يتم التحميل...

نماذج ولائية في معركة بدر

إنّ القيادة الصالحة والحكيمة المتمثّلة بشخص الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لهو عنصر أساس في موضوع النصر الإلهيّ في بدر، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام):

عدد الزوار: 17

إنّ القيادة الصالحة والحكيمة المتمثّلة بشخص الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لهو عنصر أساس في موضوع النصر الإلهيّ في بدر، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام): "كُنّا إذا احمرّ البأس، اتّقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه"[1]، مضافاً إلى عنصرٍ آخر تجسّد في الالتزام والطاعة والانصياع الكامل والتامّ لأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخططه، والمصداق الأبرز للعنصر الثاني هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ الحمزة عمّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وابن عمّه عبيدة بن الحارث، وخصومهم الثلاثة: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وفيهم نزل قوله تعالى: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾[2].
 
هذا في المعركة، وقد تجلّت مواقف عدّة قبل المعركة، تدلّ على مدى إيمان أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتسليمهم المطلق، وولائهم الكامل، نذكر منها:

1- موقف المقداد بن الأسود:
وللمقداد بن الأسود موقف يُبرز هذه الطاعة الكاملة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك عندما أتاه خبرٌ عن قريش ومسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار الناسَ وأخبرهم عن قريش، فقام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله، امضِ لأمر الله، فنحن معك. واللهِ، لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لنبيها: ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾[3]، ولكن اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون. والذي بعثك بالحقّ، لو سرتَ بنا إلى بُرك الغماد لسرنا معك" (وبرك الغماد من وراء مكة بخمس ليالٍ من وراء الساحل ممّا يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكّة إلى اليمن)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيراً، ودعا له بخير"[4].
 
2- موقف سعد بن معاذ:
ولِسعد بن معاذ موقفٌ مماثلٌ، جسّد فيه موقف الأنصار مع الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما خاطبهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: "أشيروا عليّ أيّها الناس".
 
فقام سعد بن معاذ، فقال: "أنا أجيب عن الأنصار، كأنّك يا رسول الله تريدنا"، قال: "أجل"، قال: إنّك عسى أن تكون خرجت عن أمرٍ قد أُوحي إليك في غيره، وإنّا قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ كلّ ما جئت به حقٌّ، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامضِ يا نبيّ الله، فوالذي بعثك بالحقّ، لو استعرضتَ هذا البحر فخضتَه لخضناه معك، ما بقي منّا رجل، وَصِلْ مَنْ شئت، واقطعْ مَنْ شئت، وخُذْ من أموالنا ما شئت، وما أخذتَ من أموالنا أحبُّ إلينا ممّا تركت. والذي نفسي بيده، ما سلكتُ هذا الطريق قطّ، وما لي به من علمٍ، وما نكره أن يلقانا عدونا غداً، إنّا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعلّ الله يُريك منّا ما تقرّ به عينك"[5].
 
إنّ في هذين الموقفين دلالةً واضحةً على مدى التسليم والطاعة للوليّ، ومدى تأثير ذلك في تحقيق النصر وصنعه، فهذا الإيمان بالله تعالى، والثقة التامّة برسوله، عاملان أساسان في هزيمة قريش وانتصار المسلمين في بدر، والذي شكّل مفاجأة غير مُتوقَّعة، وصلت أصداؤها إلى الحبشة.
 
* من كتاب: التربية الولائية - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] السيد الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام-، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414هـ، ط1، ج4، ص61.
[2] القرآن الكريم، سورة الحجّ، الآية 19.
[3] القرآن الكريم، سورة المائدة، الآية 24.
[4] الواقديّ، محمّد بن عمر، المغازي، تحقيق الدكتور مارسدن جونس، لا.م، نشر دانش إسلاميّ، 1405ه، لا. ط، ج1، ص 48.
[5] الواقديّ، المغازي، ج1، ص49.