مناهج في البحث عن الإمام المهدي
الإمام المهدي (عج)
الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم به وأكّد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمّةٍ، وفي موارد ومناسبات لا تحصى كثرة بلغت حد التواتر، فصار الاعتقاد به من ضروريات الإسلام...
عدد الزوار: 142
الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم به وأكّد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمّةٍ، وفي موارد ومناسبات لا تحصى كثرة بلغت حد التواتر، فصار الاعتقاد به من ضروريات الإسلام، ومع ذلك كله فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكّك فيه إمّا تأثراً بمناهج مادية وبسبب عصبيةٍ مذهبية ولجهلٍ بما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن من مئات الروايات1 عن طريق الفريقين السنة والشيعة، ولقد ألّف العلماء المتقدمون والمتأخرون عشرات الكتب، كما كُتبت فصول ودراسات تضمنت أدلة معتبرة واحتجاجات سليمة وقوية على وجود المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وصدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يُخبر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ولقد بلغ رسوخ هذه العقيدة في الأمة المسلمة أن استغلها بعض الأدعياء، وادعوا المهدوية، ولكن سرعان ما انكشفوا وافتضحوا، كما افتضح أدعياء النبوة، وقد حاول الدكتور أحمد أمين في كتابه (المهدوية في الإسلام) أن يجعل من ادعاء المهدوية سبباً للطعن على فكرة المهدي وأصالتها، ولكن العكس هو الصحيح. فالادّعاء يدل على أن المدعين يستغلون حقيقية موضوعيةً، واعتقاداً راسخاً عند الناس، ثم لو صح أن الادعاء مُبطل لأصل القضية، فلازم ذلك إبطال النبوات لكثرة المدعين بها.
والأمر المثير للعجب أن يتصدى بعض أدعياء العلم والمعرفة قديماً وحديثاً للتشكيك والتشويش على الأمة المسلمة، لا لشيءٍ إلا بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة، ومقاصدها السامية، وبسبب غرض آخر، ومن هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون وتلامذتهم من أمثال كولدزيهر، وفلهاوزن، وفان فلوتن، ومكدونالد، وبرنارد لويس، ومونتغمري وات، وماسنيون وغيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام، وسار على منهجهم في إثارة الشبهات والتشكيك بعقائد الإسلام ومقولاته وفي القرآن الكريم والسُنة المطهرة، ثم سلك هذا المسلك الوهابية ومن سار في ركابهم من أبناء الشيعة والسنة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وليس لدى جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة، بل الدليل قائم على خلاف مذاهبهم والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لثبوت التواتر كما حكاه غير واحدٍ، ومنهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة، والشوكاني في التوضيح كما سيأتي.
والغريب أن هؤلاء يتوسلون بنفس الذرائع، ويتعللون بنفس التعلّلات التي توسل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم، والتي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كإنكارهم الإسراء والمعراج2.
إن قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات، وما يطرحونه هذه الأيام من تشويشات، كما في مزاعم وادعاءات السائح، والقصيمي، وغيرهم من المشوشين – وهي لا تختلف عما طرحه الخصوم قبلهم – الذين هم عن العلم بعيدون، وبمعرفة علم الحديث روايةً ودرايةً أبعد ما يكونون، وبحقائق التاريخ ووثائقه على أتم الجهل والعناد، إن هذه القراءة ستوقفنا على سذاجة تفكيرهم وسُقم واختلال مناهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة3.
ومن هنا كان تصدي الإمام الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه لها بالبحث والدراسة وفق منهج علمي جديد، يعتمد النقل الصحيح، والدليل العقلي السليم، ومناقشة القضية مناقشةً هادئة رصينة متعرضاً لكل الإشكالات المثارة في المقام، والواقع أننا إزاء ما أثاره الخصوم قديماً وحديثاً لم نجد – في حدود تتبعنا القاصر – مَن درسَها وناقشها بمثل هذا المنهج والأسلوب الذي اتبعه الإمام الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه، كما سيتضح للقارئ العزيز.
ولعل من المناسب في هذه المقدمة أن نتعرف على جملة حقائق وملاحظات يمكن أن تشكل مدخلاً مناسباً لبحث السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه الذي وُفقنا والحمد لله إلى تحقيقه تحقيقاً علمياً حديثاً.
ويتضمن المدخل الإلمام بالأمور الآتية:
أولاً: منهج المشككين قديماً وحديثاً.
ثانيا: منهج المثبتين
1-المنهج الروائي.
2-المنهج العقلي (منهج الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه).
أولاً: منهج المشككين
ينطلق المنكرون للإمام المهدي المنتظر عليه السلام من دوافع ومنطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد والدعوة إلى الإيمان بها، فمنهج الإسلام الذي يعتمد المنطق والفطرة، يقوم في جانب مهمٍ منه على ضرورة الإيمان بالغيب، وتتكرر الدعوة في القرآن الكريم إلى ذلك، إذ هناك عشرات الآيات4 التي تتحدث عن الغيب والدعوة إلى الإيمان به، والمدحة عليه كما في قوله تعالى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾5، وفي الحديث النبوي الشريف6 كذلك، إذ هناك مئات الروايات وبصورٍ متنوعة وعديدة، وكلها تؤكد الإيمان بالغيب وعلى أنه جزء لا يتجزأ من العقيدة، وأنّ هذا الغيب سواء تعقّله الإنسان وأدرك جوانبه ولم يستطع إدراك شيء منه وخفيت عليه أسراره، فإنه مأمور بالإيمان، غير معذورٍ بالإنكار، بلحاظ أنّ مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالى، وبصدق سفرائه وأنبيائه الذين يُنبئون ويُخبرون بما يُوحى إليهم، كما هو الأمر في الإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وبسؤال الملكين (منكر ونكير) وبالبرزخ7 وبغير ذلك من المغيّبات التي جاء بها القرآن الكريم ونطق بها الرسول الأمين ونقلها إلينا الثقات المؤتمنون، وإذن فكلّ تشكيك بشأنها – أي قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف – إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب، والكلام فيه يرجع إلى هذا الأصل.
