أهميّة بناء الأسرة
دور الأم في الأسرة والمجتمع
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج.هناك العديد من الروايات التي تحثّ على الزواج، وتتحدّث عن ذلك البيت الجميل الذي تعيش في كنفه العائلة في إطار اجتماعيّ شرعيّ يكفل الرعاية والأمن والتكامل.
عدد الزوار: 389
أهميّة بناء الأسرة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج"1.
هناك العديد من الروايات التي تحثّ على الزواج، وتتحدّث عن ذلك البيت الجميل الذي تعيش في كنفه العائلة في إطار اجتماعيّ شرعيّ يكفل الرعاية والأمن والتكامل. العائلة هي ذلك المجتمع الصغير الذي أكّد الإسلام على أهميّته وحثّ على بنائه ووجّه العلاقة بين أفراده على مستوى الأجواء والمسلكيّات قبل أن يتحدّث عن الحقوق والواجبات.
- ما هي أهداف هذا البناء؟
- ما هي الأجواء التي تظلّل هذا البناء؟
- وما هي الحقوق والواجبات؟
من أهداف الأسرة
هناك العديد من النصوص الشرعيّة التي تتحدّث عن أهداف البناء العائلي نوردها ضمن النقاط التالية:
1- العفّة والطهارة
إنّ الزواج هو التلبية الطبيعيّة لغريزة جعلها الله تعالى في الإنسان، وهي التي يحصل التكاثر والحفاظ على النسل من خلالها، فمن خلال الزواج تشبع هذه الغريزة وتسكت،ويضمن الإنسان عدم الإنزلاق خلف هذه الغريزة بشكل غير سليم، فالزواج هو الحافظ للعفّة والطهارة، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ أن يَلقى الله طاهراً مطهّراً فليلقه بزوجة"2.
وتوجيه هذه الدعوة يبدأ من عمر الشباب، لأنّ الإنسان ربّما يضعف أمام طلب الغريزة وإلحاحها إن لم يلبّها بشكل صحيح وسليم وشرعيّ.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه. يا ويلاه يا ويلاه عَصَم منّي ثلثي دينه، فليتقِ الله العبدُ في الثلث الباقي"3.
2- تمتين الأخلاق
إنّ ترك الزواج يتسبّب بالكثير من النزاعات النفسيّة داخل الإنسان، ممّا يفرز في نهاية الأمر الكثير من العقد والمشاكل النفسيّة التي تظهر على شكل سوء خُلق، لذلك كان الزواج حاسماً لمثل هذه الاضطرابات وسبباً في حسن الخلق وقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويُوسع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم"4.
وهذا يتسبّب بالسكن المعنويّ الذي تحدّث عنه القرآن الكريم، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾5.
3- التكامل بيـن الزوجين ورفع الحاجات
إنّ في شخصيّة كلّ من الرجل والمرأة ثغرات يحتاج كلّ منهما للآخر لسدّها وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:﴿... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ...﴾6.
4- ملء الأوقات بالطاعة
إنّ الزواج مسؤوليّة مباشرة لتأمين حاجات الأسرة بعد بنائها والمحافظة عليها، وهذا ما يترتّب عليه مهام وأعمال يوميّة. وهذا يُعطي الإنسان أهدافاً وبرامج يوميّة، بشكل يحول دون حصول المفاسد الاجتماعيّة الناشئة من الفراغ وعدم وجود هدف ومسؤوليّة.
5- تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمة تُثقل الأرض بلا إله إلّا الله"7. على ضوء هذه الأهداف نجد النصوص الشرعيّة توجّه الزوجين وتُضفي على العائلة أجواء معيّنة تساهم بشكل أساس في تحقيق هذه الأهداف، فما هي الأجواء التي يُفترض توفّرها في العائلـة التي تكفـل تحقيـق هـذه الأهـداف الإلهيّة؟
أجواء حاكمة على العلاقة العائليّة
على المرأة أنّ تعلم أنّ علاقتها مع زوجها لها أولويّة شرعيّة وهي مقدَّمة ما دامت ضمن الضوابط الشرعيّة، حتّى صارت هذه العلاقة مُنطلقاً لجهاد المرأة، ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حُسْنُ التبعّل"8، أي حُسن العلاقة مع الزوج، وهناك العديد من التفاصيل التي ذكرها الشرع في هذه العلاقة منها:
1- المودّة: يقول تعالى: ﴿... وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...﴾9، والمودّة هي المحبّة، والمحبّة هي الميل النفسيّ الذي يشكّل قاعدة أساسيّة للتفاهم والانسجام.
2- الرحمة: وهي الأمر الآخر الذي أشارت إليه الآية السابقة، فبعد المودّة جاء دور الرحمة التي هي نوع من الرّقّة والتعطّف، فلم يكتفِ تعالى بعلاقة المودّة والمحبّة بين الزوجين بل عطف عليها الرّقّة والتعطّف، التي تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابلاً. وقد ورد في الحديث: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها"10.
3- المعاشرة بالمعروف: إذا استحكمت المودّة والرحمة في قلب الزوجين فلا بدّ أن تظهر آثارها في المعاشرة والحياة اليوميّة، على شكل: ﴿... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...﴾11. فالذي يودّ ويرحم لا يمكن أن تقع منه الأذيّة: ﴿... وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ...﴾12.
