يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من الطلاب الجامعيين

2022

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من الطلاب الجامعيين

عدد الزوار: 298

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع جمع من الطلاب الجامعيين 2022/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم،


والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.

إنه لمن دواعي سروري وسعادتي جداً أن ألتقي بكم حضورياً - لقاء[1] بعد محرومية عامين عن هذا الاجتماع العذب والدافئ - وكذلك الكلمات التي أُلقيَت. طبعاً، يجب أن أقول لأن بعض السادة تحدثوا بطريقةٍ سريعةٍ للغاية - باستثناء آخر شخص، السيد بناهي الذي تحدث بسكينة أكثر قليلاً، ففهمت الكلام أكثر، فيما تحدث الأصدقاء الآخرون بحدة شديدة - إنني فهمتُ بعض النقاط ولم أفهم نقاطاً أخرى. يجب أن تعطوني الأوراق المكتوبة حتى أتمكن من الاطلاع عليها لاحقاً.

الحوار مع المسؤولين هو الحلّ لإشكالات وانتقادات كثيرة
ما أريد أن أقوله في ذلك الموضوع هو كلمة قصيرة فقط، ثم ندخل في موضوعنا، وهي أن مجموع الموضوعات التي تحدثتم عنها كلماتٌ من القلب. كلمات القلب، والإنسان يحب سماع هذه الكلمات، لكن أسئلة كثيرة من هذه توجد إجابات مقنعة عنها، وانتقادات كثيرة من هذه لها إجابات تحل المشكلة. كما أن الأمر ليس على هذا النحو أن يكون للإشكال الذي قد خطر في بالكم أو لدى مجموعتكم وعبّرتم عنه هنا طريقٌ مسدود. لا، كثيرٌ منها توجد إجابات عنها. طبعاً، كان هناك اقتراحات في كلماتكم أيضاً وربما بعضها قد تكون عملية وممكنة حقاً، لكن غالبيتها كانت إشكالاً ونقداً. إنّ مشكلتنا في كثيرٍ من الإشكالات والانتقادات- لا أقول جميعها - أنكم ليس لديكم حوار مع المسؤولين المختصين. يجب حل ذلك.

حسنًا، كنتُ - ليس حديث اليوم وإنما حديثٌ قبل أربعين عاماً - أذهب إلى جامعة طهران يوماً واحداً كلّ أسبوع - دون استثناء -، وكان الطلاب يجتمعون ويطرحون أسئلتهم وأُجيب. فكانت عُقد كثيرة تُحلّ، أي كانت تُعالج عُقد كثيرة. كانت هناك مواضع أيضاً لا يوجد جواب عن الإشكال، فكُنّا ندرك مثلاً أنه ينبغي لنا أن نذهب ونفعل شيئاً، ويجب إصلاح هذا بطريقة ما. طبعاً أوصيت المسؤولين أنه يجب أن يأتي كل من الوزراء والمسؤولين في مختلف الأجهزة ويتحدثوا معكم - الآن تم ذكر اسم هيئة الأركان، واسم «حرس الثورة» - حسناً فليأتوا وليتحدثوا وليقولوا. كلمات كثيرة من هذه قابلة للتوضيح. نعم، في بعض الأماكن قد لا تكون قابلة للتوضيح ولذلك يَفهم الطرف الآخر أن عليه الذهاب وفعل شيء ما واتخاذ إجراء ما. كانت هذه نقطة أردت قولها لكي تلتفوا إلى هذا المعنى.

بالمناسبة، الآن حيث تم الحديث عن المجلس (الشورى الإسلامي) وطُلب مني استرجاع لقب «الثوري» من هذا المجلس.[2] حسناً [نواب] هذا المجلس كثيرون منهم هم شباب الأمس أنفسهم الذين كانوا في مكانكم، وهذا يعني أن كثيرين منهم شباب مثلكم كانوا يأتون قبل بضع سنوات ويقفون وينتقدون ويتحدثون ويُؤَشكلون. إنهم ثوريون. ليس الأمر أنهم ليسوا ثوريين. بالطبع، لا أعرف كل واحد منهم وإنما أحكم على المجموعة. المجموعة ليست سيئة، إنها جيدة. إنها مجموعة جيدة سواء في الحكومة أو في المجلس أو في بعض القطاعات الأخرى. بالطبع، يمكن أن تَرِد إشكالاتٌ حول بعضهم.

على أي حال، لقد استمتعت بكلماتكم اليوم. ولتعلموا أنكم عندما تجلسون وتفكرون وتدرسون جوانب القضايا وتتوصلون إلى استنتاج وتقولونه هنا بصراحة، فهذا شيء محبَّذ ومفيد بالنسبة إليّ.

الموعظة؛ تُحْيي القلب
أما عن الموضوعات التي أود أن أطرحها، فالموضوع الأول هو موعظة. أريد أن أقول موعظة لكم، أيها الأعزاء. كتب أمير المؤمنين (ع) في رسالة إلى ابنه العزيز الإمام الحسن (ع): «أَحيِ قلبك بالموعظة»[3]. هذا ما يقوله أمير المؤمنين (ع)، وذلك لشخص مثل الإمام الحسن (ع)، ابنه الأكبر، ابنه العزيز. مما يثير الاهتمام أن هذه الرسالة كتبها أمير المؤمنين (ع) وهو في طريق العودة من صفين وفي خضم تلك القضايا المختلفة التي انصبت عليه. إنها رسالةٌ في نهج البلاغة. من الجيد أن ترجعوا إليها وتلقوا نظرة عليها وتقرؤوها. «أَحيِ قلبك بالموعظة»، فالموعظة ضرورية.

اتّخاذ القرار والعمل الصّائب من أجل تجنّب الحسرة يوم القيامة
الموعظة التي أريد أن أقولها اليوم هي هذه الآية من سورة مريم، وهي من آيات القرآن التي تهز الإنسان، فكلّما تذكّر الإنسان هذه الآية، تهزه حقاً. يقول [الله المتعالي]: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ... (39)}. أيْ، يا نبيّنا، قل لهؤلاء الغارقين في الغفلة وحذّرهم من يوم الحسرة. ويوم الحسرة هو يوم القيامة، وقد عُبّر عنه بيوم الحسرة. {إذْ قُضِيَ الْأَمْرُ}، أيْ عندما انتهى الأمر ولم يعد ممكناً فعل أيّ شيء. هذا ما يعنيه {قُضِيَ الْأَمْرُ}. [يقول] أخِفهم من ذلك اليوم وأنذرهم. يرى الإنسان في القيامة أنه في بعض الأحيان يمكن أن يحصل هنا على أجر كبير بفعل عمل صغير. كان من الممكن أن يكون لحركة صغيرة في الدنيا آثار خالدة عظيمة مليئة بالربح والمنفعة، والإنسان لم يفعل ذلك فيتحسّر. كان في إمكانه في الدنيا بامتناع أو اجتناب قول وفعل أن يبعد نفسه عن عذاب أليم [لكنه] لم يفعل ولم يسعَ. فلنتخذ قراراً بأن نؤدي العمل بصورة صحيحة، وأن نعمل بطريقة صحيحة، وأن نتكلم على نحو صحيح، وأن نخطط ونقرر بأسلوب صحيح؛ إن يوم الحسرة يوم صعب. هذه الأفعال والقرارات ممكنة في مرحلة الشباب، إنها أسهل من مرحلة عمري وحياة أمثالي. أحياناً نرى في الدنيا نماذج تلك الحسرة العظيمة: يضيع شيء منا ويفوت، فنتحسّر بسبب أدائنا على ذلك النحو، ولماذا لم نفعل ذلك بهذه الطريقة... بالطبع، هذا أصغر بكثير مقابل الحسرة يوم القيامة. إنه أصغر بآلاف المرات من تلك الحسرة لكنه في الوقت نفسه حسرة.

لحسن الحظ، ليس لديكم هذه الحسرة اليوم لأنكم شباب. هذا يتعلق بأمثالنا الذين اجتازوا مرحلة الشباب ومنتصف العمر؛ كان يجب علينا فعل أشياء ولم نفعلها. وما كان يجب علينا فعل أشياء وفعلناها. أنتم، اعرفوا قدر هذه الفرصة أمامكم في هذه السنّ التي أنتم فيها. قد يكون أمامكم ستون عاماً أو سبعون؛ قدّروا هذه الإمكانية التي هي في خدمتكم وأمامكم. هذه موعظتنا اليوم.

الجامعة من القضايا الأساسيّة للثّورة
أما الموضوع الذي أعددته، فهو يدور حول فلك الجامعات وقضاياها. طبعاً، في كلماتكم، أعتقد أنه كان أيضاً لدى أحد السادة نقد موجز بشأن الجامعة أو الطلاب مثلاً. أنا لديّ حديث عن قضايا الجامعة، ولدي وجهة نظر واقتراح أيضاً سوف أقولهما الآن: أولاً أداء الجامعة دوراً، وإمكانية تأدية الدور وأهمية تأديته في المستقبل القريب، وثانياً بعض الفرص والتهديدات الموجودة، ثم بضع نقاط عملية للطلاب. هذه موضوعات حديثنا اليوم، وسوف أتحدث عنها إذا صبرتم على الإصغاء - إن شاء الله - وإذا استطعتُ مواصلة التحدّثَ أيضاً.

