كلمة السيد حسن نصر الله، في الاحتفال التأبيني للشهيد القائد الحاج محمد نعمة ناصر (أبو نعمة)
2024
11-07-2024
عدد الزوار: 184كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في الاحتفال التأبيني للشهيد القائد الحاج محمد نعمة ناصر (أبو نعمة) 11-07-2024
أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد الله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا ونبينا خاتم النَّبيين أبي القاسم محمَّد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطَّاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليكم مني جميعًا سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
الحفل الكريم، الإخوة والأخوات، الأهل الكرام، سواءً هنا في الضاحية الجنوبية في مجمع الإمام المجتبى (عليه السلام) أم الأهل الكرام في بلدة حداثا الجنوبية الصامدة، السَّلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.
بعد التوحيد كما هي العادة من الواجب أن نُقدم أو أن نُعبّر عن تبريكات وتعازينا لمن نُقيم لهم هذا الحفل، ولكل شهداء الأيام والأسابيع الماضية. كما العادة بين احتفالين نعود إلى عوائل الشهداء، كان لنا شهداء يوم أمس وأول أمس وخلال الأيام الماضية والأسابيع الماضية؛ نتوجه إلى جميع هذه العائلات بالتبريك لنيل أعزائهم وأحبائهم درجة الشهادة الرفيعة والعاقبة الحسنة ونُعزيهم بفقد الأعزة والأحبة، سواء أكانوا أزواج إخوة أخوات آباء أبناء فلذات أكباد. أيضًا أتوجه إلى من نُحيي اليوم مناسبة ذكراهم، ذكرى الشهيدين العزيزين: الشهيد القائد الحاج أبو نعمة (الحاج محمد نعمة ناصر) والشهيد المجاهد الأخ محمد غسان خشاب (رضوان الله تعالى عليهما). لعائلتيهما الشريفتين والمباركتين أيضًا نُعبّر عن تبريكنا وعن مواساتنا، وهذا هو ما كان يتطلّع إليه هؤلاء الإخوة الكرام من المجاهدين ومن القادة ومن الذين مضوا ومن الذين ما يزالون يملؤون الميادين ويملؤون الساحات. شهداء هذه المعركة، شهداء "طوفان الأقصى"، هم من أوضح وأعلى مصاديق القتل في سبيل الله، من يُقتل في سبيل الله، من يُستشهد في سبيل الله- سبحانه وتعالى- لأنّهم يُقاتلون في معركة الحق الجليل، البيّن، الواضح، المشرق، المتلألئ الذي لا شبهة فيه ولا غبار عليه. ولذلك عندما يُقتلون تنطبق عليهم تلك الآيات الشريفة التي عادة ما نقرأها في مناسبات الشهداء، بسم الله الرحمن الرحيم: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ".
هؤلاء هم هؤلاء الشهداء الأحياء الذين انتقلوا إلى تلك النعمة العظيمة إلى تلك الدار، وعندما ينتقلون إلى هناك المُلفت في هذه الآيات هو الاستبشار، يعني هم يفرحون بما يرونه من نعمة الله من الدرجة العظيمة الله سبحانه وتعالى. وكما ورد في الأحاديث الشريفة؛ أن الشهيد يرجو العودة إلى الدنيا ليّقتل مرة أخرى وأخرى و.. و.. و.. إلى ما شاء الله لماذا؟ لِعظيم ما يرى من نعيم ورضوان ومقام وقرب عند الله سبحانه وتعالى.
لكن هناك ملاحظة أخرى؛ وأنا أُريد أن أُشير لها لمناسبة "أبي نعمة" والإخوان الذين سبقوه، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. هؤلاء الإخوة عندما ينتقلون إلى تلك الدار- وهنا لا نتحدث عن يوم القيامة الكبرى، نتحدث عن الدار الآن ما نسميه بعالم البرزخ- هؤلاء شهداء أحياءٌ الآن وليس أحياء يوم القيامة، يوم القيامة كلّ الناس يكونون أحياءـ لا ميزة لأحد، هم أحياء الآن، يرزقون الآن، يعيشون نعمة الله الآن.. ولِعظيم ما يرون من النعمة، يستذكرون إخوانهم ورفاقهم وأحبتهم، وهذا يكشف عن أن هذه الفئة من الشهداء ومن المجاهدين تربطهم بإخوانهم المجاهدين علاقة الحب والود، إذ عندما يرى هذه النعمة يدعو بها لأخيه ويستبشر بأنّ أخاه الذي سيلحق به في وقت آخر تنتظره هذه النعم.
كأنّي بالشهداء، قبل جواد الطويل، كانوا يستبشرون بالنعمة لجواد، وجواد يستبشر بالنعمة لأبي طالب، وأبو طالب يستبشر بالنعمة لأبي نعمة، وبالتأكيد- في علم الله- لأنّ هذه معركة مفتوحة ويسقط ويرتقي فيها الشهداء من مجاهدين وقادة. أبو نعمة يستبشر لإخوانه الذين ينتظرهم في عليائه. هؤلاء الإخوة. وخصوصًا القادة، نحن نعرفهم عن قرب، والآن عندما أتحدّث عن الحاج أبي نعمة، وأنا أُحضّر للكلام، استذكرت واستحضرت ما قُلته في خطبٍ سابقة عندما أتحدّث عن شهداء القادة.. بين هلالين للمناسبة- فقط للتوضيح – وإن كان هذا سؤال غير مطروح؛ لكن للتوضيح يعني أنّي أتحدث في احتفالات القادة الشهداء، وأنا آمل لو أستطيع أن أتحدّث- ويُشرفني ذلك- في احتفال كلّ شهيد، آمل لو أستطيع أن أقضي هذا العمر بين بيوت الشهداء وعوائل الشهداء، وانتقل من احتفال شهيد إلى احتفال شهيد.. ولكن- مع الأسف- هذا الأمر غير متاح لا من حيث الزمن ولا من حيث الفرصة، ولا من حيث الوضع الأمني. لذلك؛ قديمًا منذ أكثر من ثلاثين عامًا، خصوصًا أنه دائمًا كان لدينا شهداء، وهناك أيضًا من إخواننا من يتوفاه الله- سبحانه وتعالى- وكُنت اُدعى إلى مناسبات الاحتفالات، لرحيل أخٍ أو شهادة أخٍ، فالإخوان كي لا يحصل لدينا ترجيح، نريد أن نُرجح فوضعوا ضابطة: أنت يا أخي تتكلم في مناسبات هذه الفئة من الإخوة من المسؤولين، يعني لدينا ترتيب تنظيمي معيّن، ما نُصطلح عليه الآن بالقادة الشهداء.
لذلك هذا التزام وواجب أن أتحدّث في مناسباتهم، وإلا يُشرفني أن أكون حاضرًا في احتفال كلّ شهيد، وشهداؤنا كلهم- الحمد لله- شهداء في سبيل الله، وهم بالنسبة إلينا شهداء قادة، شهداء هداة، شهداء سادة، شهداء أدلاء على الطريق، شهداء صنّاع نصر، شهداء كرامة وعزة وشرف. هؤلاء الإخوة نعرفهم عن قرب.. أبو نعمة؛ أعرفه منذ سنوات طويلة.. وأيضًا، في معركة "طوفان الأقصى". في أسبوع أبي طالب قُلت إنّني رأيته، أنا رأيتهم واحدًا تلو الآخر، يعني في يوم أبي طالب وفي يوم أبي نعمة، وكُنا نتحدث مطولًا عن جبهتنا. طبعًا هنا يوجد ترتيب تنظيمي؛ إذ اضحى مطروحًا في الإعلام، لكن أنا أُوضحه.
الآن تسمعون "نصر" و"عزيز"، "وحدة نصر" و"وحدة عزيز"، "منطقة نصر" و"منطقة عزيز".. هي تعبير عن توزيع جغرافي، نحن قبل العام 2006 كُنا نعتمد جنوب الليطاني كلّه منطقة عسكرية واحدة، لها تشكيل واحد يقاتل فيها، وكان اسمها جنوب الليطاني كله "وحدة نصر". بعد حرب تموز والقراءات والمراجعات وأخذ العبر من الحرب؛ قرر الإخوة أن يُقيموا أو أن يجعلوا منطقة جنوب الليطاني - هذه جنوب الليطاني سنرجع لها في أثناء الكلمة الآن- منطقتين عسكريتين، في كلّ منطقة تشكيل عسكري متكامل من قائده إلى كلّ عديده وأسلحته وإمكاناته وتشكيلاته.. فمن البحر إلى مكان ما في وسط جنوب الليطاني سُميت "منطقة عزيز"، ومن هناك إلى مزارع شبعا سُميت "منطقة نصر". كان الشهيد أبو نعمة هو القائد لوحدة عزيز ومنطقة عزيز، والشهيد أبو طالب هو القائد لوحدة نصر.
