يتم التحميل...

الموضوع: مؤامرات مثيري الفتن والمستعمرين جرائم خمسة عقود

خطاب

الحاضرون: نحو ثلاثمائة من القضاة والمشتغلين في سلك المحاماة

عدد الزوار: 152

التاريخ: 18 بهمن 1357 هـ. ش/ 9 ربيع الاول 1399 هـ. ق‏
المكان: طهران، المدرسة العلوية
الحاضرون: نحو ثلاثمائة من القضاة والمشتغلين في سلك المحاماة

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏
‏بسم الله الرحمن الرحيم

مؤامرة المستعمرين في بث الفرقة بين ابناء الشعب‏

لابد لي من الاعراب عن أسفي من جهة وعن فرحتي من جهة اخرى. ما يستوجب الأسف هو ان الفئات الاجتماعية المختلفة في ايران ابعدت عن بعضها نتيجة للجهود الاجنبية وقد حرمنا الى حد من اللقاء بهذه الوجوه الكريمة طوال المدة الماضية، إذ أصبحت كل شريحة في جانب، طلبة الجامعات في جانب وعلماء الدين في جانب آخر، العدلية في جانب وعلماء الدين في جانب آخر. وكل هذا نجم عن التدخل الاجنبي في شؤون هذه البلاد.

دراسات خبراء المستعمرين‏

لقد عكف خبرائهم ومنذ أمد بعيد على دراسة بلدان الشرق والتعرف على ثرواتها. لقد درسوا بلداننا شبرا شبراً واستطلعوا كل ما فيها من معادن وثروات. كما عكفوا على دراسة نفسياتنا وطوائفنا وما نتمسك به ليدركوا بعد ذلك بان الدين اذا بقي بين الناس واصبح الجميع تحت راية واحدة، فانهم لا يستطيعون التغلب عليه ونهب ثرواتهم. لذا سعوا الى اضعاف أثر الدين في نفوس الناس، فقالوا ان الدين هو مجموعة من الأمور التي ابتدعتها القوى الحاكمة، وقالوا الدين أفيون الشعوب! قالوا ان أصل الدين هو أفيون للمجتمع! ولم يكن هدفهم من هذا سوى تسفيه الدين في نظر الناس وفي نظر المثقفين والقضاء على حالة التمسك بالدين.

والحال ان من يطالع تأريخ الأنبياء يجد ان كافة الأنبياء انما خرجوا من بين جموع الناس وقادوا حملاتهم ضد القوة المتجبرة. لقد خرج الأنبياء من بين الجماهير، وحضرة موسى كان راعيا لا يملك غير عصاه، كان واحدا من تلك الجموع فقام بوجه فرعون وبلغت المواجهة بينهما ما بلغت. ونبينا الأكرم وتأريخه اقرب، ولابد ان الجميع يعلم بانه كان فردا عاديا من ذلك المجتمع وانه وقف منذ بدء البعثة وحتى آخر حياته بوجه المتجبرين وأصحاب رؤوس الأموال وغيرهم فجادلهم في كل شي‏ء. لقد كان الأنبياء ينتمون الى الجماهير وكان المتجبرون يخشونهم .. لم يكن الانبياء من بين الفئات المقتدرة التي تهدف الى استغفال الجماهير. ان هذا الامر واضح للغاية لكن الاعلام الاجنبي له سطوته.

مؤامرة عزل الجماهير عن علماء الدين‏

فمن جهة، لاحظوا ان الفئات الاجتماعية اذا اتحدت فيما بينها فانهم سيعجزون عن تحقيق مصالحهم، لذا قرروا بث الفرقة بين تلك الفئات الاجتماعية. واستهدفوا في البدء علماء الدين، وفي عهد رضا خان لو تذكرون، لو يذكر البعض منكم لقد تعرضت طبقة علماء الدين الى ضربة مؤلمة فلم يبقوا لنا خطيبا أو اماما للجماعة، قضوا على الجميع، لم يتركوا لنا فرصة لاقامة مجالس الخطابة وهتكوا حرمة علماء الدين في نظر الناس الى درجة ان سائقي سيارات التاكسي كانوا يرفضون نقل علماء الدين بسياراتهم وكانوا يقولون لهم لا نريد لكم ان تجلسوا في سياراتنا! فنحن لا نقوم بنقل علماء الدين. لقد اضعفوا علماء الدين.

من جهة ثانية اثاروا الاختلافات بين الأحزاب، وشحنوها بالبغضاء ضد بعضهما، واصبحت قضية بحالها.

كما فصلوا بين طلبة الجامعات (الحديثة) وبين طلبة جامعاتنا (الحوزات العلمية). فهؤلاء كانوا يبعدون اولئك عنهم بطريقة معينة، واولئك يبعدون هؤلاء عنهم بطريقة أخرى، وتفصيل الأمر يستغرق وقتا وحالا لا اتمتع به الآن.

على السادة ان يدركوا ان كل هذه الأمور كانت عوامل أدت الى تمزيق هذا الشعب الذي كان ينبغي به ان يحتفظ بوحدته تحت لواء القومية والوطنية، لقد اخرجوهم من حالة الوحدة وبثوا الفرقة والاختلاف بينهم بل اوصلوا الاختلاف الى حالة العداء.

