هل نحن من أهل الفضائل والتقوى؟
المتقون
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"
عدد الزوار: 292قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، ولَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"[1].
فاتّصفوا بالفضائل النفسانيّة، وتزيّنوا بمكارم الأخلاق، ومحامد الأوصاف، التي فصّلها عليه السلام بالبيان البديع:
منطقهم الصواب: والصواب ضدّ الخطأ، يعنى أنّهم لا يسكتون عمّا ينبغي أن يقال، فيكونون مفرّطين، ولا يقولون ما ينبغي أن يُسكَت عنه، فيكونون مُفرِطين.
ويُحتَمل أن يُرادَ به خصوص توحيد اللَّه تعالى وتمجيده والصّلاة على نبيّه، وبه فُسِّر في قوله سبحانه: ﴿لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾[2].[3]
وعنه عليه السلام، في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفية: "وَمَا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً أَحْسَن مِنَ الكَلَامِ، وَلَا أَقْبَح مِنْهُ، بِالكَلَامِ ابْيَضَّتِ الوُجُوهُ، وَبِالكَلَامِ اسْوَدَّتِ الوُجُوهُ"[4].
ملبسهم الاقتصاد: أي التوسّط بين الإفراط والتفريط، يعني أنّ لباسهم ليس بثمينٍ جدّاً، مثل لباس المترفين المتكبِّرين، ولا بذلّة،ٍ كلِباسِ أهل الابتذال والخسّة والدناءة، بل متوسّطٌ بين الأمرَين[5].
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾[6].
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ لِمادّة اللباس وجنسِه وغلائه وزينته تأثيراً في النفوس، ومن هذه الجهة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَمَنْ لَبِسَ المُرْتَفِعَ مِنَ الثِّيَابِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّكَبُّرِ، وَلَا بُدَّ لِلْمُتَكَبِّرِ مِنَ النَّارِ"[7]"[8].
مشيهم التواضع: يعني أنّهم لا يمشون على وجه الأشر والبطر والخيلاء، لِنَهيِ اللَّه سبحانه عن المشي على هذا الوجه، في قوله: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾، وأمرِه بخلافه في قوله: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ﴾[9].
وقد رُوِيَ في الكافي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلى دَاوُدَ عليه السلام: يَا دَاوُدُ، كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ
النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَوَاضِعُونَ، كَذلِكَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَكَبِّرُون"[10].
غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللَّه عليهم: امتثالاً لأمره تعالى به، في قوله: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾[11]، أي يغضّوا أبصارهم عمّا لا يحلّ لهم النظر إليه.
وفي الكافي، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: "عن أبي جعفرٍ عليه السلام، قال: كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غَيْرَ ثَلَاثٍ: عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللَّه،ِ وَعَيْنٍ فَاضَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّه،ِ وَعَيْنٍ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّه"[12].
وقفوا أسماعَهم على العلم النافع لهم: في الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن الإصغاء إلى اللَّغو والأباطيل، كالغيبة والغناء والفحش والخناء ونحوها. وقد وصفهم اللَّه سبحانه بذلك، في قوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾[13].
نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كالَّذى نزلت في الرّخاء: يعني أنّهم موطِّنون أنفسَهم على ما قدّره اللَّه في حقّهم من الشدّة والرخاء والسرّاء والضرّاء والضيق والسعة والمنحة والمحنة، ومحصّلُه وصفُهم بالرضاء بالقضاء.
رُوِيَ في الكافي، عن ابن سنانٍ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ عليه السلام: بِالتَّسْلِيمِ لِلَّه،ِ وَالرِّضَا فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ سُرُورٍ أَوْ سَخَطٍ"[14].
لَوْلَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ: رُوِيَ في الكافي، عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: "مَنْ عَرَفَ اللَّهَ، خَافَ اللَّهَ، وَمَنْ خَافَ اللَّهَ، سَخَتْ نَفْسُهُ عَنِ الدُّنْيَا"[15].
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ: علماً منهم بأنّه سبحانه موصوفٌ بالعظمة والكبرياء والجلال، غالبٌ على الأشياء كلِّها، قادرٌ قاهرٌ عليها، وأنّ كلّ من سواه مقهورٌ تحت قدرته، داخرٌ ذليلٌ في قيد عبوديّته، فهو سبحانه عظيم السلطان، عظيم الشأن، وغيره أسيرٌ في ذلِّ الإمكان، مُفتَقِرٌ إليه، لا يقدر على شيءٍ إلَّا بإذنه.
وأشار عليه السلام بهذا الوصف، إلى شدّة يقين المتّقين، وغاية توكَّلهم، وأنّ اعتصامهم في أمورهم جميعها به، وتوكّلهم عليه، وأنّهم لا يهابون معه ممّن سواه.
رُوِيَ في الكافي، عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا وَلَهُ حَدٌّ. قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَمَا حَدُّ التَّوَكُّلِ؟ قَالَ: الْيَقِينُ. قُلْتُ: فَمَا حَدُّ الْيَقِينِ قَالَ أَلَّا تَخَافَ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً"[16].
ولمّا ذكر شدّة اشتياق المتّقين إلى الجنّة وخوفهم من العقاب، أتبعه بقوله: "فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ"[17]، إشارةً إلى أنّهم صاروا في مقام الرجاء والشوق إلى الثواب،
وقوّة اليقين بحقائق وعده سبحانه، بمنزلةِ مَن رأى بحسِّ بصرِه الجنّةَ وسعادتَها، فتنعّموا فيها، والتذّوا بلذائذها، وفي مقام الخوف من النار والعقاب، وكمال اليقين بحقائق وعيده تعالى، بمنزلةِ مَن شاهد النّار وشقاوتها، فتعذّبوا بعذابها، وتألَّموا بآلامها.
ومحصّله جمعهم بين مرتبتَي الخوف والرجاء، وبلوغهم فيه إلى الغاية القصوى، وهي مرتبةُ عين اليقين، كما قال عليه السلام، مخبراً عن نفسه: "لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً"[18].
ذلك الدّين القيِّم، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج2، ص160.
[2] سورة النبأ، الآية 38.
[3] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص117.
[4] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص193.
[5] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص117.
[6] سورة الفرقان، الآية 67.
[7] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج3، ص257.
[8] الإمام الخمينيّ، روح الله الموسويّ، معراج السالكين، ص98.
[9] سورة لقمان، الآية 19.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص124.
[11] سورة النور، الآية 30.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص80.
[13] سورة المؤمنون، الآية 3.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص63.
[15] المصدر نفسه، ج2، ص68.
[16] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص 143.
[17] الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج2، ص161.
[18] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج12، ص119.