أعود وأقول نحن عندما نعرفهم هذا يزيدنا قوة. أيضًا؛ أحب أن أُجيب عن سؤال بعض المعلّقين وبعض الكتّاب؛ مثلًا يقولون عن قيادات حزب الله عندما يتحدثون، يتحدثون بثقة، يتحدثون بمعنويات عالية، الآن عندما أتكلم أنا أو يتكلم أي أخ من إخواني، ويتفاجؤون أو يستغربون أنه في قلب المعركة والمخاطر والتهديدات كيف نتحدث بهذه الثقة، بهذه الطمأنينة، بهذه المعنويات العالية؛ مع أننا نُواجه مخاطر كبيرة؟!
أولًا: نحن قوم مؤمنون بالله - عزّ وجلّ- ومتوكلون على الله - سبحانه وتعالى- وواثقون بوعده. وثانيًا: لأننا نمتلك أبا طالب وأبا نعمة وجواد، ومن سبقهم من القادة الشهداء من جيلهم ومن الجيل الأول وعندنا أيضًا من ينتظر، لأنّ لدينا هؤلاء الرجال- "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه"- القادة الذين استشهدوا والمجاهدون الذين استشهدوا، نحن نعرف من كان عندنا في مسيرتنا، ونحن عند من؟ نحن عندهم في الحقيقة. لو يطّلع الناس على ما نعرف نحن، مما لدينا من قادة وكوادر ومجاهدين وأبطال وشجعان وأهل خبرة وأهل عزم وأهل إرادة!.. إضافةً إلى ما يسره الله تعالى من إمكانات عسكرية ومادية. وإذا أضفنا إلى ذلك هذه البيئة من العائلات الشريفة، من أهل القرى والبلدات والمدن والأحياء، هؤلاء الراسخون، المؤمنون، الثابتون، الصابرون، المحتسبون، المسلمون، الراضون، المجاهدون بحق، الآباء والامهات والزوجات والعائلات.. حينئذٍ؛ نعم نتعاطى بهذه الثقة وبهذه المعنويات العالية، ونثق بأن ما عندنا هو من المصاديق الواضحة للفئة التي تنصر الله في كلّ يوم وفي كلّ موقف وفي كلّ ميدان. والله وعدها بالنصر، وحتّى الآن نصرَها على مدى واحد وأربعين عامًا واثنين وأربعين عامًا.. نصرها في كلّ المواقع، في كلّ الظروف الصعبة واختلال المعادلات والنوازل.
عندما نعود إلى هؤلاء الشهداء، قعدت وقرأت أنا ماذا تكلمت عن جواد الطويل؟ ماذا تكلمت عن أبي طالب؟ حسنًا.. هم ذاتهم، الآن الناس سيشعرون بالتكرار؛ ليس لأنّني أريد التكرار؛ بل لأنّ هؤلاء الأخوة متشابهون جدًا، متقاربون جدًا كما هم بالأعم الأغلب، متقاربون من حيث الأعمار. هذا الجيل من القادة هم، أيضًا، متقاربون من حيث الصفات، ولذلك إذا وجدتم تكرارًا.. فهو ليس تكرارًا، هو في الحقيقة الصفات المتكرّرة والمتشابهة في هذا الجيل من الأعزاء من القادة ومن الأحبة.
أبو نعمة بدأ في هذه المسيرة مُقاتلًا، في العام 82 وقع في الأسر بعد الاجتياح "الإسرائيلي"؛ فنحن أمام مجاهد أسير.. لاحقًا سنجدُ مجاهدًا ومقاتلًا وأسيرًا وجريحًا لمرّتين، وقائدًا في العديد من الميادين والساحات، وفي نهاية المطاف العاقبة الحسنة والنهاية الجميلة، ما رأيت إلا جميلًا.. هو هذا. أولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم.
في العام 82 وقع بالأسر، بالمناسبة في هذا العام هو أدّى خدمة العلم في الجيش اللبناني؛ حين كانت خدمة التجنيد الإجباري، وفي العام 84 التحق عضويًا بصفوف المقاومة وتشكيلاتها وواصل العمل. لقد كان له حضور في الخطوط الأمامية منذ بداية التحاقه بالمقاومة، خصوصًا في محور بنت جبيل، حيث تعرّض للإصابة الأولى في العام 1988 في عملية في بلدة الطيري داخل الشريط الحدودي المحتل. وشارك في الخطوط الأماميّة في مواجهات العام 1993 تمّوز، العمليّة التي يسمّيها العدوّ "تصفية الحساب"، ونحن نسمّيها حرب تمّوز 93، طبعًا لاحقًا لم نعد نعتمد كلمة "حرب تموز" أو "حرب نيسان" عندما شاهدنا حرب تمّوز 2006 ؛ فتلك لم تعد حرب فقط عمليات، وأيضًا في معركة نيسان التي يسمّيها العدوّ "عناقيد الغضب" في العام 96 .. في كلّ هذا الوقت أبو نعمة كان في الخطوط الأماميّة، في العام 2000 أكمل مسؤوليته وعمله في صفوف المقاومة ومشاركته في العمليات.. لقد رأيتم في التقرير مشاركته في عملية الاستشهادي صلاح غندور، لأنّ أبا نعمة كان في محور بنت جبيل الذي وقعت فيه العملية. وهو تولّى مسؤولية القوّة الخاصة في "وحدة نصر"، في الوقت الذي كانت فيه كلّ جنود الليطاني وحدة نصر في العام 2004 للعام 2008، وشارك في حرب تموز 2006؛ هذه الحرب التي سنشير إليها.. لأنّه؛ بعد الآن في أيّام الذكرى السنويّة لِبدء حرب تمّوز 2006 التي بدأت في 12 تمّوز، شارك في حرب تموز 33 يومًا في الجبهة تحت النار.
عندما حصلت الأحداث في سورية وبدأت ظاهرة "داعش"، هو ذهب إلى القتال في سورية في مواجهة داعش، والتي سيطرت على العديد من المحافظات العراقية، فأطلقت المرجعيّة الدينيّة- في ذلك الحين- سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني -دام ظلّه الشريف- فتوى الجهاد، فالتحق الكثيرون من المجاهدين.. تتذكرون أنا قلت هذه القصّة عندما جاءني الحاج قاسم سليماني القائد الكبير، ذكرتها في سياق الحديث عن العلاقة مع مع إيران، علاقة عميقة وقويّة منذ 30 و40 عامًا.. الجمهورية الإسلامية لم تطلب منّا شيئًا، في يوم من الأيام- في ناس ما حاضرين يصدقوا يصطفلوا- إلا في مرّة واحدة عندما جاء الحاج قاسم سليماني، والذي لم يطلب شيئًا لإيران؛ إنما طلب ذلك للعراق؛ وقال لي: "إنّ داعش الآن تجتاح المناطق، والعراق في وضع صعب، حيث يوجد عدد كبير من المقاتلين بعد الفتوى، ولكنّنا بحاجة إلى قادة عمليّات".. كانت الساعة- أنذاك- 12 ليلًا، عندما وصل الحاج قاسم إلينا في الضاحية، وقال: "الطائرة موجودة في مطار دمشق الآن، أريد منك أن تجمع لي 120 قائدًا للعمليّات الميدانية، أريد أن آخذهم معي إلى بغداد".. تتذكرون أنا أخبرت هذه القصّة، قلت له:" يا حاج؛ الآن الساعة 12 ليلًا!.." فقال لي: "عند صلاة الفجر، أين سنجد إخوان.. صرنا في منتصف الليل؛ جمعنا نصف العدد، وأرسلنا لاحقًا النصف الثاني..". ربما وقتها أبو نعمة كان في سورية.. قلنا له – لأبي نعمة- "بوجهك" إلى سورية، فكان من جملة الذين ذهبوا مع الأخ الحاج قاسم إلى العراق أيضًا لقيادة العمليّات، فهو كان من القادة الذين ذهبوا إلى مواجهة داعش. كذلك في معارك السلسلة الشرقيّة في البقاع؛ لقد كان مسؤولًا على بعض مناطق عمليّات المحاور التي وزّعت هناك، وأيضًا أصيب بشظايا في ظهره وخاصرته وأذنيه، لكن سرعان ما عاد والتحق بالعمل. وفي العام 2016 استشهد قائد وحدة عزيز؛ وكان مسؤول وحدة عزيز الأخ القائد الشهيد الحاج "حسن الحاج" المعروف بأبي محمد الإقليم - رحمه الله عليه- فتولّى أبو نعمة قيادة هذه الوحدة من العام 2016 إلى يوم شهادته.
