. وهذا المطلب الذي عرضته أقوله موعظة، والقضية أساسية، فلا تستخفّوا بها. من الممكن ألّا تهتمّوا بالمسائل الآن كثيراً، لكن إذا مرّ الوقت، وفات أوانها يتعذّر علاجها على كل أحد، ولا نستطيع وقفها لا نحن، ولا أنتم. وهذه بحاجة لتأمّلها.
الإسلام وصيانة حق الامتلاك الشرعي
وأمّا ما يتعلّق بالقضايا المتصلة بي، فيجب أن أقول: بعضها متصل بالدولة طبعاً، منها ما هو متعلّق بوزارة العمل، ومنها ما هو متعلّق بجهات أخرى. وهي أننا لن نجيز لهم أن يخطو خطوة واحدة على خلاف الإسلام. والإسلام يُقرّ حق التملك الشرعي، ويُجيزه، وذوو المصانع والصناعات إذا لم تكن غير مشروعة على حالهم. وليس طرح الحكومة أن تتدخّل في صناعات الناس الخاصّة، وما قدَّمته الآن من طرح- أعدتُ النظر فيه كلّه. بمنتهى الدِّقَّة- هو أنّهم قالوا: إنّ عدَّة كانت أموالهم قد جمعوها وجلبوها وأكلوها وأتلفوها، وهي أموال الغير وكذا، وربّ المصنع الذي هذا شأنه تؤمَّمُ أمواله، وهذا هو الحقّ. وإنّ عدَّة من هؤلاء مدينون للحكومة بأكثر ممّا لديهم. وعدَّة لديهم مقدار ما، وليسوا مدينين، لكنهم شركاء، وشريكهم كان الشاه وأمثاله، ومنهم من له شريك خاصّ، هؤلاء يأتون وشركاتهم محفوظة، وعدَّة تستطيع أن تدير، هي نفسها تدير.
منع الحكومة أن تخرج من خطّ الإسلام
ليست هنا بلاد شيوعيّة، وليس كلّ شيء هنا مشاعاً. هنا حكومة إسلامية لا تستطيع أنْ تتخطّى الحدّ الذي رسمه الإسلام للملكيّة فإذا حاولتْ أنْ تتخطّى هذا الحدّ يَطْرحونها جانباً، وليس الأمر كما تظنون أنها تريد أن تصادر كلّ أحد على مَصْنعِه، مثلما قالوا في الأراضي: إنّهم يريدون أن يأخذوها، وليست هذه هي القضيّة، إنّما هي قضية الأرض المَوات، وهي التي لم يعمرها أحد. وكانوا في ذلك العهد قد باعوها غَلَطاً، فالأرض الموات لا يحقّ لأحد أن يبيعها. أو أنهم خطّطوا أرضاً، وباعوها، وهذا البيع غلط أيضا. ولذا يستردّون تلك الأراضي الموات، ويرفقون بِمن يستردّونها منهم عسى أن يستطيعوا أنْ يفعلوا لأنفسهم شيئاً.
والأرض التي أحياها وهي في يده مَنْ يأخذها منه؟ من يستطيع أن يأخذها؟ هذه القضايا غير مطروحة. هذه قضايا إسلامية، ترجع لبرنامج إسلاميّ. وكل ما قالوه حتّى الآن وطرحوه لم أر فيه شيئاً خلاف الإسلام، ولا فيما يريدون، لكنّ الشائعات كثيرة. حين تقال كلمة من أنّ الأراضي تؤخذ تثور شائعة بأنهم يريدون أخذ بيوت الناس وأراضيهم منهم.
وغير المسؤولين إذا نطقوا بشيء، أو كتبوا في صحيفة ليسوا بميزان. إذا تكلمت الحكومة وتحدّث لسانها، فذاك هو الميزان. الصحف تكتب أشياء كثيرة بلا دقّة، وناس غير مسؤولين يتحدّثون حديثاً ما. وهذا لا صلة له بالحكومة ولا بالإسلام. نحن علينا أن نعمل بالإسلام. وأنا لن أدع الحكومة تخرج من خط الإسلام ما دمتُ حيّاً، وآمل ألّا نخرج نحن أنفسنا عنه أيضاً.