ومن هنا حاول المنكرون لعقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يهربوا، وينأوا بأنفسهم عن طائلة ذلك الاعتقاد، فلجأوا إلى التشكيك بالأخبار الواردة بشأنه وتضعيف أسانيدها كما فعل ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثاني والخمسين الذي عقده في أمر الفاطمي، حيث ضعّف الأحاديث المروية في المهدي مع اعترافه بظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف آخر الزمان، وبصحة بعض الأحاديث المروية بشأنه، وتبعه عدد من المقلدين أمثال علي حسين السائح أُستاذ كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا في بحثه (تراثنا وموازين النقد)8 إذ تعرّض فيه لموضوع المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتعلق بالخيوط العنكبوتية التي نسجها ابن خلدون حول عقيدة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وحسب أنه لجأ إلى ركن شديد، وأنه سيرقى عليها إلى السماء، غافلاً عن أنه تشبث بأوهن البيوت.
وعندما اصطدم هؤلاء بعدم إمكانية ردّ تلك الروايات وتضعيفها لكثرتها، وتعدد طرقها، وصحة أسانيد عدد كبير منها كما أثبتها أئمة الحديث9، لجأوا مرة ً أخرى إلى إحاطة أمر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالأساطير التي اخترعوها، كاختراعهم أُكذوبة السرداب التي لا أصل لها عند المعتقدين به، وقد ناقشها الشيخ العّلامة الأميني مناقشة وافية أبان تخبط القوم الخصوم في الأساطير التي نسجوها تارةً في موقع السرداب – إذ اختلفوا فيه اختلافاً مضحكاً – وتارةً أُخرى في مواقف الشيعة وطقوسهم المزعومة حول السرداب10.
ولجأ آخرون إلى إنكار ولادته11 الميمونة بإغراء ذوي المطامع12 والطموح السياسي والاجتماعي لتبني هذا الإنكار والإفادة منه، إلى غير ذلك من التعلقات الواهنة التي تسقط لدى عرضها على الحقائق الوفيرة، فضلاً عن مقتضيات الأحاديث الصريحة الصحيحة.
وبالجملة فإن منهج المشككين لم يخرج عن مثل تلك المنطلقات والتوهمات والمغالطات المنكرة، فضلاً عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الدينية والروائية.
ولعل من المناسب أن نورد ضمن هذا المنهج ما ذهب إليه بعض المعاصرين من أمثال إحسان إلهي ظهير13 والبنداري14 والسائح، ومن احتذى حذوهم، وقلدهم تقليداً أعمى من المنسوبين إلى الشيعة.
وملخّص ما أثاروه واستندوا إليه أمور نذكرها كما وردت على ألسنتهم، ثم نناقش أسس مدّعياتهم ومنهجهم، وذلك كما يأتي:
1- قالوا: إنّ الشيعة وقعوا في حيرة واضطراب بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام، وخاصة فيما يتعلق بولادة الإمام المهدي (محمد بن الحسن) عليه السلام، لوجود الغموض فيما وردت عنه من طريق الأئمة عليهم السلام عندما سُئلوا عنه.
2- قالوا: إنّ الشيعة انقسموا وتفرقوا إلى أربعة عشرة فرقة في مسألة الإمام بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، وأن أمر الإمام المهدي لو كان واضحاً ومهماً وجزءاً من المذهب الجعفري لما جاز الاختلاف فيه، ولما أمكن أن يبقى أمره سراً غامضاً.
3- زعموا أنّ الروايات التي تتحدث عن هوية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ضعيفة وموضوعة ومختلفة، سواء منها ما يتعلق بإسم أمه، أم بتاريخ ولادته، أم بما لابس ولادته، أم بغيبته وسفرائه.
وقد ختم أحدهم تخرصاته زاعماً بأنه لم يرفض إماماً ثبت وجوده من أهل البيت عليهم السلام، إنما حصل عنده شكّ بولادة الإمام الثاني عشر، لعدم توفر الأدلة الكافية – بحسب زعمه – ولعدم قناعته بها أي بالأدلة المذكورة، وذكر أنه لا يستبعد أن يطيل الله عمر إنسان كما أطال عمر النبي نوح عليه السلام، بالرغم من عدم الحاجة والضرورة لذلك. وأنه يبحث عن الأدلة التي تثبت أن الله تعالى قد فعل هذا بشخص آخر، لأنه لا يمكن أن يعتقد بحدوث هذا عن طريق القياس والتشبيه، ثم قال: "وقد كان سيدنا الصادق يرفض القياس بالأمور الفرعية الجزئية فكيف في الأمور التاريخية والعقائدية".
هذا ملخص ما أوردوه وانفتقت به عبقرياتهم وهم يحسبون أنهم جاءوا بما لم يتنبه إليه الأوائل.
وردّاً على هذه الإشكالات، وجواباً عن هذه الإثارات، نقول:
أولاً: إنّ وجود الغموض في تحديد هوية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووقوع الحيرة لدى الشيعة – لو صحّ كما صوّره الخصم وضخّمه – هو دليل على الخصوم وليس لهم، إذ عدم تحديد الهوية والإصرار على بقاء الأمر سراً دليلٌ على وجود الإمام والخوف عليه من الأعداء لا على عدم وجوده، كما توهّموا.
فالأئمة عليهم السلام –كما وردت الروايات15- لم يريدوا الكشف عن النفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وولادته الميمونة، لمعرفتهم بتكالب الأعداء في طلبه، وجدّهم وتربّصهم به، وقد كانوا يبثون العيون ويترصدون كلّ حركة للعثور على الإمام والتخلص منه، بعد أن تيقنوا بالأمر وشاهدوا ترقّب الأُمة وتطلعها لمقدمه الشريف ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً.