في "طوفان الأقصى"، في 8 تشرين الأول، ذكرتُ في أسبوع الحاج أبي طالب أنّ أبا طالب هو أوّل من فتح الجبهة. لماذا؟ لأنّ مزارع شبعا، والتي بدأنا فيها في 8 تشرين، هي تابعة لوحدة نصر. وأبو نعمة فتح الجبهة في 9 تشرين، ودخلنا في معركة الإسناد، وبقي في الجبهة إلى حين شهادته الميمونة والمباركة. نعم؛ هي في نظرنا هكذا عندما يرتقي الشهداء. في الخلاصة؛ نحن هنا نتحدّث عن المؤمن، المجاهد، المتديّن منذ بداية سنّ التكليف.. هكذا كان أبو نعمة، الواعي، البصير الذي اختار طريق المقاومة في ريعان شبابه. كلّ هذا العمر؛ أبو نعمة قضاه في المقاومة وفي خطوط المقاومة وفي جبهات المقاومة، في الفيلم الوثائقي شاهدتم لحيته السوداء، كان ما يزال شابًا، وانتهى الأمر إلى هذا الشيب المبارك، ككثير من إخوانه الذين عادت إليهم آمال أن يُرزقوا الشهادة بعد أن بلغوا هذا العمر الطويل.
الحاج أبو نعمة القائد، المجاهد، المقاتل في الميدان، الأسير في سجون الاحتلال، الجريح في مواجهة الصهاينة والظلاميين الداعشيين، القائد في جبهات القتال، الخبير، العارف، المدير، الشجاع، المتواضع، الترابي جدًا، المُحب لإخوانه، الرحيم بهم، ابن الأرض، المزارع الذي كان ما يزال ملتزمًا بهذه الفضيلة، الزراعة.. هي فضيلة وأمر مستحب، حتّى عندما قبل سنوات من إعلاننا الجهاد الزراعي، أيضًا أبو نعمة على الرغم من أنه عسكري حمل أيضًا راية الجهاد الزراعي، المحبّ للناس، الموالي، المطيع، المنضبط، الملتزم، الحاضر حتّى الشهادة.
في كلّ المراحل التي تولّى فيها المسؤوليّة وفي كلّ المعارك التي قادها؛ كان إنسانًا مديرًا وموفقًا وناجحًا وحاضرًا وشجاعًا- بحمد الله عزّ وجلّ- حتّى لا أعيد كلّ ما قلته في أبي طالب وفي جواد الطويل أقوله في أبي نعمة، كي لا نعود ونستذكر ونزيد أو ننقّص أو ما شاكل.. هؤلاء هم إخواننا وأعزاؤنا وأحباؤنا، هو مضى في هذه المعركة التي كان يؤمن بها.. عندما التقيُته؛ كان مفعمًا بالإيمان وبالروح العالية وبالثقة وبالأمل، ويتحدث بمعنويّات عالية عن حضور المقاتلين واستعدادهم.
لذلك حقيقةً.. خذوها مني أنا شخصيًا، من تجربتي الشخصيّة: الواحد منا عنده معنويّات وثقة، ولكن عندما يجلس مع أي أخ من هؤلاء الإخوان ويسمع منهم ما يجري في الميدان ومعطيات الميدان وروحية الشبان وحضورهم وشجاعتهم وثباتهم وتنافسهم على الخطوط الأماميّة- في بعض الناس، وإن كنت أراها لا تستحق التعليق، يعلّقون في بعض وسائل الإعلام أو بعض مواقع التواصل بقولهم "ليك في ناس في حزب الله لا يريدون القتال، وفي ناس تمرّدوا وفي ناس انقطعت معاشاتهم".. هؤلاء سخفاء جدًا، بل نحن لدينا مشكلة في الجبهة.. قبل أيّام قليلة أحد الأخوة استشهد، فأحد الإخوان من النواب ينقل لي أنّه كان في بيت هذه العائلة، عند والدة الشهيد، وهذا الأخ الشهيد هو الشهيد الثالث في هذا البيت، يعني سبقه شهيدان، وما يزال في البيت شابان، الوالدة تقول له: هؤلاء الشباب للمقاومة.. بينما الشبان يأخذونه جانبًا ويقولون له: يا حاج يا أخونا يا حبيبنا؛ عندنا مسألة، نريدك أن توصّلها للسيّد.."؛ قد يعتقد أحدنا أن لديه مشكلة شخصية، أو ما شاكل، أو حاجة..فإذ هي شكوى!!..: "أنّه أنا كنت أقاتل في الخط الأمامي؛ وعندما استشهد أخي أرجعوني إلى الخط الخلفي، أنا أريد البقاء في الخط الأمامي".. !!
هؤلاء هم شبابنا وهؤلاء هم مقاتلونا، وهؤلاء مجاهدو هذه المقاومة، وهؤلاء أبناؤكم، وبهؤلاء نقاتل وبهؤلاء ننتصر. كان أبو نعمة مؤمنًا بهذه المعركة، معركة "طوفان الأقصى"، والتي دخلت الآن في قلب الشهر العاشر.. لنتكلّم قليلًا عن "طوفان الأقصى" وعن الشق الفلسطيني، وأتكلّم قليلًا عن الشق اللبناني وأختم بكلمة أخيرة.
نحن التزمنا بمعركة "طوفان الأقصى" منذ اليوم الأول، لقد كان التزامًا حاسمًا ونهائيًا، شكلًا ومضمونًا. من حيث الشكل؛ عادةً يقومون بعمليّات يعطون اسمًا لعمليّتهم أو للمعركة التي يخوضونها، لكن نحن التزمنا اسم "طوفان الأقصى" الذي أطلقته حماس، وعدّينا أنفسنا جزءًا من هذه المعركة. فليس لمعركتنا في الجبهة اللبنانية اسم خاص، وهذا للتأكيد على وحدة المعركة. نعم؛ نضيف إلى عنوان معركة "طوفان الأقصى" عنوان "جبهة الإسناد اللبنانية"، وشهداؤنا اخترنا لهم اسم "شهداء على طريق القدس"، هم شهداء في جبهة الإسناد اللبنانيّة في معركة "طوفان الأقصى"؛ هذا من حيث الشكل. وليس في نيّتنا أن نطلق على معركتنا، والتي طالت فنحن الآن نقاتل في الشهر العاشر في جبهة جنوب لبنان، فلا ننوي أن نطلق عليها عنوانًا آخر لنبقى جزءًا من "طوفان الأقصى" المباركة.
في المضمون؛ دخلنا هذه المعركة وحدّدنا لها أهدافًا. وهذه الأهداف، نرى تحققها يومًا بعد يوم، ونرى إنجازاتها يومًا بعد يوم.. والأهم أنّ العدوّ يعترف بتحقّق هذه الإنجازات، ويصنّف بعض هذه الإنجازات بالاستراتيجيّة. وأنا يهمّني في كلّ هذه المعركة، كما أنتم، ما يشعر به العدوّ وما يُقر به العدوّ وما يعيشه العدو.. ذلك؛ لأنّ معركتنا معه. إذ نحن، منذ البداية، أردنا لهذه الجبهة- أي جبهة الإسناد اللبنانية كما هو حال بقية جبهات الإسناد- أن تحمل الأهداف نفسها: استنزاف جيش العدوّ وقدرات العدوّ بشريًا، استنزاف العدوّ عمومًا بشريًا ماديًا اقتصاديًا معنويًا نفسيًا، وهذا ما تحقق حتّى الآن.. وتاليًا، ومن خلال هذا الاستنزاف والضغط المتواصل نستطيع أن نُشغل جزءًا كبيرًا من قوات العدو وقدراته عن التفرغ لغزّة وحسم المعركة في غزّة، ونستطيع أن نضغط على العدوّ وجيشه ومجتمعه ليفهم أنّ وقف إطلاق النار في الشمال مرتبطٌ بوقف إطلاق النار في غزّة. فإذا أردتَ للشمال أن يهدأ؛ فعليك أن توقف العدوان على غزّة.
