يتم التحميل...

حوار مع الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم حول شخصية سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رض) وجهاده

2025

14-02-2025

عدد الزوار: 27

حوار مع الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم حول شخصية سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رض) وجهاده

• س 1:‏

مما لا شك فيه أن عمرًا من الجهاد التأسيسي جمعكم وسيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر ‏الله (رضوان الله تعالى عليه)، فهل يمكن أن نتعرّف من سماحتكم على البدايات الأولى لهذه المعرفة؟ وكيف ‏كانت تطورات مسيرتكما الجهادية التي تعاضدتما بها في قيادة حزب الله؟
o ج 1:
كانت بدايةُ نشاط سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله(رض) في حزب الله عند التأسيس سنة 1982 في منطقة البقاع، وبدايةُ نشاطي كانت في ضاحية بيروت الجنوبية، ولم يكن بيننا تواصل أو عمل مشترك. بعدها سمعت بنشاطه المميَّز، وكنت مطَّلعًا عليه بحكم وجودي في الشورى الثانية عام 1984، وهو كان يسمع عنِّي بسبب نشاطي العام.
لكنَّ المعرفة الحقيقية والفاعلة بدأت مع تواجدنا في الشورى معًا عندما حصل تعديل تنظيمي فتقرَّر لأول مرَّة موقع الأمين العام عام 1989، والتي انتخبت سماحة السيد حسن‏(رض)‏ رئيسًا لشورى التنفيذ، وأنا نائبًا له، وهنا بدأت رحلتنا العمليَّة بشكل مشترك. بقي سماحة السيد في رئاسة التنفيذ عدة أشهر، ثم غادر إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتكملة دراسته الحوزوية في قم المقدَّسة، ‏فاستلمتُ مكانه فأصبحتُ رئيسًا لشورى التنفيذ. بعد عدة أشهر عاد إلى لبنان إثر بعض المشاكل التي حصلت، وعاش الحصار في إقليم التفاح، وكنا على تواصل دائم لمتابعة التطورات. ثم في منتصف 1991 تم انتخاب سماحة السيد عباس الموسوي(رض) أمينًا عامًا للحزب، وسماحة السيد حسن رئيسًا لشورى التنفيذ، واقترحني السيد عباس نائبًا للأمين العام وهو موقعٌ مستحدث. بعد شهادة السيد عباس(رض) في 16 شباط 1992، انتُخب سماحة السيد حسن أمينًا عامًا، فاقترحني نائبًا له، ومنذ ذلك التاريخ مع التعديلات التي حصلت في شورى القرار، بقي سماحته أمينًا عامًا، وأنا نائبًا له‏ إلى شهادته في 27 أيلول 2024.
عملنا معًا خمس وثلاثين سنة، منها ثلاث وثلاثين سنة ونصف نائبًا له، ما أتاح لي تواصلًا يوميًّا، ومشاركة في اجتماعات كثيرة ولقاءات معه، ودائمًا ما توجد متابعات كان يُكلّفني بها، وتمثيله في مؤتمرات وإلقاء الكلمات... شاركنا في أول انتخابات نيابيَّة بعد الحرب الأهليَّة، فطلب مني بداية استلامه لموقع الأمين العام عام 1992 أن أتابع العمل النيابي والنواب وهو من صلاحياته، لكن بعد حوالي سنة ونصف السنة صدر قرار عن الشورى باقتراحٍ منه أن تُصبح صلاحيات المتابعة النيابية من مهمة نائب الأمين العام.
كنَّا متفاهمين دائمًا، ولم يحصل أن ارتفعت أصواتنا اختلافًا حول أي مسألة، هذا لا يعني عدم وجود تباين في أحيان قليلة، لكن بعد النقاش كنتُ أسلِّم لرأيه فهو القائد والولي. كنتُ دائم الشوق إلى مجالسته لما فيها من فوائد عملية ومعالجة للمتابعات، ولا أذكر أنَّه ردَّ لي طلبًا عمليًّا لثقته بتقديري للأمور وتحضيري للملفات، وإذا أوكل إليَّ ملفًا تركني أنهيه بالكامل دون مراجعة.
الثقة متبادلة، والحبُّ يحيط بعلاقتنا، وقد صارحنا بعضنا مرات عدة بهذا الحب الإيماني في الله تعالى. يُبدي ملاحظاته لي بوضوح لأنَّه يعلم تقبلي لها، وإذا بادر للاتصال بأحد النواب ليكلفه بأمر يتصل بي لاحقًا مُعبِّرًا عن اضطراره لتجاوزي، وهذه لياقة منه عالية جدًا، في الوقت الذي لا مشكلة لدي في اتصاله.
لو سألتَ أعضاء الشورى والمسؤولين في حزب الله ومن تُريد من النَّاس، هل سمعوا يومًا عن خلافٍ بيني وبينه ظهر إلى العلن؟ سيكون الجواب: لا. سماحة السيد ودود وخلوق ومتواضع ويحترم إخوانه ويراعيهم، ومن جهتي لم أجد مع صفاته الرساليَّة الجهاديَّة العظيمة ما يستحقُّ خلافًا أو مشكلة.