وكيف لا يحرص الأئمة عليهم السلام على حياته العزيزة، وقد فعل سلاطين الجور الأفاعيل، وارتكبوا الحماقات والشناعات بحق أهل البيت وذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إذ طاردوهم وسجنوهم وأذاقوهم التشريد والقتل أخذاً بالظنِة والتُهمة والوشاية المغرضة، ودونك التاريخ فاقرأ في (مقاتل الطالبيين) للأصفهاني العجب العجاب.
وإذن فكيف يكون الحال وقد اطّلع هؤلاء السلاطين على الروايات في صحاح المسلمين ومسانيدهم عن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من العترة الطاهرة، ومن ذرية فاطمة عليها السلام ومن أولاد الحسين عليه السلام تحديداً، وأنه سيظهر ليملأها قسطاً وعدلاً، فهذه المعرفة اليقينية قد خلقت شعوراً قوياً لدى الحكام الظلمة بأنّ عروشهم ستنهار. وكان هذا الهاجس هو الذي يفسّر لنا تلك الإجراءات الغريبة وغير الاعتيادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة عند سماع نبأ وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة، وليس هناك من تفسير معقول سوى اعتقادهم بوجود الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن، وأنه الإمام الموعود كما نطقت به الأخبار المتواترة لدى السنة والشيعة، ولذا أسرعوا إلى دار الإمام عليه السلام واتخذوا مثل تلك الإجراءات الاستثنائية بدءاً من التفتيش الواسع والدقيق، إلى حبس جواري الإمام وإخضاعهن للفحص16، كل ذلك في محاولة يائسة للقبض على الإمام. ولا عجب فقد حصل ذلك من نظرائهم، وحدّثنا القرآن الكريم عن فعل فرعون للقبض على النبي موسى عليه السلام فنجاه الله من الكيد.
ومن هنا نفهم السبب في إخفاء الإمام الصادق عليه السلام هوية المهدي والتفاصيل المتعلقة بهذا الأمر.
وليست الحيرة بعد ذلك والإضطراب إلا حالة طبيعية في ظل مثل تلك الظروف والملابسات الخاصة التي رافقت قضية المهدي عليه السلام في وجوده وولادته، وشغب السلطة وتمويهاتهم وإعلامهم الزائف، وإذن فليست (الحيرة) إلا بسبب تلك الظروف والملابسات، فضلاً عن أن الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام قد أشارت إلى وقوع مثل هذه الحيرة والفتنة والتفرق، كما نقل ذلك ابن بابويه القمي في (التبصرة)، والشيخ النعماني في (الغيبة) الباب الثاني عشر.
ثانياً: قولهم بضعف الروايات واختلاقها، ولا ندري هل أنهم يفرّقون بين الضعيف والموضوع أم هما عندهم سواء؟ ثم لماذا هذا الخلط المقصود بين مسألة وجود الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الثابتة بالطرق الصحيحة وبين بعض الروايات التي تلابس (حدث الولادة)؟ والعجب من ركوب هؤلاء جميعاً هذه الجرأة المفضوحة إذ إنّ روايات المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لم تروها كتب الشيعة فحسب، ولم ترد عن طرقهم فقط، وإنما روتها الصحاح والمسانيد والجوامع الحديثية المعتبرة كصحيح أبي داود، وصحيح البخاري وشروحه، ومسند أحمد بن حنبل، وجامع الطبراني، وجمعها السيوطي في العرف الوردي17 من عدة طرق، وحكى تواترها البرزنجي في الإشاعة18 وكذا الشوكاني في التوضيح19، ونقل ذلك أخيراً الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول20.
فانظر إلى جهل المشككين كيف رموا ما صحّ وتواتر عند الجمهور المسلمين من السنة والشيعة بالوضع والاختلاق واعجب لجرأتهم وشغبهم! إذ لا يصح بعد ذلك شيء مما تناقله الرواة من حوادث التاريخ، وأسماء الأعلام، وآراء المذاهب المختلفة.
ثالثا: استدل بعضهم على نفي وجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وولادته بقوله: إن الشيعة اختلفوا وانقسموا –على حد زعمه – إلى سبعة عشرة فرقة بعد وفاة الحسن العسكري عليه السلام، وهذا يدل – بحسب زعمه – على عدم وجود الإمام!!
ولعل من المناسب أن ننبه إلى أن الاختلاف حول موضوع وقضية وشخص لا يستلزم العدم، إذ لو جرينا على هذا المنطق لما قامت عقيدة، ولا ثبت دين، ولا استقام شأن من الشؤون، فالاختلاف قائم دائم في العقائد، وفي التواريخ، وفي الشخصيات، وفي الحوادث الواقعة، وفي الفروع، وفي سائر الأمور، وقد تفرق أبناء الفرقة الواحدة إلى فرقٍ وطوائف واتجاهات وآراء كما حدث عند المعتزلة والخوارج والأشاعرة21 وغيرهم.. ثمّ ألم تسمع بما تناقله أهل الحديث من الرواية المشهورة وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "... وتفترق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقة"22.
ونتسائل هنا حول أي شيء كان الافتراق؟ وهل يستلزم ذلك نفي ما تفرقوا (فيه) لهذا السبب؟! وإذن لا تبقى عقيدة، ولا تسلم حقيقة، ولا يستقيم أمرٌ بسبب وقوع الافتراق والانقسام في ذلك بحسب المنطق.
