يتم التحميل...

طلب الزواج

زواج النورين

لما أدركت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام، والشرف والمال، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله صلّى الله عليه وآله أعرض عنه رسول الله بوجهه، حتى كان الرجل منهم يظن -في نفسه- أن رسول الله فيه وحي من السماء.

عدد الزوار: 59

لما أدركت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام، والشرف والمال، وكان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله صلّى الله عليه وآله أعرض عنه رسول الله بوجهه، حتى كان الرجل منهم يظن -في نفسه- أن رسول الله فيه وحي من السماء.

ولقد خطبها من رسول الله صلّى الله عليه وآله أبو بكر، فقال له رسول الله: أمرها إلى ربها، وخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله كمقالته لأبي بكر.

فجاء أبو بكر وسعد بن معاد إلى علي عليه السلام وهو خارج المدينة يسقي نخلاً له، وسألاه عما يمنعه عن خطبة فاطمة عليها السلام فقال لهما علي: ما يمنعني إلا الحياء وقلة ذات اليد المال فقال له سعد: اذهب إلى رسول الله واخطب منه فاطمة، فإنه يزوجك، والله ما أرى رسول الله يحبسها إلا عليك.

فقال علي: فأقول ماذا؟ فقال سعد: تقول: جئت خاطباً إلى الله ورسوله فاطمة بنت محمد.

فأقبل علي عليه السلام يقصد دار النبي، وهبط جبرائيل عليه السلام على الرسول وأخبره بمجيء علي، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله في دار أم سلمة، فدق علي الباب، فقالت أم سلمة: من بالباب؟ فقال لها الرسول - من قبل أن يقول علي: أنا - : قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب، ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبه الله ورسوله ويحبهما.

فقالت أم سلمة: فداك أبي وأمي، ومن هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره؟ فقال: مه يا أم سلمة، فهذا رجل ليس بالخرق-سيئ التصرف والجاهل- ولا بالنزق-الخفيف في كل أمر، العجول في الجهل والحمق-هذا أخي وابن عمي وأحب الخلق إلي.

فقامت أم سلمة وفتحت الباب وإذا هو علي بن أبي طالب قالت أم سلمة: والله ما دخل حين فتحت الباب حتى علم أني رجعت إلى خدري، ثم دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال النبي: وعليك السلام اجلس.

فجلس علي، وجعل ينظر إلى الأرض، كأنه قصد لحاجة وهو يستحي أن يبديها، فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال النبي: إني أرى أنك أتيت لحاجة، فقل ما حاجتك؟ وأبدِ ما في نفسك فكل حاجة لك مقضية.

فقال علي عليه السلام: فداك أبي وأمي، إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي، فغذيتني بغذائك وأدبتني بأدبك، فكنت إلي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وأن الله تعالى هداني بك وعلى يديك وأنت والله يا رسول الله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة.

يا رسول الله: فقد أحببت -مع ما شد الله من عضدي بك- أن يكون لي بيت وأن يكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً، أخطب إليك ابنتك فاطمة! فهل أنت مزوجي يا رسول الله؟ فتهلل وجه رسول الله فرحاً وسروراً، ثم تبسم في وجه علي وقال: فهل معك شيء أزوجك به؟

 فقال علي: فداك أبي وأمي، والله ما يخفى عليك من أمري شيء، أملك سيفي ودرعي وناضحي البعير الذي يحمل عليه الماء وما لي شيء غير هذا.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك ولكني قد زوجتك بالدرع، ورضيت بها منك، يا علي أبشرك؟.

فقال: نعم فداك أبي وأمي، بشرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة، مبارك الطائر، رشيد الأمر، صلى الله عليك.

فقال صلّى الله عليه وآله: ابشر فإن الله قد زوجكها في السماء من قبل أن أزوجك في الأرض.. إلى آخر كلامه.

ثم قال: يا علي إنه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهة في وجهها ولكن على رسلك حتى أخرج إليك فدخل عليها فقامت فأخذت رداءه ونزعت نعليه وأتته بالوضوء فوضئته بيدها وغسلت رجليه ثم قعدت فقال لها: يا فاطمة فقالت: لبيك ما حاجتك يا رسول الله؟ قال: إن علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه وإني قد سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه وقد ذكر عن أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تول وجهها ولم ير فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها.


*الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، مؤسسة النور للمطبوعات، ط3، بيروت/لبنان، 1413هـ/1993م، ص53-55.

2012-10-17