التاريخ: 17 تير 1358 هـ. ش/ 13 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: الفلسفي، محمد تقي وخطباء طهران
بسم الله الرحمن الرحيم
اعتقاد المتحدِّث الإسلامي
يجب أن أقول شيئاً في واجبات علماء الدين وأهل المحراب والمنبر والمشكلات الموجودة.
علماء الدين وأهل المنبر والخطباء هم المتحدِّثون بالإسلام. وإذا أرادت حكومة متحدّثا إسلاميّاً، فالسادة الخطباء موجودون. وإذ يستطيعون أن يكونوا متحدِّثين بإسلام هو الإسلام الذي فيه كل شيء، ويُؤسلموا أنفسهم ويجعلوا المواضيع التي تقال إسلامية تنبع من قلب إسلاميّ طاهر يكونون صالحين للتحدّث بالإسلام. ومتحدّثو الحكومات الأخرى لا علاقة لهم بأن تصدُق فيما تقول من أعماق قلبك، لا علاقة لهم بالقلب، فما يعنيهم هو أن يتحدّث جيّداً، ويعرض قضايا الحكومة حسناً، ولا علاقة لهم بقلبه هل هو معتقد بما يقول، أو غير معتقد به، ولا ينقُصُ حديثه شيئاً.
أمّا الإسلام، فليس هكذا، فهو يعتني بالقلب اعتناءً كبيراً، ولا يعبأ باللسان.
القلب مركز الوعيّ الإنسانيّ. وإذا كانت الكلمات التي تقولونها إسلامية لكنها- لا سمح الله- لا تنبع من القلب، فقائلها لا جدارة له أن يتحدّث بالإسلام ولو كان جيّد الحديث جداً. وإذا نبعت من قلب إسلاميّ، أي: القلب المعتقد بالإسلام المؤمن بأنّ الإسلام كل شيء، وأنه الدين الوحيد والأديان الإلهية- وكلّها إسلام أيضا- تستطيع أن تربّي الإنسان بكل أبعاده، وتقيم النظام بكل أبعاده وتوصل الناس إلى حيث مقام الإنسانية، إذا خطب الخطيب، ووعظ الواعظ، وعمل الشيخ بمثل هذا الاعتقاد وهذا الإيمان، وخرج البيان والوعظ والعمل من مثل هذا القلب، فعالم الدين عالم بمعنى الكلمة، والخطيب إسلاميّ، وذو المنبر متحدّث إسلاميّ، والشيوخ أيضا متحدّثون إسلاميّون.
القلب الإنساني مبدأ الكمال
كلّ شيء يبدأ من القلب، من قلب الإنسان تبدأ الأشياء كلّها، لا من هذا القلب الحيواني، بل من القلب الإنسانيّ، فإذا كان مثل هذا القلب نبع نور وهداية، استضاء بنوره اللسان، واستضاءتْ به العين وكل جوارح الإنسان التابعة للقلب، ومتى صار القلب إلهيّاً صار كلّ الإنسان إلهيّاً، أي أنه حين يتكلّم يكون كلامه إلهيّاً، وحين يستمع يكون استماعه إلاهيّاً، وإذا سار كان سيره إلهيّا، وذاك ما جاء به الأنبياء لتربية الناس عليه. وهذا الإنسان الذي هو حيوان لا يتميَّز من بقية الحيوانات، أو أسوأ منها، وأرادوا أن يُخرجوا هذا الإنسان من مستنقع الفساد ليكون إنساناً إلهيّاً تضيئه المعرفة بالله من قِمَّةِ رأسه إلى أخمص قدمه، فيكون التوحيد، فما من حركة إلّا إلهيّة: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ 1. وليس معنى الآية أن الله رمى السهم. اليد يد الله، لم تكن فيك النفسانية، حتّى إذا رميتَ كان الرميُ رَميَك. كنتَ أنت إلاهيّا، موجوداً إلهياً، والموجود الإلهيّ كلّه إلهيّ، رميُهُ رمْيُ الله، وعينه عينُ الله، كلّه الله.