منذ بداية الثورة أُثيرت قضية الجامعة قضيةً أساسية، أي عندما تأسست الثورة كان لها أهداف طبعاً، وأهداف كبيرة: تحويل الحكم الفردي والاستبدادي إلى شعبي، وتحويل التبعية في سياسات البلاد وخارجها إلى الاستقلال والأهداف المهمة للثورة. لكن إضافة إلى هذه الأهداف كان لديها وأمامها بعض البرامج العملياتية الفورية، وكانت قضية الجامعة من بين هذه البرامج، أو على سبيل المثال قضايا أخرى: أمن البلاد، وأمن الحدود، والأمن الداخلي، هذه من القضايا الأساسية والمهمة أمام الثورة التي كانت تنكّب عليها؛ إحداها قضية الجامعات.

وجود وجهتَي نظر متضادّتين لدى تيّار الثّورة والتيّار المعادي للثّورة بشأن الجامعة
كانت قضية الجامعات مهمة لناحية أن الجامعة كانت حقيقةً وواقعاً ضرورياً أيضاً. لكن كان هناك نوعان من وجهات النظر حول الجامعة: الأولى كانت وجهة نظر الثورة، والثانية وجهة نظر التيار الرجعي والمعادي للثورة تجاه الجامعة. كان ينبغي أن تتحول وجهة نظر التيار الثاني تلك إلى وجهة نظر الثورة! لذلك كان هذا تحدياً. كانت قضية الجامعة من أكثر القضايا تحدياً منذ اليوم الأول للثورة. لذلك، ترون أن الإمام [الخميني] شكّل «مقر الثورة الثقافية» منذ البدايات.[4] الآن وقد أشار أحد السادة إلى «المجلس الأعلى للثورة الثقافية»؛ حسناً تم تشكيل هذا المجلس على أساس دراسة ولم يكن الأمر كما لو كانوا يريدون إنشاء مجلس بلا سبب مثلاً. قبل هذا المجلس، كان سلفه «مقر الثورة الثقافية» الذي شكله الإمام بنفسه. طبعاً المجلس الأعلى أيضاً شكّله الإمام[5] ولكن بعد المقر. في تلك البدايات، شكّل الإمام «مقر الثورة الثقافية» من أجل إدارة الجامعات. لاحظوا! كان هذا مؤشراً على مدى أهمية الجامعة في نظر الإمام. ثم ألقى الإمام (رض) خطاباً مهماً بشأن الجامعة، ما يدل على أن قضية الجامعات كانت تحدياً من الدرجة الأولى للثورة.

تربية النُّخب من أجل التقدّم أو صنع أدوات للاستعمار: أوّل تضادّ في وجهات النّظر
فما التعارض بين النظرتين اللتين أشرت إليهما؟ أولاً الثورة كانت ترى الجامعة مكاناً لتربية النُّخب وتقدّم البلاد وحل مشكلاتها. هذه كانت نظرة الثورة تجاه الجامعة: تربية النُّخب لحل مشكلات البلاد، ومن أجل تقدم البلاد، وللتعويض عن تأخّر البلاد مئتي عام أو ثلاثمئة. كانت تنظر إلى الجامعة بهذه العين، فيما لم تكن نظرة التيار الرجعي والمعادي للثورة إلى الجامعة على هذا النحو إطلاقاً، فهم أنشؤوا الجامعة في البلاد وأداروها من أجل صنع أدوات [لهم]، وحتى يفعل أشخاص من داخل الشعب ومن الشعب نفسه ما كانوا يريدون عمله من الخارج. هذه قصة مفصلة وقضية طويلة جداً. إنها سياسة «الاستعمار الجديد».

للأسف، الشباب يقرؤون الكتب قليلاً. لا أدري كم قرأتم كتباً عن الاستعمار و«الاستعمار الجديد» وما إلى ذلك، وكم من الموضوعات تعرفون. حسناً، الأوروبيون في فترة ما من القرن السابع عشر - تقريباً سنة 1600 ميلادية؛ بدأ البرتغاليون أولاً ثم الإسبان ثم الآخرون - استعمروا العالم، أي كانوا يسيطرون على البلدان ويستولون على إدارة البلدان الضعيفة عن طريق إراقة الدماء والإخضاع وما شابه، ويسلبون خيراتها. في القرن العشرين، أيْ بعد قرابة ثلاثة قرون أو أربعة من الاستعمار، توصلوا إلى نتيجةٍ مفادها أن الاستعمار المباشر لم يعد يُجدي. فنشأت سياسة جديدة وكانت تربية الأفراد في البلدان المستهدفة ليفعل أولئك ما كان من المفترض أن يفعله المستعمر نفسه، وليقولوا الكلام نفسه الذي من المفترض أن يقوله، ويفعل الخطوة نفسها في البلد التي من المفترض أن يعملها المستعمر. هذا هو الهدف أصلاً. إذن، كانت النظرة إلى الجامعة وتربية النُّخب والتعرّف إليها في البلدان المستهدفة بالنسبة إلى الغربيين هي ما أقوله. كان اسمها «الاستعمار الجديد». لقد كتبوا كتباً في هذا الصدد وتحدثوا عنه، وكتب أشخاصٌ كثيراً من المقالات البحثية، فمن الجيد أن تلقوا نظرة. كانت هذه نظرة التيار الرجعي والمعادي للثورة تجاه الجامعة، وهي تتعارض تماماً مع النظرة الثورية.

مركز لإنتاج العلم من أجل توفير الاقتدار أو مستهلِك للعلم المنسوخ: الوجه الثّاني للتّضادّ في وجهات النّظر
التحدي الآخر بشأن الجامعة هو أن الثورة كانت تنظر إليها بصفتها مركزاً لإنتاج العلم ولنموه، حتى يتمكنوا من التقدم بالعلم - أولاً يتعلمون ثم ينتجون ويتقدمون بذلك - وليؤمّنوا الاقتدار الوطني بالعلم، لأن المعرفة والعلم يمنحان القوة لشعب ما وبلد ما. كانت هذه نظرة الثورة. لم تكن نظرة ذلك التيار الرجعي والمعادي للثورة كذلك إطلاقاً. لم يكن لديهم هذا التوقع من الجامعة: أن تأتي الجامعة وتنتج العلم بنفسها. كلّا! كانوا يريدون لجامعاتنا - ليس جامعاتنا فقط بل الدول المستهدفة كافة أيضاً - أن تتعلم بقايا المعرفة الغربية، وفي الواقع أنْ تتعلم ذلك المتاع المهترئ العديم الفائدة أو القليل الفائدة، وأن تبقى أيديها قصيرة عن إنتاج العلم، فلا يجد العلم تقدماً وتنمية في هذه البلدان بالمعنى الحقيقي للكلمة. كان هذا هدف هؤلاء. وقد قُمعت كل حركة علمية مبتكرة في أيّ قطاع في هذه البلدان. هذه حقائق وليست ادعاءات. إنها أحداث حدثت. حسناً، كان هذا تحدياً أيضاً. كانوا يريدون إنتاج «عالِم استهلاكي» و«مجتمع استهلاكي» في الجامعة. «العالِم الاستهلاكي» يعني الشخص الذي يستهلك المعرفة الغربية وليس حتى المعرفة المتقدمة [إنما] المعرفة المتخلّفة والمنسوخة. «المجتمع الاستهلاكي» يعني أن هذا «العالِم الاستهلاكي» المتخرِّج عندما يأتي إلى المجتمع، وعندما يتولى الإدارة وما إلى ذلك، يخلق مجتمعاً استهلاكياً ويُنتج سوقاً استهلاكية للمنتجات الغربية. كان هذا هو الغرض من الجامعة، وكانت هذه هي النظرة إلى الجامعة.

إنشاء جامعة متديّنة أو غير متديّنة: الوجه الثّالث لتضادّ وجهات النّظر
التحدي الآخر بشأن الجامعات أن هدف الثورة كان إنشاء جامعة متديّنة، فعندما يأتي شباب البلاد إلى الجامعة ويبقون فيها بضع سنوات ثم يخرجون، لا بد أن يخرجوا متديّنين بل أكثر تديّناً مما كانوا عليه عندما دخلوا الجامعة. [أولئك] كان هدفهم العكس تماماً، فقد كانوا يريدون إزالة الدين من الجامعة، وقد فعلوا ذلك. بالطبع، لم ينجحوا جداً في هذا الهدف لكنهم فعلوا كل ما في وسعهم. قولنا «لم ينجحوا» لأنه في الجامعة نفسها التي بناها الطاغوت[6] وخطط لها الغرب نشأ أناس مثل حسن باقري، الشهيد البارز والعالي المقام الذي كان طالباً في كلية الحقوق في جامعة طهران، أو بعض هؤلاء الشهداء النوويين ممن كانوا [أيضاً] من طلاب ذلك اليوم، وكثيرون من شهداء «الدفاع المقدس»، أولئك القادة والبارزون وأمثالهم ممن كانوا طلاب جامعات ما قبل الثورة. لذلك، لم ينجحوا كلياً في تحقيق هذا الهدف المتمثل في إزالة الدين لكنهم في النهاية فعلوا ما في وسعهم، وهناك ذكريات مريرة وبالطبع بعضها لا يمكن قوله أصلاً وبعضها غير مناسب لهذا اللقاء ولوقتنا القصير. لذا، كانت قضية الجامعة منذ اليوم الأول تحدياً بين التيار الثوري، وبين التيار المعادي للثورة.

