يتم التحميل...

الجهاد والشهادة

تهذيب النفس

إنَّ الجهاد لنشر الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، ولمواجهة الظلم والفساد، من العبادات التي تبعث على تكامل النفس وتزكيتها، وتوجب القربة من الله تعالى، وقد أكَّد القرآن الكريم كثيراً على الجهاد وأجره...

عدد الزوار: 106

تمهيد
إنَّ الجهاد لنشر الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، ولمواجهة الظلم والفساد، من العبادات التي تبعث على تكامل النفس وتزكيتها، وتوجب القربة من الله تعالى، وقد أكَّد القرآن الكريم كثيراً على الجهاد وأجره ومنزلته عند الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 1 .

1- منزلة الشهيد

أكَّد القرآن الكريم على فضل الشهداء ومكانتهم وأجرهم ونورهم، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون2.وهذه الآية تبيّن ذلك المقام الشامخ للشهداء، لأنَّ القرآن الكريم لا يصفهم فقط بكونهم أحياء، بل يبيّن أنّ لهم مقام "العنديّة" "عند ربِّهم" حيث يحيون في ذلك المقام، ويأتيهم رزقهم فيه، وينعمون بالأجر الوفير.

إنَّ للشهيد منزلة عظيمة عند الله تعالى، وقد أشارت آيات عديدة وروايات كثيرة إلى منزلته، من قبيل أنَّه تغفر ذنوبه وتكفَّر عنه سيّئاته، ويكون له المقام الرفيع يوم القيامة، ويكون له أجره ونوره، يقول تعالى: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُم 3.

وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "للشهيد سبع خصال من الله، أوّل قطرة من دمه مغفور له كلّ ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتين من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة: يكسى من كسوة الجنّة، والرابعة تبتدره خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزله والسادسة يقال لروحه اسرحي في الجنّة حيث شئتِ، والسابعة أن ينظر في وجه الله4 وإنّها لراحة لكلّ نبيّ وشهيد"5.

2- تجارة الجهاد
يشبّه القرآن الكريم القتال في سبيل الله والشهادة بالتجارة مع الله تعالى، إنَّها دعوة للجهاد بأسلوب يبيّن حقيقته، ويشير إلى نتيجته العظيمة، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم6.

إنَّها معاملة تجاريّة من أروع المعاملات، الطرف الأوّل هو الله تعالى الغنيّ عن العالمين، الطرف الثاني هم المؤمنون بالله واليوم الآخر، الثمَّن: الجنّة الخالدة، المثمن، أنفس المؤمنين وأموالهم، ثمَّ يشير تعالى إلى نتيجة هذه المعاملة: "ذلك هو الفوز العظيم".

3- أهداف الجهاد
الجهاد في سبيل الله عبادة كسائر العبادات، وله أهداف شخصيّة واجتماعية:

أوّلاً الهدف السامي للمجاهد: إن الهدف من الجهاد قد يكون أمراً شخصياً، وقد يكون أمراً اجتماعيّاً.

أ - الهدف الشخصي: وهو الهدف الأسمى والأساس والذي يشترك فيه كل المجاهدين، متى كان هو رضا الله سبحانه وتعالى، فساحة المعركة هي من الأمكنة الخاصة التي يكون المجاهد فيها قريباً من الله عزّ وجلّ، يقول الإمام الخامنائي دام ظله:" ساحة القتال هي ساحة التعبّد، فلا تأثير فيها لأي عامل آخر حتى للعقل، وإذا كنا ملتفتين إلى هذه المسألة وجعلنا التقوى هدفنا والتحرّك لرضا الله غاية لنا عندها ستتحقّق كل أهدافنا".
ب - الهدف الاجتماعي: وهو الهدف الذي يراد منه نشر راية الاسلام وإعلاء كلمة الله، والقيام لله بحفظ حدوده وأحكامه وتعاليمه.

4- الإيثار ميزة الجهاد
إنَّ المجاهد مستعدّ أن يضحّي بأغلى ما لديه في سبيل الوصول إلى هدفه، وهو القرب من الله تعالى والحصول على رضوانه، إنَّ روح المجاهد تضيق بعالم المادّة والماديّات، وهو يترك كلّ ما في عالم الدنيا من مغريات، إنَّه يريد الوصول سريعاً إلى الله تعالى ليصل إلى مقام اللقاء الخالد، فإنك عندما تتحدث عن الجهاد في سبيل الله تعالى، تتحدّث عن البذل والعطاء، حيث إنَّ المجاهد يعطي من وقته وحياته وراحته في سبيل الله تعالى، وهذا ما يسمّى بالبذل، ولو اقتضى أن يضحي المجاهد بأكثر ممّا يبذل لنفسه صار هذا البذل يدعى إيثاراً، قال تعالى:﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة7.


*تزكية النفس,سلسلة المعارف الاسلامية,نشر جمعية المعارف,ط 2009م,ص:167-170.


1- التوبة: 20-22.
2- آل عمران: 169.
3- سورة الحديد: 19.
4- المقصود أنه ينظر إلى ألطاف الله سبحانه وتعالى وفيوضاته اللا متناهية , فيعيش بذلك آفاق الرحمة الإلهيّة الواسعة.
5- الحر العاملي - محمّد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج6 ص 5010.
6- التوبة: 111.
7- الحشر: 9.

2010-05-10