• س ‏2:
هل لنا أن نتعرّف على السجايا الإيمانية والقيادية والجهادية للسيد الشهيد، لنعمّق معرفة ‏الأمة به من جهة، وليكون لها ذلك أسوة وهداية؟
o ج 2:
سجايا سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله(رض) ‏مستمدَّة من سجايا الإسلام والأنبياء والأئمة، وسأكتفي بتعداد بعضها كنموذج:
1) متعلِّقٌ بمحمد(ص) وآل محمد(عم) إلى درجة الفناء في حُبهم، وهو دائمُ الذِّكر والتأسِّي بالإمام الحسين(ع) وكربلاء، ويعيشُ حالة الانتظار العملي للإمام الموعود الإمام المهدي المنتظر(ع).
2) ملتزمٌ بولاية الولي الفقيه الإمام الخامنئي(دام ظله)، ويُحبُّه حُبًّا عظيمًا، ويقرأ كلَّ كلمة يُلقيها بدقَّة، ويستشهد ببعض كلماته التي يعتبرها مفتاحًا ومنهجًا في جلساته وكلماته، ويُسلِّم تسليمًا مطلقًا لأمر الولاية.
3) علاقتُه مميَّزة بالمجاهدين، يرغب بترصّد متطلّباتهم وأخبار إنجازاتهم، وكان يُخصص أغلب وقته للقاء مسؤولي الوحدات الجهادية لمتابعة وضع الجبهة. كان يهتم بقصص الشهداء ويحثُّ على قراءتها.
4) لديه ثقة بجمهور المقاومة، ويعتبرهم أوفياء لخط المقاومة الإسلاميَّة، ويستشهد بحجم تضحيات عائلاتهم وصبرهم واستعدادهم للمزيد، وكان يهتم بكل جوانب الحالة الاجتماعيَّة لهذا الجمهور في دعم تعليم أبنائهم، ومعالجة مرضاهم، والاهتمام بالزراعة، والقرى، وتأمين المياه والكهرباء... كان رقيقَ القلب في علاقته بالنَّاس ويُحبهم.
5) فلسطين أولوية لديه للاعتبار الديني ووجوب الجهاد، وأمر الولاية في النُصرة التي أطلق شرارتها الإمام الخميني(قده)، وبالاعتبار السياسي ومصلحة لبنان والأمة في مواجهة هذا العدو الإسرائيلي الخطِر على المنطقة وليس على فلسطين وحسب، ولديه قناعة راسخة بأنَّ إسرائيل إلى زوال في المستقبل.
6) اهتمَّ بالموضوعين الثقافي والتربوي؛ الثقافي بتصحيح المفاهيم وضرورة تكثيف الدورات الثقافية، وإحياء المساجد وارتيادها، وحضور عاشوراء في مجالسها، وجلسات الأنس بالقرآن الكريم، خاصة في أجواء العبادة في شهر رمضان المبارك مع الاهتمام بإحياء هذا الشهر الكريم. والتَّربوي بتعزيز السلوك والأخلاق والتخلُّص من آفات الغيبة والبهتان والجدل العقيم وصحبة السوء، وكان يُتابع البرامج المتعلِّقة بهذه الأمور.
7) يُتابع الأحداث بدقة، ويقرأ عن العدو، وهو قارئ نَهِم ثقافيًّا، وهذا ما كان يوفر له سعة الاطلاع والدقَّة في المواقف. هو مُحلِّل استراتيجي للأحداث، بعيدُ النَّظر، حكيمٌ في قراراته، يُشاور إخوانه قبل اتخاذ القرار، ويُعدِّل من رأيه إذا اقتنع بالحجة المقابلة.
8) قيادته حكيمة هادئة جذَّابة ومُدركة لأبعاد الامور، طويلُ البال في محاولته إقناع من يُحاوره، ‏يتمتّع بشخصية صلبة أمام الاخطار وأمام الصعوبات، وهو لا يتخذ قراراته بشكل انفعالي أو عفوي. وهو ‏صبور، أذكر قصة مع الاستاذ سليمان فرنجية رئيس تيار المردة الذي قال في مقابلة تلفزيونية: أنا قلت ‏لسماحة السيد حسن نصر الله، لو أنا مكانك لا أتحمل هذا الصبر الذي تصبره، وأنا بدأت أَضِجُ من صبرك.

