فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
جمادى الثانية
يرتبطُ المؤمنُ في أحوالِهِ كلِّها باللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يختلفُ حالُهُ بينَ شدّةٍ ورخاءٍ أو عسرٍ ويسرٍ. ومنْ أعظمِ اللحظاتِ الّتي عليهِ أنْ يُظهِرَ هذا الارتباطَ باللهِ، وذلكَ بأنْ يلهجَ بذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ في اللسانِ معَ القلبِ، لحظةَ تَنزُّلِ نعمةِ اللهِ عليهِ بالنصرِ، ويتذكّرُ في ذلكَ الآتي:
عدد الزوار: 135فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابً﴾[1].
يرتبطُ المؤمنُ في أحوالِهِ كلِّها باللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يختلفُ حالُهُ بينَ شدّةٍ ورخاءٍ أو عسرٍ ويسرٍ. ومنْ أعظمِ اللحظاتِ الّتي عليهِ أنْ يُظهِرَ هذا الارتباطَ باللهِ، وذلكَ بأنْ يلهجَ بذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ في اللسانِ معَ القلبِ، لحظةَ تَنزُّلِ نعمةِ اللهِ عليهِ بالنصرِ، ويتذكّرُ في ذلكَ الآتي:
1. النصرُ من عندِ الله: فالنصرُ في الآيةِ أُضيفَ إلى اللّهِ «نَصْرُ اللَّهِ»، ففي أكثرِ منْ آيةٍ منْ آياتِ كتابِ اللهِ نسبةُ النصرِ إلى اللّهِ، قالَ تعالى: ﴿أَلاٰ إِنَّ نَصْرَ اَللّٰهِ قَرِيبٌ﴾[2]، وقالَ: ﴿وَمَا اَلنَّصْرُ إِلاّٰ مِنْ عِنْدِ اَللّٰهِ﴾[3].
فالمؤمنُ لا بُدَّ لهُ منْ إعدادِ القوّةِ التزاماً بقولِهِ تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾[4]، ولكنْ عليهِ أنْ لا يغترَّ بالنصرِ، فينسبَهُ إلى ما أعدَّ لهُ واستعدَّ بهِ، بلْ عليهِ أنْ يُدرِكَ أنَّ السببَ الحقيقيَّ هوَ اللهُ عزَّ وجلَّ؛ ولذلكَ يتوجّهُ مباشرةً إلى الثناءِ على اللهِ عزَّ وجلَّ بالتسبيحِ والحمدِ؛ وبهذا يَأمنُ على نفسِهِ منَ الوقوعِ في التكبُّرِ والأنا، فالعبدُ قامَ بتكليفِهِ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ، والنصرُ هوَ منْ عندِ اللهِ.
2. ثلاثةُ تكاليفٍ إلهيّة: يأمرُ اللّهُ سبحانَهُ نبيَّهُ والمؤمنينَ معَهُ بثلاثةِ أمورٍ؛ ليُجسِّدَ الموقفَ الإيمانيَّ المناسبَ منَ النصرِ الإلهيِّ، وهيَ: «التسبيحُ» و«الحمدُ» و«الاستغفارُ».
أمّا التسبيحُ، فهوَ تنزيهُ اللّهِ منْ كلِّ عيبٍ ونقصٍ، فالإنسانُ قدْ يقعُ في سوءِ الظنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ أثناءَ الحربِ والقتالِ، ظنّاً منهُ بأنَّ اللهَ لا يُنزِلُ عليهِ العونَ والمددَ، ﴿إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ﴾[5]، فلا بُدَّ منْ تنزيهِ اللهِ عنْ كلِّ هذا، فاللهُ عزَّ وجلَّ وعدُهُ حقٌّ، ﴿وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾[6].
وأمّا الحمدُ، فلوصفِ اللّهِ بالصفاتِ الكماليّةِ، فاللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، والنصرُ تجلٍّ منْ تجليّاتِ القدرةِ الإلهيّةِ، وهوَ مفتاحٌ للمزيدِ منَ العطاءِ الإلهيِّ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ، وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَدَلِيلًا عَلَى آلَائِهِ وَعَظَمَتِهِ»[7].
وأمّا الاستغفارُ، فهوَ مقابلُ أيِّ تقصيرٍ صدرَ منَ العبدِ، وللإقرارِ بأنّهُ لا غِنى لهُ عنْ مغفرةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وحفظاً للنفسِ عنِ الخروجِ عمّا أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «ثلاثةٌ معصومونَ منْ إبليسَ وجنودِهِ: الذاكرونَ للهِ، والباكونَ منْ خشيةِ اللهِ، والمستغفرونَ بالأسحارِ»[8].
وأيضاً -بحسبِ ما تعلّمناهُ منَ الذكرِ الحكيمِ- فإنَّ الاستغفارَ بابُ المزيدِ منَ القوّةِ، قالَ تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[9].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة الفتح.
[2] سورة البقرة، الآية 214.
[3] سورة الأنفال، الآية 10.
[4] سورة الأنفال، الآية 60.
[5] سورة الأحزاب، الآية 10.
[6] سورة الحجّ، الآية 47.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص221، الخطبة 157.
[8] الشيخ الديلميّ، إرشاد القلوب، ج1، ص196.
[9] سورة هود، الآية 52.