إضفاء الهويّة هو إنجاز الثّورة العظيم للجامعة
إذن، ماذا فعلت الثورة للجامعة؟ كان العمل العظيم الذي فعلته الثورة للجامعة هو إضفاء الهوية على الجامعة تبعاً لإضفاء الهوية على الشعب الإيراني. منحت الثورة للشعب شعوراً بالهوية، ومنحته هدفاً وشعوراً بالشخصية والاستقلال، ومنحته أفق رؤية واضحة. هذه هي الإنجازات التي فعلتها الثورة للشعب الإيراني. بطبيعة الحال، عند فعل حركة وطنية وهوية وطنية وخلق هدف وطني للشعب، أكثر من يستفيد من ذلك هو الشاب الجامعي والطالب الشاب، عبر مشاعره والوعي الذي يملكه، والطهارة والنقاء اللذين هو عليهما.

شعرت الجامعة بالهوية، وهذا الشعور بالهوية أدى بالجامعة وفئة الطلاب إلى رفض الشعور بالضعف والدونية أمام القوى الغربية، أي النقطة المقابلة تماماً لما كانت عليه قبل الثورة، فطالِبَ جامعة طهران كان يعلم أن الذين جاؤوا ورصّوا المتاريس في الجامعة كانوا يتلقون الدعم من السفارة السوفييتية وكانوا مستندين إلى السياسات السوفييتية، فراح يواجههم بكل قوته ووقف أمامهم وطهّر جامعة طهران، أو أولئك الطلاب الذين ذهبوا وسيطروا على السفارة الأمريكية بوصفها مركزاً للتآمر على النظام الإسلامي كانوا مدركين ما كانوا يفعلون. إنهم كانوا يصارعون بأيديهم يد القوة الأمريكية. لم يشعروا بالضعف بل بالقوة. هذه هي تلك الهوية، وهذا هو الشعور بالهوية وبالاستقلال وبالشخصية. هذا ما مُنحَ للجامعة. وكما أعتقد كان الطلاب أكثر - لا أستطيع إعطاء إحصاءات الآن، لكن كما أعتقد - الذين انضموا إلى «حرس الثورة الإسلامية». ففي تلك البدايات، جاء الطلاب وصاروا أعضاء في الحرس. كان الحرس في ذلك اليوم يُعدّ مركزاً للاقتدار الوطني والثوري، هذا كان ولا يزال صحيحاً. كانوا يذهبون وينضمّون وكانوا مستعدين. فعندما ينضم الشخص إلى الحرس كان معنى ذلك أننا مستعدون للمواجهة والنضال والوقوف في وجه القوى العظمى في العالم. هذا هو إضفاء الهوية إلى الجامعة. لقد كان شعوراً بالاستقلال واستحقار القوى المصنفة درجة أولى في العالم.
في ذلك اليوم، كان الطالب الشاب يدرك حلاوة الشعور بالاستقلال. اليوم أنتم لا تشعرون كثيراً بالإحساس الجميل تجاه الاستقلال. لقد عشتم طوال حياتكم في بلد ربما كان من أكثر البلدان استقلالاً من الناحية السياسيّة، أي [رفض] التبعية والطاعة [للقوى العظمى]. لم تتذوقوا أو تشعروا إطلاقاً بذُلّ التبعيّة، ولذا أنتم - شبابَ اليوم - لا تدركون كثيراً [معنى] الاستقلال، لكن شابّ ذاك اليوم كان يشعر به. حسناً، نحن الذين كنّا في ميدان النضال شعرنا به كثيراً. كان الشباب الطلاب يعرفون ويُشاهدون سلوك البلاط والحكومة والمسؤولين وأمثالهم مقابل أمريكا بأسلوب، ومقابل أوروبا بأسلوب آخر. قد رأوا ذلك، رأوا ذلك الإذلال، ولذلك تلقّفوا الشعور بالاستقلال كظاهرة عذبة حقّاً.

النّجاحات الكبيرة للثّورة في أولى التّحديات المتعلّقة بالجامعة
إذن، في المرحلة الأولى، حققت الثورة نجاحاً كبيراً في التحدي المرتبط بالجامعة. نحن لا نقول إن الجامعة تحوّلت بالكامل إلى الجامعة التي تتطلّع إليها الثورة ويتطلع إليها الإسلام. كلا، لا أحد يدعي مثل هذا الادعاء، لكنها كانت قادرة على إنجاز خطوة صحيحة ومُحكمة ومثيرة للإعجاب حيال الجامعة في مواجهة التيار المعادي للثورة. أضفت [الثورةُ] الهويةَ على الجامعة وأعطتها الشخصية. ذهب عدد من الطلاب حينذاك إلى قُم ونسقوا مع مجموعة هناك، وعقدوا اجتماعات مفصّلة لإعداد الكتب المرتبطة بالعلوم الإنسانية، غير أنها لم تكن ناجحة كثيراً. لكنّ هذا العمل يتطلّب الجرأة وقد فعلوه. أعدّ أساتذة طهران وعدد من الطلاب الجامعيين والمفكرين الإسلاميين في قم مجموعة مفصلة من الكتب. تمّ إنجاز مثل هذه الأعمال في تلك البدايات. بعدها أيضاً تمّ تشكيل الجمعيات الإسلامية في جامعات البلاد، ثم تشكّلت التعبئة الطالبيّة وتعبئة الأساتذة ممن كانوا أعلام الثورة. كانت الجمعيات الإسلامية تُعدّ في ذلك اليوم أعلام الثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت هناك مباحثات جيدة وعميقة. كنت على صلة بالأمر، فالجمعيات الإسلامية رجعت إلى الإمام وقد أحالَهم إليّ، أي أنْ تواصلوا مع فلان.[7] كنت على اتصال دائم بالجمعيات والشباب المرتبطين بها. عقدنا اجتماعات في جامعة «أمير كبير» نفسها، وكان لدينا أبحاث مختلفة، أبحاث نظرية عميقة وجيّدة. حسناً، كانت هذه الخطوة الأولى لكنها لا تعني أن المواجهة قد انتهت. كلّا! هذا لا يعني أنه مع هذا النجاح للتيار الثوري أن التيار المعادي للثورة قد تراجع وانكفأ عن الجامعة وانتهت المواجهة. لا، لم يكن الأمر كذلك. لقد استمر التحدّي والمواجهة، ولذا على مر السنين – خلال [هذه] العقود - كان هناك انخفاض وارتفاع وصعود وهبوط. كان هناك صعود وهبوط في الجامعة، وقصتها طويلة.

في رأيي، يمكن أن يكون هذا موضوعاً للبحث، وأن يكون أحد الأعمال البحثية الرئيسية هو تاريخ جامعات البلاد بعد الثورة، والانخفاض والارتفاع والصعود والهبوط، وتبدّل أفرادها: من كانوا، وأين ذهبوا، وما كان مصيرهم، ومن حل مكانهم. هذه موضوعات مهمّة يمكن أن تكون موضعَ بحثٍ وعمل بحثيّ مفصّل وجيّد.

أسباب افتخار الجمهوريّة الإسلاميّة بجامعاتها
الآن، ما أريد استنتاجه وقوله من هذه الموضوعات أنه يمكن للجمهورية الإسلامية اليوم أن تفخر بجامعتها أولاً. وثانياً يجب أن يكون لديها «هاجس الجامعة». الآن سوف أشرح كِلا العنوانين بمقدار ما. أما [أنّه] يمكن للجمهورية الإسلامية أن تفخر بالجامعات، فلأن جامعات اليوم لا تمكن مقارنتها حقّاً بالجامعات بداية الثورة. نعم، كان الأمر أكثر حماسة في ذلك اليوم، وكانت هناك حركات أكثر حماسةً - كانت بداية الثورة - لكن الجامعات اليوم في بلدنا لا تمكن مقارنتها حقّاً بالجامعات لدينا في بداية الثورة.

من ناحية عدد الطلّاب
[أولاً] من ناحية عدد الطلاب. في ذلك اليوم، كان عدد الطلاب في جامعات البلاد كافّة قرابة 150 ألف، وعدد الطلاب بالملايين اليوم. يوجد الآن ملايين الطلاب الفعليين. فبعيداً عن الخريجين هناك بضعة ملايين طالب فعلي. في هذا الصدد، لا تمكن مقارنة الكم حقاً في الجامعات الحكومية وغير الحكومية.