• س 3:
كيف يمكن أن تقدّموا لنا الرؤية الإيمانية الجهادية لحزب الله والمقاومة الإسلامية من خلال ‏فكر سيد شهداء الأمة وأدبياته وممارسته؟
o ج 3:
ترجم سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله(رض) الرؤية الإيمانيَّة الجهاديَّة ‏بما تمَّ تدوينه من مبادئ وأهداف وسياسات حزب الله، وبمواقفه التي يستند إليها. وكان حريصًا على تفصيلها للكوادر في لقاءاته معهم، وللناس بجرعات تتناسب مع المناسبات. أذكرُ بعضها:
1) التَّربية الإيمانيَّة الجهاديَّة مُقدمةٌ على كلِّ شيء، لأنَّها قاعدةُ البناء المقاوم، وهي التي تُصوِّب الموقف السياسي. وما إطلالاته أكثر من نصف ليالي عاشوراء في المجلس المركزي إلا تأكيدًا على دور كربلاء وشهادة الإمام الحسين(ع) ومواقف السيدة زينب(عها) في صناعة المجاهد والمجاهدة على طريق الإسلام والولاية والمقاومة، بتكاملٍ أعطانا نموذجَ المقاومة الإسلامية بأداء مجاهديها الأسطوري وأداء شعبها الأشرف والأعظم. وكذا إلقاؤه الدرس الديني الأسبوعي في شهر رمضان المبارك عبر شاشة التلفاز، وكلمته في إحياء ليلة القدر، كتأكيد على المنهجية التي يجب اعتمادها في البناء العقائدي والجهادي.
2) الوحدة الإسلامية ضرورة وأصل، ومنع الفتنة المذهبية واجب، وعلينا أن لا نُحمِّل المذاهب الأخرى ما يقوم به بعضُهم من تكفير ومُغالاة، ولا نقبل المُغالين في مذهبنا. هو مع النُصح والحوار والتنازل عن بعض المكتسبات في بلدنا لمصلحة الوحدة الإسلامية على المستوى السياسي، فالعدو واحد، وقضايانا متشابهة، والكيان الإسرائيلي عدو فلسطين والسُّنة والشيعة والإنسانية.
3) المقاومة هي قاعدة التحالف العريض مع الذين يختلفون معنا بالعقيدة أو الانتماء. كان مفاجئًا للكثيرين أن يتحالف حزب الله في لبنان مع العلماني والمسيحي والسني والقومي والوطني والشيوعي... على قاعدة الإيمان بالمقاومة ضد العدو الإسرائيلي لتحرير الأرض وحماية الوطن. وفي تعاملنا مع حُلفائنا نُبدي لهم كلّ الاحترام، ونلتزم بتعهداتنا واتفاقاتنا، ولا نتركهم إلا أن يتركونا، ولا نطلب منهم شيئًا من المواقف.
4) ترسَّخت مقاومة الكيان الإسرائيلي لتحرير فلسطين والقدس كثابتة مُقوِّمة لوجود حزب الله، ولدى المنتسبين إليه ولدى بيئته وجمهوره. ولها الأولوية على ما عداها. سياستنا الداخلية وكلُّ المواقف خاضعة لسقف هذه الأولوية.
5) إيمانُنا بولاية الفقيه لا يتزعزع أمام كلِّ الحملات والاتهامات، فهي قيادتنا الدينية التي تُوصلنا إلى طاعة الله تعالى والقيام بتكليفنا. وهي لا تتعارض أبدًا مع إيماننا بوطننا لبنان، والعيش المشترك مع طوائفه تحت سقف دستور الطائف.
6) سلاحُ المقاومة هو من أجل مقاومة الكيان الغاصب الإسرائيلي، ولا علاقة له بالداخل اللبناني. المقارعة السياسية مع الأطراف المختلفة أو الاتفاقُ مع بعضهم تبقى في إطار أدوات العمل السياسي وأساليبه. والفوز في الانتخابات بأنواعها رهنُ التأييد الشعبي بحسب القانون المعتمد. فنربحُ مقاعدَ ونخسر أخرى من دون أن يكون لقوة مقاومتنا العسكرية أي علاقة في الشأن السياسي الداخلي.