واجب العلماء الخطير
يجب أن نسعى نحن المعمّمين، نحن الذين دعونا أنفسنا علماء الإسلام سواء أهل المنبر وأهل المحراب ومن عداهم من الطبقات الأخرى، فهذا الدلّال نجعله إسلاميّاً. نحن الذين أعطانا الله هذه القدرة وكانت عطيّة الله لا غير، من أجل نصف الاهتمام هذا الذي انصبّ على الإسلام، وهتف الجميع: نريد الإسلام. وأزلنا مثل تلك القوى، أزلتموها، وشاركت الطبقات كلّها في هذا: النساء والرجال والأطفال. الجميع: الشيخ، والجامعي، الكلّ. والآن إذ أزلنا هذه القدرات وها نحن أولاء ندّعي أنّ نظامنا إسلاميّ وجمهورية إسلامية يجب ألّا نكتفي بهذا، وهو رفع لفظ ووضع لفظ آخر مكانه، أو طيّ نظام منقرض ونشر نظام آخر مكانه. يجب أن نلتفت جميعاً لهذا المعنى، وهو أن نجعل هذا المحيط الروحانيّ الذي ساحة عمله قلوب الناس رَبّانيَّاً، فهؤلاء الذين يدعون الناس وعملهم بقلوبهم، أنتم الذين تعاملون أرواح الناس يجب أن تسعوا أن تصلحوا أنفسكم وقلوبكم، وتجعلوها إلهية، حتى إذا اعتليتم المنبر يكون مثل منابر- هذا عسير طبعا- شيعة صاحب المنبر الحقيقي الذي هو حضرة أمير المؤمنين- سلام الله عليه- الذي كان كل قوله ينبع من قلب إلهي" ضربة عليٍّ يومَ الخندقِ أفضَلُ مِنْ عِبادة الثَّقَلَيْن" 2 وليست هذه لأنّ كلّ الكفر نازلَ كلَّ الإسلام كانت هذه الفضيلة. فلو فرضنا أنّ أحداً غير أمير المؤمنين ضرب هذه الضربة، وأنزل هذه الهزيمة لما كانت لها هذه الفضيلة التي هي أسمى من صلاة الأنبياء. كانت هذه الضربة قد نبعت من روح أمير المؤمنين، وكانت فضيلة الأيام التي ضرب فيها أسمى من كلّ الأيام، لأنّ قلبَه كان قلباً إلهياً لم يَجِدْ غير الله إليه سبيلا. فالضربة التي تنبع من هذا القلب والتصميم الذي يُشرق منه قيمته أفضل من كلّ ما في هذا العالم على ما تفضّل الرسول- صلّى الله عليه وآله- وهذا المقام غير ميسور لنا ولمن هم أسمى منا طبعاً، لكن علينا أن نجتهد في نطاق الميسور، فإذا لم نبلغ الغاية، فلا ضير علينا، وإذا لم نستطع أن نكون أمير المؤمنين سلام الله عليه ألا نكون شيعتَه؟ لا، فهو نفسُه تفضّل:" ألا وإنّكم لا تَقْدرونَ على ذلك، ولكنْ أعينوني بِوَرَع واجتهاد، وعفَّةٍ وسداد" 3.
علماء الدين متحدِّثو الإسلام
يجب أن تكونوا متحدِّثي الإسلام، هذا هو شغلكم، وإذا كان هذا الشغل واقعياً، كان أسمى الأشغال، لأنّ مقاصد الإسلام تدوم بألسنتكم، كلّ مقاصد الإسلام، ومسؤوليته أعظم من كل شيء. ولو- لا سمح الله- كان لسان أحد من يدّعون أنّهم أهل المنبر أو المحراب، أو يعتلي المنبر أو يذهب إلى المحراب على خلاف الإسلام حيناً ما. هو غير إنسانٍ معتادٍ يُخالف داخل دكّانه يحتكر. هذا خطر، خطر على الدِّين. أنتم متحدِّثو الإسلام، وإذا قال متحدّث الإسلام شيئاً مخالفاً لبرنامج الإسلام ومقاصده فمسؤوليته غير مسؤولية إنسان