هذه هي الفكرة، هذه الفكرة اليوم، نتكلم بثمار دماء الشهداء؛ ومنهم الشهيد القائد أبو نعمة وتضحياته وتعبه هو وكلّ الإخوة. هذا اليوم نراه واقعًا وواضحًا أمامنا، بالعناوين واضح. العنوان الأول: هناك اليوم أصوات كثيرة في العالم خارج الكيان وداخله. أما خارج الكيان الكل أدرك- الأميركيون والفرنسيون والألمان- وهؤلاء يأتون إلينا، يأتون إلى الدولة اللبنانية أو إلينا نحن، أو جهات دولية كلها أصبح الموضوع واضحًا بالنسبة إليها: إذا أردتم أن يقف إطلاق النار في شمال فلسطين المحتلة يجب أن توقفوا النار في غزّة. ولذلك هم أصبحوا يتكلمون مع "الإسرائيلي" للاستدلال على أهمية وقف إطلاق النار في غزّة، وبأنّ هذا يؤدي إلى وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. أيضًا؛ في داخل الكيان، من يتابع نقاشات وتصريحات وبيانات "الإسرائيليين" والقادة المسؤولين في الحكومة وفي "الكنيست" وفي الجيش السابقين والحاليين، يرى أنّ هذا أصبح موجودًا بقوة، أنه يجب أن نصل إلى اتفاق في غزّة؛ لأنه السبيل الوحيد لوقف إطلاق النار في الشمال. إذًا هذا شكّل العامل الضاغط القوي والحقيقي والمؤثر، وأيضًا يستنزف قدرات العدو.. كنت أشرت لهذا سابقًا، لكن تصوروا أن حاجة جيش العدوّ للعديد، على جبهتنا ما يزال يوجد أكثر من 300 ألف ضابط وجنديّ، نحن حبسناهم منذ أكثر من 9 أشهر، وسنظل نحبسهم، مثلما ذكرت في الخطاب الأخير في أسبوع الحاج أبي طالب.. هم صحيح ما يزالون موجودين، لكنّهم قللوا من المواقع، وانتشروا، وهم مجبورون على الانتشار من البحر لجبل الشيخ، لأنّهم خائفون ومرعوبون، ليس فقط من احتمال الدخول إلى الجليل، حتّى من احتمال تسلل مجموعات صغيرة بين الحين والآخر باتّجاه فلسطين المحتلة. لذلك العدو لا يستطيع أن يُخلي، وما كان يُعوضه أو يملأه من مساحات جغرافية من خلال الكاميرات والرادارات وأجهزة الرصد الإلكتروني قد دُمر، فاضطرّ أن يُعوضه من خلال الحضور المباشر للضباط والجنود ما يزيده استنزافًا في الليل وفي النهار.. هذا أوقع العدوّ في مشكلة حقيقية، وكلّ يوم يصرخون أنه يوجد لديهم نقص في العديد. نقص العديد، اليوم، يُعمّق المأزق داخل المجتمع "الإسرائيلي"، يعني الموضوع ليس فقط أنه أثّر في الإشغال عن غزّة، أو على الحسم في غزّة، هذا يُعمق المأزق في المجتمع "الإسرائيلي".
في المجتمع الإسرائيلي؛ هناك فئة اسمها الحريديم، كلكم تابعتم في الإعلام، وهؤلاء متفرغون -كما يقولون- للمدارس الدينية وقراءة التوراة، ولا يدخلون في الجيش، ولديهم معاشات وتسهيلات مادية وما شاكل. 75 سنة وهؤلاء لا يُشاركون في الجيش، والحكومات المتعاقبة تتجنّب المشكلة مع الحريديم؛ لأنهم فئة كبيرة جدًا في المجتمع الإسرائيلي، لكن الآن نتيجة الحاجة إلى العديد هو مضطر أن يدخل بمشكلة مع الحريديم؛ فيخرج زعيم الحريديم الروحي لِيُهدّد: "إذا أُجبرتمونا على الدخول إلى الجيش؛ نحن جميعا سنغادر جماعيًا هذا الكيان".. إذًا هذا ليس فقط موضوعًا عسكريًا، إنّ الاستنزاف في غزّة والاستنزاف في الجبهة الشمالية لهذه الأعداد الكبيرة من الجنود والضباط تؤدي إلى مأزق اجتماعي في كيان العدو؛ لأنّ هناك فئة مُشكّلة من مئات الآلاف، في الحد الأدنى، يُهدّدون أنهم سيغادرون "إذا ألزمتمونا بالتجنيد الإجباري في الجيش".
إذ إنّ واحدة من معاناة أي مجتمع، عندما يكون التجنيد الإجباري لمدة طويلة، الآن هم اضطرّوا إلى تطويل مدة التجنيد الإجباري في كيان العدو، لماذا؟ لأنّ إذا كان يريد تسريح من أنهى خدمته إلى البيوت سيزداد عنده نقص العديد.. و"الاحتياط" أتوا بهم من مدارسهم وجامعاتهم ومصانعهم وحقولهم وبيوتهم وعائلاتهم، فعادوا ومدّدوا مدة خدمة الاحتياط، واستدعاء احتياط جُدّد، وما يتركه هذا اقتصاديّا على الكيان ومجتمعه. وعائليًا واجتماعيًا؛ ترون الصراخ قائمًا في هذا المجتمع عن المصائب في هذه العائلات.. وعائلاتهم ليست كعائلاتنا، نحن عائلاتنا إذا غاب الزوج عن المنزل، الأم تتحمّل المسؤولية إزاء أولادها، وبيتها أو الأهل، هم ليسوا كذلك. ولذلك؛ عندما يتكلمون اليوم عن نسب تعاطي المخدرات ونسب الطلاق ونسب التفكك الأُسري والانهيار الاجتماعي، هذا كله بسبب الحرب وبسبب الحاجة إلى العديد.
إذًا الاستنزاف بالعديد، الاستنزاف بالإمكانات والاستنزاف بالاقتصاد، هذا كله - الحمد لله- مُحقق. هذه الجبهة تؤتي ثمارها، نحن لسنا في معركة عشائرية لكي نقول في جبهة الشمال كم قُتل منا، وكم قَتلنا منه، ليست هذه هي الحسبة، الحسبة ما هو حجم الألم والضغط والاستنزاف الذي تُلحقه بهذا العدو، بجيشه، بمجتمعه، باقتصاده، بقراره السياسي وتدفعه للنقطة التي سوف يضطر فيها إلى وقف الحرب، وسيضطر إلى وقف الحرب وإلا هو يمضي إلى الهاوية. إذ كما يقول كبار القادة من الصهاينة بأنّ: "نتنياهو يأخذنا إلى خراب الهيكل الثالث، إلى وادي سحيق، إلى النهاية، يُعجّل علينا ويُحقق عقدة الثمانين عامًا، أن دولتنا وكياننا لا يبقى ثمانين عامًا". الحسبة هنا وإن كان هو يخفي أعداد قتلاه وجرحاه في الإعلام، وإذا كنتم تراقبون مثلًا - أمس أو أول أمس- يقول إنّ هناك عشرين إصابة، مثلًا 11 في غزّة، والتسعة الآخرون أين؟ لا يقول في الشمال..! منذ بضعة أيام، وقعت ثلاثون إصابة، 13 في غزّة، ولكن أين ال17 ؟ لا يقول في الشمال، حسنًا أين؟ هناك يوجد جبهة وهنا يوجد جبهة..