من ناحية عدد الأساتذة
ثانياً من ناحية الأساتذة. [وفقاً] للتقرير الذي قدّموه إلينا في ذلك اليوم كان عدد أساتذة جامعات طهران كلهم في بداية الثورة نحو خمسة آلاف. اليوم لدينا عشرات الآلاف من الأساتذة، ومن بينهم أساتذة بارزون، أساتذة بارزون من النُّخبة، أي عدد الأساتذة يبعث على الفخر حقّاً، مثل عدد الطلاب.

من ناحية التقّدم العلميّ
إضافة إلى ذلك [هناك] التقدم العلمي اللافت. لم يكن لدينا ما نفخر به حقّاً في الجامعات في ذلك اليوم من ناحية النشاط العلمي. كان الأمر كذلك حقّاً. نعم، من الممكن أن يكون شابٌّ نُخبوي قد قام آنذاك على فكرٍ أو عمل في مكان ما ولسنا على اطلاع عليه، لكن الجامعة بصفتها كلّاً ومجموعة لم يكن لديها أيّ حركة علمية لافتة أو مهمّة. اليوم، بفضل الله وبتوفيقه تم إنجاز أعمال علمية لافتة وعظيمة في الجامعات، ولا يزال الأساتذة ينجزونها عبر الورش التربوية ونخبة من الطلاب.

من ناحية تربية النُّخب
تربية النُّخب البارزة؛ كم عدد النُّخب في البلاد اليوم؟ الآن يغادر البلاد بعضهم، ويحزن آخرون على مغادرتهم. نعم، نحن نودّ أن تبقى النُّخب في البلاد، لكن عدد النُّخب في البلاد أعلى بأضعاف من أولئك الذين غادروا. لحسن الحظ، إن جامعاتنا جيدة جداً في هذا الصدد.

من ناحية وجود الخرّيجين في الإدارات
[من ناحية أخرى] حضور خريجي الجامعات في الإدارات الحكومية. هذا مهمّ جداً. كان لدينا مديرون جيدون في مراحل مختلفة. كان لدينا مديرون جيدون. وحقيقة أنكم الآن تحتجون على حكومة معينة مثلاً ومسؤوليها هذا لا يعني أنه لم يكن في تلك الحكومة مدير بارز وكُفؤ ومسؤول، وعالِمٌ وشجاع وصادق وفق تعبير ذاك الأخ. بلى، كان هناك مديرون جيدون جداً وهم [موجودون] الآن. هناك أشخاص لا تزال «رائحة حليب الجامعة تفوح من أفواههم»[8]، كما نقول بالتعبير العامّي، حاضرون في الحكومة و«مجلس الشورى الإسلامي» وما شابه. إنّ هذا من افتخارات الجامعات في البلاد.

من ناحية وجود المظاهر الإسلاميّة في الجامعات
أيضاً وجود المظاهر الإسلامية والدينية الرائعة، وليس الأمر أنني لست على دراية بالمشكلات الفكرية والدينية والسلوكية لجامعات اليوم. لست غير مطّلع تماماً لكن حضور الدين في جامعات البلاد حضور بارز للغاية وواضح ومشوّق وفريد من نوعه، وبالتأكيد لا يوجد في العالم الإسلامي هذا الكمّ من الشباب من أهل العبادة والاعتكاف والصلاة المستحبة وصلاة الجماعة وأهل الدعاء والإحياء والتوسل بـالقرآن... لا يوجد شيء من هذا القبيل في أي مكان في العالم الإسلامي [لكنه] موجود هنا، بحمد الله. لذلك، يمكن للجمهورية الإسلامية اليوم أن تفخر حقّاً بجامعاتها. وقد أشرت إلى أن هذا لا يعني أن جامعة اليوم هي نفسها التي تتطلّع إليها الثورة. لا! لكن هذه جامعة يمكننا أن نفخر بها حقّاً.

أسباب الهواجس تجاه الجامعة
أما ضرورة الهواجس، ولماذا يجب القلق تجاه الجامعة، فلأن هذا التيار التبعي والرَّجعي المعادي للثورة كان مرتبطاً بجذور خارجية، ولا تزال هذه الجذور موجودة ويجري دعمها، وأيضاً دعم ذاك التيار داخلياً. هذا التيار موجود ونشط أيضاً. لم يكفّوا عن السياسات الاستعمارية الغربية، وتلك السياسة الاستعمارية الحديثة التي تحدثت عنها بإيجاز لا تزال قائمة ويُعمل بها. وغُرف الفكر، بتعبيرهم «غرفة التفكير»، تخطّط وتضع الميزانية وتعمل ضدّ جامعاتنا. لذلك على المرء أن يمتلك هذا الهاجس، فلا لا يزال هناك تحدٍّ. حسناً، قارنوا هذه الجامعة وتأثيرها في البلاد وقضاياها مع تأثير جامعات الـ150 ألف شخص في بداية الثورة. هذا التأثير أكبر بكثير. لذلك، إذا تمكن العدو من التخريب داخل الجامعة، فستكون آثاره وخسائره أكثر مرات عدة من بداية الثورة، لأن الجامعة واسعةٌ وكبيرة، وفيها كثيرون من الشباب، ولديها المتكلّمون والناشِطون الطلاب والفنانون وما إلى ذلك؛ لذلك علينا أن نقلق.

«نزع المُثُل» و«نزع الهويّة» أولويّات الهواجس تجاه الجامعة
ما الهواجس التي نمتلكها؟ ما النقطة الأهم التي يجب أن يمتلك المسؤولون والجامعيون أنفسهم وأنتم الطلابَ الهاجسَ تجاهها؟ في رأيي، أولاً وقبل كل شيء، هما «نزع الهوية» و«نزع المُثُل» في الجامعات. هذا ما يجب أن تكونوا قلقين تجاهه بالدرجة الأولى. يجب التفكير في هذا، وينبغي للجميع التفكير. سواء أكانوا مديري الجامعات والناشطين الأكاديميين في الجامعة، مثل الأساتذة والباحثين الجامعيين، أم أنتم الطلابَ، أم المسؤولين في البلاد، عليهم التفكير في هذا الأمر.

أنتم تسمعون اليوم في عدد من البيانات في الصحف والفضاء المجازي أن قضية نزع الأيديولوجيا تُطرح بوصفها أمراً لازماً. هذا هو نزع الهوية. الأيديولوجيا والتفكّر والقيم هي هوية الشعب. اليوم، قِبلة أولئك هي أمريكا، والأمريكيون يركّزون باستمرار على القيم الأمريكية وأن هذه القيم تقول كذا، وهذه القيم تريد هذا - القيم الأمريكية هي الأيديولوجيا نفسها - [لكن] ليسوا على استعداد لتعلّم هذا من أمريكا.

حينما يُقال نزع الأيديولوجيا وأنّه يجب نزعها في الداخل [المقصودُ] إزالة الهوية الفكرية للمجتمع وأهم مظاهرها الجامعة والطالب الجامعي. هذا ما يعنيه نزع الهوية: تحقير المبادئ الفكرية والمقاربات التاريخية والوطنية للبلاد، وتحقير ماضي البلاد والثورة، والتقليل من حجم الأعمال العظيمة التي تمّ إنجازها، وبالطبع هناك عيوب فيجري تضخيمها أيضاً عشرات المرّات؛ هذا يعني إزالة الهوية. حينئذ تُستبدل بهذه الهوية المنظومةُ الفكرية للغرب، ومن الأمثلة على ذلك «وثيقة 2030» لدى الأمريكيين، التي تُعد مظهراً من مظاهر الهيمنة الاستعمارية الحديثة للغرب في زماننا. هذا أحد الأمثلة.

محاولة الأعداء محو تراث الفكر وثقافة البلاد وزرع اليأس في نفوس الشّباب
حسناً، ببركة الثورة، تم إحياء التراث الثقافي والفكري العظيم في البلاد. يريدون تضعيف هذا وتلاشيه. هذا [هدف العدو]. اليوم لدينا عشرات الملايين من الشباب في البلاد المستعدين لتسلق القمم، فشباب بلادنا مستعدون حقّاً اليوم - بعضهم لديهم دوافع دينية وثورية، وبعضهم ليس لديهم هذه الدوافع لكنهم مستعدّون وجاهزون للحركة العلمية وتسلق قمم الشرف والعزّة الوطنية - [لكن] يَجب أن يفشلوا وييأسوا ويديروا ظهورهم إلى القمم وألّا يقدّروا الطريق الذي تمّ طيّه! إنّهم ينفخون الأنفاس الباردة والسّامة في بوق اليأس، ويلقون اليأس في مجموعات الشباب.

هذا ما يحدث اليوم؛ يجب أن نقف ضد هؤلاء. لا بدّ من ذلك. أنت من تأتي إلى هنا [وتتحدّث] بهذه الشجاعة وبهذه القوة فيصير الإنسان محظوظ حقّاً – أنا محظوظ حقّاً فالإنسان يفرح بهذه القدرة على الكلام والتعبير القوي والمنطق الجيد - [يريدون] تثبيطك وزرع اليأس داخلك بالوسوسة وإشعارك أنّك وصلت إلى طريق مسدود ولا يمكن فعل شيء، وأن الطريق مسدود ولا فائدة. هذا ما يجري العمل عليه. وذلك ما يعنيه نزع الهوية.

