الشفاعة في القرآن والسنة
بحوث ومعتقدات
الشفاعة في الآخرة بصيص من الرجاء ونافذة من الامل فتحتها الشريعة الاسلامية في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله ورحمته ولا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان فالسبب في تشريع الشفاعةهو عينه السبب في تشريع التوبة في الحياة الدنيوية.
عدد الزوار: 126
الشفاعة في الآخرة بصيص من الرجاء ونافذة من الامل فتحتها الشريعة الاسلامية في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله ورحمته ولا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان فالسبب في تشريع الشفاعة هو عينه السبب في تشريع التوبة في الحياة الدنيوية وجلاء الحقيقة في الشفاعة يتم بالبحث في الأُمور التالية:
1- تصنيف آيات الشفاعة وإرجاعها الى معنى واحد.
2- نقل نماذج مماورد من السنة عن النبي والعترة الطاهرة.
3- تبيين معنى الشفاعة وأقسامها.
4- مبررات تشريع الشفاعة.
5- شرائط شمول الشفاعة.
6- أثر الشفاعة وانه حط الذنوب لا رفع الدرجة.
7- تحليل الاشكالات المثارة حول الشفاعة وهي خمسة.
8- جواز طلب الشفاعة من الأولياء.
الأمر الأوّل: آيات الشفاعة وتصنيفها
قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى.
ولا يظهر المراد من المجموع الا بعرض بعضها على بعض وتفسير الكل بالكل والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية:
الصنف الأوّل: ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.
يقول سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(البقرة:254).
وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهان1 وسيوافيك ان المنفي قسم خاص منها لا جميع اقسامها بقرينة ان المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها، بشهادة قوله سبحانه: ﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾(الزخرف:67).
الصنف الثاني: ما يرد الشفاعة المزعومة لليهود.
يقول سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾(البقرة:48).
والآية خطاب لليهود، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم، حيث كانوا يقولون نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فصار ذلك ذريعة لارتكاب الموبقات وترك الفرائض، فآيسهم الله من ذلك.
الصنف الثالث: ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.
يقول سبحانه حاكياً عن الكفّار: ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾(المدثر:46-48).
وهذ الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع - يوم القيامة - للكفار الذين انقطعت علاقتهم بالله لكفرهم به وبرسله وكتبه كما انقطعت علاقتهم الروحية بالشفعاء الصالحين فلم يبق بينهم وبين الشفاعة أية صلة وعلاقة.
الصنف الرابع: ما ينفي صلاحية الاصنام للشفاعة.
يقول سبحانه:﴿وَمَا نَرى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾(الأنعام:94,ولاحظ يونس:18، الروم:13، الزمر:43، يس:23).
وهذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة، وذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند الله.
الصنف الخامس: ما يخصُّ الشفاعة بالله سبحانه.
يقول سبحانه:﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(الأنعام:51، ولاحظ الأنعام:7، السجدة:4، الزمر:44).
وكون الشفاعة مختصة بالله لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس .
الصنف السادس: ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.
يقول سبحانه: ﴿يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾(طه:109).
ويقول سبحانه: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾(البقرة:255، ولاحظ يونس: 3، مريم87، سبأ:23، الزخرف:86).
والجمع بين هذا الصنف وما سبقه واضح، وقد قلنا لأنّ مقتضى التوحيد في الخالقية أنه لا مؤثر في الكون الا اللّه، وأن تأثير سائر العلل انما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه.
الصنف السابع: ما يسمي مَن تقبل شفاعته.
ويتضمن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.
يقوله سبحانه: ﴿وقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾(الأنبياء:26-28. ولاحظ النجم:26، غافر:7). فصرح بأن الملائكة وحملة العرش تقبل شفاعتهم.
ويتحصل من جمع الآيات أن الشفاعة تنقسم الى شفاعة مرفوضة، كالشفاعة التّي يعتقد بها اليهود، وشفاعة الأصنام، والشفاعة في حق الكفار والى مقبولة وهي شفاعة الله سبحانه، وشفاعة من أذن له، وشفاعة الملائكة وحملة العرش، وبالاحاطة بالأصناف السبعة،تقدر على تمييز المرفوضة عن المقبولة.
وليست آيات الشفاعة مختصة بالأصناف التّي ذكرناها، فان هناك آيات تخرج عن إطارها مثل قوله سبحانه:﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودًا﴾(الاسراء:79). وقد أطبق المفسرون على أن المراد من المقام المحمود، هو مقام الشفاعة2.
الأمرالثاني: الشفاعة في السّنة.
لقد اهتم الحديث النبوي، وحديث العترة الطاهرة بأمر الشفاعة وحدودها وشرائطها وأسبابها وموانعها، اهتماماً بالغاً لا يوجد له مثيل الا في موضوعات خاصة تتمتع بالأهمية القصوى. وإذا لاخط المتتبع، الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية فانه يقف على جمهرة كبيرة من الأحاديث الواردة في الشفاعة،تدفع به الى الإذعان بأنها من الأُصول المسلّمة في الشريعة الاسلامية، ونحن نذكر النذر اليسير منها.
1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة. فتعجل كل نبى دعوته، وإني اختبأت دعوتي، شفاعة لأُمتي، وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئا"3 .
2 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أُعطيت خمساً، وأعطيت الشفاعة، فادخرتها لأُمتي، فهي لمن لا يشرك بالله"4 .
3 - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي"4 .
4 - وقال علي عليه السَّلام: "ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعون: الأنبياء ثم العلماء،ثم الشهداء"5.
5 - وقال الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السَّلام في كلام له: "اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وشرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وثقّل ميزانه وتقبّل شفاعته"6.
*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص337-341
1- لا حظ دائرة معارف القرن الرابع عشر، ص 402، مادة شفع.
2- لاحظ مجمع البيان: ج 3، ص 435.
3- صحيح مسلم،ج 1،ص 130.وصحيح البخاري: ج 8 ،ص 33، وج 9، ص 170. وغير ذلك من المصادر.
4- صحيح البخاري: ج 1، ص 42، وص 119. ومسند أحمد: ج 1، ص 301.
5- من لا يحضره الفقية للصدوق: ج 3، ص 376.
6-" الخصال"،للصدوق، ص 142.
7- الصحيفة السجادية، الدعاء الثاني والأربعون. ومن أراد التبسط فعليه الرجوع الى المصادر التالية:
كنز العمال، ج 4، ص 638 ـ 640. التاج الجامع للأُصول، ج 5، ص 348 ـ 360. بحار الأنوار، ج 8، 29 ـ 63، وقد أورد أحاديث الشفاعة في غير هذا الجزاء أيضاً.