معتاد يقول شيئاً. أو ألّا تدّعوا هذا الادّعاء ولا تقبلوا هذا الشغل. أو إذا قبلتم وادّعيتم فيجب أن تثبتوا عليهما وهذا يشمل الجميع هذا اللباس الذي هو الآن شعار هو لباس الإسلام وشعاره، أي: لباس علماء الدين الذي لبسناه يجب أن نلتزم بما يقتضيه. وأن نتوخى حفظ شؤون هذا اللباس الذي نسمِّيه لباس الإسلام. فإننا إذا لم نحفظها- لا سمح الله- فهو لباس مغتصب، ونحن متنكّرون به حينذاك. اللباس الذي يلبسه أحد إسلاميّ غَصبناهُ إيّاهُ، وعلينا أن نفكّر في هذا الأمر، فأول شروط كون الإنسان عالم دين سواء في طبقة الشيوخ من أهل المنبر والخطباء المشغولين بالشؤون الروحانية وتطهير الروح وأولئك الذين هم أهل محراب ودرس وفتوى ونحوها. هذه قضية ثقيلة على الجميع وذات مشكلاتٍ تقلّ وتكثر. افرضوا أن أحداً خالف، فإنّ خلافَه يجرّ بلاداً إلى الاعوجاج والعياذ بالله، فحيناً تجد أحداً في مدينة، وآخر في قرية، وغيره في مسجد، وبينهم فرق طبعاً، لكن الجميع مسؤولون، ولابدّ لهم كلّهم من الخروج من هذه المسؤولية بسلام، فالنظام الآن إسلاميّ في نظر الناس. فليس نظامنا اليوم ملكيّاً، وإنّما هو جمهورية إسلامية، غير أنّ القدر المتحقّق منه هو أننا قد صوَّتنا لقضية، والدنيا عَرَفت إيران بها، وهي الجمهورية الإسلامية. ومحتوى هذه الجمهورية بعضه مرتبط بالحكومة والأجهزة الحكومية، وهي ليست محلّ حديثنا الآن. وقسمه المهم مرتبط بهذا الأصل، أصل علماء الدين الذي يجب أن نعمل ليكون إسلامياً. ونستطيع أن نقول: إننا أصبحنا في الجمهورية الإسلامية، فنحن الآن أحرار غير مقموعين. والقضايا الإسلامية على النحو الذي يجب أن نقول ونعمل لم نكن نستطيع وما كنا أحراراً أن نتناولها، لا منبر حرّ، ولا محراب حرّ، ونحن الساعة أحرار، لكن لا تلك الحريّة التي نقول فيها ما نشتهي، ونعمل ما يروق لنا، لا. وإنما أحرار أن نعمل بالإسلام، ونعرض مقاصده، أحرار أن نفصّل غاياته.
والأعين مشدودة الآن لهذه البلاد، ولعلّها مشدودة أكثر لهذه الفئة الواقعة في المحلّ الأعلى في الإسلام، فهم متحدثوا الإسلام والمرَبّون الذين يريدون أن يهذّبوا، والمتابع يسأل: ماذا يفعلون؟ هل الوضع هو الأول، واللفظ تغيّر، أو لا؟ هم الآن مقبلون على تغيير الوضع، فقد بدّلوا المحتوى وتبدّل هو. وهكذا حكومتهم ونظامهم تبدَّلًا من الطاغوتيّ إلى الإسلاميّ. وهذه الطبقة من الشيوخ التي تعم مراجع الإسلام وعلماءَه وخطباءَه الذين هم التعبير عن الإسلام، فكل من في هذا المدار واقع في الأنظار، وكلّها تقول: ماذا يفعل هؤلاء؟ وما حالهم الآن؟ أتغيّرت معنوياتهم؟ أظهر هذا في أعمالهم؟ أو أنّ أعمالهم هي تلك الأعمال وروحيتهم هي تلك الروحية سوى أنّهم رفعوا لفظاً، ووضعوا آخر مكانه؟ وفي الحكومة هكذا، وفي الوزارات والإدارات الحكومية أيضا، وكذا في الجيش وسائر المرافق.