محاولة جعل الأفراد غير مبالين تجاه مؤشّرات الثّورة الإسلاميّة
«نزع المُثُل» يعني [أيضاً] جعل الناس غير مبالين للفقر والفساد والتمييز بوصفها الشياطين الثلاثة الكبرى والعناصر الثلاثة الخبيثة في المجتمع المنحرف - الفقر والفساد والتمييز – التي يجب القضاء عليها، فتنبغي مواجهة هذا بأن يجعلوهم غير مبالين. إنّ قلة المبالاة تجاه الهيمنة الثقافية الغربية تعني فقدان الدوافع تجاه مؤشرات الثورة الإسلامية. حسناً، للثورة مؤشراتها، وهذه المؤشرات قد هزّت العالم وحفّزت المقاومة في الدول: مؤشر الصمود في وجه الظلم، مؤشر رفض الرضوخ للتجبّر، مؤشر رفض الابتزاز. هذه مؤشرات الثورة الإسلامية وإيران الإسلامية، وقد هزت العالم والدول الإسلامية وجعلت الشعوب توجّه أنظارها نحو إيران.

رؤساء الجمهورية لدينا جميعهم وعلى مرّ السنين – من أصحاب التوجّهات المختلفة، ميول بعضهم في السياسات والأفكار كانت مقابل بعضها بعضاً أيضاً - حينما كانوا يحضرون في بلد أجنبي يهتف الناس لهم ويعربون عن محبّتهم لهم، فما السبب في ذلك؟ لماذا يبسطون علم الجمهورية الإسلامية في مختلف البلدان بأيادي شعوبها [لكنهم] يحرقون العلم الأمريكي؟ إنّ هذه المؤشرات قد هزّت العالم لكنّهم يريدون تبهيت هذه المؤشرات داخل البلاد وجعل [الشباب] يفقدون الدافع تجاهها. [أيضاً] مؤشر العودة إلى الإسلام الأصيل ورفض التحجر والتخلف، ومؤشر الصمود في القضية الفلسطينية حيث سأتحدّث آخرَ كلامي بعبارة عن فلسطين، إن شاء الله.

حسناً هذه هي الهواجس الرئيسية. ويجب امتلاك هذه الهواجس. الآن [أولئك] الذين يعملون على «نزع الهوية» و«نزع المُثُل» ونزع الاستقلال؛ من هم، وكم عددهم، وما مدى نجاحهم، هذه مسألة أخرى وهي في عهدتكم. اجلسوا في اجتماعاتكم وناقشوا هذه الأمور وابحثوا ودقّقوا وفتّشوا حولها، ولكن اعلموا أن هناك شيئاً مثل هذا، وبالطبع من المفترض أنّكم تعلمون ذلك. هذه هي الهواجس.

تأدية طلّاب الجامعات دورهم في أعتاب النّظام العالميّ الجديد
من الممكن مثلاً أن تكون هذه الهواجس موجودة قبل عشرة أعوام [لكن] هذه الهواجس اليوم أكبر، لماذا؟ سأقول لكم: العالم اليوم على أعتاب نظامٍ جديد. هناك نظامٌ دوليّ جديدٌ مرتقبٌ للعالم في مقابل النظام الثنائيّ القطب الذي كان موجوداً قبل عشرين عاماً ونيّف - أمريكا والاتحاد السوفييتي، الغرب والشّرق - وفي مقابل النظام الأحاديّ القطب الذي أعلنه بوش الأب[9] قبل عشرين عاماً ونيّف. بعد تدمير جدار برلين، وزوال الجهاز الماركسيّ في العالم ومعه الحكومات الاشتراكيّة، قال بوش إن العالم اليوم هو عالم نظامٍ عالميّ جديد عالم نظام أمريكا الأحاديّ القطب، أي أمريكا تتربّع على قمّة العالم. طبعاً كان مخطئاً. لقد أساء الفهم. وأمريكا منذ ذلك الحين، منذ تلك الأعوام العشرين ونيّف، صارت أضعف يوماً بعد يوم حتى يومنا هذا. لقد صارت أضعف يوماً بعد يوم من داخلها وعلى مستوى سياساتها الداخليّة، وأيضاً على مستوى سياساتها الخارجيّة، وفي اقتصادها وأمنها والأمور كلّها، صارت أمريكا أضعف اليوم ممّا كانت عليه قبل عشرين عاماً. لكن على أيّ حال العالم اليوم على أعتاب نظامٍ جديد، وفي رأيي ينبغي التطلّع إلى حرب أوكرانيا هذه بنظرةٍ أعمق. هذه الحرب ليست مجرّد هجومٍ عسكريّ على بلدٍ معيّن. جذور هذه الحركة التي يشاهدها المرء اليوم في أوروبا هي جذورٌ عميقة، ويتوقّع الإنسان مستقبلاً معقّداً وصعباً.

حسناً، إذا افترضنا أن توقعنا هذا صحيح وأن العالم على وشك نظام جديد، فإنّ الدّول كافّة ومنها إيران الإسلاميّة تتحمّل مسؤولية الحضور في هذا النّظام الجديد - الحضور على مستوى القوّتين الصلبة والناعمة - ليتمكّنوا من توفير أمن البلاد ومصالح البلاد والشعب، وألّا يبقوا على الهامش، وألّا يتأخّروا. حسناً، إذا ما كان من المقرّر أداء عمل عظيم كهذا، أي الحضور على مستوى القوّتين الصلبة والناعمة في تشكيل النظام العالمي الجديد، فعلى من تقع المسؤولية الأكبر؟ من الذين سيكونون في الصفوف الأماميّة؟ الطلاب الجامعيون، والجامعيون [عموماً]. أي يجب أن تكونوا متقدمين عن الجميع، وأن تكونوا أكثر الفئات تأثيراً. إذا ما كانت الهواجس التي قلتها - «نزع الهوية» و«نزع المُثُل» – بشأن الجامعات أمراً واقعاً، فهذا يعني أن هذه الهواجس أكبر في هذه المرحلة بسبب الوضع القائم.

قد كان هذا تحليلاً وتوضيحاً حول قضايا الجامعة. بالطبع هناك الكثير لنتحدث عنه في هذا الصدد، فلا يمكن الحديث في اجتماع واحد، والوقت محدود أيضاً. ثمة حاجة إلى عقد اجتماعات طالبية متعددة كما قال بعض الأصدقاء. حتى لو كان لدي المقدرة على ذلك أيضاً، فإنّه لم يعد ممكناً في ظروف «كورونا». حينما تنتهي «كورونا» - إن شاء الله - نرى هل بإمكاننا عقد اجتماعات عدة في هذا الصدد. وعلى الآخرين أن يعقدوا الاجتماعات. فالمفكّرون والخبراء في البلاد - لدينا خبراء ومفكّرون ومنظّرون في البلاد على عكس ما قاله بعض الأصدقاء، فليس الأمر كما قالوا - عليهم أن يجلسوا ويعقدوا اجتماعاً ويتحدّثوا. ينبغي الحديث مطولاً في هذه المجالات فهناك كلام كثير، ونحن أيضاً لدينا كلام كثير لنقوله لكنّنا لن نتطرّق إليه الآن.

واجبات الطلّاب في بضع توصيات: تجنّب الانفعال واليأس
لدي بعض التوصيات. أيّها الطلاب توصيتي الأولى لكم تجنّب الانفعال واليأس. التفتوا، واحرصوا على أنفسكم وعلى قلوبكم، وعلى ألّا تكونوا انفعاليين وألّا تُصابوا باليأس. يجب أن تكونوا مركز بثّ الأمل للقطاعات الأخرى. نعم، هناك مشكلات في قطاعات مختلفة ولكن هل من غير الممكن حلها؟ مُطْلَقاً؛ إنها قابلة للمعالجة. هناك مديرون جيدون، وهم موجودون، إن شاء الله. إنّهم قادرون، ويفعلون [ذلك]، كما أن أعمالاً كثيرة تم إنجازها حتى الآن.

قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر، ظهرت حركة علمية، فمَن الذي كان يعتقد أنها ستصل إلى هنا؟ بحمد الله، تقدمت هذه الحركة وتحققت أشياء عظيمة. في مجال التكنولوجيا الأمر كذلك، وفي الرعاية الصحية أيضاً، وفي مجال الصحة والعلاج على هذا النحو، وفي السلامة كذلك. لقد تمت أعمال عظيمة في عدد من المجالات، ويمكن فعل ذلك في مجالات أخرى أيضاً. لذلك إنّ أول ما أوصي به هو أن تلتزموا التقوى في هذا الصدد، التقوى بالمعنى نفسه الذي قلته هنا في لقاء المسؤولين.[10] التقوى تعني المراقبة والالتفات. التفتوا إلى أنفسكم كي لا تصابوا باليأس وفقدان الأمل، و[أنّه] لا يمكن ولا فائدة وأمثال ذلك.

