كلمة سماحة السيد حسن نصر الله خلال فعالية "منبر القدس"
2024
التي نظمتها اللجنة الدولية لاحياء يوم القدس العالمي في قاعة رسالات في بيروت وعدد من عواصم محور المقاومة 03/04/2024
عدد الزوار: 425كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال فعالية "منبر القدس" التي نظمتها اللجنة الدولية لاحياء يوم القدس العالمي في قاعة رسالات في بيروت وعدد من عواصم محور المقاومة 03/04/2024
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية أتوجه بالشكر إلى كلّ المشاركين الكرام في مختلف الأماكن وفي مختلف العواصم في فعاليات هذا اللقاء السنوي، ونشكرهم على مساهمتهم ومشاركتهم وحضورهم وتحملهم للمسؤولية أيضًا في هذا الزمن الصعب اتجاه القضية الأهم والأكبر والأخطر في تاريخنا المعاصر بالحد الأدنى.
يوم القدس هذا العام يأتي مختلفًا كثيرًا عن أيام القدس في السنوات الماضية، وذلك ببركة طوفان الأقصى، وواحدة من نتائجه الذي حصل في 7 تشرين العام الماضي وتداعيات ونتائج وأحداث اللاحقة والمستمرة إلى الآن.
طوفان الأقصى كان من نتائجه إطلاق طوفان الأحرار، كما اعتمد الأعزاء هذا الشعار ليوم القدس العالمي هذه السنة، وهو شعار صحيح، وما يجري اليوم في فلسطين والمنطقة وفي العالم هو طوفان أحرار بكل ما للكلمة من معنى، ونأمل أن يكبر هذا الطوفان وأن يزداد ويقوى مع الوقت.
في البداية يجب أن نقف أيضًا بإجلال واحترام وتقدير لما قامت به المقاومة في غزه بكل فصائلها وتشكيلاتها المقاومة والجهادية، وأيضًا الإجلال والتقدير لإبداعها ومبادراتها وشجاعتها وإقدامها وأيضا لنجاحها وتحقيقها الإنجازات، ثم بعد ذلك الذي حصل في 7 تشرين لثباتها وصمودها وقتالها الأسطوري في كل هذه الاشهر أمام أحد أقوى جيوش المنطقة على الإطلاق.
من جهة أخرى يجب أيضًا أن نقف بتعظيم وتقدير وإجلال لصمود أهل غزة وشعبها، لنسائها ورجالها وأطفالها، لكبارها وصغارها ولثباتهم وصبرهم وتحمّلهم وصدقهم وهم يواجهون القتل العشوائي على مدى ستة أشهر من المجازر والتهجير والتجويع، وقد صنعوا بهذا الصبر وهذا الصمود ملحمة تاريخية قلّ نظيرها، ويجب أن نتوجّه أيضًا بالتقدير إلى تضحيات أهل الضفة الغربية والقدس المحتلة وأراضي 48 وخصوصًا في الضفة، حيث هناك أكثر من 7000 معتقل يتعرضون للإعتقال وللقتل وللسجون وللمداهمات، وهناك معارك تجري في مدن الضفة في كل يوم وفي كل ليلة، الإعتقالات والمداهمات، ويجب أيضًا أن نتوقف بتقدير واحترام عند جبهات الإسناد المقاتلة المباشرة في لبنان واليمن والعراق، فهذه الجبهات التي تتحمل اليوم وتقدم التضحيات وتنجز، ولكنها أيضا تتحمل التهديدات والضغوط والأهم أنها تواصل العمل ولا تُخلي الساحة.
أيضًا نتوجه بالتقدير والإحترام إلى جبهات الدعم والإحتضان في الجمهورية الإسلاميّة في إيران، التي تتعرض للكثير من التهديدات والضغوط، ونرى هذا في العلن وفي غير العلن، وتحمّل مسؤولية ما تقوم به المقاومة سواء في غزة أو في الضفة أو في لبنان أو في اليمن أو في العراق، ومع ذلك فإنّ الجمهورية الإسلامية الحمدلله ثابتة بقيادتها سماحة الإمام الخامنئي ومسؤوليها جميعًا في موقفها الداعم والواضح والحاسم، إلى جانب القضية الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة، كذلك الموقف في سوريا التي تتعرض ليس فقط للتهديد والضغوط، بل للعدوان اليومي أو شبه اليومي وللقصف والقتل والتدمير وتقدّم الشهداء والجرحى، سواء من ضبّاط وجنود الجيش السوري أو القوات الصديقة والحليفة المتواجدة هناك، ومن جملتها أفراد ومجاهدي المقاومة الإسلاميّة في لبنان والأخوة المستشارين الإيرانيين، وأخوة آخرين أيضًا متواجدون هناك.