هذه الجبهة ماضية تحقق الهدف، والعدو من حيث المجموع - إخواني وأخواتي- كما يُصرح في كلّ يوم، وأنا أعيده لأنهم هم يُعيدونه كلّ يوم، أن اليوم هي أسوأ أيامه، أسوأ مرحلة في عمر هذا الكيان منذ 75 عامًا على كلّ صعيد، جيشه وعسكره ومجتمعه واقتصاده وأمنه ومعنوياته ووضعه النفسي، أزمة الثقة التي تتعمق، اليوم بدأت ترتفع الأصوات أكثر من الأسابيع الماضية، بوجوب استقالة رئيس الأركان وكبار الجنرالات، لماذا؟ لأنه بدأت تكشف بعض التحقيقات فضيحة 7 تشرين والخلل الهائل في القيادة والإجراءات وتحمّل المسؤولية وسيبدأون بتقاذف المسؤولية. هذه التحقيقات بدأت تظهر، الحقائق بدأت تظهر، مثلًا من جملة ما ذُكر عندما اتّهموا فصائل المقاومة الفلسطينية أنها دخلت وقتلت، الآن بدأوا يعترفون بأن الجيش هو من فعل ما يسمّى بعقيدة هنيبعل والقاضية بماذا؟ أنه عندما يقع رهائن أو أسرى بيد مجموعة من المقاتلين اقتلوهم جميعًا، ولذلك غالبية المدنيين الصهاينة الذين قُتلوا في غلاف غزّة قَتلهم الجيش "الإسرائيلي"، أقول الأغلب من باب الاحتياط، وإلّا يبدو أنّ كلّ من قُتل من المدنيين قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي، هم اعترفوا قبل عدة أيام أن قيادة الجيش أصدرت قرارًا بتدمير كلّ الآليات والسيارات التي تدخل إلى قطاع غزّة، وفيها أسرى صهاينة تفعيلًا لهذه العقيدة.
في كلّ الأحوال؛ المأزق العسكري المأزق السياسي حتّى الائتلاف الحكومي التابع لِنتنياهو اليوم هو في أسوأ حال، وبتنا مضطرين لحفظ هذه الأسماء القبيحة، فلان مختلف مع فلان وفلان يشتم فلان وفلان يخون فلان وفلان يهدّد فلان في داخل الائتلاف.. ويبدو أن هذا الائتلاف عمره بات قصيرًا، بحسب الكثير من التوقعات "الإسرائيلية".. هذا هو الكيان، اليوم نتنياهو هو الذي يُعاند هو وبن غفير وسموتريتش؛ لأن هذا مستقبلهم الشخصي.. فنحن هنا أمام نموذج جديد من القادة النرجسيين الأنانيين الشخصانيين المُستعدين بالتضحية بالمشروع الصهيوني وبالكيان "الإسرائيلي" وبمجتمعهم وبجيشهم من أجل بقائهم هم في السلطة.. هذا النموذج الآن يُقدم.
في كلّ الأحوال؛ في الشهر العاشر كما تعرفون جميعًا، أنّ الفشل هو عنوان هذه المعركة، أي من الأهداف لم يتحقق، رفح سأتحدّث عنها قليلًا، ومنها أدخل إلى الوضع اللبناني مباشرةً.. لكن في كلّ ما يجري الآن في غزّة، هو يعترف بأن العنوان هو الفشل، لا يوجد لا نصر مطلق ولا نصر مؤقت ولا شيء.. هناك فشل حقيقي، لماذا؟ لأنّه هو حدد هذه الأهداف الثلاثة: عودة الأسرى، القضاء على حماس، تحويل القطاع إلى منطقة لا تُشكّل أي تهديد له. هم قالوا هذا؛ وهذا لم يتحقق منه شيء حتى الان في الشهر العاشر، نتحدث عن من؟ جيش "إسرائيل" المكون من مئات الآلاف، من يدّعي أنه أقوى جيش في المنطقة في مقابل قطاع غزّة؟ هذه أفشل معركة يخوضها الجيش "الإسرائيلي" حتّى الآن.
حاليًا؛ يجري الحديث عن المفاوضات.. والمفاوضات مع من؟ مع الذي قيل من اليوم الأول أن هدف المعركة- أسموها "سيوف مدري شو"- القضاء على حماس.. والذي يُفاوض الآن حماس، والعالم كله يتحدث مع حماس..
نحن الآن ننتظر نتيجة المفاوضات، اليوم هناك مفاوضات في الدوحة في قطر، بالنسبة إلينا في موضوع المفاوضات الجارية، العالم كله سلّم بأنّ "إسرائيل" غير قادرة على الحسم العسكري، ويجب أن يقف إطلاق النار... الدعوات إلى وقف إطلاق النار في كلّ العالم، باستثناء نتنياهو وبن غفير وهؤلاء الذين يُعاندون، بينما كلّ العالم الآن يضغط بهذا الاتّجاه ويعمل بهذا الاتّجاه..
بالنسبة إلينا؛ حماس تُفاوض عن نفسها وبالنيابة عن الفصائل الفلسطينية، وأيضًا بالنيابة عن محور المقاومة كله، وما تقبل به حماس نقبل به جميعًا ونرضى بها جميعًا.. لأنّ كثيرًا من الأسئلة طُرحت، خلال هذه الأيام: ما هو رأي حزب الله بالمفاوضات وبالاتفاق وبالورقة المعدة وما شاكل؟.. النقاش نفسه، لا تسألونا، لا عن هذه الورقة ولا على التي سبقتها، ولا إذا جرى عليها تعديلات أو إضافات ولا أي شيء.. هو خط عريض محسوم ما ترضى به حماس نرضى به جميعًا..
لماذا؟ لأنّها هي من ينسق مع الفصائل الفلسطينية. ونحن لم نطلب أن ينسقوا معنا؛ لماذا؟ لأنّ المعركة بالدرجة الأولى هي معركتهم، ومن يحمل العبء الأكبر في هذه المعركة هو قطاع غزّة وأهل غزّة ومقاومة غزّة والضفّة الغربية، كلّ الباقين الذين يحملون الأعباء، مهما كانت كبيرة، لا ترقى إلى العبء العظيم الذي يحمله قطاع غزّة، وبالتالي هم أدرى بأوضاعهم وأحوالهم وإمكاناتهم وقدراتهم وبالأفاق المفتوحة أمامهم. نعم، هم "كتر خيرهم، الجماعة يضعوننا بالأجواء، وأحيانًا يُحبون أن يسمعوا رأينا"، وأقولُ لكم بكلّ صراحة .. في كلّ الجلسات، أنا كنت أقول لهم: الذي أنتم تجدونه مناسبًا وتُشخصونه، نحن معكم، حتّى إذا كان لدينا رأي لا نُبلغهم برأينا، هم يقولون لنا: لا اطلعونا عليه، نحن نقول لهم: لا نريد، أنتم خذوا راحتكم؛ لأنه نخشى إذا عبّرنا عن رأي ما أن يُفسر بأن جبهتنا قد تعبت أو ملّت... لا لا لا؛ نحن لن نتعب ولن نملّ ونحن معكم حتّى نهاية الخط".
إذًا في المفاوضات الأمر بالنسبة إلينا واضح. وطبعًا؛ بالمناسبة يجب أن نُسجل للمقاومة الفلسطينية ولفصائل المقاومة الفلسطينية، كما نُسجل ويشهد العالم كله للمقاتلين الفلسطينيين في غزّة وفي الضفّة، يُشهد لهم بالشجاعة والبطولة والعزم والإرادة، ويُقدمون مشاهد مذهلة على هذا الصعيد. كما يشهد العالم لأهل غزّة لرجالها ونسائها وأطفالها بهذا الصمود، هذا الشموخ المذهل.. أيضًا يجب أن نُسجل لقيادة المقاومة الفلسطينية هذه الإرادة، هذه الصلابة، هذا العزم، هذا التمسك بالحقوق والأصول والأهداف من خلال المفاوضات. ونحن نستطيع أن نعرف وأن نقدّر جميعًا حجم الضغوط السياسية والدبلوماسية التي يتعرضون لها من كثير من دول العالم، وأحيانًا من العدوّ وأحيانًا من الصديق، ولكن قيادة المقاومة، وبالتحديد قيادة حماس التي تفاوض بأعصاب هادئة وقوية وثابتة وراسخة ولا يهزها كلّ هذه المظاهر المؤلمة التي نشاهدها في غزّة، وخصوصًا أن من يفاوض تتعرض عائلته للكثير من القتل والمجازر، كما هو حال الأخ العزيز الأستاذ أبو العبد إسماعيل هنية - حفظه الله- رئيس المكتب السياسي لحماس.