• س 4:
من هو المقاوم المُنتصِر والبيئة المقاومة التي تفاعلت مع سيد شهداء الأمة، حسب رأيكم؟
o ج 4:
المقاومُ المنتصر هو المُقتدي بالقائد المقاوم المنتصر، وكما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}‏(الأحزاب 21). بايع المقاومُ سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله(رض‏) على الطاعة والولاية والإيمان بالإسلام المحمدي الأصيل على خط الإمام الخميني(قده) وتحت راية الولي الفقيه الإمام الخامنئي(دام ظله)، وهذه البيعة تعني الإيمان بما آمن به سماحته، والجهاد كما التزم به سماحته، فيه التضحية والعطاء في سبيل الله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ ‏وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا ‏بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة 111)‏.
أثبتَ المقاومون في كل معارك المقاومة أنَّهم الاستشهاديون الذين لا يهابون الموت، والذين كان صمودهم أسطوريَّا، وأنَّهم جُند الإمام الحسين(ع)، ومن المنتظرين لصاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء). أثبتوا ذلك في صَدِّ عدوان تموز 1993، وعدوان نيسان 1996، وتحرير 2000، وعدوان 2006، والدفاع المقدس في سوريا، والانتصار على التكفيريين في معركة الجرود 2017، ومساندة غزة في معركة طوفان الأقصى 2023، ومعركة أولي البأس 2024.
أثبتوا أنَّهم أبناءُ الولاية المطيعون والمتماسكون والسائرون بتسليمٍ للقائد الاستثنائي سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله(رض).
أمَّا بيئةُ المقاومة من الرجال والنساء والأطفال، فهي بيئةٌ لا تقلُّ عطاءً وتضحية وصبرًا وجهادًا... عن المقاومين الاستشهاديين في الميدان. استُشهد أبناؤهم وجُرحوا وأُسروا، فأعلنوا استعدادهم لتقديم المزيد. وهم قدَّموا منهم الشهداء والجرحى في القصف المتنقّل على المدن والقرى والبيوت، وبقيت أصواتهم صادحةً في مواجهة العدو الإسرائيلي. نزحوا وخسروا بيوتهم وجنى أعمارهم ولم يتزعزعوا فداءً للمقاومة وسيدها. هذه البيئة شريكةٌ في الإنجازات والانتصارات، وشكَّلت حمايةً حقيقية للمقاومة وخزانًا لها بإيمانٍ ووعي ورضى.