كلّ هذا القصف والتهديد والوعيد والضغوط على مدى 6 أشهر لم يعدّل ولم يبدّل في موقف سوريا الحاضن والداعم والمساند لكلّ حركات المقاومة في منطقتنا، أيضّا يجب أن نتوقف أمام حركة الجماهير الشريفة في الكثير من بلدان العالم، حتى داخل أمريكا وبريطانيا والغرب، وهذا ما يجب أن يُبنى عليه وأن يُقدّر، ويجب أن نخصّ هنا بالتحية أهل اليمن وشعب اليمن الذين يحضرون بالملايين بمئات الآلاف ولم يكلّوا ولم يملّوا من التظاهر والاحتشاد والصوت العالي، على كل حال يكاد يمضي 6 أشهر والحرب قائمة ومستمرة، فالعدو الإسرائيلي لا يصغي لا إلى قرارات وقف إطلاق نار صادرة عن مجلس الأمن الدولي، ولا إلى مناشدات كل دول العالم أو الأغلبية الساحقة من دول العالم ولا يهتم لا لرأي عالمي ولا لقوانين ولا لمجتمع دولي ولا لقيم، وهو ماضي في إجرامه وتوحّشه ونازيته.
ما نحتاج نحن إلى التأكيد عليه أو بعض ما يجب أن نؤكد عليه اليوم في هذه الكلمة المختصرة هو ما يلي:
أولًا، الحاجة إلى الثبات كما هو الحال قائم، ولكن بالتأكيد الثبات والصمود ومواصلة العمل، واليقين بأنّ النصر من عند الله سبحانه وتعالى آت إن شاء الله، وهذا الأمر يرتبط بغزة بالدرجة الأولى قطاع غزة وبكلّ الساحات والجبهات الأخرى المساندة والمشاركة.
ثانيًا، وجوب العمل لتوفير كلّ عناصر القوة التي تمكّن طوفان الأقصى من تحقيق أهدافها، وهذه مسؤوليتنا جميعًا.
ثالثًا، وهذه نقطة على درجة عالية من الأهمية، وأعتقد أنها من التحديات المهمة والتي ترتبط مباشرةً بإحياء يوم القدس، وإحياء هذه الفعالية، وتبيين النتائج الاستراتيجية المهمة التي حققها طوفان الأقصى في ميدانها الأساسي في فلسطين، في غزة، وفي جبهات المقاومة، وخصوصًا ما يرتبط بالخسائر الاستراتيجية للكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي في المنطقة، ومستقبل وجود هذا الكيان في المنطقة، وهذا الأمر على درجة عالية من الأهمية، لماذا؟ لأن بعض المثبطين في منطقتنا وفي عالمنا العربي والإسلامي ولأن بعض المنافقين يركزون على حجم التضحيات ويتجاهلون حجم الإنجازات، أو يسفّهونها خدمةً للعدو وتثبيطًا لعزائم المقاومين والمجاهدين، وكل الشعوب والبيئات الحاضنة والمؤمنة بخيار المقاومة.
كلّ المنابر ووسائل الإعلام التي تؤيد هذا المسار المقاوم يجب أن تشرح وتبيّن وتوضح وبكل الأساليب المتوفرة هذا الأمر، وإلا فهم يسعون ويعملون ليحوّلوا صورة الإنجازات التاريخية للمقاومة اليوم، إلى صورة هزيمة للمقاومة وانتصار العدو من خلال التزييف والتشويه وقلب الحقائق.
في طوفان الأقصى وطوفان الأحرار هناك تضحيات جسام معًا، ولكن هناك نتائج عظيمة وبركات كبيرة، ونحن مسؤوليتنا اليوم جميعًا، أولًا أن نكتشف هذه النتائج وهذه الإنجازات العظيمة، وخصوصًا الاستراتيجية منها، وأن نحددها وأن نعددها، ومن ثم نبينها للناس بكل الوسائل وفي كل المناسبات.