هجوم الأعداء على الإسلام متذرعين بأعمال العلماء
إذن عيون الأعداء مشدودة إلينا، وعيون غيرهم أيضا، وليسوا قلَّة في الداخل وهم كثرة في الخارج، وهم يرقبوننا ليؤاخذونا بشيء ما يحسبونه علينا، ويعظّمونه ليتسع جاعلين الواحد آلافاً، ويرمزون إليه في المجلات والصحف هنا، ويكنّون عنه بينما يصرّحون به في الخارج، ويحملون علينا، لكنّ حملتهم لا عليَّ ولا عليكم، وإنما على الدّين، فهم يتخذون أعمالنا ذريعة، لينالوا من ديننا. فأنتم حماته، ومتى أخذوا عليكم شيئاً قالوا: هذه المآخذ على الدّين، لأن جميع الطبقات مشغولون بالمادّة وإذا كان لهم شغل بالإسلام، فبهذا الجانب الطبيعيّ منه، في حين أنّ ادعاءنا نحن وأنتم هو أنّ شغلنا بأرواح الناس. نحن نريد أن نربيّ روح الإنسان، مثلما أنّ شغلنا بمعنويات الإسلام وواقعياته. وإذا شاهدوا منا شيئاً في المحراب أو المسند أو المنبر، قالوا: هذا المنبريّ كذّاب، أو الشيوخ هكذا، أو أهل المنبر وخطباء الإسلام هذا وضعهم، ثم يجرّونه إلى الإسلام- وهذا هو الأصل- فيقولون: هذا النظام هو ذاك النظام، إلّا أنّهم غيَّروا اسمه، ذهب قوم، وجاء قوم، وَلَّى ظالم وحلّ محلّه آخر، غبر منحرفون، وحضر منحرفون، هذه الأشياء التي أعدُّوها لنا.
مسؤولية علماء الدين الاجتماعية
ليست مسؤوليتنا مسؤولية شخصيّة فأكون مكلّفاً أن أحفظ ماء وجهي. هذا واجب الجميع، كلّ منا مكلّف أن يحفظ عزته وكرامته، وليس مختاراً أن يريق ماء وجهه. وليست القضية أنه إذا جرحت كرامتي أو كرامتكم يبقى الجرح في حدود كرامة ذاك الإنسان، وإنّما هي أنّه بعملنا يُدفنُ ديننا، أي: أنّ علينا نحن الذين نلنا الجمهورية الإسلامية، وعلت أصواتنا بأننا لا نريد الظلم، نريد العدل علينا أن نقيم العدل، ونقوِّم الاعوجاج، وألّا يصدر عنا- لا سمح الله- ما يخالف مجرى العدالة، انحراف. إذا حصل هذا هُزمت الجمهورية الإسلامية.
إذا هزمت الجمهورية الإسلامية، دُفن الإسلام، ولا تحسبوا بعد أنكم تستطيعون إنجازه ثانية. ومثل هذه المسؤولية مسؤولية عظيمة هي مسؤولية الأنبياء والأولياء الذين بذل جميعهم دماءهم لحفظ هذا. ووهب الجميع دماءهم سواء الأنبياء السابقون أو النبيّ الأكرم الذي تعلمون تاريخه، فقد قدّم كلّ شيء لحفظ هذا الدّين، ولئلّا ينتابه اعوجاج في وقت من الأوقات. فسيد الشهداء- سلام الله عليه- حين ثار، إنما ثار لئلا يخفي معاوية وابنه الإسلام. فقد كان كلاهما إمام جماعة وجمعة وخطيباً وشارب خمر وكل شيء، وبهذا كاد الدّين يذهب. وحين يقول أحد: أنا رضا خان بهلوي، مهما فعل لا يضرّ الدّين شيئاً، لأن الناس يقولون عليه كذا وكذا. وحين يقول آخر: أنا خليفة رسول الله، ويخطب الناس، ويؤمّهم، ومع ادّعائه خلافة الرسول يرتكب الانحرافات، يفعل تلك الأغلاط، فضرره فادح، لأنّ أغلاطه غير أغلاط محمد رضا ورضا خان.
خصائص مدرسة سيِّد الشهداء عليه السلام
ليست أخطاء يزيد أنه قتل سيّد الشهداء، فهذا من صغائره، ومن كبائره أنه أخفى الإسلام، وسيّد الشهداء أغاث الإسلام وأنقذه. ومجالس عزائه هي لحفظ مدرسته، ومن يقولون: لا تقرأوا نعي الحسين لا يفهمون أصلًا ما كانت مدرسة سيّد الشهداء، ولا يفقهون ما تعني. لا يعلمون أنّ هذا البكاء والحزن حفظا هذه المدرسة. فهذه المنابر والمآتم واللطم حفظتنا، حتّى جلبت الإسلام. وهذه العدّة من الشبّان الذين ليسوا سيِّئي النيَّة الذين يرون الواجب أن نتحدّث بلغة اليوم، وكلام سيّد الشهداء هو كلام اليوم وهو دائماً كلام اليوم، وسيّد الشهداء هو من جاء بكلام اليوم أبداً، ووضعه بأيدينا وهذا البكاء هو الذي حفظ سيّد الشهداء ومدرسته. هذه المصائب واللوعات والآهات واللطم والصفوف هي التي حفظتنا. ولو جلس العالم الزاهد لنفسه داخل حجرة في بيت يتلو زيارة عاشوراء، ويسبِّح لما بقي لنا شيء، فالحياة تريد الحركة.