إذًا من هذه الجهة- الحمد لله- هذه الجبهة هذه القضية، اليوم، سياسيًّا في أيدي أمينة وشجاعة وواعية وحكيمة وثابتة وراسخة، والميدان بيد مقاومة قوية وصلبة، وتستند إلى بيئة لا مثيل لها في مشاهد الصبر والتحمّل والثبات، الآن ننتظر حتّى نرى نتيجة هذه المفاوضات إلى أين ستصل.
آخر عنوان تحدثوا عنه هو عنوان رفح، والذي سأدخل منه إلى جنوب لبنان..
نتنياهو ماذا قال عندما كان يطالبه العالم كله بوقف إطلاق النار وصُدر قرار عن مجلس الأمن أنه "لا، من يريد أن نوقف العملية على رفح هو يريد إلحاق الهزيمة بنا"، ضمنًا هو يعترف أن كلّ ما حصل قبل الهجوم على رفح هو ليس نصرًا، وبالتالي إذا أوقف العملية على رفح فهذا يعني أنه مهزوم، هو غير منتبه لنفسه ما الذي يقوله.. إذ عندما تنهار أعصاب أحدهم "يبدأ يخبص"؛ يتحدث بكلام لا يفهم حاله ماذا يقول، يبدأ بالإقرار على نفسه من حيث لا يشعر، وإصرار نتنياهو على عملية رفح هو إقرار ضمني بالهزيمة وعدم النصر، فذهبوا إلى رفح..
من هنا سأدخل إلى جنوب لبنان، هذا الجيش الذي يهدّدنا الآن باجتياح جنوب الليطاني، بعضهم وليس كلهم، رسميًّا أنا لم اسمع شيئًا من الجيش، لكنّ هؤلاء المجانين الذين حوله "المساطيل" بن غفير وسموتريتش وفلان وعلتان، ومؤخرًا وزير الخارجية "الإسرائيلي" بين الآونة والأخرى يهدّد باحتلال جنوب الليطاني، فلنرَ ما الذي يحصل في رفح بكلمتين:
طلبتُ بعض المعلومات من الإخوان، مساحة محافظة رفح كلها، عمرانها وفلواتها وصولًا إلى الحدود مع مصر، كلها تبلغ 64 كيلومترًا مربعًا.. مدينة رفح، والذي ما يزال القتال جاريًا فيها، هذه المدينة مساحتها التقريبية 27 كيلومترًا مربعًا، طبعا أغلبها منازل من طابق وطابقين، حيث لا يوجد مدينة فيها مبانٍ كبيرة وضخمة وما شاكل.
في هذه المساحة الضيقة؛ هناك عدة فرق وألوية "إسرائيلية" بينها ألوية نخبة، سلاح الجو متمركز على رفح، القتال كم مضى عليه؟ وكان يقال يحتاجون إلىأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، هم أعلنوا ذلك رسميًّا.. قالوا إننا نحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة للانتهاء من رفح، ليخرج نتنياهو ويعقد مؤتمرًا صحافيًا ويعلن النصر المطلق..! وقدّروا أنّ ما هو موجود في رفح- بتعبيره- هو أربع كتائب لحماس.. بينما هم لهم عدد من الألوية، وبعضها ألوية نخبة، وكلّ لواء فيه عدد من الكتائب وبإسناد مدفعي وصاروخي "إسرائيلي" وبإسناد جوي من سلاح الجو ومسيّرات في منطقة ضيقة جدًا.. ولا نتحدث عن غزّة؛ بل نتحدث عن رفح 27 كيلومترًا مربعًا.. فكم مضى حتّى الآن؟ شهران وأربعة أيام، ومع ذلك يقولون نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع؛ أي إنّه سيستغرق ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر اخرى، ولم ينتهِ من رفح وغير معلوم أن ينتهي من رفح.. هذا الجيش الآن يهدّد بماذا؟ يهدّد باجتياح جنوب الليطاني ..! سأتحدّث عن هذه النقطة.
في كلّ الأحوال، هنا أودّ أن أتوقف، أيضًا، عند أهمية انتصار المقاومة وصمودها في غزّة.. وهي فيها مصلحة وطنية للبنان واللبنانيين؛ لأن بعض اللبنانيين يسألون عن المكاسب اللبنانية.. لماذا قلنا، في الأيام الأولى، لا يجوز أن نسمح بأن تهزم المقاومة في غزّة؟ لأنّه لو حقق "الإسرائيلي" انتصارًا واضحًا سريعًا حاسما في غزّة "مين بعد سيهديه"- بالتعبير الشعبي- سوف يأتي إلى لبنان وإلى غير لبنان، وسيفرض شروطه على كلّ دول المنطقة وشعوبها، وسندخل في عصر جديد مختلف عن عصر الانتصارات في الأربعين سنة الماضية، وأول من سيكون في دائرة التهديد هو لبنان، بينما الآن هو مؤدَّب، ما جرى في غزّة أدّب الجيش الإسرائيلي، أدّبه جدًا وأدّب القادة "الإسرائيليين". تُريدون الدليل، الدليل انظروا إلى المسؤولين "الإسرائيليين" ماذا يقولون لبعضهم البعض، عندما يخرج بن غفير وسموتريتش وفلان وعلتان وغالانت ومالنت وغيرهم ويبدأ بتهديد لبنان، ويخرج له الآخرون- لسنا نحن- أنّه: "حبيبي؛ أنت ماذا تهدّد، بأي جيش تريد أن تقاتل؟ أنت في غزّة لمّا تنته بعد!..". واليوم، صار لدينا مثل جديد: "أنت في رفح 27 كيلومترًا المحاصرة منذ شهرين وتقول تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أسابيع.. وغير معلوم المدة.. تريد الآن أن تجتاح جنوب الليطاني، تريد اجتياح لبنان، وتريد الحرب مع لبنان؟!.." هذه هي المكاسب الوطنية.
الحرب في غزّة؛ عندما مكّنت جبهات الإسناد مع المقاومة في غزّة من مساعدتها أن تصمد وتثبت وتنتصر، هذا سيحمي كلّ الأوطان وكلّ الجبهات، وليس فقط غزّة، وأولها لبنان.. وأيضًا من الأدلة، وهنا دخلنا إلى البحث اللبناني، من الأدلة هو نزول سقف الأهداف "الإسرائيلية" إزاء لبنان.
في حرب تموز 2006 تذكرون ما كان الهدف؟ الهدف كان سحق المقاومة في لبنان، سحق حزب الله في لبنان، تدمير حزب الله في لبنان، القضاء على حزب الله في لبنان.. اليوم، منذ تسعة أشهر أو عشرة أشهر نُنفذ عمليات ونستهدف المواقع، ونضرب حتّى داخل المستعمرات.. والجنود الذين هربوا إلى البيوت في داخل المستعمرات، هم لم يذهبوا فقط إلى الفلوات؛ بل أيضًا دخلوا إلى بيوت المستعمرات، ولذلك بعض مستوطني المستعمرات طلبوا من العسكر المغادرة؛ لأنّ بيوتهم تُهدم.. ونذهب إلى العمق والجولان والشمال والمنطقة كلها مهدّدة، وما تزال المعركة في هذه الحدود، وما الذي نسمعه من الإسرائيلي؟ هل تسمعون لغة القضاء على حزب الله، على المقاومة، تدمير المقاومة؟ لا يوجد هذا الكلام بل نزل، تعلّم.. الآن عندنا في لبنان تعلّم؛ لكنّه في غزّة لم يتعلّم؛ لأن نتنياهو مختلف عن أولمرت، نتنياهو يعتقد أنه هو شيء آخر، أنه يستطيع وضع أهداف عالية، ولا يستطيع أن يُحقق منها شيئًا.
في لبنان؛ في حرب تموز وضعوا أهدافًا عالية، وفشلوا بتحقيقها. كلّنا نذكر لجنة فينوغراد وتحقيقاتها، الآن ما الذي يقوله؟ يقول لك: نريد حلّ قصّة الجنوب، إما بتسوية أو بعملية عسكرية، حتّى في الأسابيع الأخيرة لم نعد نسمع كلمة "الحرب الشاملة والواسعة"، نسمعها في لبنان من بعض اللبنانيين الذين يحبّون أن تشنّ "إسرائيل" حربًا.. أما "الإسرائيلي" يقول لك إمّا تسوية وإمّا عملية عسكرية. ما هدف العملية العسكرية؟ وما هدفك؟ منذ يومين عندما كان غالانت في الجولان، وهدّد وأرعد، وبعد عدة دقائق سقطت المسيّرات على أعلى موقع "إسرائيلي" في الجولان ماذا كان يقول؟ يقول: في النهاية؛ نحن إمّا سنذهب إلى تسوية مع لبنان نجري من خلالها ترتيبات، وإمّا عملية عسكرية تفرض ترتيبات".. فجنّ عليه بعض المستوطنين وأساءوا إليه وأهانوه... إلخ..
