يتم التحميل...

الموضوع: كيفية التعاطي مع الاصدقاء والاعداء

خطاب

الحاضرون: جمع من عناصر القوات المسلحة الايرانية

عدد الزوار: 81

التاريخ: 9 فروردين 1358 هـ. ش/ 30 ربيع الثاني 1399 هـ. ش‏
المكان: قم المقدسة
المناسبة: عشية اجراء الاستفتاء الشعبي العام‏
الحاضرون: جمع من عناصر القوات المسلحة الايرانية

بسم الله الرحمن الرحيم

اشداء على الكفار رحماء بينهم‏

كم هو امر يبعث على الفخر ان يكون مثل هؤلاء الشباب الابطال في خدمة الإسلام في بلدنا! كم أشعر بالسعادة حينما يجمعني واياكم مجلس واحد تغمره المودّة!.

بالأمس قلت هذا الأمر لمجموعة من السادة من منتسبي الجيش الذين جاؤوا الى هنا، وأقوله الآن ايضا ... ان احد الفروق بين الحكومات غير الإسلامية الحكومات الطاغوتية والحكومة الاسلامية يكمن في هذا الأمر وهو ان الاجواء في ظل الحكومات الاسلامية اجواء مودة وأخوة، فلا الجيش بمعزل عن الناس ولا الناس بعيدين عن الجيش، وليس هناك من اجواء رعب حاكمة.

ينعت الله تبارك وتعالى المؤمنين العاملين في سبيل الإسلام فيقول عز وجل:" أشداء على الكفار رحماء بينهم" 1، فالمؤمنون رحماء فيما بينهم، لكنهم أشداء أقوياء في مقابل الكفار والأجانب.

نظرة الى حكومة امير المؤمنين علي عليه السلام

تأملوا في سيرة اعظم رجل في العالم بعد رسول الله" ص" ألا وهو الامام امير المؤمنين سلام الله عليه الذي حكم بلادا تبلغ سعتها اضعاف ايران، وفي الوقت الذي اصبح خليفة يحكم مصر والحجاز والعراق وايران وجزء من اوروبا، حينما نتأمل في سلوك هذا القائد العظيم وهذا الرئيس الكبير مع أهل مملكته، نرى انه يرغب في ان تكون معيشته أقل من معيشة أدنى افراد مملكته، فقد كان شديداً على نفسه الى درجة تثير القلق بين افراد اسرته، ذلك في وقت يرأس دولة، فقد كان، وهو الخليفة يضع جشب الغذاء الذي يأكل منه في كيس ويغلقه باحكام خشية ان يأتي احد افراد اسرته ليضع فوقه زيتا مثلا 2.

هذا تعامله مع نفسه، اما تعامله مع الناس فقد كان يخرج ليلًا كما ينقل ويجوب الازقة حاملا على ظهره الطعام للايتام والفقراء فيقسمه بينهم ولم يكن ذلك لينكشف إلا بعد ان استشهد- عليه السلام- حينها عرفه الناس. وكما ذكر فانه وحينما ذهب الى احد البيوت وكان‏ فيه عدد من الأطفال يبكون من الجوع فانه وبعد ان اطعمهم جلس يداعبهم حتى اضحكهم، يقال انه قلد لهم صوت البعير مثلا وقال لقد جئت الى هنا وهم يبكون وانني ارغب حينما اذهب ان يكونوا سعداء ضاحكين.

الامان الذي عاشه اهل الذمة في ظل حكومة علي عليه السلام

عاش امير المؤمنين كحاكم بين الناس باسلوب خاص، اذ يقال انه حينما جاء جيش معاوية، سمع ان يهودية سلب منها خلخالها، فأعرب اميرالمؤمنين عن انزعاجه وقال: لو أن امرءً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً 3 فقد كان الأمير رحيما رفيقا حنونا على رعيته يجنبهم الشعور باي خوف في ظل حكومته.

واذا دخل عليه احدهم لا تكون بينه وبينه خوف او رهبة، والكل كان يشعر بالعدل فقط. ففي حكومة العدل يخاف الأنسان من نفسه فقط، يخشى ان يكون مرتكبا اي خطأ، اما جندي البلاد أو العساكر أو الشرطة فلا خوف منهم، لان الجميع يتعاملون مع الناس بمحبة.

وكان امير المؤمنين سلام الله عليه، رغم سلوكه الرحيم هذا مع رعيته، والذي كان يمارس عمله المعاشي كاي فرد منهم، كان اذا دخل المعركة مع اعدائه القى الرعب في قلوبهم.

حينما بويع اميرالمؤمنين حمل وسائله وذهب لاتمام ما بدائه من عمل في ري الأرض ثم ذهب الى مقر الحكومة، هذا الرجل وبهذا الوضع، كان اذا دخل القتال- كما ينقل التاريخ- يقطع الرجل نصفين بضربة من سيفه، كان شديدا على الكفار.