هذه المعاشرة بالمعروف تظهر في العديد من التصرّفات التي تشير إليها الروايات: فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... خير نسائكم... الهيّنة الليّنة المؤاتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل (عينها) بغمض حتّى يرضى وإذا غاب (عنها) زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"13.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني وإذا خرجت شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بشّرها بالجّنة وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً"14.
4- التعاون وسدّ الفراغ: يقول تعالى: ﴿... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ...﴾15.
وتشير الآية إلى معانٍ ثلاثة:
أوّلاً: كلاهما زينة للآخر فاللباس زينة لمن يلبسه.
ثانياً: كلاهما يحصّن الآخر، فاللباس يحصّن الإنسان من البرد في الشتاء ويردّ عنه حدّة الشمس في الصيف.
ثالثاً: كلاهما سترٌ للآخر، فاللباس يستر البدن ويواري سوءته. فتكليف المرأة إذا رأت عيباً أو مشكلة في زوجها أن تستر عليه أوّلاً، وأن تساعده على سدّ هذه الثغرة ثانياً، وأن تزيّنه أمام الناس ثالثاً.
5- الصبر والحلم
إنّ قلّة الصبر وضيق الصدر يستطيع أن يهدم بنيان العائلة من أساسه، لأنّ الاحتكاك بين الزوجين يوميّ، وقلّة الصبر ستكون آثاره متسارعة إلى درجة لا يمكن السيطرة عليه ويصعب معه الإصلاح، من هنا كانت وصيّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر: "من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها ( الله عزّ وجلّ) مثل ثواب آسيا بنت مزاحم"16.
وكذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتّى يُقتل في سبيل الله. وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته"17.
6- مراعاة إمكانات الزوج
فلنتعلّم من فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السلام حيث تقول لزوجها عليه السلام: "يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه"18.
هذه هي الأجواء السليمة التي أرشدنا إليها هذا الشرع المقدس وهي مطلوبة كأسلوب وطريقة عامة ومنهجيّة حاكمة على تصرّفات الزوجة. ولم يكتفِ الإسلام بوضع هذه المنهجيّة السلوكيّة، بل قسّم أعمال الأسرة أيضاً وجعل لكلٍّ من الزوج والزوجة دوراً خاصّاً يتناسب مع طبيعة كلٍّ منهما، هذا الدور الذي يشكل النظام الحاكم على الأسرة.
نظام العائلة
قسّم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم العمل بين عليّ والزهراء عليهما السلام فجعل العمل داخل البيت على عهدة فاطمة عليها السلام وخارجه على عهدة عليّ عليه السلام. فقالت عليها السلام: "فلا يعلم ما داخلني من السرور إلّا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمّل رقاب الرجال".
يقول العلامة المجلسي في شرح ذلك: "تحمّل رقاب الرجال أي تحمّل أمور تحملها رقابهم من حمل القرب والحطب، ويحتمل أن يكون كناية عن التبرّز من بين الرجال..."19.
وعلى أيّ حال فقد تحمّلت السيدة الزهراء عليها السلام أعباء البيت حتّى قالت عليها السلام: "يا رسول الله لقد مجلت يداي من الرحاء أطحن مرّة وأعجن مرّة"20.
وبيت عليّ والزهراء عليهما السلام يشكل قدوة في نظامه للمؤمنين عموماً، لذلك نجد الروايات التي تتحدّث عن عمل المرأة داخل بيتها فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلّا نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذّبه"21.
والأسرة كما ذكرنا هي مجتمع صغير قائم على المودّة والرحمة وتلفّه أجواء السكن والطمأنينة، ولكنّ هذا لا يعني عدم الحاجة لوجود قيّم يعتبر الرأس لهذا المجتمع الصغير، والرجل هو القيّم الذي اختاره الله تعالى لرئاسة هذا المجتمع الصغير يقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾22.
وهذا ما أكّدته الروايات أيضاً، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"23. وعن الباقر عليه السلام: "لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجه"24.
وهكذا كان البيت القدوة الذي يتولّاه المعصومان عليّ والزهراء عليها السلام، حيث نُقل من كلماتها عليها السلام: "البيت بيتك والحرة زوجتك افعل ما تشاء"25.
* مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص9-19
1- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص383.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1178.
3- بحار الأنوار، ج100، ص221.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1179.
5- الروم: 21.
6- البقرة: 187.
7- وسائل الشيعة، ج20، ص14.
8- بحار الأنوار، ج100، ص245.
9- الروم: 21.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص177.
11- النساء: 19.
12- الطلاق: 6.
13- الكافي، ج5، ص325.
14- مكارم الأخلاق، للطبرسي، ص200.
15- البقرة: 187.
16- مكارم الأخلاق، ص214.
17- الكافي، ج5، ص9.
18- بحار الأنوار، ج37، ص103.
19- بحار الأنوار، ج43، ص81.
20- ذخائر العقبى، ص50.
21- وسائل الشيعة، ج21، ص451.
22- سورة النساء، الآية 34.
23- الكافي، ج5، ص327.
24- وسائل الشيعة، ج20، ص222.
25- بحار الأنوار، ج28، ص303.