أساليب حفظ الإسلام
كل مدرسة تحتاج إلى ضجَّة ترتفع من أجله، كلّ مدرسة تحتاج إلى لطم الصدور فإذا لم يعلُ فيها النوح ولطم الصدور لا تحفظ. هؤلاء واهمون، هؤلاء صغار لا يعلمون ما مهمّة العلماء والخطباء في الإسلام، أنتم أنفسكم ربّما لا تعلمونها. هذه المهّمة هي التي حفظت الإسلام سالماً دائما، حفظت تلك الزهرة التي يسقونها حيَّة دائما. هذا النشيج هو الذي حفظ مدرسة سيد الشهداء حيّة. ذِكْر هذه المصائب حفظ مدرسة سيّد الشهداء حيَّة. علينا أن نرفع علماً لكل شهيد نفقده، وننوح عليه ونبكيه ونصرخ. الآخرون يفعلون ما نفعل، فحين يُقتل أحدهم يصرخون، فحين يقتل أحد مِن حِزب يجتمعون ويهتفون. هذا لقاء وهتاف لإحياء مدرسة سيّد الشهداء، وهؤلاء غير منتبهين، وما لهم التفات لهذه الأمور.
هذه المناحات هي التي حفظت هذه المدرسة إلى الآن، ومجالس العزاء هذه هي التي حفظتنا أحياءً، وقدّمت هذه الثورة إلى الأمام، ولولا سيّد الشهداء، لما تقدّمت هذه الثورة، وسيّد الشهداء في كل مكان: فكلّ أرض كربلاء، وكلّ منبر محضر سيّد الشهداء، وكل محراب منه.
ولولا سيّد الشهداء، لأنسى يزيد وأبوه وسلالتهما الإسلام. ولو لَمْ يُنسُوهُ، لأظهروه نظاماً طاغوتيّا. معاوية ويزيد كانا يعرّفان النظام الإسلاميّ بأنه نظام طاغوتي. ولولا سيّد الشهداء لكانا يقوّيان هذا النظام المستبدّ، ويعودان بالناس إلى الجاهلية، ولكنا أنا وأنت مسلمين طاغوتيين لا مسلمين حسينيين. الحسين أنقذ الإسلام فهل نسكتُ عن إنسانٍ اختارَ الشهادة واستشهِد إنقاذاً للإسلام؟ علينا أن نبكيَه كلّ يوم. علينا أن نرتقي المنبر كلّ يوم حفظاً لهذه المدرسة واستدامة لهذه الثورات المرهونة بذكر الإمام الحسين- سلام الله عليه- هؤلاء صغار لا يفهمون وليسوا سيئي النيّة. بلى، ممكن أن يكون لبعضهم سوء نيّة، وبعضهم يعملون على وفق خُطّة مثلما كان في عهد رضا خان غير أنه عمل على قِلَّةِ فهم ثمّ سار على بصيرة في الظلم، فمنع ارتقاء المنابر، وأخذ السبيل على المحاريب أخذاً ما، وما كان لنا مجلس عزاء، ففي كلّ قم في ذاك الزمان لم يكن على ما كانوا يقولون غير مجلس صدوقي الذي كان ينتهي قبل أذان الصبح أو قبل الشروق، كان يجري ليلًا. وكان ذلك لغاية لا من باب الصدف أنْ منع رضا خان المحاريب، وجعل علماء الدين يغيرون زيّهم بشكل واحد. لقد كانت خطّة يضربون بها هذه القوّة قوّة المحراب والمنبر التي تستطيع دفع الشعب دُفعة صوب مثل هذه الملكيّة، ليمحوها، ولا يبقي لها من أثر، فسلبونا هذه القوّة.