لا وجود للرعب في النظام الاسلامي‏

هذا هو حال جندي الإسلام، يعيش بين اقرانه واهله بمحبة، المحيط محيط محبة، تماما كما هو المحيط الذي نعيشه الآن، محيط محبة، فسابقا لم يكن احد من كبار الضباط يشارك في مثل مجالسنا هذه، قد يكون حصل ذلك حينما كنا في باريس واجتمعنا مع الناس ولكن لم يكن في تلك المجالس حضور ضابط كبير، فقط حرصوا اولئك على ان يفرقوا بين الجميع ويجعلوا كل واحد ينظر بريبة الى الآخر، ولو ان عسكريا دخل السوق فان الناس تخشاه، لقد زرعوا الخوف والرعب في نفوس الناس. لماذا؟ ...

لا وجود للرعب في البيئة والبلاد الاسلامية، الرعب موجود فقط في البيئة الطاغوتية، لان البيئة الاسلامية تجعل الجميع بدءا من المسؤول الاول في البلاد وحتى البواب، يتعاملون مع الناس بطريقة لا تثير مخاوفهم، يتعاملون مع الناس بالمحبة والأخوة ويشعرونهم بانهم خدام لهم. وكما يقومون بخدمة الناس فان الناس تخدمهم ايضاً. وفي بيئة كهذه لا وجود للخوف، ولا ضرورة اصلا لايجاد الرعب.

اما في البيئة الطاغوتية ولانهم يسيئون التعامل مع الناس وينهبون اموالهم ويؤذونهم، فانهم بالنتيجة يخافون من الناس! ولكي يتخلصوا من هذا الخوف وحتى يضمنوا عدم تصرف الناس بطريقة اخرى فانهم يملؤون الاجواء بالخوف ويجعلونها بيئة مشحونة بالرعب.

حينما جاء شارل ديغول 4 الى ايران يبدو ان ديغول هو الذي جاء وخرج مع الشاه في جولة في اسواق المدينة كان الشاه لا يجرؤ على الخروج في الشوارع ولكن حينما جاء ديغول خرج معه، وكان ديغول لا يخشى الخروج بين الناس فاختلط بجموع الناس بسهولة ولكن شاه ايران كان ينتابه الخوف. لماذا كان يخاف؟ لانه كان يسيئ التعامل مع رعيته.

حينما يسيئ الانسان الى الآخرين فانه يخاف منهم، هذا الموضوع يجب ان يكون عبرة لنا، بحيث نتعامل مع اهل البلاد ومع الرعية والمواطنين باسلوب اخوي مليئ بالرحمة (رحماء بينهم)، فهو رحيم معهم وهم رحيمون معه، هو يحبهم وهم يحبونه بالمقابل، وهذه المجموعة اذا وقفت بوجه الآخرين، بوجه الخصوم والأعداء فانها ستكون شديدة وقوية (اشداء على الكفار) وهذا امر عام ينصح الله تعالى فيه الانسان بان يكون رحيما مع الناس اذا اراد ان يحصل على الهدوء وراحة الوجدان حينما يذهب الى منزله.

اعمل طيبا مع الناس احبهم واخدمهم، وحينما تعود في المساء الى منزلك فان قلبك سيكون مطمئنا ووجدانك غير معذب، اما اولئك الذين يلحقون الأذى بالناس فان ضمائرهم ستكون غير مرتاحة. كيف يمكن لاحد ان يقتل ثم يكون مرتاحا، من المؤكد انه لن يكون كذلك. وان كان البعض ليسوا كذلك فلانهم حينما يمارسون الأذى على الآخرين يعتادونه تدريجيا ويصبحوا متوحشين مثل هؤلاء ويخرجون عن اطار البشرية.

اذا اردت ان تحصل على حياة مرفهة فما عليك إلا ان تبحث عما يريح الوجدان، فالحياة المرفهة لا تكون ببناء القصور العالية فما اكثر من يمتلكون القصور لكن حياتهم الحقيقية حياة جهنمية. تأملوا في حياة محمد رضا (الشاه) كيف ترونها؟ حياة مليئة بكل وسائل الراحة ولكن هل كان محمد رضا مرتاحا؟ كلا، لم يكن مرتاحا.

الاطمئنان الروحي في ظل التربية الاسلامية

ان راحة الانسان لا تكون الا براحة روحه. فاذا شعرت روح الإنسان بالراحة فانه حتى وان كان جائعا فلن يشعر بالجوع. الراحة الحقيقية للإنسان تعتمد على وضعه الروحي الذي يشعره بالاطمئنان، وهذا لا يتحقق الا بالإسلام. فاذا اصبح الانسان اسلاميا ونشأ على التربية الإسلامية شعر بالراحة، واذا لقّن العسكري نفسه ورباها على انه خادم للناس لا اداة لاثارة الرعب فيها، فانه سيوجد الرحمة بينهم، تماما كما هو وضعنا الآن فنحن نجلس معا ولا يخاف احدنا الآخر، وهذا المحيط هو محيط المحبة.

ايران ارض المحبة

حافظوا على محيط المحبة هذا، واجعلوا ايران ارضا للمحبة، بايدكم انتم يا حراس الثورة ويا أيها العسكريون والجندرمة. ولو اننا حرصنا جميعا على جعل وضعنا وضعا اسلاميا انسانيا وصنعنا محيطا مفعما بالمحبة فان الجميع سيكونون خدمة للجميع.