والسؤال الأهم، ما هي هذه الفرق التي انقسم إليها الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام؟ وما هي تسمياتهم؟ ومن هم زعماء ورجال هذه الفرق المزعومة؟
لقد قال الشهرستاني في الملل والنحل "وأما الذين قالوا بإمامة الحسن – العسكري عليه السلام-: فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة، وليست لهم ألقاب مشهورة، ولكنا نذكر أقاويلهم.."23. وإذن هو لا يعرف أسماؤهم ولا رجالهم، وهم حسب زعمه إحدى عشرة فرقة، أما هؤلاء المقلدون الكذابون من أمثال إحسان إلهي ومن تابعه أخيرا فقد زادوا العدد فرقاً أخرى ليس لهم اسم ولا رسم، حتى أوصلها أحد هؤلاء المفضوحين إلى سبع عشرة فرقة!! وأنى لهم بمعرفتها وهي من مختلقاتهم؟ ولذا لم يذكر أحد منهم زعيماً ورجلاً معروفاً في التاريخ من هذه (السبع عشرة) فرقة، بل ولم يجرأ أحد هؤلاء المفترين على الشيعة أن يشير إلى مكان وزمان وجودهم.
ويحسن أن ننقل تعليقة العلامة عبد الحسين شرف الدين في الفصول المهمة حول هذه الكذبة التي أطلقها الشهرستاني في ملله، قال العلامة مُعقباً: "وليته أسند شيئاً من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق إلى كتاب يتلى وشخص خلقه الله تعالى! وليته أخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق وزمانها واسمها! فبالله عليك، هل سمعت بفرق متخاصمة، ونحل آراؤها متعاركة لا يُعرف لهم في الأحياء والأموات رجلٌ وامرأة؟! ولا يوجد في الخارج لهم مسمى ولا اسم؟!!"24.
والظاهر أن أحدهم قد أدرك خطأه واشتباهه فقال أخيراً: إني لم أرفض إماماً ثبت وجوده من أهل البيت عليهم السلام، وإنما حصل عندي شك بولادة الإمام الثاني عشر. زاعماً أن السبب هو عدم قدرة توفر الأدلة الكافية، وعدم قناعته بالأدلة!!
والسؤال الذي نثيره هنا هو، عن أي نوعٍ من الأدلة يبحث هؤلاء؟ وهل هناك أدلة أقوى من إطباق الطائفة وعلماء الأمة ورواتها الثقات على مثل هذا الأمر، أعني ولادة الإمام الحجة ابن الحسن عليه السلام؟ إذ ليس هناك من سبيل إلى ثبوت مثل هذه الأمور إلا الخبر الصحيح، وتوفر الشواهد، وقيام القرائن والمؤيدات من العقل والمنطق، وقد ثبت من كل هذه الجهات.
ولعل من المناسب الإشارة إلى ما حققه السيد ثامر العميدي في كتابه (دفاع عن الكافي) الجزء الأول، وأثبت ولادة الإمام واستمرار وجوده الشريف بالروايات والأحاديث الصحيحة، ثم بالنقل التاريخي المتواتر، كما أورد اعترافات وشهادات الفقهاء والمحدثين والمفسرين والمؤرخين وأهل التحقيق والأدباء والكتاب، وكلهم من أهل السنة بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، ونقل ذلك عنهم بدءاً من بداية القرن الرابع الهجري كالروياني في المسند، وسهل بن عبدالله البخاري (ت /341هـ) في سر السلسلة العلوية، والخوارزمي (ت/387 هـ) في مفاتيح العلوم طبعة ليدن 1895 ميلادية.
كما أورد إعترافات من رجال القرن الخامس إلى القرن الرابع عشر، ومنهم:
-أبو نعيم الأصفهاني (ت/430 هـ) في الأربعين حديثا.
-يحي بن سلامة الخصفكي الشافعي (ت/568 هـ).
-تذكرة الخواص لابن الجوزي.
-محي الدين بن عربي (ت/638 هـ) في الفتوحات المكية على ما نقله الشعراني في اليواقيت والملك المؤيد.
-أبي فداء اسماعيل بن علي (ت/732 هـ) في المختصر في أخبار البشر.
-ابن الصباغ المالكي (ت/855 هـ) في الفصول المهمة.
-جلال الدين السيوطي (ت/911 هـ) في احياء الميت.
-ابن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (ت/953 هـ) في كتابه الأئمة الإثنا عشر.
-أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي (ت/ 1019 هـ) في كتابه أخبار الدول.
-الشبراوي الشافعي (ت/ 1171 هـ) في الإتحاف بحب الأشراف.
-محمد أمين السويدي (ت/ 1246 هـ) في سبائك الذهب.
وأخيراًالزركلي (ت / 1396 هـ) في الأعلام.
وهذا الكم الكبير من الروايات والنقول والشواهد والشهود ألا تكفي للإقتناع بوجود شخص وولادته؟ وإذا لم يكن ذلك كله كافياً ودليلاً، فلازمه بالضرورة الشك في كل الحوادث الماضية والشخصيات العلمية والتاريخية وما جرى في غابر الزمن البعيد والقريب وعند ذاك لا يصح شيء، ولا يثبت شيء، فهل هذا يرضي مثل هؤلاء المتطفلين على البحث والتحقيق؟
وأما إذا كان الأمر من جهة تعقل الموضوع، فدونك (بحث حول المهدي) للشهيد الصدر...فهو الشافي الكافي، والحجة الدامغة والبرهان القاطع لمن يفكر بعقله، ولا يتعبد بما نقله وحكاه ذوو الأغراض المعروفه والمغالطات المفضوحة أمثال ظهير والبنداري وغيرهم.
ولعل من الأمور التي تدلك على المغالطة المفضوحة هو قولهم: "لا نستبعد أن يطيل الله عمر إنسان... ولكن لا يمكن الإعتقاد بحدوث هذا عن طريق القياس، وقد كان سيدنا الصادق يرفض القياس في الفروع، فكيف في الأمور التاريخية والعقائدية؟!".