تأثير المجالس الحسينيَّة
لا تعلم هذه الجهات السياسية الخدمة العظيمة التي أسداها هذا المنبر والمحراب لهذه البلاد. هؤلاء الوطنيّون- ولا يعنينا أيذكرون الله، أم لا- إذا كانوا وطنيين ويحبّون وطنهم وشعبهم على ما يقولون، فعليهم أن يلتفتوا لمجالس العزاء هذه، فهي التي حفظت عليكم شعبكم، هذه النياحة والمصيبة والبكاء هي التي صانت بلادكم، بلى، كما أنّ طائفة من الشعب سارتْ على هذه الخطّة التي رُسمت لسلب الإسلام قدرته وسلب عالم الدين والخطيب قدرتهما، لينفتح الطريق لأولئك، ليستغلّونا، واستغلّونا. هذه الطائفة ناس لا نستطيع محادثتهم. أمّا سائر الشعب هؤلاء الذين يرتادون المساجد، فيسمعون للمنبر ويذهبون إلى مجالس العزاء، وينصرفون عنها، فلأنهم غير ملتفتين إليها، ولا عارفين ما هو هذا الذي حفظ هذا المحراب وهذا المنبر. فلولا هذا العزاء، لما كان هذا المنبر، ولا هذه المطالب، هو حفظها. فعلينا أن نبكي شهداءَنا، ونهتِف بأسمائهم، ونوقظ الناس.
الغاية إنقاذ الدين
طبعاً يجب علينا جميعاً أن نفهم الناس أن القضية ليست أن نطلب الثواب، وإنما أن نتقدم، فسيد الشهداء إذ قُتل لم يذهب ليثاب، لأن الثواب لم يكن مهماً جداً لديه، فقد ذهب لينقذ الدين ويقدم الاسلام ويحييه. وأنتم إذ تنوحون الآن وتتكلمون وتخطبون وتنعون تستبكون الناس فيبكون وكل ذلك ابتغاء هذه الغاية، وهي أننا نريد أن نحفظ الإسلام بهذه الاستثارة والاستنهاض والبكاء والواح والإنشاد والبيان. نحن نتوخى أن نحفظ الإسلام مثلما حفظ حتى الآن. ويجب أن تقال هذه الفكرة للناس وتذكر، وهي أنّ مجالس العزاء ليست ليقول أحد شيئاً، ويبكي الآخر. فالقضية هي حفظ الإسلام بالبكاء وقد حفظ، حتى التباكي يثاب به. حسناً، لماذا الثواب بالتباكي؟ لأن التباكي يساعد هذا الدين، فأولئك يرون بعداً من القضية وهذا خطأ ولا يرون بعداً آخر، وما نأسف عليه هو أنّ الإسلام مبتلى دائماً برؤية بعد واحد منه.
وهذا ما ورد في الرواية من أن الإسلام غريب، كان غريباً منذ البدء، وهو الآن غريب، وهو غريب لأنهم لم يعرفوه، فهو في مجتمع لا يعرف، وما عرف الإسلام في وقت ما قط تلك المعرفة التي تجب.
أليس بيننا من أخذوا أمراً، وتركوا الآخر، أو خالفوه.
مدقة النظر لبعد واحد من الإسلام والقرآن
كنا مبتلين بالمتصوفة مدة طويلة، كان الإسلام مبتلى بالمتصوفة. فأولئك خدموه خدمة طيبة، إلّا أنهم كانوا يردّون كل شيء الى الجهة الأخرى، فكل آية ترد بين أيديهم تذهب الى ذاك الطرف كتفسير "عبدالرزاق"4 العالم الفاضل الذي ردّ القرآن لذاك الطرف كأنّه لا علاقة له بهذه الأعمال. وابتلينا مدة بمجموعة أخرى ترفض جميع المعنويات كلها، ولا تأخذ بها أصلًا كأن الإسلام جاء لأخذ الدنيا، والإسلام طريقته كطريقة هتلر، فقد جاء لضمّ الدنيا وفتح البلدان، والاسلام ايضاً أطل ليفتح البلدان. أعني أنهم يربطون كل ما له صلة بالحياة والطبيعة وكل ما هو معنوي بذاك الطرف. ومن التفاسير والناس من يردّون كل شيء للماء والتراب إظهاراً للفضيلة، ويضحون به فداء للحيوانية. بينما جعله المتصوفة فداء للإنسانية. وهذا هو نفسه، لكنّ هؤلاء غافلون عنه. الإسلام فيه كل شيء، وقد جاء ليصنع الإنسان، والإنسان كل شيء، كلّ العالم إنسان. ومربّي الإنسان يجب أن يكون عارفاً بكل العالم قادراً على أن يعرّف الإنسان جميع الدرجات، ليستطيع الارتقاء في مدارج الكمال، وذلك بأن يعرف الإسلام بكل جهادية.