• س 5:
حملت المنطقة وما تزال مشروعين: أمريكي-صهيوني، والآخر محور المقاومة، ماذا يمثّل ‏حزب الله في هذا المحور المقاوم؟ وهل تعتقدون أن شهادة سيد شهداء الأمة سيؤثر سلبًا على فعالية محور ‏المقاومة؟
o ج 5:
تأسَّس حزب الله على مشروع المقاومة الإسلامية لمواجهة الكيان الإسرائيلي بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتألَّق بقوَّته وانتصاره بتحرير 2000. في هذا العام بدأت من جديد المقاومة الفلسطينية المسلَّحة بعد أعوام من انتفاضة الحجارة متأثِّرةً بانتصار المقاومة الإسلاميَّة في لبنان وهذا ما صرَّح به القادة الفلسطينيون.
عمل حزب الله وبالتعاون مع فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية في إيران - الذي كان له الفضل في تدريب المقاومة الإسلامية وتجهيزها وتسليحها - على المساهمة في تدريب فصائل المقاومة الفلسطينية وتجهيزها ودعمها. وكان الدعم لسوريا في مواجهة الموجة التكفيرية. واستفاد الشعب العراقي والحشد الشعبي في العراق تأسيسًا وتطورًا من هذا التعاون لمواجهة مشروع الدولة التكفيرية في العراق، كما استفاد اليمن من تجربة حزب الله في مواجهة السيطرة عليه من قبل التحالف الدولي الخليجي.
وبما أنَّ القاسم المشترك للجميع مواجهة العدو الصهيوني وتحرير فلسطين والقدس، فقد تشكَّل المحور على أساس وحدة الهدف، وضرورة التعاون، والاستفادة من الإمكانات المتاحة. على رأس المحور الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تبنّت قيادتها المتمثلة بالإمام الخامنئي(دام ظله) مشروع تحرير فلسطين وتحرير المنطقة من التَّبعية، وتُقَّدم الدعم المادي والعسكري والمعنوي والسياسي لهذا الاتجاه. أمَّا حزب الله فهو أول من برز كقوة مؤثرة ومُحرِّرة للأرض، ونقل خبرته وتجربته إلى الآخرين.
قدَّم حزب الله قادة ومجاهدين شهداء وعلى رأسهم الشيخ راغب حرب(رض) والسيد عباس الموسوي‏(رض) ‏والحاج عماد مغنية‏(رض) ‏وغيرهم في محطات زمنية مختلفة، ولكنَّ المسيرة استمرت. واليوم مع شهادة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله‏(رض) ‏والسيد هاشم صفي الدين‏(رض) ‏والقادة والشهداء ستستمر المسيرة، وتكون هذه الدماء حافزًا وأمانة. الشهداءُ يُعبِّدون الطريق نحو تحقيق أهداف المقاومة، ولا يؤثرون سلبًا، هذا درسٌ تعلمناه من كربلاء الإمام الحسين(ع) التي بقيت حيَّة في الأمة تُلهمها لإعطاء المزيد من التضحيات لإعلاء كلمة الحق والإسلام وتحقيق النصر والتَّحرير.
بعد شهادة سماحته(رض) والقادة والشهداء والزَّلزلة التي حصلت لعشرة أيام ابتداء من 27 أيلول 2024، سرعان ما استعادت المقاومة حضورها بانتخاب أمين عام، واستكمال المواقع القيادية التي شغرت، وصمود المجاهدين في الحافة الأماميَّة صمودًا أسطوريًّا، واستمرت الصواريخ والطائرات المسيَّرة تضرب في عمق الكيان خلال معركة أولي البأس، إلى أن طلبت إسرائيل وقفًا للنار. هذه نتيجة مباشرة لآثار الشهادة والشهداء، وستستمر المقاومة الإسلامية إن شاء الله تعالى في مشروعها.

• س 6:
بالمناسبة، يعتقد كثيرون أن سماحتكم من أطلق اسم سيد شهداء الأمة على السيد الشهيد ‏نصر الله؟ لماذا اخترتم هذه التسمية بالتحديد؟
o ج 6:
هدفت التسمية للتعبير عن موقع سماحة السيد حسن‏(رض) الواقعي عند شهادته. هو سيد شهداء الأمة لدوره القيادي الأول في محور المقاومة وفي نظرة الأمة الإسلامية إليه على مستوى العالم، فهو الوطني والفلسطيني والعربي والإسلامي وعلى مستوى الأمة‏. وهو الذي قاد المقاومة إلى قوتها وانتصاراتها وتوسع أنصارها ومؤيديها، وهزم الأعداء وأياديهم على مستوى المنطقة، ثم ارتقى شهيدًا في الخندق المتقدِّم.