وقد فاتهم أن القياس هنا أمر وارد، ودليل معتبر عند أهل المنطق وأهل النظر في مثل هذه الموارد التي قد لا يدركها الإنسان إلا عن طريق التشبيه والقياس، وهو اسلوب علمي، ومنهج قرآني ﴿وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾25، وقال تعالى حاكيا قول المنكرين لبعض الأمور الإعتقادية كالمعاد كما في الآية المباركة: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾26.
فانظر كيف يتنكب المتطفلون عن المنهج القرآني والعلمي؟ وانظر إلى عدم تفرقتهم بين القياس في أحكام الشريعة المنهي عنه، لعدم إحراز علة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه، وبين القياس في مجال المعقولات الذي لا شبهة فيه.
وهكذا نخلص إلى القول أنّ أصحاب هذا المنهج التشكيكي ليس بأيديهم حجة ولا برهان، ولا يملكون سنداً علمياً وتاريخياً مقبولاً ومنطقياً في نفيهم وتشكيكاتهم، وإنما هي مجرد ظنون وأوهام، وافتراضات وحدوس تتهاوى أمام الأدلة والبراهين المتينة، الروائية والتاريخية والعقلية كما سطّرها وحققها المثبتون لولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واستمرار وجوده الشريف المبارك.
ولا يضير ذلك ما أُحيطت به روايات ولادته التي اختلفت من بعض الوجوه، ومحاولة هذا النفر استغلالها بصورةٍ غير أمينة ولا دقيقة للتشويش على أصل الموضوع، وهو ولادة الحجة ابن الحسن محمد المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد ثبت من الطريق الاعتيادي الذي تثبت به الولادات، وهو شهادة القابلة حكيمة بنت الإمام الجواد، وعمة الإمام العسكري، وصحّة الرواية عنها بأسانيد معتبرة صحيحة27.
وإذا كان هناك من نقل روايات أُخرى سواء في زواج الإمام أبي محمد الحسن العسكري من (نرجس) أُمّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أم في اسمها، أم في ولادة المهدي وما جرى ولابس تلك الولادة المباركة، أم في الإختلاف في تاريخ الولادة "فإن المشهور على ما نقله الثقات من الشيعة والسُنة، هو ولادته سنة 255 هـ في الخامس عشر من شعبان، وأنّ أُمّه هي (نرجس) وكانت جارية عند إحدى أخوات الإمام علي الهادي عليه السلام، فطلبها الإمام العسكري وتزوجها، وولدت منه الإمام المهدي، كما صرح به الإمام العسكري بسند صحيح لا خدشة فيه"28. وقد بشّر الإمام العسكري أصحابه وشيعته خاصة بالمولود المبارك، وأنه الخلف الحجة الموعود والإمام من بعده29.
وأخيراً لابد من التنبيه أيضاً إلى أن منهج هؤلاء المنكرين في قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يقوم على أُسلوب كان قد اتبعه المستشرقون من قبل في معالجتهم ومناقشاتهم لعقائد الإسلام، ونبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، ولِماَ جاء في القرآن الكريم من المفاهيم والأفكار والأحكام، وهذا الأسلوب يتمثل – كما يرى المستشرق المنصف آربري30- "باقتطاع النصوص من سياقها، وبالتحليل السطحي..." هذا فضلاً عن المغالطات والمفارقات المنهجية كالإحالة إلى المصادر بصورةٍ غير دقيقة وغير أمينة31، وكالتدليس والكذب في نسبة الآراء، إذ يوردون نصوصاً ثم يذكرون المصادر جملةً، على سبيل التمويه، والأنكى والأعجب أنهم –و بحسب تحليلهم السطحي – يطرحون فهمهم لبعض المطالب على أنه الرأي عند المذهب والطائفة وهو فهم غير دقيق، ثم يحاولون أن يحشدوا النصوص ويقسروها لتتلائم مع تصوراتهم وإفهامهم هُم، وليس مع ما ذهب إليه المذهب ومع ما كان مقبولاً ومعتمداً.
وأرى لزاماً عليّ التنبيه أيضاً إلى أمرٍ مهم، ذكره العلامة محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن قائلاً: "إن مجتهدي الشيعة لا يُسوغون نسبة أي رأي يكون وليد الإجتهاد إلى المذهب ككل، سواء كان في الفقه أم الأصول أم الحديث، بل يتحمل كل مجتهد مسؤولية رأيه الخاص نعم ما كان من ضروريات المذهب يصح نسبته"32.
ومن هنا يكون من المجازفة في القول تعميم الرأي الإجتهادي ما لم يحظ بالقبول والشهرة. وكذلك الأمر في المجالات الأخرى فإنه لو ذهب أحد المفسرين والإخباريين إلى رأي، وأخذ برواية، وأبدى وجهة نظر معينة، وحتى لو اعتمد نظرية وفكرة، فإنه لا يصح تحميل المذهب والطائفة ذلك، بل يكون من المنطقي نسبة الرأي إليه، وتحمله هو اعتماده على هذه الرواية، وتلك، مع ضرورة الأخذ بنظر الإعتبار منهجه الروائي الخاص. ويكون حينئذ على الباحث العلمي أن يحصر رأي المذهب من مجموع آراء الفقهاء والعلماء، واستناداً إلى المنهج العام لديهم بما في ذلك منهجهم في قبول الأخبار والروايات والأسانيد، وكذلك يشترط الرجوع إلى ما أصلوه من المفاهيم والآراء بالرجوع إلى المصادر الأصلية والأساسية لديهم.
وعليه فبدون ذلك، أعني بدون الالتفات إلى هذه الملاحظة المهمة، فإن الباحثين سيقعون بلا أدنى شك في الخلط والمجازفة والاشتباه، ولا يُعفون حينئذ من سوء القصد ومحاولة المشاغبة والتشويش وهو ما دأب عليه أسلافهم من المستشرقين وخصوم الإسلام والحاقدين على أهل البيت عليهم السلام، وعلى مدرستهم الأصيلة في الإسلام الحنيف، كما هو شأن إحسان إلهي ظهير والجبهان، والبنداري وغيرهم في القديم والحديث.