العالم الحقيقي بالإسلام
يجيء أحدهم، فيحقق في أربع معارك اسلامية، ويصير عالماً بالإسلام! حسناً، قل: أنا ملم بحروب الإسلام أعرف هذه الورقة منه، ليس من حق الفقيه أن يقول: أنا أعرف الإسلام، وإنما له أن يقول: أنا أعرف الفقه وأنا أهله. أولئك الذين يعرفون خيراً من غيرهم هم الذين يحيطون بفقه الإسلام. ولا يحق للفيلسوف أن يقول: أنا عارف بالإسلام، وله أن يقول: أنا أدرك قسماً من معقولات الإسلام. ومن درس الحكومة الإسلامية واطّلع على وضعها لا يحق له أن يدّعي أنه عارف بالإسلام وملم به، لك أن تقول: أنا أعرف الحكومة الاسلامية. معرفة الإسلام لا يحق لأحد أن يدّعيها إلّا من أحاط بكل ما في الإسلام من معنويات وماديات. كان علي بن أبي طالب عارفاً بالإسلام في عمله إذ كان معجزاً فيه إذ كان هو نفسه معجزة، ولذا ترون الفقهاء يعدّونه منهم، والخطباء يعدّونه عنهم، وهكذا يراه الأبطال، ومثلهم الأقوياء وكلهم يقتدون به، وكذا أنتم. لقد كان مخلوقاً عجيباً يراه الجميع منهم، لقد كان من الجميع، وليس منهم، فكل منهم كان ينظر الى عليّ من جانب، ومن أجاد النظر إليه من هذه الجهة رآه منه وما رآه من جهته الأخرى التي يراه آخرون منها، من باب أنه ما كان ذا بعد واحد، وإنما كان له كل الأبعاد، فمن هذا الذي هو كل شيء؟
عدم تحقق الهدف الأساسي
استطال الكلام الآن، وضاق الكرام، لكن علينا أن نقول: ماذا نفعل؟ نحن الآن مبتلون ابتلاءات كثيرة. ومعاناتنا الآن أكثر من معاناتنا قبل الانتصار، فالحال قبله أنّ قوتين تقابلتا إحداهما بلا شيء، والأخرى بكل شيء، أي: قوة الإيمان، وقوى الشيطان الكثيرة، وكانت منازلة ومقاتلة، وما كان سوى هاتين. وذهب الجميع من هذا الطريق، من كان خطه كان يسير، ومن لم تكن له خطّة انجر اليهم، وإذ سلك المجتمع السبيل انجرّ من لا يريد إليه مضطراً. ولو هتفتم الآن، لاضطررنا ان نهتف معكم، هذا هو وضع المجتمع والاجتماع، انجذب الكل الى ناحية واحدة اندفع الجميع وغايتهم ان يحطموا السدّ- والحمد لله- حطموه ومضوا. كان الابتلاء في ذلك الوقت واحداً فقط، وهو أن نندفع لهدم السدّ، فصاح جميعنا الله أكبر، حتى الأطفال الصغار الذين ما كانوا يعلمون ما يقولون تعلّموا من آبائهم أن يكبّروا، ومن كانوا منهم على أكتاف آبائهم تعلّموا بالاتباع. وليس الوضع الآن كذلك، فقد بقيت الآن غايتنا الأساسية، التي لم تتحقق، وقد تعددت الاتجاهات والابتلاءات، وما كان الحديث في ذاك العهد بما يجري في الحدود، ما كان شيء من هذا، وما كان فيه ماذا تفعل المصانع والعمال والعلماء وأنتم؟ فكل الطبقات وضعت يداً بيد وهتفت: نريد الإسلام. هذا ما هتفنا به هو الإسلام. ومع أن قلوبنا لم تع الإسلام حينئذ كان إظهار حبنا للاسلام وتمسكنا به والاتجاه اليه هو الذي يضركم.