يجب أن نسعى في يوم القدس وفي المناسبات المختلفة لسرح هذا الأمر، أنا وإخواني وأنتم جميعًا، لكن إسمحولي في هذا الوقت الضيق أن أختصر بجملة صغيرة وأقول ما يلي: إذا كنا نقول في السابق أنّ تحرير جنوب لبنان عام 2000، باستثناء المزارع وتلال كفر شوبا، وبعد ذلك تحرير قطاع غزة من الاحتلال أنهى مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، لأنّ هذا الكيان الذي لا يستطيع أن يبقى في جنوب لبنان، الذي هو جزء من دولة عربية ضعيفة اسمها لبنان والذي لا يستطيع أن يبقى في قطاع غزة وهو لن يستطيع أن يمدد حدوده من جديد لتكون من النيل إلى الفرات، وقد انتهى مشروع إسرائيل الكبرى، وأيضًا إذا كنا نقول لأن وبعد العام 2000 وبعد مشروع إسرائيل الكبرى، ولد مشروع إسرائيل عظمى، وهذا الشرق الأوسط الجديد الذي عمل عليه الأمريكيون على أن تكون نقطة الارتكاز فيه هو قطب الرحى إسرائيل الكيان الصهيوني، وتكون هي القوة العظمى إقليميًا.
حرب تموز قضت أو أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأسقطت معها مشروع إسرائيل عظمى، وكلنا اطّلعنا على نتائج لجنة فينو غراد التي قيّمت الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية والقيادة الإسرائيلية والكيان الصهيوني في تلك الحرب.
عندما نتحدث اليوم عن طوفان الأقصى في 7 تشرين وامتداداته إلى الآن وما جرى داخل فلسطين وخارج فلسطين في جبهات المساندة، يعني في هذه المعركة القائمة حاليًا، أنا أستطيع أن أقول أنّ الأمر يتجاوز مشروع إسرائيل الكبرى، ومشروع إسرائيل العظمى إلى أصل بقاء وجود هذا الكيان، وأستطيع أن أدّعي أنّ طوفان الأقصى وضع الكيان الصهيوني على حافة الهاوية والسقوط النهائي والزوال، وملامح ومعالم هذا الأمر ستظهر مع الوقت، ونحن لا نقول أن هذا الأمر سيحصل في أيام قليلة أو أشهر قليلة، ولكن السنوات القليلة المقبلة سوف تظهر فيها هذه المعالم وهذه الآثار وهذه الملامح.
ما حققه طوفان الأقصى بالدرجة الأولى على أكثر من صعيد أمني وسياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري ونفسي ومعنوي، أنه هزّ وزلزل أسس هذا الكيان وأسس هذا المشروع، في إسرائيل الكبرى ضربنا أطرافها في إسرائيل العظمى ضربنا جبروتها، في طوفان الأقصى مفسد الأسس والدعائم والأعمدة التي يقوم عليها هذا الكيان، هذا التزلزل وهذا الإهتزاز سيترك آثار كارثية ومهمة وخطيرة، ولن تتمكن حكومة العدو ولا الأحزاب السياسية في هذا الكيان من ترميم آثار هذه الزلازل والهزات التي تعرض لها هذا الكيان، وقلت هذا سيظهر والآن بدأ يظهر ولكن مع الوقت وخصوصًا عندما تقف الحرب سوف تظهر هذه النتائج بوضوح لكل ذي عين، لكن المهم أيها الأعزاء هو أن نعمل أولًا لنخرج جميعًا من هذه المعركة إن شاء الله منتصرين، ثابتين، شامخين، وموفقين، وأن تلحق الهزيمة بالعدو وكل من يقف خلف هذا العدو، وثانيًا أن يُبنى على ما حصل للوصول إلى الهدف النهائي إن شاء الله، كما أن طوفان الأقصى بنى على كلّ إنجازات المقاومة خلال العقود الماضية وعلى كل الجهود التي قامت بها حركات المقاومة وقادة المقاومة ومحور المقاومة، وخصوصًا الشهداء الكبار، والأعزاء في هذه المقاومة من كل البلدان وفي مقدمهم العزيز الأخ الشهيد القائد الكبير الحاج قاسم سليماني، وأيضًا الآن ما أُنجز على المستوى الاستراتيجي يجب أن يبنى عليه ويؤسس عليه لاستكمال هذا الإنجاز باتجاه الهدف النهائي إن شاء الله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون أيام القدس الآتية المقبلة، هي التي تجمعنا جميعًا في القدس إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.