حقيقة الشفاعة وأقسامها
بحوث ومعتقدات
للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع، خلاف الوتر، تقول كان فردا فشفّعته. فإذا كان مقوم الشفاعة،انضمام شيء إلى شيء في مقام التأثير، فهي تنقسم الى الأقسام التالية:شفاعة تكوينية،شفاعة قيادية، وشفاعة مصطلحة بين الناس.
عدد الزوار: 161
للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع، خلاف الوتر، تقول كان فرداً فشفّعته1.
فإذا كان مقوم الشفاعة، انضمام شيء إلى شيء في مقام التأثير، فهي تنقسم الى الأقسام التالية:
شفاعة تكوينية، شفاعة قيادية، وشفاعة مصطلحة بين الناس.
1- الشفاعة التكوينية
إن المظاهر الكونية، بحكم أنّها ممكنة الوجود، غير مستقلة في ذاتها، ولكنها مع ذلك قائمة على أساس علل ومعاليل سائدة فيها.
وعلى ضوء ذلك فتأثير كل ظاهرة كونية في أثرها، ومعلولها، بإذنه سبحانه، ولا يتحقق إلا مقترناً به، ولأجل ذلك سمّى سبحانه السبب الكوني، شفيعاً، لأنّ تأثيره مشروط بأن يكون إذنه سبحانه منضماً إليه، فيؤثران معاً.
يقوله سبحانه:﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيع إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(يونس:3) والمراد من الشفيع هو الأسباب والعلل المادية الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحققها. وإنما سميت العلة شفيعاً، لأجل أنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه، فهي مشفوعة إلى إذنه، حتى تؤثر وتعطي ما تعطي .
فالآية خارجة عن الشفاعة المصطلحة بين علماء الكلام، والقرائن الموجودة في نفس الآية تصدّنا عن حملها إلا على هذا القسم من الشفاعة، وقد عرفت أنّ الشفاعة خلاف الوتر، وأنّه يصحّ في صدقها، انضمام شيء إلى شيء.
2- الشفاعة القيادية
والمراد من هذا الصنف هو قيام الأنبياء والأولياء والأئمة والعلماء، والكتب السماوية مقام الشفيع، والشفاعة للبشر لتخليصهم من عواقب أعمالهم وسيئات أفعالهم.
والفرق بين هذه الشفاعة والشفاعة المصطلحة أنّ الثانية توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له، وهذه توجب أن لا يقع العبد في عداد العصاة، حتى يستحق العقاب. فالأُولى من قبيل الرفع، والثانية من قبيل الدفع. وعلى ذلك فقيادة الأنبياء والأئمة،تقوم مقام الشفيع والشفاعة في تجنيب العبد من الوقوع في المعاصي والمهالك.
فالشفاعة بهذا المعنى، مثلها مثل الوقاية في الطبابة، كما أنّ الشفاعة المصطلحة مثلها مثل المداواة بعد إصابة المرض.
وليس إطلاق الشفاعة بهذا المعنى إطلاقاً مجازياً، كيف وقد شهد بذلك القرآن والأخبار.
قال سبحانه:﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(الأنعام:51).
والضميرالمجرور في ﴿به﴾ يرجع إلى القرآن، ومن المعلوم أنّ ظرف شفاعة القرآن، هو الحياة الدنيوية. فإن هدايته تتحقق فيها، وإن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأُخروية، فمن عمل بالقرآن قاده إلى الجنة.
يقول صلى الله عليه آله: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع"2.
فالشفاعة هنا بنفس معناها اللغوي، وذلك أن المكلّف يضم هداية القرآن وتوجيهات الأنبياء والأئمة،إلى إرادته وسعيه، فيفوز بالسعادة الأُخروية.
وهذا غير الشفاعة المصطلحة فإنّ ظرفها هو الحياة الأُخروية، فبين الشفاعتين بون بعيد.
3- الشفاعة المصطلحة
حقيقة هذه الشفاعة لا تعني إلا أن تصل رحمته سبحانه ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق أوليائه وصفوة عباده، وليس هذا بأمر غريب فكما أنّ الهداية الإلهية التّي هي من فيوضه سبحانه،تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه وكتبه، فهكذا تصل مغفرته سبحانه: إلى المذنبين والعصاة من عباده، يوم القيامة، عن ذلك الطريق ولا بُعْد في أن يصل غفرانه سبحانه إلى عباده يوم القيامة عن طريق عباده، فإنه سبحانه قد جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سبباً لذلك وقال:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيًما﴾(النساء: 64 ولاحظ يوسف:97-98، التوبة:103).
وتتضح هذه الحقيقة إذا وقفنا على أنّ الدعاء بقول مطلق، وبخاصة دعاء الصالحين، من المؤثرات الواقعة في سلسلة نظام العلة والمعلول، ولا تنحصر العلة في المحسوس منها، فإن في الكون مؤثرات خارجة عن إحساسنا وحواسنا، بل قد تكون بعيدة عن تفكيرنا، وإليه يشير قوله سبحانه:﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾(النازعات:5).
وبالإمعان فيما ذكرنا من وقوع الدعاء في سلسلة العلل، تقدرعلى إرجاع الشفاعة المصطلحة إلى قسم من الشفاعة التكوينية بمعنى تأثير دعاء النبي في جلب المغفرة.
*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص342-345
1- المقاييس،ج 3،ص 201.
2- الكافي، ج 2 ص 238.