هذه توصيتنا الأولى. إذا لم تلتزموا هذه التوصية، فلن يتدهور دور الطالب فحسب، بل ستبطئ بقية محرّكات التقدّم أيضاً؛ ستصير حركتها بطيئة، أي سيترك ذلك تأثيراً سلبياً فيها أيضاً. أنقذَ البلادَ شبابٌ في أعماركم وبهمّتهم. كانوا في أعماركم وقد أنقذوا البلد بالمعنى الحقيقي للكلمة. في ذلك اليوم، قال كثيرون إن ذلك غير ممكن. لقد كنت، أنا العبدَ، وسط الميدان. ليس ميدان الحرب، بل وسط ميدان الشؤون والقرارات العسكرية وما شابه. رأينا ذلك حين كان بعضهم يقولون: «سيدي، لا فائدة، غير ممكن، لا يمكن فعل شيء»، أي أنْ نسمح لقوات صدّام، التي صارت على بعد عشرة كيلومترات من الأهواز، أن تبقى هناك، فـ«لا يمكن فعل شيء». هناك أشخاص قالوا هذا في ذلك اليوم أيضاً. [لكن] شبابٌ أمثالكم جاؤوا إلى وسط الميدان وأدَّوا عملاً قد أذهل العالم بأسره. بعد فتح خرمشهر، جاء وفد من رؤساء عدد من الدول الإسلامية، برئاسة السيد [أحمد] سيكو توري الذي كان رئيس غينيا للوساطة - مجموعة من سبعة رؤساء أو ثمانية للدول الإسلامية –. جاؤوا إلى هنا بعد فتح خرمشهر، وكانوا قد جاؤوا مرة أو اثنتين من قبل حين كُنت رئيساً للجمهورية وقد التقيت بهم. في هذه الزيارة، قال سيكو توري: «أتينا هذه المرة ووضع إيران مختلف عمّا في السابق».

لماذا؟ لأنّ خرمشهر فُتحت، وقد تمت استعادتها. فالأمر كذلك حين كان تأثير التقدّم على هذا النحو في العالم. إن هؤلاء الشباب أنفسهم الذين كانوا في أعماركم تمكّنوا من فعل هذا العمل، وأنتم في إمكانكم ذلك أيضاً.

بالطبع بعض أجيالكم الماضية قد قصّروا هنا، قصّروا في هذه القضية وارتكبوا أخطاء، أي حيث لا يجب أن يصابوا باليأس وفقدان الأمل فعلوا ذلك وقد أخرجهم فقدان الأمل هذا من الميدان، وبعضهم خرجوا على نحو سيّئ أيضاً. وفي حين خرج بعضهم فقط، صار بعضهم الآخر إضافة إلى خروجهم من ميدان النضال الثوري بالصوت نفسه مع الآخرين أيضاً. لذا هذه توصيتي الأولى: احرصوا على ألّا تديروا ظهوركم إلى الأفق وألّا تُدبروا عن القمة [بل] تحرّكوا دائماً نحو القمة ونحو الأفق المُشرق.

الانخراط في الفكر إضافةً إلى العلم
التوصية التالية هي الفكر. التفتوا! هناك شيئان ضروريان في الجامعة: العلم والفكر. العلم دون تفكّر يصنع المشكلات، والعلم دون تفكّر يسير على نحو خطأ. يتحول إلى أسلحة دمار شامل وأسلحة نووية وكيماوية وبعض الظواهر العلمية الأخرى التي تجعل البشرية بائسة. هذه هي نتيجة العلم الذي لا يقترن بالفكر الصحيح، وغياب التفكير، أو التفكير الخطأ. فيما يخص توصيتنا بشأن العلم، عملت الجامعات جيّداً للإنصاف وحقّقت التقدم. لقد أوصيت مراراً بالتفكّر أيضاً لكن يبدو أن هذا أصعب. يبدو أن العمل أكثر صعوبة فلم يتم الكثير منه في هذا الصدد.

التفكّر هو أحد الأعمال المهمّة. هذه نصيحتي: اجلسوا وفكّروا. أنتم موهوبون وأصحاب فكر، ويمكنكم التفكّر، فاجلسوا وفكّروا. بالطبع التفكير يحتاج إلى مرشد وأستاذ للفكر. إذا ما تحرّكنا دون فكر، فستكون حركاتنا متعرّجة وتُسبب ركوداً وتوقّفاً وتأخّراً وما شابه. من الضروري التفكير في المجالات جميعاً، وقد قال هذا أفراد عديدون منكم في كلامهم طبعاً. يلعب الفكر دوراً رئيسياً على المستوى الإداري للبلاد. أيها الطلاب، أنا أوصيكم – الآن مسألة المديرين على حدة – أن تجلسوا وتعملوا على قضية الفكر.

الفكر يحدد «ما يجب» و«ما لا يجب». العلم يخبرنا عن «الحقائق»، والفكر يُخبرنا عن «ما يجب» وعن «ما لا يجب». هذا حسّاس للغاية. يجب أن يكون هذا الفكر على المسار الصحيح. إذا لم تديروا الفكر بطريقة صحيحة، فمن الممكن أن تسلكوا طريقاً خطأ. أنا قليلاً ما أذكر أسماء بالطبع [لكن] المرحوم الشيخ مصباح [اليزدي] (رض) كان أستاذ فكر. بالطبع، كان له أعمال سياسية وأفكار سياسية أيضاً، ولا أتحدّث عن ذلك، [أي] القضايا السياسيّة، [لكنّه] كان دليلاً ومُرشداً في القضايا الفكرية ويُمكن أن يكون مرجعاً وملجأ. مثل هؤلاء الناس يجب أن يكونوا أساتذة الفكر، فكما يحتاج العلم إلى أستاذ، يحتاج الفكر أيضاً إلى أستاذ. هذا في ما يخص هذه [القضية]. لقد دوّنت أيضاً نقطتين أو ثلاثاً أخرى حول الفكرة [لكن لأن] الوقت لا يسمح سأَعْبُر عنها.

التّماس المباشر مع قضايا البلاد
التوصية التالية هي التماس المباشر مع قضايا البلاد. عندما ينظر الإنسان إلى شؤون البلاد من بعيد، هذا شيء، وعندما يكون على تماس مع الأمور فهذا شيء آخر. يكون الأمر مختلفاً أحياناً. الآن، على سبيل المثال، أثار أحد الأصدقاء مسألة المياه. حسناً، عندما تدخل في مسألة المياه وتخوض فيها وتبحث وتحقّق تصل إلى نتائج مختلفة عن تلك التي ذُكرت هنا.

كونوا على تماس مباشر مع قضايا البلاد، شاهدوا القضايا من كثب وأحيطوا بها واعملوا عليها واجعلوها محور تركيزكم. ليس من الضروري أن تتطرق جموعكم واللجان التي تنتمون إليها إلى مسائل البلاد كافّة. لا، ركّزوا على مسألة واحدة أو اثنتين. فكّروا واعملوا وتابعوا وحقّقوا حول تلك المسائل وستتم الاستفادة من نتائج أبحاثكم.

لدينا الآن مجموعة من الطلاب الشباب الذين تستخدم السلطات نتائج أبحاثهم. لا أريد أن أذكر أسماء طبعاً لكن هناك أشخاص يُستفاد من نتائج أبحاثهم حتّى في تلك الأماكن وتلك الحالات التي لا يولون فيها الكثير من الاهتمام والاعتناء بأعمال الشباب. في بعض الحالات، حيث تُقدم توصية أو دعم، يكون الاهتمام والاعتناء باستنتاجات الشباب والعمل بناءً عليها.

صناعة الخطاب وصناعة التيّار
حسناً، في ما يخص مثال شعار هذا العام،[11] وفي ما يخصّ [الشركات] القائمة على المعرفة، رأى أحد الأصدقاء الآن أن زيادة الشركات القائمة على المعرفة غير مفيد. لم يفهم المرء [كلامه] على نحو صحيح بما أنّه تحدّث بسرعة. أعتقد أنه رأى زيادتها مضرّة أيضاً. لا، فكّروا في هذا الأمر، واعملوا على مسألة [الشركات] القائمة على المعرفة. من الأشياء التي يمكنكم التفكير فيها والعمل عليها والتماس معها هي مسألة الشركات القائمة والمؤسسات القائمة على المعرفة هذه بما لها من نطاق واسع كما أنها على ارتباط وثيق بالجامعة طبعاً.

