الموضوع: عدم قانونية النظام الملكي _ ضرورة تربية الاطفال تربية اسلامية
خطاب
الحاضرون: المسؤولون والمعلمون والعاملون في المدرسة العلوية
عدد الزوار: 75
التاريخ: 30 بهمن 1357 هـ. ش/ 21 ربيع الاول 1399 هـ. ق
المكان: طهران، المدرسة العلوية
الحاضرون: المسؤولون والمعلمون والعاملون في المدرسة العلوية
بسم الله الرحمن الرحيم
النظام الملكي يتعارض مع حقوق الانسان
... ان كافة هذه الأمور كانت تدار بشكل جيد في ظل حكومة العدل وكانت تطبق بأسلوب ملائم. اما اذا كان قادة الحزب الحاكم فاسدين، فان هذا الفساد سيسري الى كافة الطبقات. لقد رأيتم اي فساد احدثه شخص فاسد بالبلاد خلال 38 عاما وتسلطه على الناس بشكل غير قانوني. ان أصل هذا النظام الملكي لا يتفق مع حقوق الإنسان، ذلك لانه لو فرضنا بان كافة ابناء الشعب اجتمعوا وصوتوا لصالح النظام الملكي، فان هذا الشعب وان كان يمتلك الحق باختيار النظام الذي يريده، ولكنه لا يمتلك الحق في تحديد نوع النظام للاجيال المقبلة. بمعنى ان كل مقدرات البلاد يجب ان تدار اليوم من قبل المواطنين الحاليين وللمواطنين الحق باختيار احدهم ليكون سلطانا أو رئيسا للجمهورية، او اي شيئا اخر، فهذا هو الصحيح. والناس قاموا بذلك بمحض ارادتهم، ولكن هل يحق للناس ان يحددوا الآن تكليف الاجيال اللاحقة؟ ويحددوا مصير ابنائهم أو احفادهم؟ ليس هناك مثل هذا الحق لاي انسان.
أنتم واستنادا لما تقتضيه حقوق الانسان عليكم ان تحكموا انفسكم بأنفسكم، وان يكون لكم القرار فيما يتعلق بمصيركم، ولكنكم لا يحق لكم ان تتدخلوا بمصير بلاد آخرى أو شعب آخر، لا يمكنكم اتخاذ قرار يتعلق بمصير اولئك الذين لم يأتوا الى الدنيا بعد. فلستم مخولون مثل هذا الحق.
عليه فان الملكية بمعناها التوارثي والتداولي من جيل الى جيل من الملوك والسلاطين، امر غير قانوني ويتعارض مع حقوق الانسان.
الاسرة البهلوية نظام غير قانوني
لنفترض ان رضا شاه حينما جاء الى الحكم ولنغض الطرف عن كل ما نعلم لنفترض انه حينما جاء استقبله الناس وقبلوا به. حسناً الناس قبلت برضا شاه قبل اكثر من خمسين عاما، ولكن المواطنين الآن اشخاص آخرين غير اولئك الذين كانوا آنذاك. اولئك كانوا حينها مواطنوا البلاد وكان لهم الحق باختيار حاكم لهم، ولكن انتخاب ابنه- على فرض حصوله- لم يكن حقا لآبائنا ان يفرضوه علينا نحن الذين نعيش في هذا الزمان.
عليه وعلى فرض ان مجيئ رضا شاه الى السلطة كان مرحّبا به من قبل المواطنين، فان ذلك سيجعل من وضعه وضعا قانونيا، الا انه لا ينطبق على وضع ابنه. نقول هذا والحال اننا جميعا نعلم ان مجيئ هذه الاسرة الى الحكم هو امر غير قانوني منذ بدايته، فمنذ البدء كان تشكيل المجلس التأسيسي بالقوة وتحت اسنة الحراب، ومنذ البدء كان نواب هذا المجلس منصبين تنصيبا ولم يكونوا منتخبين من قبل الناس. ولم يكن للناس اي اطلاع على تلك الأمور وحتى لو كانوا مطلعين فانهم لم يكونوا قادرين على ان ينبسوا ببنت شفة.
عليه فان اساس هذه الحكومة كان مبنيا على الظلم، وسلطتها سلطة باطلة. لقد كانت سلطتهم الباطلة تحكم بلادنا منذ البداية ورغم بطلانها فانها كانت تقوم في الوقت نفسه بممارسات خيانية واجرامية. وحينما تنظرون الى بلادكم الآن، واذا ذهبتم الى أي مكان أو دخلتم أية مؤسسة فستجدونها خربة لا غير. ثقافتكم ثقافة استعمارية، ثقافة غير سليمة، الجيش تحت هيمنة المستشارين الامريكيين وهم الذين يقومون بتدريبه وتربيته. زراعتنا قضي عليها تماما، كما قضي على صناعتنا. لقد احالوا هذه البلاد الى خربة تحت شعار" الحضارة الكبرى" وحولوها الى سوق للقوى العظمى سيما امريكا. عليه فان ما نجد من فساد في البلاد وما نراه من تدهور واضطراب بحاجة الى تعاون جماعي.