• س 7:
سماحة الشيخ نعيم قاسم، وعدتم الناس من خلال مصارحتكم معهم أن تعملوا على تقويم ما ‏جرى؛ فهل هذه المراجعة والتقويم ستلحظ سياساتكم وإجراءاتكم على كل صعيد لمرحلة ما قبل الحرب؛ وبالتالي ‏لما بعدها؟
o ج 7:
التَّقويمُ لما أصابنا، والتحقيقُ في مواطن الخلل، هما أقل الواجب والوفاء للشهداء والجرحى والأسرى والمقاومين وجمهور المقاومة، ومن أجل أخذ الدروس والعِبَر للمستقبل. ينتجُ عن التَّقويم تحديدُ الخلل وتحميلُ المسؤوليات، كما ينتجُ عنه مراجعة السياسات وأساليب العمل والخطط والبرامج. بالتأكيد لا يمكن أن نستمر على الوتيرة التي كنَّا عليها في كل المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافيَّة ... يجب أن يكون التقويم شاملًا للمرحلة السابقة، لنبني عليه خطوات المرحلة الجديدة. الثابتُ هو المبادئ التي تأسَّس عليها حزب الله، وأولوية المقاومة، وكلّ الطرق لتحقيق الثوابت بالاستفادة مما حصل في معركتي الإسناد وأولي البأس قابلة للنقاش والتعديل بحسب نتائج التقويم.

• س 8:
أين أنتم اليوم وما استشرافكم لوضع المنطقة ولبنان السياسي والثقافي؟ وكيف ستتعاملون مع ‏مشروع الأبراهمية على مستوى المنطقة، وهو ما يحمله ترامب في جعبته؟ وكيف ستتفاعلون مع الدور ‏السياسي والثقافي للبنان؟
o ج 8:
المنطقةُ اليوم واقعة تحت الضغط والاستهداف من طاغوت الاستكبار أميركا وأداتها الإجراميَّة الكيان الإسرائيلي. يوجد استهداف لبلدنا وفلسطين ومنطقتنا في كلّ المجالات: بتوسعة احتلال الأرض، وتهجير أصحابها، وتكريس التبعية للأنظمة، وشراء الذمم والأتباع، والتضليل الثقافي والتَّربوي.. وكذلك التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وبين الأنظمة العربية بالخصوص لإلغاء القضية الفلسطينية.. وسيكون لبنان مستهدفًا لضرب مقاومته. سنعمل على مواجهة هذه التَّحديات باستمراريَّة المقاومة كمشروع تحريري، ورفض كل أشكال الاحتلال والتوطين والتَّطبيع، بحسب المتاح من قدرتنا، مع تطوير ما نستطيع، ومع حلفائنا، لمواجهة هذه التَّحديات بأشكال مختلفة.
حزب الله جهةٌ قادرة ومؤثِّرة في الداخل اللبناني على كل المستويات مع حركة أمل وشعبيتهما، ومع الحلفاء وما يمثّلونه. سنعمل وفق مشروعنا الوطني في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله، والتعاون مع الشركاء من القوى والأحزاب والطوائف لنهضة البلد اقتصاديًّا، وإعمار ما دمرته إسرائيل، وإعادة أموال المودعين، ومواجهة الفساد والمفسدين، وسيادة دولة القانون ... يوجد عملٌ كثير لمصلحة هذا الجيل من الشباب والنساء والأطفال والأجيال القادمة. سنواجهُ التَّحديات الثقافية والسياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة بالعمل المدروس وبفعاليَّة، وما مشاركتُنا في حكومة العهد الأولى لفخامة الرئيس جوزيف عون إلَّا في هذا الإطار.

• س 9:
سماحة الشيخ، لكل قيادي فذّ كبير كالسيد حسن نصر الله إرث عظيم، ما هي توجيهاتكم ‏للأمة لحفظ هذا الإرث، ودوام تصاعد دوره وموقعه؟
o ج 9:
غادَرَنا سماحة سيد شهداء الأمة بجسده، لكنَّ تعاليمه باقية. وحزبُ الله الذي أفنى عمره في بنائه باق. والمقاومة الإسلاميَّة التي اختلطت بكلِّ لحظات حياته باقية، وانتظارُ الإمام المهدي(عج) لتسليمه الرَّاية باقٍ. وكما قال أمير المؤمنين عن العلماء، وسماحته من أبرزهم: "والْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ".
فلنقرأ كلماتِه، ونتابعْ مواقفَه، ونتأملْ سيرتَه، ونأخذْ الدروس والعبر من محطات حياته وجهاده. إرثُه عظيم لا ينضب، وهنيئًا لمن تزوَّد من هذا المَعِين الثَّري، ومن هذا المَدَد الإلهي والولائي المقاوم.

15 شعبان 1446 هـ
14 شباط 2025 م

2025-05-05