هذا الجانب هو المؤسف في الامر، ولهذا فاننا لم نكن نلتق بكم قبل هذه الثورة ابدا وكنا نلتقي بمجاميع أخرى.

اما ما يبعث على الفرح والسرور فهو ان الثورة الاسلامية الايرانية عملت على التقليل من اثر هذه الخلافات الى درجة الغائها تماما. فالجامعة اصبحت متحدة مع طلبتنا في الجامعات الدينية، وهذا المجلس الذي يجمعنا مع السادة القضاة والمحامين لم نظفر به قبل ذلك ابدا. اننا نلتقي بكم الآن ونستعرض معكم مشاكلنا وآلامنا. فهناك الكثير مما يؤلمنا كما ان هناك ما يؤلمكم.

نصف قرن من الجرائم والخيانة

خلال خمسين عاما لم يكن لدينا شي‏ء حر، جميعكم تعلمون بأنه ومنذ أن تسلّم رضا شاه زمام الأمور وحتى هذه اللحظة الذي اجلس فيه هنا لم يكن لدينا اي شي‏ء يتمتع بالحرية عدا بعض ما حصل مؤخرا. لم تكن لدينا مطبوعات حرة، لم تكن لدينا عدلية مستقلة، لم تكن لدينا نقابة محامين مستقلة، لقد هيمنوا عليها جميعا. لم تكن لدينا جامعة يمكنها تربية شباننا بشكل صحيح ... لقد أبقوا عليها متخلفة واصبحت الثقافة السائدة ثقافة تعيد ابنائنا الى الخلف، وان تفصيل ما اقترفوه في المجال الثقافي يطول.

من جهة اقاموا مراكز للفحشاء في جميع انحاء البلاد سيما في طهران، ان مراكز الفحشاء هذه في طهران وضواحيها، كانت تستقطب شباننا للقضاء على ما لديهم من طاقات انسانية.

من جهة ثانية اوصلوا اقتصاد البلاد الى ما ترونه، واوصلوا الزراعة الى ما هي عليه الآن. جعلوها متخلفة وقضوا عليها، لقد ضاع كل شي‏ء من ايدينا الآن.

كذلك جعلوا جيشنا العوبة بيد المستشارين الامريكيين والاسرائيليين الذين كانوا يهيمنون عليه. هذه مصائب حلت بالبلاد وحلت بنا.

آمال الشعب الايراني‏

ان الشعب الايراني ينتفض اليوم صارخاً: نريد ان نكون احرارا. وهذا احد حقوق الانسان الذي يطالب به العالم بأسره. ان الشعب يقول: نريد ان نكون مستقلين، وتقرير المصير حق من الحقوق ايضا. ويقول: نريد حكومة عدل، نريد حكومة عدل اسلامي. هذا ايضا امنية كل انسان ان يكون له حاكم لا يفكر بملأ جيوبه ومغادرة البلاد بعد مدة! لاحظوا انتم كم نهب هذا المخلوق بعد 37 عاما من الحكم غير القانوني، كم نهب وكم سلب من ثرواتنا. ان المصارف الامريكية والبريطانية والسويسرية وغيرها مليئة باموال شعبنا التي سجلت باسماء هؤلاء. ونحن نأمل ان تتمكن العدلية يوما ما من الاستجابة لمطالب الشعب ومحاكمة هذا المخلوق، اذا تسنى لنا جلبه ومحاكمته، واذا لم نستطع ذلك فيمكن محاكمته غيابيا وتجميد ارصدته في المصارف الاجنبية.

المساهمة الشعبية لدعم الثورة

لكنكم ايها السادة تعلمون بانهم قد رحلوا وتركوا لنا بلداً منهاراً، بلداً مضطرباً. ضع يدك اينما شئت ستجد الفساد مستشريا. فهل تتصورون ان هذا مما يمكن اصلاحه خلال عام أو عامين أو بجهود شريحة أو شريحتين من المجتمع؟ ان ذلك غير ممكن. اننا مكلفون جميعا بدعم هذه الثورة التي انطلقت وحققت ما حققته من المكاسب حتى الآن والتي نأمل ان تتمكن من بلوغ مقصدها. ارباب القلم كتبوا وناقشوا، تحدثوا، بلغوا، طوروا هذه الثورة ودعموها، ادعموا هذه الحكومة، اعلنوا في الصحف عن كل ذلك. وبعدها وحينما تقام حكومة الحق ان شاء الله، حينها ينبغي لنا ان نبادر مع الأسف الى اعادة اعمار هذه الخربة!.

لقد دمروا هذه البلاد ورحلوا عنها بعد ان نهبوا وسلبوا، وعلينا الآن، انتم ونحن، ان نضع ايدنا بايدي بعض وان نعيد اعمار هذه البلاد من الأساس. علينا ان نعيد بناؤها كما لو كانت منطقة منكوبة بزلزال. آمل من الله تعالى ان يقرب بين هذه الفئات فلا اكون أنا سيئ الظن بكم ولا تكونون أنتم سيؤا الظن بنا، وانتم ان شاء الله لستم كذلك. وفقكم الله جميعا وأيدكم واشكر لكم زيارتكم.


* صحيفة الإمام، ج‏6، ص: 78,76

2011-04-30