يتم التحميل...

ومضات من الحياة العلمية والعبادية للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

في أجواء العلم، كانت السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) عالمةً عظيمة، فتلك الخطبة الّتي ألقتها في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)،

عدد الزوار: 49

في أجواء العلم، كانت السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) عالمةً عظيمة، فتلك الخطبة الّتي ألقتها في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، هي خطبة، بحسب كلام العلّامة المجلسيّ، يحتاج فطاحل الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ليفسّروا معاني كلماتها وعباراتها. لقد كانت بمثل هذا العمق، وبلحاظ جمالية الفنّ، فهي مثل أجمل وأرقى كلمات نهج البلاغة. تذهب السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) إلى مسجد المدينة، وتقف أمام النّاس وترتجل، ولعلّها تتحدّث لمدّة ساعة بأعذب وأجمل العبارات، وأكثرها بلاغةً.
 
فأمثالنا نحن الّذين نُعدّ من أهل الخطابة والكلام الارتجاليّ، نفهم كم أنّ هذه الخطبة عظيمة. فتاة ابنة 18 أو 20 سنة، وفي الحدّ الأكثر 24 سنة - فالسنّ الدّقيق لحضرة الزّهراء (عليها السلام) غير مسلّم -، ومع كلّ تلك المصائب والصّعاب أتت إلى المسجد وخاطبت الجمع الغفير من وراء حجاب، بحيث بقيت كلمات هذه الخطبة كلمة كلمة في التاريخ.
 
كان العرب معروفين بقوّة حافظتهم، فكان يأتي شخصٌ وينشد قصيدة من 80 بيتًا، وبعد أن ينتهي يقوم 10 أشخاص ويكتبون هذه القصيدة، فهذه القصائد الّتي بقيت إلى يومنا هذا، في الأغلب هكذا حُفظت. كانت الأشعار تُتلى وتُحفظ في الأندية، أي في تلك المراكز الاجتماعيّة. وهذه الخطب وهذه الأحاديث كانت (تُحفظ) بهذه الكيفيّة أيضًا. لقد جلسوا وكتبوا وحفظوا، وبقيت هذه الخطب إلى يومنا هذا. أمّا الكلمات الجوفاء فلا تبقى في التاريخ، فليس كلّ كلام يُحفظ، فلقد قيل الكثير الكثير، وأُلقي الكثير من الخطب والكثير من الأشعار، ولكن لم تبقَ كلّها، ولم يعتنِ بها أحدٌ. كلّما نظر الإنسان إلى ذاك الشّيء الّذي حفظه التاريخ في قلبه، وبعد مرور 1400 سنة، يشعر بالخضوع، وهذا إنّما يدلّ على هذه العظمة.
 
حياتها (عليها السلام) العبادية
كانت عبادة السيدة فاطمة الزّهراء (عليها السلام) عبادةً نموذجيّة. يقول الحسن البصريّ، الّذي كان أحد العبّاد والزهّاد المشهورين في العالم الإسلاميّ، بشأن فاطمة الزّهراء (عليها السلام): إنّ بنت النبيّ عبدت الله ووقفت في محراب العبادة حتى تورّمت قدماها[1]. ويقول الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): إنّ أمّه وقفت تعبد الله في إحدى الليالي ـ ليلة الجمعة ـ "حتى انفجر عمود الصبح". ويقول الإمام الحسن (عليه السلام) إنّه كان يسمعها تدعو دائمًا للمؤمنين والمؤمنات وللنّاس، وتدعو لقضايا العالم الإسلاميّ العامّة، وعند الصّباح قال لها: "يا أمّاه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ، الجار ثمّ الدار"[2]. هذه هي الرّوحيّة العظيمة.
 
تلك كانت عبادة فاطمة(عليها السلام) التي تجلَّت وانعكست في مجتمعها إحساناً وكرماً, فكان إحسانها إلى الفقراء بحيث عندما أرسل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلًا عجوزًا فقيرًا إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام وقال له أن يطلب حاجته منهم، أعطته فاطمة الزّهراء (عليها السلام) جلدًا كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام)، حيث لم يكن عندها شيءٌ غيره، وقالت له أن يأخذه ويبيعه ويستفيد من ثمنه. هذه هي الشّخصيّة الجامعة لفاطمة الزّهراء (عليها السلام).
 
* من كتاب: تاريخ النبي وأهل البيت (عليهم السلام)- سلسلة المعارف التعليمية - دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] ابن شهرآشوب، المناقب، ج3، ص 341.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 86، ص 313.