الاهتمام بالتربية والتعليم الشاملين للطلبة
من الطبيعي انكم أنتم المتصدين لادارة المدرسة العلوية وكما سمعت انا شخصيا لا اتدخل في هذه الامور ولكنني سمعت فانكم عملتم بطريقة جيدة. لقد ربيتم ابناءنا تربية صالحة، وليس هناك سوى امر واحد أود الاشارة اليه، واريد ان تأخذوه بنظر الاعتبار من الآن فصاعدا، وهو الحرص على تربية الناشئة في كل عصر بما ينسجم مع ذلك العصر.
وقد اشارت الروايات كذلك الى ان علينا تربية ابناءنا بغير ما نحن عليه 1. ذلك لان الناشئة هم الذين سيبادرون الى الاشراف على امور البلاد في المستقبل.
كذلك فانكم اذا ابعدتم الناشئة عن السياسة وعن أمثالها من تلك الأمور، فان ذلك سيعني انهم سيدخلون المجتمع كما يدخله الأعمى. ان المطلوب لمن يراد لهم ان يعيشوا في هذه البلاد والامساك بمقدراتها مستقبلا، ان يكونوا واعين ومطلعين على كافة الخدع التي قام بها الاستعمار وعلى كافة المساعي التي بذلت للابقاء على البلاد متخلفة. وان كل ذلك يجب ان يتعلمه الناشئة على ايديكم وان يسمعوه منكم. اشركوهم في المسائل المعاصرة واطلعوهم عليها، واذا حصل اي تقصير بهذا الامر لا سمح الله فانكم ستواجهون كثرة من المنحرفين يتصدون لهذه الامور تتغلب على القلة الصالحة. ان التربية والتعليم يجب ان يكونا شاملين لكافة النواحي، وبالقدر الذي تحتاجه البلاد ويحتاجه الانسان، التربية والتعليم يجب ان تتناول كافة الأبعاد.
شمولية الاسلام
اذا كنتم من المطلعين وان شاء الله انتم من المطلعين على الاسلام والقرآن فلابد انكم تعلمون بان الاسلام لا يقتصر على الامور العبادية، الاسلام ليس تعليما وتعلما عباديا وأمثال ذلك، الاسلام سياسة، لقد اقام الإسلام حكومة كبيرة حكمت بلاد مترامية الاطراف. والاسلام نظام، نظام سياسي، غاية الأمر ان سائر الأنظمة غفلت عن العديد من الأمور، غير ان الإسلام لم يغفل عن أي شيء. اي الإسلام يتكفل بتربية الإنسان في مختلف الابعاد. يمتلك الاسلام بعداً مادياً يتناول البعد السلوكي للانسان، وفيه بعد معنوي يتناول الامور المعنوية ويتحدث عنها. ولديه ما هو اكثر من ذلك، فالاسلام يضع بين يدي الإنسان المسلم حين اقدامه على الزواج تعاليماً لبناء الانسان الذي سيولد من هذه الأسرة، فهو يوجه الرجل في انتخاب المرأة، ويوجه المرأة في انتخاب الرجل ويطالب بمعرفة الوضع الاخلاقي له ومعرفة مستوى تدينه وهكذا.
ان الفلاح اذا اراد زراعة بذرة ما فان عليه ان يدرس وضع الأرض التي سيستخدمها وان يلاحظ كل الظروف التي تساهم في انبات هذه البذرة وحينما تنبت فانه يستمر برعايتها وملاحظة ما يفيدها ويقويها وما يضعفها كي يبعده عنها، ويستمر على ذلك حتى تؤتي النبتة أكلها.
النهج التربوي في الإسلام
ان الإسلام يتعامل بهذا النحو مع بني الانسان، يتعامل كما يتعامل الفلاح الذي يريد ان يزرع نبتة ما ليستفيد منها. فالاسلام وقبل ان تبدأ الزراعة يعطي تعاليمه عن الأب والأم واحوالهما، اي انه يعطي تعاليمه عن الزواج، وهو يحرص على ذلك مخافة ما ستؤول اليه عواقب الأمر اذا كان احد الأبوين فاسداً مثلا أو ان ممارساته غير انسانية، فان الطفل الذي سيولد في مثل هذه الأسرة قد يتأثر نتيجة لقوانين الوراثة التي تقوم بدورها وتؤثر عليه. لذا فانه يتصرف بدقة كما يتصرف المزارع الحريص على زراعته، فالاسلام يحرص على نوع الانسان. ومنذ البدء وحتى عقد الزواج له تعاليمه. ومن ثم وبعد حصول الزواج فان لديه من التعاليم والآداب تتناول نوع التربية التي يجب ان يقترن الزواج بها، ثم لديه العديد من الآداب بما يتعلق بالنكاح والحمل والرضاع، ثم الآداب الأخرى التي تتعلق بكيفية تربية الأم والأب للوليد. وبعد ذلك فان لديه سلسلة أخرى من الآداب في المدرسة وفي المجتمع. ان الاسلام يحرص على تربية الانسان من قبل ان يأتي الى الدنيا حتى بلوغه اعلى المراتب، وفي كل هذه المراحل لديه تعاليم وآداب.