في وسائل الإعلام؛ لم يتحدث عن حرب شاملة واسعة، ولم يتحدث عن تدمير حزب الله، القضاء على حزب الله .. لماذا لم يتحدث؟ لأنّهم يرون في غزّة أين أوصلهم شعار القضاء على حماس ؟ صدمهم بالحائط والزجاج، فيأتي ليقول لك القضاء على حزب الله!.. لذلك وضع هدفًا متواضعًا بالنسبة إلى الأهداف السابقة، وهو إبعاد حزب الله عن الحدود 8 كلم أو تسعة كلم، بعضهم يقول إبعاد "قوة الرضوان".. فهل المقاومة هي قوة الرضوان فقط؟.. هناك "رضوان" و"عزيز" و"نصر" و"بدر"، وما شاء الله.. وفي "العباس".. قدر ما تشاؤون.. أسماء جميلة من هذه الأسماء الجميلة، فيخرج أحدهم مثل وزير الخارجية يمسك بِقصة جنوب الليطاني، فيقول 8 كلم أو عشرة كلم..
في البداية، ماذا قالوا؟ قالوا إبعاده عن الحدود، تحدثوا عن ثلاثة كلم.. لاحقًا، ومن المفيد أن يعرف اللبنانيون هذا التفصيل: أنّه لماذا ثلاثة كلم؟ قالوا لأنّ الصواريخ المضادة للدروع للحزب والمقاومة تصل إلى ما بين 3 و5 كلم، كورنيت تصل إلى ما بين 3 و5 كلم، يعني نبعد إلى مدى الكورنت.. لقد كان لدينا كورنيت 8 كلم أخفيناه للحرب القادمة، إن حصلت الحرب، فاضطررنا في "طوفان الأقصى" في جبهة الإسناد اللبنانية أن نستخدمه، فعرف "الإسرائيلي" أنّ لدينا كورنيت بمدى ثمانية كلم؟ فماذا أصبح يقول؟ إبعاد إلى ثمانية كلم.. ولاحقًا تبيّن أنّ هناك شيئًا اسمه "الماس".. يا أخي؛ هذا يصل إلى عشرة كلم، فطالب الإسرائيلي بالإبعاد لمدى عشرة كلم.. الآن؛ هل إبعاد حزب الله ثمانية كلم أو عشرة كلم من شأنه أن يحلّ مشكلة "الإسرائيلي" الذي يتحدث عنها؟ هذا لا يحلّ المشكلة، هو في مأزق في الجبهة اللبنانية، وليس لديه خيارات في الجبهة اللبنانية.
في كل الأحوال؛ صار السقف جنوب الليطاني، ويخرج غالانت وماذا يقول؟..حقيقة نقول الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى".. يقول غالانت: الدبابة التي ستخرج من رفح تستطيع أن تأتي إلى جنوب الليطاني.. "فرجينا عليها" هذه الدبابة في رفح..! إننا نراها يوميًّا في فيديوهات كتائب القسام، وفيديوهات سرايا القدس، وفيديوهات الجبهة الشعبية وفيديوهات بقية فصائل المقاومة.. هذه الدبابة في رفح عاجزة منذ شهرين أن تحسم مساحة في مدينة صغيرة، فإذ بك تهدّدنا بهذه الدبابات وتريد أن تحتلّ فيها جنوب الليطاني؟!.. وفي رفح لا يوجد لا كورنيت خمسة كلم- لا أعرف إن كان موجودًا، لكنّ كورنيت ثمانية كلم اكيد غير موجود والماس لا يوجد فهو كله جديد ولمّا يصل بعد..
أصلًا الآن- يا إخوان- تعرفون ما الذي يحدث في الجبهة؟ يجلس الإخوان الشبان ضدّ الدروع ساعة واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة "صالي"- مثلما يقولون- على الموقع والدبابة مختبئة، عندما تسمعون أن هناك دبابة ضُربت يعني خلال دقائق "أطلّت برأسها قليلًا قيستهدفها ضدّ الدروع ويدمّرها، ولا يعترف العدوّ فننشر الأفلام.. عندما تطل دباباتك على حدودنا، تعرف من ينتظرها، رُماتنا ماهرون مثلما قلنا من اليوم الأول، رُماتنا ماهرون وقبضاتنا كثيرة، وقبضات ضدّ الدروع وصواريخنا أكثر، وتستطيع أن تفهم من عدد الصواريخ التي استُخدمت حتّى الآن كم نُخبئ لك من الصواريخ.. هذا إذا تحدثنا عن البرّ في ضدّ الدروع وفي غير ضدّ الدروع..
لذلك؛ "الإسرائيلي" في هذه الجبهة في الآونة الأخيرة، لم نسمع منه كثيرًا تهديدًا بحرب شاملة أو حرب مدمرة، هذه لغة التهديد والوعيد. هذا- الحمد لله- تراجع بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة.، وهو على كلّ حال يعرف أنّ المقاومة في لبنان جاهزة ومستعدة وقوية، وليست خائفة ولا متردّدة على الإطلاق، وأيضًا والدليل- أنا مع كلّ ادعاء أُقدم له دليلًا- هو ردود فعل المقاومة على الاغتيالات، بعد اغتيال الحاج أبي طالب كان هناك جو كبير وكلام عن الحرب، قتلوا الحاج أبي طالب، وهم يهدّدون بالحرب الشاملة، متوقعين أن يكون ردّ فعل المقاومة محدودًا جدًا، ولكنّ المقاومة أطلقت أكبر عدد من الصواريخ حتّى ذلك الحين، وذهبت إلى أماكن واسعة، ومع استشهاد الحاج أبي نعمة أطلقت عددًا أكبر من الذي أطلقته، وذهبت إلى أهداف واسعة وإلى أعماق جديدة وإلى أهداف حساسة. وما حصل في اليومين الماضيين أيضًا كذلك، المقاومة التي تُطلق مئات الصواريخ وعشرات المسيّرات، في يوم واحد وعلى أهداف حساسة في الشمال وفي عمق 30 و35 كيلومترًا وفي الجولان وفي كلّ مساحة الجولان، رسالتها أنها لا تخشى الحرب ولا تخاف من الحرب، وليس لديها أي قلق من الذهاب إلى أي خيار والعدو يفهم ذلك. ولذلك ردود أفعاله، أيضًا، محسوبة ومنضبطة.
فهذه معركة- يا إخوان- كُنت أودّ الحديث عن موضوع استشهاد القادة والاغتيالات، لكنّ الوقت ضاق، وسيأتي وقت أتحدث بهذا الموضوع وأفصّل فيه. هذه معركة، أن يُستشهد أبو نعمة بعد تسعة أشهر من القتال في الجبهة، وأن يُستشهد أبو طالب بعد ثمانية أشهر من القتال في الجبهة، وأن يُستشهد الحاج جواد بعد عدة أشهر، وهكذا بالنسبة إلى صف آخر من الكادر، هذا أمر طبيعي.. فنحن في معركة مع عدو يملك إمكانات، وكلّ العالم بخدمته: الأجهزة الأمنية، أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية والعربية- مع الأسف- كلّ تكنولوجيا العالم بخدمته وكلّ الأقمار الصناعية في العالم بخدمته، وكلّ أجهزة التجسس في العالم بخدمته، ولا يسقط منا إلا هذا العدد من الشهداء، وبهذه الفواصل الزمنية .. من زاوية أخرى؛ عندما ننظر إلى الموضوع نرى أننا ما زُلنا بألف خير، وإن كان لدينا نواقص أو ثغرات، طبعًا يجب أن نكتشفها ويجب أن نُعالجها ولا ندّعي العصمة.