وتبقى كلمة أخيرة فيما يتعلق بالمهدي الموعود عليه السلام بعد ثبوت ولادته الميمونة ووجوده المبارك، وهي مسألة تعقل وعقلانية استمرار وجوده الشريف وثبوت ذلك منذ الغيبة الصغرى، وحتى انقطاع السفارة ثم وقوع الغيبة الكبرى. وهنا سيجد القارئ الكريم والباحث الطالب للحقيقة سيجد فيما كتبه السيد الشهيد، ووضحه من هذه المطالب، وما ساقه من الأدلة العقلية والمنطقية والعلمية ما يشفي الغليل، ويزيل أوهام وتعلقات المشككين.
ثانياً: منهج المثبتين
1- المنهج الروائي
إن الذين كتبوا في قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كثيرون جداً، قديماً وحديثاً، ومنهم من أفرده بكتاب مستقل ومنهم من كتب فصلاً وفصولاً، وقد أحصى عبد المحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة أكثر من عشرة مؤلفين من أجلاء علماء أهل السنة، منهم:
الحافظ أبو نعيم.
السيوطي الشافعي.
الحافظ ابن كثير.
علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال.
ابن حجر المكي في مؤلفه: (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر).
مرعي بن يوسف الحنبلي (ت / 1033 هـ)، ومؤلفه الذي سماه (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر)، ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية.
القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت/ 1250 هـ) الذي سمى مؤلفه (التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح) إلى غيرهم.
أما عند الشيعة فهناك عشرات الكتب والرسائل التي كتبت ونشرت قديماً وحديثاً منها أخيراً:
منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني.
وإلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري.
والمهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة والإمامية للشيخ نجم الدين العسكري، نشر مؤسسة الإمام المهدي – طهران.
والإمام المهدي لعلي محمد علي دخيل طبع بيروت، وهو جليل ومهم جداً.
وقد اعتمد هؤلاء العلماء وغيرهم في مناقشاتهم لدعاوى المنكرين على الأدلة النقلية غالباُ، فأثبتوا صحة أحاديث المهدي من طرق أهل السنة والشيعة33، وتعدد طرق الرواية، وكثرة الرواة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من سائر الفرق والمذاهب الإسلامية. فقد نقل الشيخ العباد أن رواة حديث المهدي من الصحابة ستة وعشرون راوياً، أما الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي فيبلغ عددهم ثمانية وثلاثون، ذكر أسماءهم وفي مقدمتهم:
أبو داود في سننه.
الترمذي في جامعه.
النسائي في سننه.
أحمد في مسنده.
أبو بكر بن شيبة في المصنف.
الحافظ أبو نعيم في الحلية وفي كتاب المهدي.
الطبراني في المعجم الكبير والأوسط.
ابن عساكر في تاريخه.
أبو يعلى الموصلي في مسنده.
ابن جرير في تهذيب الآثار.
البيهقي في دلائله.
ابن سعد في الطبقات.
وغيرهم.
ونريد أن نسأل (أحمد أمين) ومن عزف على نغمته هنا: هل أن مثل هؤلاء الأئمة من علماء الحديث والرواة المعتبرين الذين تلقتهم الأمة بالقبول، واعتمدت عليهم فيما نقلوه من صحيح الآثار وصححوه، كلهم يتواطؤن على نقل (اسطورة)؟، وكيف يعقل أن تهتم الأمة، وأجل العلماء والمحققين وأصحاب الصحاح والمسانيد (بأسطورة) إلى هذا الحد؟؟ ولماذا هذه الجرأة المنافية لأبسط قواعد الذوق والمنطق والعلم والأخلاق ؟، أوليس تدل مثل هذه التشويشات على ركوب الهوى والانسياق واللهاث وراء تلويحات الوهابية، (ورنين إغراءاتها)؟، بل إن العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين أثبتوا تواتر أحاديث المهدي ليقطعوا الطريق والعذر على المتشككين والمتأولين، كما فعل:
الشوكاني (ت/ 1250 هـ) في رسالته المسماه بـ(التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح).
البزرنجي (ت/ 1103هـ) في (الإشاعة لأشراط الساعة).
ثم ذكر الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية آخرين، منهم:
الحافظ الآبري السجزي (ت/ 363 هـ).
الشيخ محمد السفاريني (ت/ 1188 هـ) في كتابه لوامع الأنوار البهية.
الشيخ صديق حسن القنوجي (ت/ 1307 هـ).
ومن المتأخرين الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي الشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت/1345هـ) في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر.
وقد تصدى العلماء أيضاً إلى ما تعلق به الخصوم من دعاوى، وما أثاروه من اشكالات وطعون في الروايات وأجابوا34 عن ذلك بجوابات سديدة ومتينة، ولعل من أهم هذه الدراسات الحديثة:
أ- دراسة عبد المحسن العباد35- وهو إستاذ جامعي ومن علماء أهل السنة – وهي على ما فيها من زلات واشتباهات، إلا أنه عرض فيها بالتفصيل لذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحصى منهم ستة وعشرين صحابياً، ثم ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأحصى منهم – أي من أئمة الحديث – ثمانية وثلاثين، ثم أورد بعد ذلك أسماء العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بالتأليف، وذكر عشرة منهم، ثم ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثم انتقل إلى ذكر ما ورد في الصحيحين مما له تعلق بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ثم انتقل إلى ذكر بعض الأحاديث في غير الصحيحين من السنن والمسانيد، ثم ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واعتقدوا موجبها، ثم تعرض بالمناقشة القوية للمنكرين لأحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف والمترددين في شأنه، وذكر منهم ابن خلدون، وسجل عليه ملاحظات وإيرادات أظهر فيها تهافته وعدم تبصره بالأمور، ونقل عن الشيخ المحقق أحمد شاكر الذي حقق مسند الإمام أحمد وخرج أحاديثه قوله عن ابن خلدون راداً عليه تشكيكاته: "أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس به علم واقتحم قحماً لم يكن من رجالها، وانه تهافت تهافتاً عجيباً في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وغلط أغلاطاً واضحة..." وانتهى آخر الأمر إلى أن المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حقيقة ثابتة لا تقبل الشك.