وحدة الأعداء المهزومين
تتآمر ضدنا اليوم فئات شتى، وما نأسف عليه أننا قبلًا مجتمعون مؤتلفون، واليوم نبيد من داخلنا. أولئك الذين هُزموا ينمون الآن من الأعماق، اولئك اليوم لقد كتبوا في الأيام الأخيرة وكل يوم يذيع من هذا الكلام من أنّ الجماعة الفلانية اتحدت في المكان الفلاني وتوحّدت وائتلفت، واقبلت على العمل في الأيام القليلة الماضية، ولو لفظاً، لكنه اشتغال، هؤلاء لا يتمكّنون إلّا أنهم يعملون، وإذا لم يقع سعي لصدهم يتمكنون يوماً ما. والفرق بين اليوم والأمس هو أننا كنا منسجمين معاً، وكنتم تنجزون الأعمال وانجزتموها، وهذا الانسجام يتضاءل الآن، ويبيد من داخله. أولئك فقدوا انسجامهم في ذلك الوقت، وهزموا وأعرض الجيش والدرك والشرطة والاداترات والعمال والموظّفون كلهم أعرضوا عنه، وتبدد ذاك الانسجام السائد في ذلك الزمان، وتفككت قواهم. فكان انسجام في هذا الطرف، وانفصام في ذاك. والآن عكس. وها هي ذي ايدٍ تتآمر لتفكك تلك الطبقات التي التحمت، وتجتهد هي لتنسجم. وبينما يتآلف أولئك نتدابر نحن. وعاقبة الأمر أنّ عدونا يقوى، ونحن نضعف، وتزداد أواصرهم، وتقلّ أواصرنا، والنتيجة هي الهزيمة التي لا محيص عنها. فذاك الرزم الذي انتصرنا به قد حازه أولئك، وصار نصيبنا ما سبب هزيمتهم.
أحابيل النظام الملكي لبذر التفرقة
منذ السابق كانت تحدث الأمور قبل شهر رمضان وقبل المحرم عند جني الثمار من الاسلام في ذاك النظام السابق إذا التفتم لهذه القضايا الواقعة، انظروا أيّ وقت حدثت، فقد جرت قصة كتاب الشهيد الخالد 5. فهذا المنبر، وذاك وذلك، وهذا المحراب وذلك في البلاد كلّها كانت تتحدث بأقوال هذا الكتاب، فماذا كان هذا الشهيد الذي تقدّرونه؟ لماذا؟ كانوا يعتبرون من المحرم، ويرون أنه إذا كانت هذه القوى معاً، تغلبهم، فسعوا ألّا تلتفت لمعاناتها حيناً ما لم أذاقها المر، فقدموا هذا الكتاب ونحن غافلون عن قضايا الساعة السياسية، فنزل بعضنا ببعض. فهذه قم قد انفقت وقتها في الكتاب، حتى استنفد كل شيء، والآن إذ تقترب مناسبة أخرى يقدم السيد شمس آبادي، ولعلهم هم قتلوه، ليتخذوه مقدمة لهم. وبعد برهة ايضاً طرحوا اسم شريعتي يضرب به بعضهم بعضاً، فيكفّر من جانب، ويقدّر من جانب، وكلهم هؤلاء وهؤلاء غافلون عمّن يخدعهم، كلا الجانبين، غافل. أي: المحراب والمنبر وما إليهما مما يستشكل ويقول: ها هو ذا دين الله يفتقد لله، وكان الشاب يقول كذا وكذا، وما كان هذا القول لله، وهو الذي عرّفنا الإسلام، فقد خُدعتما أنتما الطرفين، وغلب أولئك، وهم بصدد هذه الفكرة الآن، ويرفعون الصوت الآن. وواجب المنبر والمحراب الآن ألّا يتحدّثا بهذه الأمور الآن، فليس هذا وقت الحديث بها، وإنما هو وقت جمع قواكم ودعوة الناس لانتخاب مجلس الخبراء.
* صحيفة الإمام، ج8، ص: 384
1- الأنفال: 17.
2- بحار الأنوار، ج 39 ص 2، مستدرك الحاكم النيسابوري، ج 3، ص 32.
3- نهج البلاغة: الكتاب 45.
4- عبدالرزاق الكاشاني من العلماء المتصوفة في القرن الثامن الهجري.
5- كتاب حول حياة الإمام الحسين لمؤلفه نعمة الله صالحي نجف آبادي.