اما سائر الانظمة في العالم وسائر الحكومات فانها لا تنظر الى اصل الانسان، وهي تنظر فقط الى استغلال هذا المجتمع مثلا لتحقيق مصالحها، وتحرص على استتباب نوع من الهدوء حتى تمارس نهبها للناس! اما اولئك البعض ممن يوصفون بانهم جيدون وعادلون فانهم لا يهتمون بهذه المسائل وانما بتصحيح الامور الاجتماعية بقدر ما فقط. اما كيف يجب ان يكون الطفل الى آخر عمره، وكيف يجب ان تكون التربية وما هو الواجب في زمن الحمل والرضاع فان هذه الامور لا تتطرق اليها تلك الانظمة ابداً.
اما الاسلام فلديه كل ما يتعلق بحياة الانسان وهو يتابع الانسان حينما يبلغ رشده فيضع له الآداب والسنن لعشرته مع اخوانه ووالديه أو لعشرة الوالدين لابنهما وعشرتهما مع الجيران وابناء البلد اخوانه في الدين، ومع الاجانب، كل ذلك موجود في الإسلام.
والإسلام حكومة احدى جنبتيها سياسة، وجنبتها الأخرى معنوية. بمعنى ان الأنسان له بعدين وله وضعين وله وجهين: احدهما البعد المادي والذي وضع الإسلام له الاحكام في مختلف جوانبه، والبعد الثاني البعد المعنوي وهو البعد غير المطروح في الانظمة الاخرى، وهو الذي يتولى الانسان بالتربية المعنوية والتهذيب حتى يبلغ مرتبة لا يعلمها الا الله. ان الاسلام يأخذ بيد الانسان ويسير به حتى يبلغ الملكوت الاعلى، اما سائر الانظمة فليست كذلك.
المؤامرة الاستعمارية في (الفصل بين الدين والسياسة)
ان قصدي من حديثي هذا هو القول بعدم وجود قضية لم يتناولها الإسلام. اما قضية فصل الدين عن السياسة فهي قضية القاها الاستعمار في اذهان الناس، وهو يسعى من خلالها الى الفصل بين مجموعتين. اي يريد فصل علماء الدين عن غيرهم، انه يسعى الى عزل السياسيين عن سائر المواطنين حتى يتمكنوا من تحقيق مقاصدهم، والا فانهم يعلمون بان هذه القوى اذا اتحدت فيما بينها فانها ستحول دون تحقيق مآربهم، لذا فانهم أكدوا على ترسيخ هذه التفرقة، اطلقوا عبارة فصل الدين عن السياسة، وقبل ذلك كانوا يقولون بان الدين أفيون! الدين أفيون الشعوب! وعلماء الدين هم علماء البلاط، ففصلوا بينهم وشككوا الناس بالدين.
الانبياء كانوا من الفئات الاجتماعية المحرومة
والحال اننا اذا نظرنا الى من جاؤوا بالاديان النبي ابراهيم" سلام الله عليه"، النبي موسى" سلام الله عليه"، النبي الرسول الاكرم" صلى الله عليه وآله"، اذا نظرنا من اية طائفة كانوا وماذا كانت اعمالهم؟ فهل جاء فرعون بموسى مثلا؟! أم انه كان راعيا للغنم ومن ثم انطلق لمواجهة فرعون؟ هل ذهب موسى ووقف بوجه فرعون واراد القضاء عليه ونزع فرعونيته منه؟ أم ان فرعون هو الذي جاء به بين يديه كي يستغفل الناس؟! ان موسى هو الذي ايقظ الناس ووعاهم وقاد حملة بهذا الوعي ضد فرعون وقام بما قام به.
رسولنا الكريم، هو الآخر كان راعيا للغنم، كان فردا من عامة الناس ومن الطبقة الاجتماعية الثالثة وقام منذ بداية بعثته ضد المتجبرين والمستبدين الذين كانوا يتمثلون آنذاك في جزيرة العرب بقريش وعدة قبائل اخرى، قام ضدهم ولم يأتوا به لاستغفال الناس كما يزعم البعض. فهو الذي ايقظ الناس ووعاهم وانطلق بهم للتصدي للمستكبرين.