في هذه الثورة وحينما كان الناس منشغلين بالمعارضة، رأيتم كيف ظهر لدينا وضع انساني، وكيف تغيرنا، فحينما كان الجندي ينزل الى الشارع كان الناس ينثرون عليه الزهور ويجهش هو بالبكاء ويتعامل مع الناس بمحبة.

هذا التغيير الروحي الذي منّ الله تبارك وتعالى علينا، يجب المحافظة عليه. حافظوا على هذه المحبة بينكم وبين فئات الشعب المختلفة، ولكن كونوا اشداء في مقابل المناوئين والاعداء والمفسدين، كونوا اقوياء كالسد في مقابلهم. كونوا رحماء ازاء مواطنيكم واخوانكم فذلك من احكام الإسلام وهو ما يقوله القرآن الكريم وهو ما كان عليه قادة الإسلام.

ورسول الله" صلى الله عليه وآله وسلم" لم يكن يشارك فعليا في الحروب ويمارس القتل بحق الكفار، فهو نبي الرحمة ولم يقتل حتى شخصا واحدا بيديه، لكن اميرالمؤمنين كان في الحروب رجل آخر، وينقل عنه اصحابه انهم كانوا يلوذون به اذا اشتد القتال فمثل امير المؤمنين كان يقول: اذا اشتد القتال لذنا برسول الله، هكذا كان الرسول قدرة إلهية!.

ما يشير اليه القرآن هو امر كلي التزم به اصحاب الرسول آنذاك، فتحققت لهم السعادة.

ضرورة حفظ سلسلة المراتب في القوات المسلحة

وفي عصرنا هذا اذا اردنا ان نكون سعداء، اذا اردنا الحصول على السعادة، علينا ان نبادر الى ممارسة ما يقود الى ذلك. نكون معا احباء ورحماء، الجندي مع ضابط الصف، ضابط الصف مع الضابط، الضابط مع الضباط الكبار الجميع رحماء ولكن دون التخلي عن الطاعة. فالطاعة امر والرحمة امر آخر. الكبار ينظرون الى الصغار بعين الرحمة، والصغار ينظرون الى الكبار بعين الطاعة، واذا اردنا الحفاظ على بلادنا فان القوات المسلحة يجب ان تحافظ على سلسلة المراتب والتصرف طبقا للنظم الموجود فيها.

ولكن اذا اردنا عدم الالتزام بهذه النظم وقال كل واحد منا" لقد اصبحت حرا"! ولن التزم باي امر يصدر لي! فأنذاك سيفلت الزمام من ايدينا. وهذا الامر يتعارض مع الحرية التي ارادها الله، الحرية لها حدود وضوابط. فالحرية لا تعني انني استطيع توجيه لطمة لهذا وذك، انا حر إذاً لا اطيع قائدي! كلا، هذه ليست حرية، الحرية في حدود القواعد والقوانين، بمعنى انك الآن وفي هذا المجلس لا تخاف من احد آخر، ولو كان الأمر كالسابق فانك ستخشى ان لا تخرج من هنا سالما. وانت الآن تأتي الى هذا المجلس لانك لا تخشى اذا غادرته تجد اعضاء السافاك بانتظارك ليعتقلوك ويذهبوا بك الى مكان مجهول! وقد كانوا يفعلون ذلك. هذا هو معنى الحرية التي نتمتع بها الآن والحمد لله.

ليس معنى الحرية ان يفعل الانسان ما يحلو له، وقد قلت مرارا بان الله تبارك وتعالى انما يختبرنا بهذه الحرية، ان الله يختبرنا بهذه النعمة التي منّ بها علينا وهي من اكبر النعم، ليرى كيف سنتعامل مع هذه الحرية، هل سنتعامل معها بما يرضي الله ام سنسيئ استخدامها؟ فاذا اسأنا استخدامها خرجنا من الابتلاء مطأطئي الرؤوس، اما اذا احسنا استخدامها رضي الله عنا وسيحفظ لنا نعمته هذه.

ايها الاخوة! انتبهوا واحفظوا هذه النعمة التي منّ الله عليكم بها، احفظوا نعمة الحرية، نعمة الاستقلال، ولا يكون حفظكم لها إلا بأن تكونوا رحماء فيما بينكم واشداء على الكافرين، اشداء على اولئك الذين يريدون نهب ثرواتكم، هؤلاء اضربوهم بقوة، اما اولئك الرحماء معكم فمدوا لهم يد الأخوة وقبلوا وجوههم.

ايدكم الله تعالى وجعلكم صفا واحدا في جيش إمام الزمان سلام الله عليه-. اللهم احفظه مشيرا الى احد القادة العسكريين الموجودين في الجلسة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* صحيفة الإمام، ج‏6، ص: 353,349


1- سورة الفتح، الآية 29.
2- بحار الانوار، ج 40، ص 325.
3- نهج البلاغة، الخطبة 27.
4- قام الرئيس الفرنسي شارل ديغول بزيارة ايران عام 1960 وقام حينها بجولة في الاسواق فسمع شعارات رددها الناس ضد الشاه.

 

2011-04-30