إذًا؛ الآن في المناخ القائم أود أن أختم لأقول: إذا حصل اتفاق على وقف إطلاق النار- وكلنا يأمل ذلك ويرجو ذلك- نعم؛ نحن أهل حرب وأهل قتال وأهل مقاومة، ولكن حتّى في الفكر الديني في الدعاء، حتّى في دعاء الصلاة، نقول له: "يا وليّ العافية نسألك العفو والعافية، عافية الدين والدنيا والآخرة"، إذا الله- سبحانه وتعالى- يمنّ على الشعب الفلسطيني وعلى أهل غزّة وعلى أهل جنوب لبنان وعلى أهل اليمن والعراق وسورية والمنطقة والشعب الفلسطيني جميعًا بالعافية؛ فإننا نشكره على هذه النعمة... ونعود؛ فإذا حصل وقف إطلاق نار، جبهتنا ستوقف إطلاق النار بلا نقاش بمعزل عن أي اتفاق أو آليات أو مفاوضات أو أي شيء. هذا هو التزامنا لماذا؟ لأنّها جبهة إسناد، نحن كُنا واضحين من البداية، وهذا لا يحتاج إلى سؤال. كثر يسألون ويسأل الناس: إذا حصل اتفاق في غزّة ووقف إطلاق نار ماذا ستفعلون في الجنوب؟ سنوقف إطلاق النار كما حصل في الهدنة السابقة، وإذا لم يحصل اتفاق وبقيت الأمور مستمرة أو ذهبت إلى أشكال أخرى؟ نتحدث وقتها.. لن نتوقف، لكن ما الذي سنقوم به، كيف نُكمل وكيف نعمل، هذا يأتي الحديث عنه لاحقًا.
سمعنا كلام من غالانت يقول إنه: إذا وقف القتال في غزّة، ليس بالضرورة أن يقف القتال في جنوب لبنان". جيد لا توجد مشكلة؛ عندما يقف القتال في غزّة سنوقف القتال، عندما يقف إطلاق النار في غزّة سنوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، أما إذا "الإسرائيلي" أخذ قرارًا بأن يُكمل في جنوب لبنان، وأن يعتدي على جنوب لبنان، نحن أيضًا، إذا كُنا فتحنا الجبهة لِندافع عن غزّة وأهل غزّة فبطريق أولى أن نُدافع عن لبنان وعن جنوب لبنان وعن أهلنا وشعبنا وكرامتنا، وأيضًا نحن لن نتسامح أبدًا مع أي اعتداء يمكن أن يُقدم عليه العدوّ "الإسرائيلي" تجاه لبنان إذا حصل وقف إطلاق نار في غزّة. وإن كان هذا مستبعد جدًا، أن يحصل وقف إطلاق نار في غزّة وإذ به يريد فتح جبهة، لكن على كلّ الأحوال.. سواء استبعدنا هذا أم استبعدنا الحديث عن الحرب الكبيرة والشاملة أو أشيعت أجواء مفاوضات في المنطقة، يجب أن نبقى نحن في المقاومة وفي بيئة المقاومة حذرين جدًا، وأن نبني على أسوأ الاحتمالات، ونحن تحضّرنا ونتحضّر ونتجهّز بشكل دائم، ولا نكتفي بجهوزيتنا الحالية لأسوأ الاحتمالات، وإن كُنا نتطلّع إلى ما يثار من إيجابيات في مكان ما.
في كل الأحوال؛ إذا أصرّ نتنياهو على مواصلة هذه المعركة؛ فهو يأخذ- كما قُلت في كلّ مناسبة وكما يقول الآن كثير من الخبراء والقادة والمسؤولين الصهاينة- يأخذ كيانه إلى الخراب، هذه هي الحقيقة، الحقائق الميدانية تؤيد ذلك، الأرقام تؤيد ذلك، ليس هناك وقت.. لدي تقرير، لكن يحتاج إلى وقت طويل لقراءته، ولكن أدعوكم إلى قراءة ما يُنشر في الإعلام الإسرائيلي، وهو يُترجم وموجود في وسائل الإعلام في الصحافة ومواقع التواصل، عن حال الجيش، حال المجتمع، حال الحكومة، حال الأحزاب، حال الهجرة المعاكسة، حال الاقتصاد حال.. حال.. حال..، إذًا مسار هذه المعركة هو مسار نصر أيها الإخوة.
لا يفوتنا أن أُبارك، أيضًا- من زاوية جبهتنا جبهة المقاومة ومحورنا- للإخوة في إيران، للشعب الإيراني العزيز، لقيادة الجمهورية الإسلامية، لقائد الأمة سماحة الإمام آية الله العظمى السيد الخامنئي وللمسؤولين في الجمهورية الإسلامية، إجراء الانتخابات في دورتين وفي وقت ضيق بعد الحادثة الأليمة التي أدت إلى استشهاد الشهيد السيد رئيسي وصحبه الكرام. هذا الحضور الشعبي الكبير، هذا الانضباط، هذا الالتزام، هذا الأداء القانوني والإداري، هذه المناظرات الراقية.. لو شاهدنا مناظرة ترامب وبايدن وهم "يكلّمونك عن الديمقراطية!" ماذا فعل الاثنان ببعضهما البعض؟! بينما المناظرات في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وربما لم يرها الكثيرون في العالم العربي لأنها لم تترجم ولم تُنقل أحيانًا بالبث الحي، كانت علمية وراقية وجميلة ومحترمة، ثمّ الخيار الذي اختاره الشعب الإيراني في الدورة الثانية، بأعداد كبيرة من الأصوات، انتخب رئيسه جناب الدكتور مسعود بازشكيان-حفظه الله.
أولًا: نُبارك لهم جميعًا، نُبارك للرئيس المنتخب كما باركنا له يوم السبت. وأنا في الحقيقة أود أن أُعيد شكره على البرقية التي أجاب بها على برقيتي، وإن كان هو ليس مُلزمًا بأن يُجيب على هذه البرقية، لكن أهمية ما كتبه هو الموقف السياسي. فلكلّ الذين في منطقتنا راهنوا وسألوا وتربّصوا واحتملوا وحللوا، كان الجواب حاسمًا وواضحًا، الجمهورية الإسلامية في إيران في أساسات فكرها وعقيدتها ودينها ومبانيها وأصولها، كما أسسها الإمام الخميني - قدس سره الشريف- وكما واصلت مع سماحة الامام الخامنئي - دام ظله الشريف- مسألة المقاومة ومحور المقاومة وشعوب المقاومة ونصرة المستضعفين والمظلومين وشعوب المنطقة، هي مسألة حاسمة ونهائية، أيًا يكن رئيس الجمهورية وأيًا تكن خلفيته السياسية أو التيار الذي ينتمي إليه. وخلال العقود الماضية تعاقب على رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران رؤساء من التيارات المختلفة، وكانت دائمًا الحكومات المتعاقبة في الجمهورية الإسلامية في إيران تُقدم الدعم؛ بل يزداد دعمها ويقوى دعمها. وأنا أشهد على ذلك للمقاومة في لبنان ولِحركات المقاومة، من هذه الزاوية للكثير من الذين انتظروا وتربصوا، فقد جاءت رسالة رئيس الجمهورية المنتخب- حفظه الله- وأيضًا اتصالاته الهاتفية يوم أمس وما يجري في هذه الأيام لِيؤكد أن جبهة المقاومة وأن ركيزتها الأساسية العزيزة القوية المقتدرة، إيران الجمهورية الإسلامية، أن جبهة المقاومة جبهة متماسكة صلبة وقوية وعازمة ومصممة وستواصل الطريق حتّى النصر.
في طريق النصر؛ سيرتقي شهداء، كالشهيد أبو نعمة، والأخ الذي استشهد معه الأخ خشاب، والشهداء الذين سقطوا بالأمس والقادة ومن سبقهم من القادة الشهداء في كلّ معاركنا. هنا الدم ينتصر على السيف، في معركة المقاومة التي تستمد أنفاسها وفكرها وثقافتها وروحها من كربلاء الحسين - عليه السلام- دمها ينتصر على كلّ السيوف، واسم معركة "إسرائيل" الآن فيها سيوف، دمنا، الدم الفلسطيني، الدم في لبنان وفي العراق، في اليمن وسورية وفي إيران وفي المنطقة سينتصر، وهو ينتصر، وانتصر خلال العقود الماضية، وسينتصر إن شاء الله.
لِشهيدنا، لِكل شهداء "طوفان الأقصى"، لِكل شهداء طريق الحق والمُضحين في هذا الطريق الرحمة وعلوّ الدرجات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.