كيف يكون إماماً وهو غائب؟ وما فائدته؟
الإمام المهدي (عج)
إنّ القيادة والهداية والقيام بوظائف الإمامة، هو الغاية من تنصيب الإمام، أو اختياره، وهو يتوقف على كونه ظاهراً بين أبناء الأمّة، مشاهداً لهم، فكيف يكون إماماً قائداً، وهو غائب عنهم؟!والجواب: على وجهين نقضاً وحلاً...
عدد الزوار: 81
إنّ القيادة والهداية والقيام بوظائف الإمامة، هو الغاية من تنصيب الإمام، أو اختياره، وهو يتوقف على كونه ظاهراً بين أبناء الأمّة، مشاهداً لهم، فكيف يكون إماماً قائداً، وهو غائب عنهم؟!
والجواب: على وجهين نقضاً وحلاً.
أمّا النقض، فإنّ التركيز على هذا السؤال يعرب عن عدم التعرّف على أولياء الله، وأنّهم بين ظاهر قائم بالأمور ومختف قائم بها من دون أن يعرفه الناس.
إنّ كتاب الله العزيز يعرّفنا على وجود نوعين من الأئمة والأولياء والقادة للأُمّة، وليّ غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن مصاحب موسى عليه السَّلام بقوله: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾(الكهف:65-66).
وولي ظاهر باسط اليد، تعرفه الأُمّة وتقتدي به.
فالقرآن إذن يدلّ على أنّ الولي ربما يكون غائباً، ولكنه مع ذلك لا يعيش في غفلة عن أُمّته، بل يتصرف في مصالحها ويرعى شؤونها، من دون أن يعرفه أبناء الأمّة.
فعلى ضوء الكتاب الكريم، يصحّ لنا أن نقول بأنّ الوليّ إما ولي حاضر مشاهد، أو غائب محجوب.
وإلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب في كلامه لكميل بن زياد النخعيّ، يقول كميل: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السَّلام، فأخرجني إلى الجبّان، فلما أصحر، تنفّس الصعداء، وكان مما قاله: "أللّهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً، أوخائفاً مغموراً لئلاّ تبطل حجج الله وبيناته"1.
وليست غيبة الإمام المهدي، بدعاً في تاريخ الأولياء، فهذا موسى بن عمران، قد غاب عن قومه قرابة أربعين يوماً، وكان نبيّاً وليّاً، يقول سبحانه: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لاَْخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَتَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾(الأعراف:142).
وهذا يونس كان من أنبياء الله سبحانه، ومع ذلك فقد غاب في الظلمات كما يقول سبحانه: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾(الأنبياء:87-88).
أو لم يكن موسى، ويونس نبيّين من أنبياء الله سبحانه؟ وما فائدة نبي يغيب عن الأبصار، ويعيش بعيداً عن قومه؟
فالجواب في هذا المقام، هو الجواب في الإمام المهدي عليه السَّلام، وسيوافيك ما يفيدك، من الانتفاع بوجود الإمام الغائب في زمان غيبته في جواب السؤال التالي.
أمّا الحلّ فمن وجوه
الأوّل: إنّ عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدلّ على عدم كونه مفيداً في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم، طريقاً إلى العلم بالعدم!! وكم لهذا السؤال من نظائر في التشريع الإسلامي، فيقيم البسطاء عدم العلم بالفائدة، مقام العلم بعدمها، وهذا من أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، ولاشك أنّ عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأُمور المهمّة في عالم التكوين والتشريع، بل لا يفهم مصلحة كثير من سننه، وإن كان فعله سبحانه منزّهاً عن العبث، بعيداً عن اللغو.
وعلى ذلك فيجب علينا التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة، كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.
الثاني: إنّ الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأُمور، وعدم الاستفادة من وجوده، فهذا مصاحب موسى كان ولياً، لجأ إليه، أكبر أنبياء الله في عصره، فقد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون، ليصونها عن غصب الملك، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه، وإلاّ لصدّوه عن الخرق، جهلاً منهم بغاية عمله. كما أنّه بنى الجدار، ليصون كنز اليتيمين، فأي مانع، حينئذ من أن يكون للإمام الغائب فيكل يوم وليلة تصرّفاً من هذا النمط من التصرفات. ويؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من أنّه يحضر الموسم في أشهر الحج، ويحجّ ويصاحب الناس، ويحضر المجالس، كما دلّت على أنّه يغيث المضطرين، ويعود المرضى، وربما يتكفّل "بنفسه الشريفة" قضاء حوائجهم، وإن كان الناس لا يعرفونه.
الثالث: المسلّم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته، وأمّا عدم وصول الخواص إليه، فليس بأمر مسلّم، بل الذي دلّت عليه الروايات خلافه، فالصلحاء من الأُمّة، الذين يستدرّ بهم الغمام، لهم التشرّف بلقائه، والاستفادة من نور وجوده، وبالتالي تستفيد الأُمّة بواسطتهم.
الرابع: لا يجب على الإمام أن يتولّى التصرّف في الأُمور الظاهرية بنفسه، بل له تولية غيره على التصرف في الأُمور كما فعل الإمام المهدي، أرواحنا له الفداء، في غيبته. ففي الغيبة الصغري، كان له وكلاء أربعة، يقومون بحوائج الناس، وكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم. وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام، للقضاء وإجراء السياسيات، وإقامة الحدود، وجعلهم حجةً على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف، وبيان الأحكام، ودفع الشبهات، وبكل ما يتوقف عليه نظم أُمور الناس2.
وإلى هذه الأجوبة أشار الإمام المهدي عليه السَّلام في آخر توقيع له إلى بعض نوّابه، بقوله: "وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشّمس إذا غيّبها عن الأبصار، السحاب"3.
* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج4،ص142-145
1- نهج البلاغة بتعليقات عبده، ج 4، ص 37، قصار الحكم، الرقم 147.
2- المراد من الغيبة الصغرى، غيبته صلوات الله عليه، منذ وفاة والده عام 260 إلى عام 329، وقد كانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بواسطة وكلائه الأربعة: الشيخ أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري، وولده الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان، والشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت، والشيخ أبي الحسن علي بن محمد السّمري. والمراد من الغيبة الكبرى، غيبته من تلك السنة إلى زماننا هذا، انقطعت فيها النيابة الخاصة عن طريق أشخاص معينين، وحلّ محلّها النيابة العامة بواسطة الفقهاء والعلماء العدول، كما جاء في توقيعه الشريف: "وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم". (كمال الدين، الباب 45، ص 484).
3- كمال الدين، للصدوق، الباب 45، الحديث 4، ص 485. وقد ذكر العلامة المجلسي في وجه تشبيهه بالشمس إذا سترها السحاب، وجوهاً، راجعها في بحار الأنوار، ج 52، الباب 20، ص 93 ـ 94.