وقوف الرسول الاكرم بوجه الرأسماليين
من يطلع على تاريخ الاسلام، يعلم بان الرسول حينما ذهب الى المدينة كان قد اجتمع حوله نفر من المسلمين، وكانوا مجموعة من الصلحاء التفوا حوله، كان هؤلاء من المعدمين، اجتمعوا في صفة مسجده، وهذه الصفة ليس مما ترونه اليوم، انه مكان مصنوع من الطين كانت تجتمع فيه مجموعة كبيرة منهم، كان اصحاب الرسول وانصاره ينامون في الصفة لانهم لا يملكون بيوت خاصة بهم، والرسول الأكرم نفسه كان يسكن في تلك الغرف الطينية التي بنوها بأيديهم. منزل بسيط ... غرفة من الطين.
ومع كل ذلك فان الرسول قد جمع افراد من تلك الطبقة الثالثة، جمع اولئك المستضعفين وقاد بهم الحروب ضد الرأسماليين والمتجبرين والاقطاعيين. حروبه (صلى الله عليه وآله) كانت دوما مع تلك المجموعات.
عليه فانه نوع من الاستغفال ان يقولوا بفصل الدين عن السياسة، وإلا فما هي السياسة غير قيادة بلد بشكل صحيح عقلائي يتفق مع كل الضوابط والروابط الموجودة في الإسلام؟ لقد حكم الاسلام كل آسيا تقريبا ومع ذلك فانهم يقولون لنا بان الدين لا شأن له بالسياسية! والحال ان من كانوا قيمين على امر الدين هم انفسهم كانوا يمارسون السياسة. فالامام علي كان يستعرض المسائل الشرعية والاحكام وهو ممسك بسيفه ينطلق نحو الحرب في كل حين. ورسول الله بذاته جاء بالقرآن وجاء بالحديد والسيف وحارب المعاندين وادخلهم في دينه. هذه القضية يجب الاعتناء بها كثيرا.
ضرورة تنشئة الطلبة على الامور العبادية والسياسية
ان على السادة المشرفين على تربية الاطفال ان يعلموهم المسائل السياسية المعاصرة ايضا، لا اقول بأن ينصب التعليم بأسره على الامور السياسية ولكن يجب ان يشمل كل شيء فالطفل وبعد ان ينهي دراسته في المدرسة يجب ان يكون عارفا بالمسائل الدينية، مسائل الصلاة والصوم وعارفا بالامور العلمية طبقا لاي نظام ومتربيا من الناحية السياسية ايضا وهذا الامر يؤخذ على مدرستكم. وانني أمل منكم ان شاء الله ان تقوموا بانجاز هذه الأمور بحرية من الآن فصاعدا بعد ان يتحقق قدر من الحرية.
ان ما يقع على عاتقكم هو تربية الانسان، وتعتبر تربية الانسان من اهم القضايا، وما يقع على عاتقكم جانب من هذه التربية، فلتعملوا على ذلك بشكل سليم وجيد.
وداع وشكر
ولا يفوتني أن أذكر هنا باننا جئنا الى المدرسة العلوية، ولا ادري هل غصبنا المكان أم حللنا ضيوفا على السادة، وقد أمرت الأخوة بان يرحلوا عن هنا بمجرد ان يبدأ العام الدراسي وسأذهب انا ايضا الى مكان آخر، ولكنهم بعد ذلك جاؤوا وقالوا (بان السادة المشرفين على أمور المدرسة طلبوا إلينا ان نبلغك بانهم يرغبون ببقائك هنا) اذا كان ذهابك لفترة قصيرة، واعربوا عن رغبتهم بان لا اغادر المدرسة الا اذا كنت متوجها الى قم، وهذا دعم كبير لي. عليه فقد اطعنا أمرهم وسأبقى ثلاثة، أو اربعة، أو خمسة ايام وأرحل من هنا واستودعكم الله.
اسأل الله تبارك وتعالى ان يزيد من تأييدكم ونصركم. كنت أمل واتوقع ان يكون السيد ...2 موجودا يوم الخميس ايضا ولكنه لم يتمكن من المجيء. انا اعرفه من قبل وهو من اصدقائي القدامى. واسأل الله تبارك وتعالى له التوفيق.
* صحيفة الإمام، ج6، ص: 165,160
1- يقول الإمام علي عليه السلام: " لا تقسروا اولادكم على آدابكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم" راجع شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 20، ص 267.
2- الصوت في شريط التسجيل غير واضح في هذا المقطع وقد كتب في صحيفة النور انه يشير الى السيد علوي.