تطبيق القانون في ظل الولاية الإلهية
العلاقة مع الله
لا بدّ لمن يتولّى إدارة القانون وتنفيذه من الاتّصاف بصفات معيّنة تؤهّله لتأدية هذه المهمة والمسؤوليّة بشكل يضمن الوصول إلى الهدف المنشود والمبتغى من هذا القانون. وأهمّ هذه الصفات:
عدد الزوار: 310لا بدّ لمن يتولّى إدارة القانون وتنفيذه من الاتّصاف بصفات معيّنة تؤهّله لتأدية هذه المهمة والمسؤوليّة بشكل يضمن الوصول إلى الهدف المنشود والمبتغى من هذا القانون. وأهمّ هذه الصفات:
1- العلم التامّ والكامل بالقانون، حيث إنّ العلم به مقدّمة لتطبيقه.
2- الحصانة الخُلُقيّة، فإنّ القيّم على القانون هو مستأمَن عليه وعلى أفراد المجتمع، فما لم يكن القيّم على جانب كبير من الورع والتقوى والعدالة، فلا ضمانة للوصول إلى الغاية المنشودة.
3- اللياقة وحسن الإدارة، فالقيّم ينبغي أن يكون كفؤاً لهذه المهمّة، كي تُؤدّى على أكمل وجه، فقيادة المجتمع تحتاج إلى كفاءة إداريّة واجتماعيّة وسياسيّة وغيرها، ممّا له دخالة في الوصول إلى الغاية والهدف بشكل سليم وآمِن.
ويشير الإمام الخامنئي القائد دام ظله إلى أبرز صفات الولي في قوله: ذلك الشخص الذي يتولّى هذه الولاية من قِبل الله تعالى، فعليه أن يُحقّق ويُظهِر نموذجاً وشعاعاً وظلّاً من تلك الولاية الإلهيّة، أو فلنقلْ: لتكنْ فيه.
خصائص الولاية الإلهيّة هي السلطة والحكمة والعدالة والرحمة وأمثالها، فالشخص الذي يتولّى إدارة أمور الناس، عليه أن يكون مظهراً للسلطة والعدالة والرحمة والحكمة الإلهيّة. هذه الخصّيصة هي الفارق بين المجتمع الإسلاميّ وبين سائر المجتمعات الأخرى، التي تُدار بأشكالٍ أخرى. ليس للجهالة والشهوات النفسانيّة والأهواء والميول والسلائق الشخصيّة المستندة إلى مصلحة شخص أو جماعة ومنفعتهما، الحقّ في أن تجعل حياة الناس وسير أمورهم تحت سلطتها، لذا ينبغي للعدالة والعلم والدين والرحمة أن تكون الحاكمة في المجتمع والنظام الإسلاميّ، لا ينبغي للأنانيّة أن تكون حاكمة، ولا ينبغي للرغبات والأهواء - من أيّ شخص، وفي قول وعمل أيّ شخص وشخصيّة - أن تحكم"[1].
نتيجة مقدّمات الدليل العقليّ
إنّ الله هو خالق هذا الكون، وهو ذارئ الوجود، وعندما نتكلّم عن القانون، لا شكّ ولا ريب في أنّ الموجِد والمبدِع هو العالِم بما خلق وأبدع وذرأ، ونحن نعتقد بأنّ الله تبارك وتعالى قد أرسل هذا القانون مع أنبيائه ورسله، وكان الختام مع الديانة الإسلاميّة على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالقانون والدستور هو الإسلام وأحكامه وقوانينه، ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾[2]. وعليه، فإنّ الكلام هو على الحكم الإسلاميّ والحكومة الإسلاميّة والقانون الإسلاميّ.
وإذا أردنا أن نطبّق المقدّمات العقليّة الثلاث التي سلفت، نخلص إلى النتيجة الآتية:
1- بما أنّ القانون هو الدين الإسلاميّ، فلا بدّ للقيّم على تطبيقه أن يكون عالماً بأحكام الإسلام، قادراً على تشخيص الوقائع ومعرفة أحكامها الشرعيّة، وبتعبير آخر: إنّ العالم بأحكام الشريعة الإسلاميّة في عصر الغيبة الكبرى هو الفقيه المجتهد الجامع للشرائط.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ولّت أمَّة قطّ أمرَها رجلاً، وفيهم أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا"[3].
2- وفي حديث للإمام علي عليه السلام في مقام بيان صفات الإمام، قال:
"والإمام المستحقّ للإمامة له علامات، فمنها أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها، صغيرها وكبيرها، لا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب...، والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وضروب أحكامه وأمره ونهيه...، والثالث: يجب أن يكون أشجع الناس...، والرابع: يجب أن يكون أسخى الناس، وإن بخل أهل الأرض كلّهم... الخامس: العصمة من جميع الذنوب"[4].
القيّم هو الفقيه المجتهد، ومن شروطه أن يتحلّى بالعدالة، والتي عبّرنا عنها في المقدّمات بالحصانة الخُلقيّة، والعدالة هي ملكة راسخة في النفس، باعثة على ملازمة التقوى، من فعل الواجبات وترك المحرّمات، ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾[5].
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "قال الله تعالى: لأعذِّبن كلَّ رعيَّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعيّة في أعمالها تقيّة..."[6].
وقد بيَّن الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب الذي أرسله مع مسلم بن عقيل إلى الكوفة صفات الحاكم، فقال: "فلعمري، ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله"[7].
لا يكفي للوليّ في إدارة المجتمع أن يكون فقيهاً مجتهداً ورعاً ومحتاطاً في دين الله، بل يجب أن يُضمّ إلى هاتين الصفتين المهمّتين، صفةً أساس، ولها أثرها البالغ في عمليّة القيادة. فالفقيه، وإن كان عالِماً مجتهداً ورعاً وتقيّاً، ولكن إنْ لم يكن يملك إلى جانب ذلك اللياقةَ والكفاءة التي تؤهّله لقيادة المجتمع الإسلاميّ، فلا شكّ أنّه لن يستطيع تحقيق الأهداف التي ينشدها الإسلام في المجتمع.
ويقول الإمام علي عليه السلام لبيان إحجامه عن بيعة أبي بكر: "أنا أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، وأنا وصيّه ووزيره ومستودع سرّه وعلمه، وأنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين، وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً"[8].
وعن الإمام الباقر عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تصلح الإمامة إلا لرجلٍ فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي، حتى يكون لهم كالوالد الرحيم"[9].
التربية الولائية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] من خطاب له دام ظله في لقاء الموظّفين الرسميّين (11/7/1990م).
[2] سورة آل عمران، الآية 19
[3] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن حسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، قم – إيران، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، 1414ه، ط1، ص560.
[4] العلامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج25، ص165، باب جامع في صفات الإمام وشرائط الإمامة، ح32.
[5] سورة هود، الآية 113.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص37، باب "فيمن دان الله عزّ وجلّ بغير إمام من الله جلّ جلاله"، ح4.
[7] المفيد، الإرشاد، ج2، ص39.
[8] الطبرسيّ، الشيخ أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق وملاحظات السيّد محمد باقر الخرسان، النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، 1386 - 1966م، لا. ط، ج1، ص95.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص407، باب ما يجب من حقّ الإمام على الرعيّة وحقّ الرعيّة على الإمام، ح8.