الخراب الموروث من نظام الشاه
وأنتم أقبلوا على أعمالكم بحرارة، واجعلوا ما قلته لكم نصب أعينكم، انتبهوا كثيراً، وفكّروا هؤلاء بنوكم، وانظروا أنّ لأحدكم ابناً واحداً، ويذهب أبوه إلى المنزل بلا خبز له، ماذا يجري لكم؟ فكّروا بهذا الأمر. اجمعوا أفكاركم وانظروا للجمع الذي تحت أيديكم مِمّن يسكنون الأكواخ، ولا شيء لديهم. والحكومة مشغولة بهم طبعاً، لكنّ أولئك غير المنصفين خرَّبوا كثيراً، ووَلَّوا، ولا يمكن إصلاح ما خرَّبوا سريعاً. أينما تلتفتوا تجدوا خراباً. وسرقوا مِن المصارف ما استطاعوا بعنوان قروض، ومضوا. وما تركوه من الأشياء الآن من قبيل العمارات ونحوها أخذوا به قروضاً، وفرُّوا، ويجب أداء قروضهم. وليس الأمر على ما نتخيّل من أنّ هذه الثروات التي تركوها كافية لإصلاح حال الفقراء. نحن أقمنا لهذه مؤسّسة المستضعفين. وعند النظر ماذا رأوا؟ رأوهم نهبوا ما نهبوا، واقترضوا أخيراً، وعندما أيقنوا أنهم زائلون اقترضوا من كل المصارف بكل وسيلة استطاعوا أن يسلبوا بها وينهبوا. ومؤسسة المستضعفين هذه لا رصيد لها. عُلِمَ من هذا أنّ الأمر ليس كما نتخيّله كافياً لنا. علينا أن نبسط أيدينا إلى الشعب لننقذ هؤلاء المستضعفين والمحرومين وسكّان الأكواخ. يجب أن نرجع للشعب، وهو يُنجز هذه الأعمال.
الاهتمام بمطالب العمّال
علينا جميعا كلّنا معاً أن نضع يداً بيد لنهيِّئ وضعاً متوسطاً لهؤلاء، لنرفع عدم الإنصاف عن إخوانكم هؤلاء. عدّوا هؤلاء إخوانكم، ولا تروا العمّال والموظّفين خدماً، عدُّوهم إخوانكم وأولادكم، واقضوا حوائجهم مثلما تقضون حوائج أبنائكم بما تستطيعون، وهؤلاء لا يريدون كثيراً، فحسبهم عيشة متوسّطة، لكنْ لا أن يُشيروا إلى كلِّ شيء أنه ليس لديهم. فهذا يكون سبباً- لا سمح الله- لصيرورة الحال على ما لا نريد.
عمران إيران بتعاون الحكومة والشعب
حفظكم الله إن شاء الله، وشغلكم بفكرة تسيير هذه البلاد. تظنون هذه الحكومة مستطيعة وحدها، لا، لا تستطيع، وليست القضية أن تستطيع الحكومة أن تفعل ذلك، أو فئة من الناس تتمكّن منه، لا يستطيعون. يجب على كل أحد أن يخدم في كل مكان، ليتمّ هذا العمل. فأنا الجالس هنا وأنا دارس دينيّ عليَّ أن أؤدّي مقدار ما يؤدِّيه الدارس الدّيني وأوصي الناس بذلك، وإذا أعمل؟ وأنتم أصحاب المصانع- رعاكم الله- عليكم أن تنجزوا من العمل بمقدار طاقتكم. والفلّاحون أيضاً عليهم العمل على قدْرهم.
كلّ أحد في ذلك المحيط يعمل خيراً إن شاء الله عسى أن تعمر إيران بيد الجميع، ولا يعود الناهبون مرَّة ثانية، ويسلبوكم كلّ شيء. مهما كانت نتيجة عملكم يسلبكم الناهبون حقكم بصور شتّى وجهات متباينة. وهذا مرهون بأن نثور ولا نظنّ أن الغاية الأخرى تحققت، لا، فالغاية لم تتمّ. البناء الآن أصعب من السابق، فإخراج أولئك لم يتطلّب في السابق مؤونة فادحة غير القبضة والهتاف، وهو الآن محتاج إلى عمل، وأن يعمل الجميع، وأن يعملوا كلّهم لله. وفّقكم الله جميعاً.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 354,350