ب- أما الدراسة الثانية فكانت للباحث والمحقق ثامر العميدي، الذي جرى على منهج علماء الإمامية الأجلاء الذين عالجوا هذه المسألة، وأشبعوها بحثاً واستقصاءً، واستطاع هذا الباحث الفاضل أن يلخص تلك المطالب، ويستوفي تلك المضامين ويستوعبها، ويضفي على ذلك كله من بيانه وتحقيقاته، ويخرجه على منهج علمي رصين، وقد استغرقت هذه الدراسة الصفحات من 171 إلى 611 من الجزء الأول من كتابه القيم (دفاع عن الكافي) الذي نشره مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة 1995 م.
ومن أهم الأمور التي عرض لها بأُسلوب علمي: تحليل فكرة الاعتقاد بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف36، ومناقشاته لتضعيفات ابن خلدون37، ونقله أكثر من ثمانٍ وخمسين38 شهادة وتصريح بصحة أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وتواترها، ثم مناقشته لمن أنكر ولادة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإيراده أدلةً وافية متينة واعترافات من أهل السنة بدءاً من القرن الرابع الهجري وحتى قرننا الحالي بولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ووجوده الشريف39، وأخيراً مناقشته الطريفة لفرية السرداب40 وغيرها.
لقد أوردت هاتين الدراستين بصفتهما نموذجين حديثين للدراسات التي التزمت بمسلك العلماء المتقدمين والإفادة منهم واتباع منهجهم، وإلا فهناك عشرات الدراسات لأفاضل العلماء والمحققين ممن برع في مناقشة تلك القضية41.
2- المنهج العقلي
(منهج الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه)
لم ينطلق الشهيد الصدر في بحثه (قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف) من بديهيات ومقدمات مسلّم بها عند الأطراف، ولم يعتمد تتبع القضية في كتب التفسير والرواية، ومناقشة ما ورد بشأنها من أسانيد، وإنما سلك مسلك آخر، فبدأ بطرح الإثارات حول القضية وعرض التساؤلات والإشكالات المنتزعة مما قيل ويقال حول القضية، ثم بدأ بالمناقشة العميقة والدقيقة معتمداً الدليل العقلي، ومستنداً إلى معطيات العلم والحضارة المعاصرة، ونعرض معالم هذا المنهج كما يأتي:
أ- لقد مهد السيد الشهيد لبحثه بإعطاء تصور واضح لفكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف42 في جذورها الممتدة إلى التراث الديني والإنساني، ثم انتقل إلى تأصيلها في الفكر الإسلامي، ثم عرضها في التصور الإسلامي على أنها ليست مجرد فكرة وأمل يداعب الشعور، ويجد عنده الإنسان المسلم استراحة تخلصه من حالة التوتر النفسي عندما تشتد وتتعاظم المحنة – كما هو زعم بعض الباحثين – وإنما (المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف) يتجسد في إنسان معين43 حي يعيش مع الناس ويشاركهم همومهم وآلامهم.
ب- إن هناك صعوبة في استيعاب هذا التصور الأصيل،فقد أثار إشكالات وتساؤلات هي في عقول الناس، وفي حواراتهم المعلنة والحبيسة، ومن هنا بدأ الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه يطرح هذه التساؤلات والإثارات بكل صراحة ووضوح، ثم يشرع في معالجتها بأسلوبه الخاص، وذلك ليضع القضية في محلها الطبيعي ضمن إطار العقيدة الإسلامية التي تقوم أساساً على العقلانية والواقعية والبرهان.
أ- والتساؤل الأول الذي يطرحه السيد الشهيد هو:
"إذا كان المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يعبر عن إنسان حي عاصر كل تلك الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر امتداداتها، فكيف تأتى له هذا العمر الطويل؟! وكيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتم مروره بمرحلة الشيخوخة والهرم؟!" ثم ينتقل من سؤال إلى سؤال، ومن إثارة إلى إثارة بترتيب منطقي يمهد الجواب السابق للاحق، وتترابط المضامين والمباحث ترابطاً منهجياً محكماً.
وبالنسبة إلى السؤال الأول أعاد طرحه كالآتي: هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً متطاولة كما هو المفترض في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي طوى من العمر أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة44؟ وهذه الصياغة للسؤال لا تختلف بشيء عن السابق، وتمهيداً للجواب أعطى إيضاحاً لأنواع الإمكان المتصورة والمعروفة وهي الإمكان العملي، والإمكان المنطقي والفلسفي، وبعد أن بين المقصود بها خلص إلى القول: "ان امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية"، وأن الإمكان العملي بالنسبة إلى نوع الإنسان ليس متاحاً الآن، والتجربة المعاصرة لا تساعد عليه.
أما الإمكان العلمي فلا يُوجد ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية، لأن التجارب آخذة بالازدياد لتحويل الإمكان العلمي إلى إمكان عملي، وهي سائرة بهذا الاتجاه من زاوية محاولاتها لتعطيل قانون الشيخوخة. وفي ضوء هذا لا يبقى مبرر منطقي للاستغراب والإنكار اللهم إلا من جهة أن يسبق (المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف) العلم نفسه فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية. وهذا أيضاً لا يوجد مبرر عقلائي لاستبعاده وإنكاره، إذ هو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء السرطان وغيره مثلاً.