ماذا يمكنكم فعله بشأن الشركات القائمة على المعرفة؟ الآن، ليس موضوع حديثي أولئك الذين باستطاعتهم والذين يشكّلون المجموعات المعرفية، وإنّما الموضوع الطلاب. يمكن للطلاب الجامعيين أن يصنعوا الخطاب. [تجب] صناعة خطاب في ما يخص الشركات القائمة على المعرفة. عندما يصير موضوع ما خطاباً [عاماً] داخل البلاد، ويصير موضوعاً مُتفاهَماً عليه وعُرفاً وعاماً، يسري بصورة طبيعية. هذه هي صناعة الخطاب، أو اعملوا على إيجاد تيّار من الناحية الفكريّة. أوجدوا تياراً ضدّ المكونات التخريبية [للشركات] القائمة على المعرفة، مثل بيع المواد الخام، وبيع المواد دون قيمة مضافة - إذا جاز التعبير - التي هي موجودة الآن في بلدنا للأسف، وهي أيضاً شائعة جدّاً. أوجدوا تياراً في هذه المسألة ليصير هناك خطاب مخالف لهذا الأمر، أو الواردات الاستهلاكية وغير الإنتاجية. بعض وارداتنا يجب أن تأتي لكن بعضها استهلاكية. بعضها ضروري بالطبع، وفي بعض الأحيان هذا أمرٌ لا مفر منه. أنا أعتقد بوجهة نظر الخبراء في هذه المجالات أيا ما يقولونه، ولكن عامةً إن استيراد السلع الاستهلاكية التي لها مشابه في الداخل يضر بالبلد ومؤذٍ، وهو من الأمور التي تتعارض مع بناء حركة قائمة على المعرفة في البلاد... أو التهريب مثلاً، فهذا أمرٌ يمكن للطلاب العمل عليه.

المطالَبة الصحيحة من المسؤولين دون حدّية ومشاكل
[التوصية] الأخرى هي المطالَبة. إن طبيعة الطالب الجامعي هي المطالَبة. طالبوا واطلبوا من المسؤولين أن يعملوا عملاً جاداً. هذا أحد الأمور التي يمكنكم فعلها. حذِّروا المسؤولين من الأعمال الاستعراضية. اطلبوا منهم أعمالاً جادة وحقيقية. هذه إحدى المطالَبات الصائبة التي يمكن للطلاب الجامعيين أن يطلبوها.

بالطبع، ليس هناك أيّ حاجة إلى أن تتصرفوا بحدّية! يعتقد بعض الأشخاص أن طريقة إعطاء الملاحظة هي أن يدخلوا بحدّية وينتقدوا ويتعاركوا ويحدثوا صخباً. لا، ليس بالضرورة أبداً - بالطبع، كنا نفعل ذلك أيضاً في مرحلة شبابنا، فعندما أرى أحياناً بعض الحدّة من الشباب أتذكر مرحلة شبابي، فلديّ ذكريات منها - إذْ يمكن للمرء أن يدخل ميدان المطالبة بأسلوب منطقي وذكاء وبجدية تامة والمطالبة. عندما تتحدثون بحدّية، يتهمونكم ويقولون: «يا سيدي، الطالب يأتي ويتشكّى فقط». لا، فعندما تطالبون بأسلوب منطقي وجديّ وبمنطق واستدلال، لن تُتهموا بالتشكّي. حينما يصير الأمر كذلك، لن يتهموا الطالب بالتشكّي. فضلاً عن ذلك تؤدي هذه المطالبة إلى ألّا يقول بعضهم: «حسناً، الآن مثلاً التشكيلات الإدارية للحكومة هي ثورية - المجلس (الشورى الإسلامي) ثوريّ، والحكومة ثوريةٌ، وما إلى ذلك - فما دور الطلاب الثوريين؟» كلا، بل يمكن القول إن دورهم يكون أحياناً أكبر لأن إمكانية حضورهم ونشاطهم صارت أوسع اليوم. أحد النماذج هي هذه المطالبة التي يمكنكم فعلها.
حسناً، لقد استخدمتُ شعار هذا العام كمثال، أن يكون الإنتاج قائماً على المعرفة، وهناك عدد من الأمثلة الأخرى التي يمكن المطالبة في كلّ منها، مثل قضية العدالة الاقتصادية والثقافة ونمط العيش. هذه كلها قضايا يمكن المطالبة بها حقاً، والمطالبة بعمل جديّ فيها. يمكن الطلب من المسؤولين لكنني قلت بمنطق واستدلال صحيحين.

تعزيز الأسس العقائدية والإيمانية
النقطة [المهمة] في المطالبة وفي كل إقدامات الطلاب الجامعيين - هي مهمة في رأيي أساساً - أنه لا بد للطلاب من تعزيز الأسُس العقائدية لديهم. على الطلاب تقوية الأسس العقاديّة والإيمانية لديهم، وبالطبع هذا الأمر له طرقه الخاصة [بما في ذلك] المطالعة ومجالسة العلماء. في دعاء «أبو حمزة»، حينما يُقال لله المتعالي: لماذا لا تحدث لي حالة للدعاء بعض الأحيان ولا حالة للتوجه، أحد الأمور التي نُقلت عن الإمام السجاد (ع) بوصفها سبباً هي: «أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء»[12]. طبعاً ليس بالضرورة المراد من «العلماء» المعممون، [أي] عالم الأخلاق وعالم الدين. تجب المشاركة في مجالس هؤلاء والحضور والاستفادة منهم. إذاً، تعزيز الأسس العقائديّة وتقوية التفكّر والتعمق في قضايا البلاد ومناقشة طرق الحل والتجارب، ناقشوا الحلول. افترضوا الآن مثلاً أنكم تنتقدون شيئاً ما، ثم تقولون مثلاً إن هذه الأعمال يجب إنجازها أيضاً كاقتراح وطريق حل. حسناً، كم درستم طريق الحل هذا؟ كم جرّبتموه؟ كم قستم جوانبه؟ هذه أمور مهمة. وإذا تمّ فعلها، فإنها قيّمة للغاية وستكتسب بطبيعة الحال المزيد من القيمة.

المطالَبة المنطقية من أجل التمييز بين الأداء الضّعيف وبين النّظام والثّورة
وعندما أقول: «لا تتصرفوا بحدية»، لا تأخذوا ذلك على أنني أقول اعملوا على المساومة والتنازل والمداهنة. لا، لم أقدّم أبداً من هذه التوصيات إلى الشباب والطلاب ولن أفعل! أن تداهنوا هذا أو ذاك أو تتملّقوا؛ كلا! إطلاقاً. ليس هذا المقصود. المقصود أنه يجب التحرّك والتحدّث بالمنطق. [فلا يمكن ذلك] دون منطق أو بكلمات حادة وبتهكّم. للأسف الآن صارت هذه التهكّمات والأشياء شائعة في الفضاء المجازي، وهي أمر مضرّ جداً. إذا تصرّفتم على هذا النحو، فلن تُوضع بعض هذه الأداءات الضعيفة في حساب الجمهورية الإسلامية والثورة، أيْ سيكون هناك فصل بين هدف الثورة وما تريده الثورة، ومثلاً بين الأداء الضعيف لي، أنا المديرَ. هذا الفصل من الأمور الضرورية أيضاً.

الحذر من ألّا يستغلّ العدوّ المطالَبة
أود أن أقدّم توصية أخرى دوّنتها هنا. احذروا عند المطالبات - إنني أوصيكم بالمطالبة - من ألّا يستغل العدو مطالبتكم المحقة. اسعوا في ترسيم صياغة المسألة وفي طريق الحل الذي تقدمونه أيضاً إلى ألّا تجدوا وجهاً مشتركاً مع العدو وما شابه... وألّا تجدوا قاسماً مشتركاً مع العدو، [لأنه] أيضاً يثير القضايا والمشكلات، وهو أيضاً يثير صورة المسألة ويطرح ما يسمى العلاج والاستنتاج. يجب أن تكون صورة المسألة لديكم مختلفة عنه، واستنتاجكم مختلفاً تماماً عنه أيضاً، لأنه في النهاية عدو، وهو مغرض ولا يفعل ذلك بدافع الخير.

الاستكبار الفعاليّات الدوليّة وفوائد التّواصل مع مجموعات طالبيّة فعّالة ضدّ الاستكبار
التوصية الأخرى تتعلق بالفعاليات الدولية. بالطبع، لقد أوصيت بهذا من قبل. لقد أوصيت مرة أو اثنتين بأن يكون لطلابنا وللجاننا أنشطة دولية. يوجد الآن عدد من المجموعات الشبابية من طلاب الجامعات وغير الطلاب في العالم الذين ينشطون بشدة ضد السياسات الاستكبارية وضد أمريكا والسياسات الأوروبية والغربية. هُم موجودون في أوروبا نفسها وربما في أمريكا - ليس لدي اطلاع كثير حول أمريكا لكن توجد مجموعات كثيرة في أوروبا - وهناك أيضاً مجموعات إسلامية في البلدان الإسلامية ومن الواضح أنها كثيرة. إذا استطعم أن تقيموا تواصلاً سليماً مع هؤلاء، فهناك فائدتان: الفائدة الأولى أنكم تمنحونهم الطاقة وتساعدونهم، والثانية أنكم تعرّفونهم إلى الجمهورية الإسلامية، أي بصفتكم طلاباً جامعيين تعرّفون تلك المجموعة من الطلاب - مثلاً الفرنسية أو النمساوية أو حتى الإنكليزية - إلى الجمهورية الإسلامية، [أيْ تطلعونهم] أن هذه هي الجمهورية الإسلامية. إذا أنجزتم هذه الحركة، فهذا جيد. طبعاً لقد تحدثتُ في هذا الصدد من قبل، وعملكم هذا بالإضافة إلى كونه تعريفاً بالجمهورية الإسلامية هو أيضاً درع دفاعي للجمهورية الإسلامية، لأن الإمبراطورية الإخبارية نشطة للغاية ضد الجمهورية الإسلاميّة. هذا في الحقيقة يمكن أن يكون رد على ذلك. لكنني أريد التركيز على بعض البلدان المجاورة. عززوا تواصلكم مع المجموعات الطالبية في العراق وأفغانستان وباكستان بأكثر ما تستطيعون. إن الاستعداد القلبي والروحي لدى هؤلاء كبير جداً تجاهكم، فأقيموا التواصل.

