الإمام الرضا يجيب على مسائل المأمون
ولادة الإمام علي الرضا(ع)
عرض المأمون على الإمام الرضا عليه السلام كوكبة من المسائل، واكبر الظن أنه أراد امتحانه بها فأجابه الإمام عنها، وفيما يلي بعض منها: س 1- يا بن رسول الله أليس قولك إن الأنبياء معصومون؟.
عدد الزوار: 112
عرض المأمون على الإمام الرضا عليه السلام كوكبة من المسائل، واكبر الظن أنه أراد امتحانه بها فأجابه الإمام عنها، وفيما يلي بعض منها:
س 1- يا بن رسول الله أليس قولك إن الأنبياء معصومون؟.
فقال عليه السلام: بلى...
المأمون: ما معنى قول الله عز وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾1؟.
فيجيب الإمام: إن الله تبارك وتعالى قال لآدم: ﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾2، وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة، ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها، وإنما أكلا من غيرها، ولما أن وسوس الشيطان لهما، وقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾3، وإنما ينهاكما أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً، فدلهما بغروره فأكلا منها ثقة بيمينه بالله، وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالى وجعله نبياً كان معصوماً، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال الله عز وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾4 وقال عز وجل: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين﴾5.
س 2- المأمون: ما معنى قول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا﴾6؟.
فأجابه الإمام عليه السلام: إن حواء ولدت لآدم خمس مئة بطن ذكرا وأنثى، وإن آدم وحواء عاهدا الله عز وجل ودعَوه وقالا: لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين، فلما آتاهما صالحا من النسل خلقا سويا، بريئا من الزمانة- المرض- والعاهة، وكان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكرانا، وصنفا إناثا، فجعل الصنفين لله تعالى ذكره، شركاء فيما آتاهما، ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾7.
س 3 - المأمون: أشهد أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، أخبرني عن قول الله عزّ وجل في حق إبراهيم: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾8؟.
جواب الإمام الرضا عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب- الكهف، والبيت تحت الأرض-. الذي أخفي فيه، فلما جن عليه الليل، فرأى الزهرة، قال: هذا ربي، على الإنكار والاستخبار فلما أفل الكواكب، قال: لا أحب الآفلين؛ لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم، فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي على الإنكار والاستخبار، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين، فلما اصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، من الزهرة والقمر على الإنكار والاستخبار لا على الأخبار والإقرار، فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، وإنما أراد إبراهيم بما قال: أن يبين لهم بطلان دينهم، ويثبت عندهم أن العبادة لا لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض، وكل ما احتج به على قومه مما ألهمه الله تعالى وآتاه، كما قال عز وجل: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾9.
س 4- المأمون: لله درك يا بن رسول الله أخبرني عن قول إبراهيم: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾10؟.
ورد عليه الإمام عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام إني متخذ من عبادي خليلا، إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل، فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي -على أنه خليل الله- قال: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم، فأخذ إبراهيم نسرا وطاووسا وبطا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله، وكانت عشرة منهن جزء، وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن، ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته، ورأسه فخلى إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطرن، ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير.
س 5- المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن، اخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾11؟.
فيبدأ الإمام عليه السلام بالجواب: إن موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها، وذلك بين المغرب والعشاء، فوجد فيها رجلان يقتتلان، هذا من شيعته وهذا من عدوه، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. فقضى موسى على العدو، وبحكم الله تعالى ذكره "فوكزه" فمات.
قال هذا من عمل الشيطان، يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى من قتله أنه يعني الشيطان " عدو مضل مبين".
س 6- سؤال المأمون: ما معنى قول موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾12؟.
الإمام عليه السلام: معنى ذلك أني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة، فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني، فغفر له أنه هو الغفور الرحيم قال موسى: رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى "فأصبح" موسى في المدينة خائفا يترقب، فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر، قال له موسى إنك لغويٌ مبين، قاتلت رجلا بالأمس، وتقاتل هذا اليوم لأوذينك وأراد أن يبطش به، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس أن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين.
س 7- بارك الله فيك يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عز وجل: ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾13 كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره، لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟.
ج 7- فأجابه الإمام: إنّ كليم الله موسى بن عمران علم أن الله تعالى أعز من أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم ان الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا: لن نؤمن لك حتى نستمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبع مئة ألف رجل، فاختار منهم سبعين رجلا لميقات ربهم، فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره، وسمعوا كلامه، من فوق وأسفل، ويمين، وشمال، ووراء وأمام، لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة، وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم، واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم، فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم، وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم، لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه، فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته، فقال موسى: يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار، ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته، ويعلم بأعلامه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله، فقال موسى: يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم، فأوحى الله جل جلاله يا موسى سلني ما سألوك فلن آخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسى:
رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فان استقر مكانه -وهو يهوي- فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا وخر موسى صعقا فلما آفاق قال سبحانك تبت إليك يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أول المؤمنين منهم بأنك لا ترى.
وطفق المأمون يبدي إعجابه بمواهب الإمام، وسعة معارفه، وعلومه قائل: "لله درك يا أبا الحسن".
وانتهت بذلك هذه المناظرة التي دللت على مدى ثروات الإمام العلمية، وإحاطته الشاملة بكتاب الله العظيم. فقد نزه الإمام عليه السلام أنبياء الله العظام عن اقتراف المعصية وأثبت لهم العصمة بهذا المدعم بالأدلة والبراهين الحاسمة.
* راجع: حياة الإمام علي بن موسى الرضا ع، الشيخ باقر شريف القرشي، ط2، قم/ إيران، ج1، ص 156-163.
1-طه: 121.
2- البقرة: 35.
3- الأعراف: 20.
4- طه: 121-122.
5- آل عمران: 33.
6- الأعراف: 190.
7- الأعراف: 190.
8- الأنعام: 76.
9- الأنعام: 83.
10- البقرة: 260.
11- القصص: 15.
12- القصص: 16.
13- الأعراف: 143.