إن هذا السبق – كما يقول السيد الشهيد – في الأطروحة الإسلامية عموماً – التي صممت قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف – قد وقع وحصل في أكثر من مفردة وعنوان، وقد سجل القرآن الكريم نظائر ذلك حين أورد وأشار إلى حقائق علمية تتعلق بالكون والطبيعة وجاء العلم فأزاح الستار عنها أخيراً، والأكثر صراحةً أن القرآن قد دون أمثال ذلك كما في مسألة عمر النبي نوح عليه السلام، قال تعالى ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾45، ثم ينتقل السيد الشهيد إلى افتراض آخر ينشأ عن السابق وهو:
ماذا لو افترضنا أن قانون الشيخوخة قانون صارم، وأن إطالة العمر أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد خلاف القوانين الطبيعية التي دلنا عليه الاستقراء؟!.
وجوابه: أنه حينئذ يكون من قبيل المعجزة، وهي ليست حالة فريدة في تاريخ الأنبياء والمرسلين، والأمر بالنسبة للمسلم الذي يستمد عقيدته من القرآن والسنة المشرفة ليس أمراً منكراً، إذ هو يجد أن القانون الذي هو أكثر صرامة قد عطل، كما حدث بالنسبة إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام في نجاته من النار العظيمة بعد أن ألقي فيها، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾46.
ثم يبين السيد الشهيد بعد ذلك أن مسألة المعجزة بمفهومها الديني قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومةً بدرجةٍ أكبر مما كانت عليه. وشرع في تقديم المعالجة الفلسفية المتينة مستنداً إلى النظريات الفلسفية الحديثة.
ب- وينتقل السيد الشهيد إلى سؤال آخر وهو:
لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى هذا الحد، فتعطل القوانين لأجله؟ ولماذا لا نقبل الافتراض الآخر الذي يقول: إن قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخص آخر يتمخض عنه المستقبل وتنضجه إرهاصات ذلك اليوم؟ ويعيد صياغة السؤال كالآتي:
ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة؟ وما هو المبرر لها؟ ويعقب هنا قائلاً: إن الناس لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً أي أنهم يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها.
وللإجابة عن هذا السؤال، يتقدم السيد الشهيد وهو متسلح بالمعرفة بقوانين الاجتماع، وبمتطلبات التغيير الاجتماعي وقوانينه، فيبدأ بطرح سؤال يمهد به للإجابة، وهو:
هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل للقائد المدخر عاملاً من عوامل نجاحه في عملية التغيير المرتقب؟ ثم يجيب بالإيجاب، ويقدم أدلةً تستند إلى فهم عميق لحركة التاريخ، ومستلزمات التغيير الحضاري الشامل، وأثر الحضارات التي ينشأ الإنسان في ظلها على مستوى تفكيره ورؤاه ودوره الحضاري، ثم يكيف المسألة في ضوء رسالة الإسلام والنقلة الحضارية التي يريدها.
وهكذا يحول السيد الشهيد البحث إلى دراسة اجتماعية تعتمد المقولات والمفاهيم الاجتماعية، فضلاً عن تأصيل مفاهيم ونظرات اجتماعية مهمة.
ج- ينتقل الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه بعد ذلك إلى معالجة قضية أكبر ترتبط بقضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وهي:
(الإمامة المبكرة) و(كيفية إعداد القائد الرسالي) في نظرية الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية، فيذكر أن هذه الظاهرة (الإمامة المبكرة) عاشتها الأمة فعلاً47، وقد بلغت ذروتها في الإمام المهدي والإمام الجواد عليهما السلام من قَبلِه.
وهذه الظاهرة – كما يقول رضوان الله تعالى عليه – " تشكل مدلولاً حسياً عملياً عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بالإثبات لظاهرةٍ من الظواهر هي أوضح وأقوى من تجربة أمة"48.
ويورد السيد الشهيد كثيراً من الحقائق التاريخية التي تؤكد هذه الظاهرة، ثم يخلص إلى القول: بأنها أي الإمامة المبكرة في ضوء ذلك كانت ظاهرةً واقعية وليست وهماً ومجرد افتراض، وأن لها أمثلةً في القرآن الكريم، كما هو الأمر بالنسبة إلى النبي يحي عليه السلام، في قوله تعالى ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾49. وهذا ما لا يسع المسلم إنكاره.
د-وينتقل السيد الشهيد إلى البحث الروائي وإلى ما ردده وأثاره المشككون والخصوم قديماً وحديثاً بقوله:
"كيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ وهل تكفي بضع روايات تُنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للإقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر عليه السلام على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تأريخياً حقاً، وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته؟"
هكذا يطرح السيد الشهيد هذا السؤال بكل تفرعاته الممكنة والمنتزع بعضها مما أثاره ويثيره بعض المتأثرين بمناهج الغرب في دراسة تاريخنا الإسلامي وقضيانا الإسلامية مثل أحمد أمين في دراسته (المهدي والمهدوية) ومن سلك هذا المسلك من الخصوم50.
ويتصدى السيد الشهيد للإجابة عن هذا السؤال متسلحاً ومتوسلاً بمنطق العقل والدليل العقلي وعندما يعرض الدليل الروائي أيضاً في المقام نجده يعرضه مدعوماً بالوثائق والواقع والتجربة التاريخية، ولنسمعه يقول: "إن فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق إخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من طرق الشيعة والسنة فكانت أكثر من (ستة آلاف رواية)، وهذا – كما يقول السيد الشهيد – رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة"51.
ج- يتخذ السيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه هنا مسلكاً جديداً في الإستدلال على (الخصوصية المذهبية) أي مسألة تجسيد الفكرة (فكرة المهدي) في إنسان معين هو الإمام الثاني عشر عليه السلام، مستفيداً من الروايات والبحث الروائي، وموظفاً ذلك بصورة مبدعة في إثبات (المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فيطرح أولاً المبرارات التي يراها كافية للإقتناع ويلخصها في دليلين أحد
2010-02-04