توصيات للمديرين الشّباب العمل لله وحلّ المسائل المنوطة بكم
توصيتي الأخيرة هي للشباب الذين كانوا مثلكم حتى سنوات قليلة مضت واليوم - بحمد الله - صاروا في المراتب الإدارية، سواء في المجلس (الشورى الإسلامي) حيث قمتم - أحد الأصدقاء - على جلدهم كثيراً،[13] أو في الإدارات الحكومية. حسناً، هذا مغتنم جداً. يقيناً هذا العبء الثقيل على الجمهورية الإسلامية لن يمضي قدماً دون القوى الشابة المؤمنة المفعمة بالحماسة والقوة، بلا شك.

قلت ذات مرة في هذا اللقاء نفسه قبل بضع سنوات: «المدير الشاب الحزب-اللهي»[14] لأن الأعمال لا يمكن أن تمضي قدماً دون إدارة شابة ومفعمة بالحماسة ومؤمنة فلا بد أن يكون الشباب هناك. ومع ذلك، توصيتي لهؤلاء الشباب الأعزاء الذين دخلوا الآن مجال العمل، بحمد الله - سواء في السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية -، أن يسعوا إلى جعل هذه المسؤولية الحالية نقطة انطلاق نحو مسؤوليات أعلى. هذه توصيتي الأولى وهي الأكثر أهمية. لا ينبغي أن يكون الأمر على نحو نقول فيه «تكوّن لنا خبرة من أجل مسؤوليات أعلى». لا، ركّزوا على هذا العمل نفسه. اعملوا لله، وركزوا على المسألة المتعلقة بكم في قطاع الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة والقطاعات المختلفة. ركزوا على المسألة وابحثوا عن حل لتلك المسألة التي أوكلت إليكم. هذا هو الضروري. نتوقع من الشباب الذين تحملوا المسؤولية أن يجعلوا هدفهم حل المسألة. هذا [حديثي حول هذا الموضوع].

فلسطين المقتدرة المظلومة
حسناً، انتهى كلامنا بشأن قضايا الطلاب. دعوني أتحدّث بعبارة واحدة فقط: نحن على مشارف «يوم القدس» و«يوم القدس» مختلفٌ هذا العام عن الأعوام الأخرى، في رأيي. الفلسطينيّون في شهر رمضان الفائت وشهر رمضان هذا العام يقدّمون تضحيات جساماً والكيان الصّهيوني يمارس حقّاً أقصى درجات الرذالة والإجرام. قلّما يُمكن تصوّر ما هو أكثر وأخبث من هذا حيث يرتكبون أيّ حماقة يقدرون عليها. أمريكا تساندهم أيضاً وأوروبا تدعمهم كذلك. فلسطين مظلومة ومقتدرة في آن، المقتدرة المظلومة. لقد قلت هذا ذات مرّة قبل أعوام بشأن الجمهوريّة الإسلاميّة،[15] قلت إنّها كما أمير المؤمنين (ع)، فقد كان مقتدراً وقويّاً ومظلوماً حقّاً، هكذا هي فلسطين اليوم: هي قويّة حقّاً، فالشباب الفلسطينيّون لا يدَعون القضيّة الفلسطينية تُنسى، وهم صامدون في وجه اعتداءات العدوّ وجرائمه.

إقامة العلاقات مع الكيان الصّهيونيّ من أجل حلّ القضيّة الفلسطينيّة؛ خطأ كبير جدّاً
«يوم القدس» فرصة جيّدة من أجل التعاطف والتضامن مع شعب فلسطين المظلوم وضخّ المعنويّات في هؤلاء، ورفع مستوى قدراتهم لكي يتمكّنوا حقّاً من الحضور في هذه الميادين. الحكومات الإسلاميّة طبعاً تقصّر كثيراً في هذا المجال، وتتصرّف بأسلوب سيّئ جدّاً، فيجب بذل قدرٍ أكبر بكثير من الجهود والأعمال والأقوال من أجل فلسطين. الآن وإضافةً إلى أنّ كثيرين منهم لا يفعلون شيئاً لكنّ بعضهم ليسوا مستعدّين أيضاً للتكلّم بطريقة مناسبة، أي التكلّم على نحو سليم ومدروس بما يصبّ في مصلحة شعب فلسطين. أنْ نتصوّر أنّ سبيل دعم الفلسطينيّين هو التواصل مع الكيان الصهيوني وتكوين العلاقات معه هذا من الأخطاء الكبيرة جدّاً. قبل أربعين سنة ارتكب المصريّون هذا الخطأ حين أقامت مصر والأردن العلاقات مع الكيان الصّهيوني، فهل تقلّصت جرائم الكيان الصّهيوني خلال هذه الأعوام الأربعين؟ لا، تضاعفت عشر مرّات. هذه الممارسات التي يفعلها المستوطنون اليوم، والهجمات التي تُشنّ على المسجد الأقصى، لم تكن في تلك الأيّام؛ هم يمارسون ظلماً أكبر اليوم. وهناك من يهمّون اليوم بتكرار تجربة «مصرَ أنوار السادات» قبل أربعين عاماً. ذلك ليس مفيداً لهم، وليس مفيداً للفلسطينيّين أيضاً؛ هو مضرٌّ لهم وللفلسطينيّين.

طبعاً لن ينفع الكيان الصّهيوني كذلك، أي لن يجنوا نفعاً ولا فائدة أيضاً. إن شاء الله، نأمل أن يجعل الله المتعالي عاقبة الأمور في قضيّة فلسطين حسنة وسعيدة ويحقّقها سريعاً، وأن يُمكِّن الفلسطينيين، إن شاء الله.

اللهم بحق محمد وآل محمد، اشمل أبناء الشعب الإيراني كافّة برحمتك ولطفك في هذه الأيام الأخيرة من هذا الشهر المبارك، واملأ الأيادي التي رُفعت بالدعاء في هذه الليالي، ولا سيّما الشباب الأعزاء. أعد هذه الأيادي مملوءةً، وزد من ألطافك على شبابنا. إلهي اشمل العالم الإسلامي والعالم الشيعي بتفضّلاتك الخاصة. اللهم بحق محمد وآل محمد، أرضِ عنّا الأرواح الطاهرة للشهداء والروح الطاهرة للإمام [الخميني]، واجعلنا نسير في نهجهم وعلى دربهم. اللهم اجعل هذه الاجتماع [قربةً] إليك وتقبّله خالصاً ومُخْلَصاً، واجعله مفيداً للمتحدث والمستمع والمستمعين اللاحقين، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


[1] في بداية هذا اللقاء، عمد عدد من الطلاب وممثلي اللجان الطالبية إلى بيان آرائهم ووجهات نظرهم.
[2] قال سماحته في لقاء مع أعضاء الدورة الحادية عشرة في «مجلس الشورى الإسلامي»، في 07/12/2020: «هذا المجلس هو أحد أكثر المجالس ثورية خلال الثورة».
[3] نهج البلاغة، الرسالة 31.
[4] صحيفة الإمام، ج. 12، ص. 431؛ حكم تشكيل «مقر الثورة الثقافية»، 13/06/1980.
[5] صحيفة الإمام، ج. 19، ص. 110؛ رسالة إلى أعضاء «مقر الثورة الثقافية»، 10/12/1984.
[6] في إشارة إلى الشاه.
[7] صحيفة الإمام، ج. 8، ص. 138؛ كلمة أمام حشد من طلاب جامعة طهران، 13/06/1979.
[8] كناية عن أنهم خريجون حديثون.
[9] الرئيس الحادي والأربعون لأمريكا، جورج هربرت ووكر بوش.
[10] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء رمضاني مع مسؤولي البلاد، 12/4/2022.
[11] «عام الإنتاج: المعرفي والمولّد فرص العمل».
[12] مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج. 2، ص. 588.
[13] ضحك سماحته والحضور. استعمل سماحته تعبيراً شعبياً لفظه الحرفي «غسلتم» والمقصود به المعنى الوارد أعلاه.
[14] كلمة الإمام الخامنئي مع اللجان الطالبية، 17/05/2020.
[15] كلمة الإمام الخامنئي في مراسم تخرج طلاب جامعة الإمام الحسين (ع)، 30/06/2018.

2022-07-28